حســـام جــابــر

انتهج الروائي داود سلمان الشويلي في روايته ( اوراق المجهول) الحداثة باستخدام سرد مختلف ألا وهو السرد المعاصر الذي يظهر لنا علامات مغايرة وصعيد متجانس.
فَعَلَ هذا كي يترك صورة متكاملة النهج والمتكونة من (المكان، الصراع، بنيوية النص)، هذه قواعد الرواية الاساسية والتي اعتمد عليها بشكل مباشر حيث اظهرت لنا اسرار تجديدية تصاعديه تتناغم مع جميع اوتار البيئة التي اختارها الروائي والخالية من التراكيب المعقدة والبروزات العاثرة.
داود الشويلي دخل مكان الريف بثيمات سردية متميزة ومتنوعة قد تبدو انه ربط علاقته بالواقع الريفي دون انقطاع حتى في نهاية الرواية بقيت تلك الذكريات عالقة هناك بسبب ادخال المكان الافتراضي في جميع نصوص الرواية وهذا بحد ذاته يعد عملا مميزا, ومن هنا تظهر لدينا اماكن متنوعة وعديدة منها المكان الذي اقام عليه النحيب, والحزن, والموت, والفراق, واصوات الغربان عند المساء, وأيضا الاهازيج, والاشتياق, والالتقاء بمن يحب, هذا النمط الذي امتزج بسرد الرواية يعطي النص فكرة قاذفة للقارئ مهما اختلفت الاساليب في توازن السرد المتبادل في محيط المكان وهنا تكتمل جزء المفهومية بعيدا عن الشخصيات وتحركاتها المستمرة والتي تعطي نشاطا متجددا والتي هي بالأساس ترسم الطريق نحو المكان الاصلي وهذا هو ينبوع بناء رواية (اوراق المجهول) .
كل هذه الانفتاحات التي يرسمها لنا الروائي داود الشويلي ما هي إلا اكسسوارات تجمل الاطار المنهجي والجزء المادي الذي ينتقل مع حس الروائي للصراع السائد والمتجدد في الرواية, وهذا الصراع الذي استنبط من الرواية بالحقيقة كان اختياراً موفقاً من قبل الروائي عند توظيف هذا الحس الذي لعب دورا مهما باكتمال النبض السردي، وأيضا اظهار كيفية نشوء الايقونات ونموها وتنقلها على مدار الرواية، وذلك ليظهر حجم الحدث وتركيبه الذي يتلاءم مع المكان، هنا الروائي ربط الصراع بالمكان، فالأول متكفل بإظهار حجم الحقائق ونظريات الصراع، والثاني ينقل لنا اهمية البقعة الجغرافية المختارة، وهكذا يتعاون الصراع والمكان على اخراج نموذج ادبي متكامل. ليس هذا فقط بل هناك تيار يقترب اكثر من المحيط الخارجي الا وهو تيار الوعي الذي يتناقله احد شخصيات الرواية(خيري) تحرك من مكانه الاصلي الذي نشأ فيه الى مكان اكثر حيوية وانفتاحا نحو العالم، فبدور هذه الشخصية قامت بنقل المحاكاة التي جسدها بداخلة، من هناك الى موطنه الاصلي الريف راح يبث تلك المنظومة الى بعض الناس حتى ادخلته بمتاهات غير محسوبة عندما بدأ بصراع حاد مع صديقة الحميم مبتدئين من نقاش الوجودية وعدم توافق احدهما برأي الآخر، لكن هذا لم يكن سبباً في فراقهما، فالموسيقى هي اللحن الذي يبث السعادة بروح الانسان، اما راضي صديق خيري فليس باثا السعادة بروح خيري فقط، بل هو العواطف الخالصة التي تتجمهر بذاكرته الانفعالية.
داود سلمان الشويلي في روايته ( اوراق المجهول) وعند الانتهاء من سرد وتوظيف المكان وأيضاً الصراع في الرواية جعل النصوص مفتوحة على مصراعيها بإمكان اي امرئ أن يكمل ما يحلو له وحسب فهمه وتحليله للنصوص.
أما بنيوية النص التي اعتمد عليها الروائي لبناء روايته فهي بنيوية ذات دلالات واضحة يدخلها الى ميدان إنتاجه الأدبي مجردة من الظروف الغامضة، وهذا يعني ان البنيوية المستخدمة تركز دائماً على الاثار الآدبية وتقاربها، فعل المؤلف هذا كي يحافظ على الوحدة البنيوية، وأيضا للحفاظ على الاستنباط الاستهلالي.
هكذا راح يقذف الروائي تجربته البنيوية وهو يمارس بإدخال واخراج العينات القريبة لمخيلته، وهذا الأمر ينتج تجسيداً تاماً للعمل الادبي لا يؤثر به اي شيء مادام هناك ترابط بين الاسس والقدرة المتمحورة داخل اطار البنيوية، وهذه المرافق المرتبطة بالبنيوية تعطي حركة تامة بصعود ونزول السرد المتجانس مع تيارات المعنى الذي لا يعد بتلك الصعوبة عند التفسير وهذه البساطة تحرك السكينة عند اي قارئ.
الروائي وضع هذا كي يعطي اكتمال البنيوية للنصوص ويضعها في المحيط الخارجي كالذرات الكيميائية فالكل يشاهدها لا تقبل الرفض أو عدم فهمها , فالروائي داود سلمان الشويلي اهتم بهذا الانتاج الادبي بالترتيبات للأحداث والاجراءات المتجددة التي تواكب الصراع من بداية الرواية وحتى اخرها فهو دائما ما اهتم بخصوصيات السرد وبنيوية النص وهذا مبدأ نجاح الرواية.