النتائج 1 إلى 2 من 2
الموضوع:

التكرار في حكم ومواعظ نهج البلاغة

الزوار من محركات البحث: 7 المشاهدات : 278 الردود: 1
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #1
    من أهل الدار
    تاريخ التسجيل: November-2013
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 2,077 المواضيع: 1,813
    التقييم: 1567
    آخر نشاط: 1/June/2022

    التكرار في حكم ومواعظ نهج البلاغة

    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
    وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
    وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
    السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته


    تكرار الكلمة هو أن يعيد المنشئ ترديد ألفاظ في الكلام لغاية دلالية أو جمالية، وقد تتكرر اللفظة بعينها أو ببعض اشتقاقاتها، وإن هذا النوع من التكرار وثيق الصلة بالايقاع اللفظي ، ومجيء هذا النوع في النثر يزيد من ايقاعه؛ لأن الأصوات التي تتكرر في النص تجعله أشبه بفاصلة ايقاعية متعددة النغم مختلفة الألوان، يستمتع بها من له دراية بهذا الفن ويرى فيها المهارة والمقدرة الفنية؛ إذ إنّ إعادة كلمة في النص يعني إعادة للأصوات بالترتيب الذي أدركه سمع المتلقي، وهذا يمثل تكثيفا للأصوات وتركيزا عليها فيولد جمالية في الأداء؛ لأنه يؤدي إلى إنشاء إيقاع داخلي في النص يسهم في تقوية المعنى.


    وبهذا يتضح أنّ تكرار الكلمة في النص يكسبها أهمية كبيرة لأنه يسهم في توليد جانبين مهمين:
    الأول: الجانب الصوتي، إذ يضفي التكرار جمالا على التركيب لأنه يمثل عنصرا فاعلا في خلق الإيقاع الداخلي.
    الثاني: جانب دلالي، بما يضفيه على النص من دلالة على التأكيد أو الإيضاح أو التحذير أو الإتيان بمعنى جديد أو غيرها من الدلالات التي تستفاد من تكرار الكلمة في سياق النص.

