كتب د. قاسم حسين صالح
على صفحة العهد-نيوز
مقالة بعنوان ((المنطقة الخضراء وسايكولوجيا القطيعة))
المنطقة الخضراء مكان يقع وسط العاصمة بغداد بمساحة 10 كلم مربع يضم مقر الحكومة والبرلمان العراقيين، والسفارتين الأميركية والبريطانية ووكالات حكومية وأجنبية. ظهر هذا الاسم عند قيام الحكومة العراقية الانتقالية
التي شكلها بول بريمر بعد احتلال العراق عام 2003. وكانت هذه المنطقة قبل الغزو مقر الحكومة العراقية السابقة وتضم القصر الجمهوري وقصر السلام وقصورا أخرى لصدام وولديه، وقبله كانت حيا سكنيا يدعى شعبيا “كرادة مريم” ورسميا “حي التشريع”.
كانت أميركا هي التي أطلقت هذه التسمية “المنطقة الخضراء” وكان لها قصدان؛ الأول لتبشّر العراقيين بما يوحي به اللون الأخضر من دلالات. فكما الشجرة لا تكون خضراء إلا بتوافر الماء والهواء والتربة الجيدة، فإن
أميركا أرادت أن توحي للعراقيين بأنهم مقبلون على عراق أخضر زاهر آمن، وليكون العراقيون مدينين لها بهذه الفضائل.والثاني جعل العراقي يعقد، في وعيه ولاوعيه، مقارنة بين منطقة كانت حمراء، سكنها مارد سفك
دماء العراقيين في حروب حمقاء، وحوّل حياتهم إلى جحيم وأيامهم إلى مآتم عزاء، وبؤس أكلوا فيه خبز النخالة ثلاثة عشر عاما عجاف، وبين منطقة أصبحت خضراء منحت العراقي الخلاص من الرعب والخوف وكل ما
يحمله اللون الأحمر من أخطار، وتعده بتحقيق وطن جميل وراحة نفسية بعد ثلاثين سنة من الفواجع. ما حصل أن المنطقة الخضراء بددت أحلامهم، وجلبت لهم الفواجع، وأوصلتهم إلى أقسى حالات الجزع والأسى؛
وحصول ما هو أوجع من الكارثة، لأن من وعدهم بتحقيق الحلم وخذلهم كانوا مناضلين بينهم من عاش هموم الشعب وأوجاعه.من حالة الخذلان هذه نشأت سايكولوجيا العزلة، عزلة المنطقة الخضراء ليست فقط مكانيا بأن
أحاطت نفسها بالحراسة المشددة، بل إنها عزلت نفسها نفسيا عن الناس، فصار عندنا عالمان متناقضان؛ عالم صغير، هو المنطقة الخضراء، وعالم كبير هو العراق. من سايكولوجيا العزلة نشأت حالة أخطر هي سايكولوجيا
القطيعة النفسية، وتطورت حالة القطيعة إلى حالة الخصومة. بلاء المنطقة الخضراء تجاوز هذا الحال بأن أساءت القيم، في حال أفضى إلى إضعاف الضمير الأخلاقي كي يغلق باب الشعور بالذنب ليفعل صاحبه ما يشاء
وسط آخرين يهوّنون عليه الأمر برؤيته لهم يتفننون في فعل الشيء نفس. هذا التوصيف لا يشمل كلّ ساكني المنطقة الخضراء، ولا يصح أن يطلق بتعميم على كلّ السياسيين فيها، فبينهم من هو في محنة مع شركائه، ومن
هو غيور على وطنه، وثالث نفترض أنه يتمتع بحصانة يحمي بها ضميره الأخلاقي من ملوثات الفساد والمال والسلطة، أوصل الامر الناس إلى التمني لو كانت في العالم آلة حفر عملاقة تقتلع المنطقة الخضراء وترميها في خليج برمودا.. قريبا من أميركا.