    وقد كان الإمام علي (عليه السلام) ملتفتا إلى أهمية هذا الأسلوب في الكلام الأدبي؛ لذلك جاءت حكمه في نهج البلاغة زاخرة بهذا النوع من التكرار، ويمكن لنا أن نشخّص نوعين من التكرار في الكلمة ورد استعمالهما في حِكَم النهج:
    النوع الأول: ما كان تكرارا لفظيا محضا، أي أن يكرر اللفظ والمعنى واحد.
    النوع الثاني: أن يتكرر اللفظ ويتعدد المعنى.
    وسوف نتحدث في هذا المقال عن النوع الاول، إذ يأتي هذا النوع من التكرار لأجل تأكيد المعنى وتوضيحه أو تقريره في نفس المتلقي، فضلا عن البعد الجمالي الذي يضفيه على النص من خلال الإيقاع اللفظي الذي يتولد نتيجة الترديد الصوتي للبنى الصوتية المتماثلة.
    وقد ورد التكرار اللفظي في حكم الإمام علي (عليه السلام) كثيرا، ويمكن أن نتلمس ذلك في نوعين من الاستعمال: تكرار الاسم وتكرار الفعل، وإنّ لكل من الاستعمالين معناه الذي يدل عليه.
    1. تكرار الاسم
    جاء هذا النوع من التكرار في نصوص من حكم نهج البلاغة منها قوله: ((الصَّبْرُ صَبْرَانِ صَبْرٌ عَلَى مَا تَكْرَهُ وَ صَبْرٌ عَمَّا تُحِبُّ)).
    فقد تكررت كلمة «صبر» أربع مرات، وهذا يعني أنّ وحداتها الصوتية قد ترددت في الكلام بانتظام، وهو من عوامل حضور الإيقاع اللفظي في النص الذي يشكل الأرضية المناسبة لازدهار المعنى، فالتعدّد في الصبر هنا تعدّد وصفيّ؛ لأن حقيقته في الموضعين واحدة، فإنّ الصبر على ما تكره مقاومة للنّفس تجاه القوّة الغضبية وحقيقته كفّ النّفس عن الثوران، والصّبر النّاشئ عن المحبوب ناشئ عن القوّة الشهويّة وحقيقته كفّ النفس عن الانطلاق إليه‏.
    ومنه قول الإمام علي عليه السلام عندما سُئِلَ عَنِ الْخَيْرِ مَا هُوَ؟ فَقَالَ: ((لَيْسَ الْخَيْرُ أَنْ يَكْثُرَ مَالكَ وَوَلَدُكَ، وَلَكِنَّ الْخَيْرَ أَنْ يَكْثُرَ عِلْمُكَ وَأَنْ يَعْظُمَ حِلْمُكَ، وَأَنْ تُبَاهِيَ النَّاسَ بِعِبَادَةِ رَبِّكَ. فَإِنْ أَحْسَنْتَ حَمِدْتَ اللَّهَ وَإِنْ أَسَأْتَ اسْتَغْفَرْتَ اللَّهَ، وَلَا خَيْرَ فِي الدُّنْيَا إِلَّا لِرَجُلَيْنِ: رَجُلٍ أَذْنَبَ ذُنُوباً فَهُوَ يَتَدَارَكُهَا بِالتَّوْبَةِ وَرَجُلٍ يُسَارِعُ فِي الْخَيْرَاتِ)) .
    تكررت كلمة «الخير» في هذا النص أربع مرات للتأكيد على هذا المعنى وتقريره في ذهن المتلقي؛ إذ إنّ الخير في العرف العاميّ هو كثرة المال والأولاد، و قد نفى الامام أن يكون ذلك خيرا لفنائه ومفارقته، ولما عساه أن يلحق بسببه من الشرّ في الآخرة، وهذا النفي قد يكون نفيا حقيقيّا والمقصود منه تخطئة الناس في هذا الاعتقاد، أو قد يكون المراد من النفي نفي آثار الخير، من كثرة الأموال و الأولاد، وأنها غير مؤثرة في تحصيل السعادة المعنويّة، وقد فسرّ الخير بكثرة العلم وعِظَم الحِلم، ومباهاة الناس بعبادة الله بإخلاص وحمده على توفيقه للحسنة واستغفاره للسيّئة، ثمّ حصر خير الدنيا في أمرين، وذلك أنّ الإنسان إمّا أن يشتغل بمحو السيّئات ويتدارك ذنوبه، فيعدّ نفسه لاكتساب الحسنات.
    ومن ذلك قوله (عليه السلام): ((مَنْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلنَّاسِ إِمَاماً فَلْيَبْدَأْ بِتَعْلِيمِ نَفْسِهِ قَبْلَ تَعْلِيمِ غَيْرِهِ وَلْيَكُنْ تَأديبهُ بِسِيرَتِهِ قَبْلَ تَأديبهِ بِلِسَانِهِ وَمُعَلِّمُ نَفْسِهِ وَمُؤَدِّبُهَا أَحَقُّ بِالْإِجْلَالِ مِنْ مُعَلِّمِ النَّاسِ وَمُؤَدِّبِهِمْ)) .
    نلحظ تكرار ألفاظ التعليم والتأديب، للتأكيد على أهمية هذين المعنيين في حياة الناس، فقد كررت ألفاظ «التعليم» أربع مرات [تعليم – تعليم ، معلِّم – معلِّم] ، وكذا ألفاظ «التأديب» فقد كررت أربع مرات [ تأديب – تأديب ، مؤدِّب – مؤدِّب] فضلا عن أنّ كلمة «إماما» تدل بالالتزام على التعليم والتأديب، كما أنّ تكرار هذه الألفاظ في سياق النص يشيع جواً إيقاعيا يشكل بؤرة المعنى الذي تنجذب إليه المعاني الثانوية وتدور حوله بوصفها الروافد التي تشكل المعنى العام للنص فهو يرشد إلى أمور عدة منها:
    أولا: ينبغي على من جعل نفسه في موقع المسؤولية البدء بتعليم نفسه، أي برياضتها بما يعلم من الآداب لتكون أفعاله و أقواله موافقة لعلمه؛ لأن الناس أقرب إلى الاقتداء بما يُشاهَد من الأفعال والأحوال منهم بالأقوال فقط.
    الثاني: أرشده إلى البدء في التعليم بالسيرة قبل تأديبه لهم بلسانه؛ لأن الفعل أدل على حال الإنسان من القول، ثم أرشد إلى حقيقة مهمة، فقال: «ومعلم نفسه ومؤدبها أحق بالإجلال من معلم الناس ومؤدبهم» وهذا حق لأن من علّم نفسه محاسن الأخلاق أعظم قدرا ممن تعاطى تعليم الناس ذلك، وهو غير عامل بشي‏ء منه، وأما من علم نفسه وعلم الناس فهو أفضل وأجل ممن اقتصر على تعليم نفسه فقط .
    وبذلك يتضح أنّ لتكرار الاسم أثرا مهما في تقوية المعنى وتوكيده، في ذهن المتلقي لما للاسم من دلالة على الثبوت والدوام.
    2. تكرار الفعل
    وقد جاء هذا النوع من التكرار في موارد عدّة من حكم نهج البلاغة، منها قوله (عليه السلام): ((مَنْ أصلحَ مَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ اللَّهِ أصلحَ اللَّهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، وَمَنْ أصلحَ أمر آخِرَتِهِ أصلحَ اللَّهُ لَهُ أمر دُنْيَاهُ))، يلاحظ في هذا النص تكرار الفعل «أصلح» أربع مرات، وهذا التكرار للفعل فيه دلالة على الحدوث المتجدد آناً بعد آن، فالفعل «أصلح» وإن
    كان دالا على المضي بيد أنّ مجيئه في سياق الجملة الشرطية يحوّل دلالته إلى الاستقبال ويضفي عليه دلالة على التجدد والحدوث، وهذا التجدد يقتضي الدوام والاستمرار في العمل بإصلاح ما فسد من الأمور، فإصلاح ما بينه و بين اللّه يكون بالتقوى المستلزم لرضاه تعالى، ولمّا كان من تقواه إصلاح قوّتي الشهوة والغضب اللّذين هما مبدءا الفساد بين الناس، ولزوم العدل فيهما كان من لوازم ذلك الإصلاح، إصلاح ما بينه و بين الناس، و كذلك من لوازم إصلاح أمر الآخرة عدم مجاذبة الناس دنياهم والكفّ عن الشَرَه فيما بأيديهم منها، مع مسالمتهم ومعاملتهم بمكارم الأخلاق، الّتي هي من إصلاح أمر الآخرة، وذلك مستلزم انفعالهم وميلهم إلى من كان كذلك، وإقبالهم عليه بالنفع والمعونة وكفّ الأذى، وبحسب ذلك يكون صلاح دنياه، بكفالة رزقه وتحسين أحواله.
    ومن ذلك قوله عليه السلام: ((مَنْ أُعْطِيَ أربعاً لَمْ يُحْرَمْ أربعاً مَنْ أُعْطِيَ الدُّعَاءَ لَمْ يُحْرَمِ الْإِجَابَةَ وَمَنْ أُعْطِيَ التَّوْبَةَ لَمْ يُحْرَمِ الْقَبُولَ ومَنْ أُعْطِيَ الِاسْتِغْفَارَ لَمْ يُحْرَمِ الْمَغْفِرَةَ وَمَنْ أُعْطِيَ الشُّكْرَ لَمْ يُحْرَمِ الزِّيَادَةَ)).
    يلاحظ في هذا النص تكرار الفعل الماضي المبني للمجهول «أعطي» بلفظه خمس مرات، وتكرره بمعناه خمس مرات أيضا بقوله «لم يحرم»؛ لأن معنى ذلك أنه «أعطي» وان مجيء الفعل «أعطي» في سياق الجملة الشرطية يضفي عليه دلالة على التجدد والحدوث.
    وهذا التكرار للفعل من ناحية اللفظ ومن ناحية المعنى، فضلا عما يؤديه من تلوين في الإيقاع اللفظي للنص، فإنه يوجه دلالة النص على معنى مركزي هو العطاء المتجدد من مصدر العطاء وهو الله تعالى، الذي أفاض الوجود على الإنسان ووهبه أسباب التكامل وهيأ له أبواب التقرب إليه، فإذا استعملها الإنسان بإخلاص كان كلّ منها سببا في إعداد النفس لقبول صورة الرحمة الإلهيّة من واهبها، فأعطاه الدعاء لإجابته وأعطاه التوبة لقبولها منه وأعطاه الاستغفار لكي يغفر له الذنوب التي اقترفتها يده وأعطاه الشكر لكي يزيد في عطائه. ومن صور التكرار بالفعل أيضا قوله عليه السلام: ((إِنَّ هَذِهِ الْقُلُوبَ تَمَلُّ كَمَا تَمَلُّ الْأَبْدَانُ فَابْتَغُوا لَهَا طَرَائِفَ الْحِكَمِ)).
    فقد تكرر الفعل «تَمَلّ» مرتين. وهذا التكرار يشير إلى حالة الملل، التي قد تصيب الإنسان نتيجة النظر والتفكير، وهي حالة متجددة لدى الناس في الأوقات كلها؛ لذا جعل الإمام (عليه السلام) طريق القضاء على حالة الملل بالإطلاع على طرائف الحكمة ولطائفها وغرائبها المعجبة للنفس، وبحسب هذا يشيع تكرار الفعل في النص حالة من تجدد الحدث، الذي يدل عليه وحدوثه آنا بعد آن.

  2. #2
    صديق فعال
    تاريخ التسجيل: September-2016
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 529 المواضيع: 0
    التقييم: 229
    مزاجي: حزين
    آخر نشاط: 3/April/2023
    مقالات المدونة: 3
    كلام الامام علي عليه السلام هو فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق لذا نراه متماسك ومؤثر في النفوس

تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال