النتائج 1 إلى 9 من 9
الموضوع:

مقومات نجاح الثورة

الزوار من محركات البحث: 407 المشاهدات : 2301 الردود: 8
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #1
    في ذمة الخلود
    ابو مصطفى
    تاريخ التسجيل: August-2012
    الدولة: العراق
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 8,028 المواضيع: 866
    صوتيات: 7 سوالف عراقية: 0
    التقييم: 3679
    مزاجي: الحمد لله
    مقالات المدونة: 7

    مقومات نجاح الثورة

    نقلا عن مؤسسة تراث الشهيد الحكيم
    مقومات نجاح الثورة

    من الأسئلة التي لازالت عالقة في أذهان الكثير من الدارسين والباحثين عن ثورة الحسين (عليه السلام)، هو: لماذا لم يكن هدف الحسين (عليه السلام) الوصول إلى السلطة والإطاحة بالحكم الذي كان يمثّل نموذجاً للأنظمة الطاغوتية الفريدة في تأريخ الإنسان؟
    ثم الأهم من ذلك، لماذا لم يتحقق للحسين (عليه السلام) أن يصل إلى تغيير الحكم والإطاحة بنظام يزيد بن معاوية، مع أنَّ الحسين (عليه السلام) قد أعلن عن سعيه لذلك، وأنَّه يريد إقامة حكم الله سبحانه تعالى في الأرض، واستجاب لدعوته أهل الكوفة وبذل جهوداً كبيرة في هذا السبيل؟
    نحن كمسلمين مؤمنين بإمامة الحسين(عليه السلام) وبعصمته، وببعده عن كلّ خطأ وتقصير نعتقد ـ بشكل مسبق ـ أنه (عليه السلام) لايتحمّل أية مسؤولية عن عدم تحقّق هدف الإطاحة بنظام يزيد، وإنما تقع المسؤولية على عاتق الأُمَّة نفسها.
    كما نعتقد أن ثورته (عليه السلام) ليست مجرّد حادثة وقعت في تأريخ المسلمين ثم انتهت، وإنما هي ثورة وحركة تتجدّد على مرّ العصور والأيام، ولازالت تمدّنا بالعطاء والقوّة والعزيمة والقدرة، شأنها شأن القرآن الكريم الذي لايختصّ مضمونه بعصر نزوله وإنما يتجدّد في كل عصر؛ لأنه يعالج قضايا كلّ عصر، فالحسين (عليه السلام)أيضاً هو قرآن ناطق وكذلك قضيّته وحركته هي لكل عصر، ولذا سيكون البحث في جهتين:
    الجهة الأولى: التعرف على الشروط الأساسية العامة التي يجب أن تتوفر في الثورة الناجحة.
    الجهة الثانية: الفحص عن وجود هذه الشروط الأساسية وتوفرها في ثورة الحسين (عليه السلام) أو عدم توفّرها.
    الجهة الأولى: شروط الثورة الناجحة
    يرى الإسلام أن كل ثورة حقيقية لابد من توفر خمسة شروط فيها كي تكون ثورة ناجحة، وهي:
    الشرط الأول: البعد الآلهي
    أن تكون الثورة والحركة التغييرية مرتبطة بالله سبحانه تعالى، وهذه القضية ذات أهمية بالغة في كل ثورة، حيث إن مسألة الارتباط بالله تعالى تمثل الهدف الأساس لكل عمل تغييري من منظور إسلامي؛ لأن التغيير فيها يكون على أساس موازين الحق والعدل والمصالح الإنسانية الواقعية، وتجنب المفاسد والأضرار التي يمكن أن تلحق الإنسان في مسيرته الفردية أو الجماعية.
    ومضافا إلى ذلك يعطي هذا الشرط الثورة بُعداً وزخماً لا يمكن أن تجده الثورة عند فقدانه، حيث يكون لهذا الارتباط تأثير بالغ على بقيّة الشروط التي سوف نشير لها.
    ولعلّ أوضح مثال على فاعلية وآثار هذا الشرط هو نفس حركة الأنبياء (عليهم السلام) في التأريخ الإنساني، فلأنَّهَا كانت تتسم بهذا الشرط نجد فيها بُعد التأثير العميق في نفوس البشر، بحيث نرى هذا التقديس والالتزام باقياً وممتدّاً لدى الناس تجاه هذا التحرك إلى آخر الحياة الدنيوية.
    ولعل أهمّ نقطة في مسألة الارتباط بالله تعالى هو أنّ البعد الذي يعطيه الارتباط بالله تعالى يتحرّك في الوجود، لأنّ الإنسان عندما يتحرك في الوجود من دون الارتباط بالله تعالى فهو حينئذ لايرى في الوجود إلاّ حدود الحياة الدنيا ومتطلباتها والنعم الموجودة فيها والآلام، وأمّا إذا ارتبط في تحرّكه بالله تعالى فسوف يكون لتحرّكه أبعادا واسعة غير محدودة بعالم الدنيا، وإنما يمتدّ إلى عالم الآخرة، وعندئذ سيكون للألم معنىً يختلف عن معنى الآلام التي يراها في حدود هذه الحياة الدنيا، فالألم الذي يراه في الحياة الدنيا ـ مهما عظم ـ سيبقى محدوداً ويرى أنه قادر على تحمُّله، وهكذا النعم والأفراح والراحة التي يراها في هذه الحياة والتي تميل لها النفس الإنسانية، فإنها تبقى معان محدودة قد يتنازل عنها الإنسان بسهولة.
    قال تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ * ُلْأَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}(1).
    وقال تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}(2).
    إذن، عندما ينظر الإنسان إلى وجوده وحركته وارتباطه بالله تعالى ويفترض أنّ له حياة أُخرى لها نعيمها وجحيمها غير المحدود، ولها أيضا راحتها وآلامها، حينئذ ستتغير صورة الراحة والألم لديه بمقدار استيعابه لمعنى الراحة والألم في الحياة الأُخرى.
    الشرط الثاني: البعد الإنساني
    إن كلّ ثورة لا تكون قادرة على النجاح مالم يكن فيها بُعدٌ إنساني، بمعنى أن تهتم الثورة بالمعاني التي فطر الله تعالى عليها الإنسان كالحريّة، والكرامة الإنسانية، ورفض الظلم والاضطهاد، إلى غير ذلك مما نعبّر عنها بالمعاني الفطرية والوجدانية للإنسان؛ لأنّ هذه المعاني تمثّل عنصراَ ثابتاَ في حياة الإنسان وتبقى معه في كل التأريخ وفي مختلف الظروف.
    فالثورة عندما يكون فيها هذا البعد يمكن حينئذ أن نفترض فيها القدرة على النجاح والوصول إلى الغايات، حيث يمثّل هذا البعد الطاقة المحرّكة في داخل الإنسان، أمّا إذا فقدت الثورة ذلك فلا يمكنها تحرّيك الإنسان.
    والمتأمل في تأريخ الأنبياء وحركتهم يجد أن هناك خصوصيتين موجودتين في تحركهم في المجتمع، مضافا إلى (البعد الإلهي)، وهما:
    أولاً: رفض الظلم ومقارعته، والدعوة إلى الحق والعدل.
    ثانياً: كرامة الإنسان وعزّته وحريته الحقيقية.
    فهم يؤكّدون على هاتين الخصوصيتين، بحيث يمكن أن نقول: إنهما تمثّلان جوهر القضية في منطقهم وتحرّكهم، وفي قراءة بسيطة للقرآن الكريم ومطالعة في قصص الأنبياء التي وردت فيه ـ وهو أفضل مصدر نعتمد عليه في فهم تأريخ حركة الأنبياء ـ نجد أنهم (عليهم السلام) دائماً يؤكدون على هاتين الخصوصيتين(3).
    قال تعالى: {اِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ}(4).
    وقال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(5).
    لقد اهتم النبي (صلى الله عليه وآله) في رسالته بهذا الجانب الإنساني في الحياة المعاصرة لنزول الوحي عندما تحدث عن رفض الأصنام والوثنية والأوهام والخرافات والتقليد، وكذلك عندما تحدث عن تقييم العلاقات القبلية والاجتماعية، وكذلك رفض الظلم الذي كان يمارسه الطغاة تجاه الناس، وعمل على تحرير إرادة الإنسان من الشهوات، ودعا إلى العزة والكرامة الإنسانية والمساواة بين الناس، إلى غير ذلك من المعاني الإنسانية، مضافا إلى قضية العبادة بالله وتوحيده والارتباط به.
    فالتأكيد على البعد الإنساني كما يعني الاهتمام بفطرة الإنسان وحاجاته الأساسية، كذلك يعني في الوقت نفسه الاهتمام بالواقع الحياتي للأمة والتأثير فيه وتحريكه من خلال القضايا الحسيّة المعاشة للسير في طريق التكامل، فالإنسان الذي يعيش حالة من الظلم والاضطهاد والرعب والذل والامتهان والعبودية للإنسان الأخر أو للحجر، لا يمكنه في يوم من الأيام أن يتّجه لله سبحانه وتعالى، أو يرتبط به ارتباطاً حقيقياً؛ لأنّه عندما يكون عبداً لغير الله لايمكن أن نفترضه في الوقت نفسه عبداً لله تعالى، وإذا أردنا منه أن يتمحّض في عبوديته لله سبحانه تعالى لابد لنا من أن نحرّره من العبودية لأيّ موجود آخر.
    فمسألة رفض الذلّ تمثّل في الحقيقة تحرير الإنسان من عبودية الآخرين وإخلاص العبودية لله، وهكذا مسألة حاجات الإنسان ومتطلّباته، فهي في الوقت الذي تمثّل استجابة للمشاعر والأحاسيس الإنسانية، تمثّل أيضاَ استقراراً للنفس الإنسانية وطمأنينة لها، يمكّنها من إدراك الحقائق ومعرفة طريق الهدى.
    وبصدد الإشارة إلى هذا البعد جاء كلام رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي يقول فيه: «كاد الفقر أن يكون كفراً»(6)، باعتبار أنَّ مسألة اختلال حاجات الإنسان الأساسية تجعله ـ بطبيعته ـ بعيداّ عن الله سبحانه وتعالى والارتباط به، فالبعد الإنساني لا يمثل في الثورة الناجحة الأصيلة اهتماماّ بمتطلبات الإنسان وحاجاته فحسب، وإنما يمثّل اهتماما بالبعد الأول أيضا.
    الشرط الثالث: البعد العقلي
    إن كلّ ثورة يُراد لها أن تصل إلى أهدافها وتحقّق غاياتها النبيلة، لابدّ أن يكون وراءها عقل يخطّط لها تخطيطاّ علميّاَ يسير بها إلى تلك الأهداف، أمّا عندما تفقد الثورة العقل المخطّط لها فإنها تفقد حينئذ التدبير والحكمة في مسيرتها، وحينئذ تتحول إلى مجرّد انفعالات عاطفية، أو مجرّد ردود فعل وتمرّد وانعكاس للواقع السيئ، أو تتحوّل إلى فوضى لايمكنها أن تحقّق مصلحة للمجتمع، أو أن تصل إلى غاية صحيحة.
    والقرآن الكريم يؤكد على ذلك في مسألة الدعوة إلى الله سبحانه تعالى، وفي مسألة دفع الناس نحو الارتباط بالله تعالى، وبالتالي نحو الإسلام على هذا الجانب في العمل، قال تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}(7).
    وقال تعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ}(8).
    إذن، فمسألة الحكمة والموعظة الحسنة والتخطيط والتدبير كلّها مسائل ضرورية في نجاح الثورة والوصول إلى أهدافها؛ لأن عملية التغيير عملية معقدة وعسيرة وتحتاج إلى تدرج في العمل، واستنفاد لكل الوسائل واستفراغ لكل الجهود، وصبر وعزيمة وتشخيص لطبيعة الظروف والإمكانيات والاستفادة من كل الطاقات والعوامل المؤثرة.
    ويدخل في هذا الجانب عنصر مهم ـ لابدّ أن ننتبه إليه ـ وهو عنصر المبادرة في العمل الثوري التغييري، فالثورة بمعناها الحقيقي تعني حالة من الابتكار والمبادرة يتّخذها الإنسان الثائر المستشعر للظلم والذلّ من خلال التخطيط لرفع هذا الظلم وتغيير الواقع، والبدء بعملية الهجوم الذي يتّصف بعنصر المبادرة على الواقع الفاسد، والظالمين من أعداء الله وأعداء المحرومين والمستضعفين الذين يمارسون الظلم والإذلال.
    وعليه، فنحن عندما نفكّر في ثورة ناجحة لابد أن نأخذ هذا العنصر كأساس في التحرّك، من أجل الإطاحة بالطاغوت ورفض الظلم والذلّ الذي يعانيه الإنسان المستضعف.
    وعنصر المبادرة هذا يختلف في حقيقته عن عنصر ردّ الفعل، فالإنسان الذي يستشهد في سبيل الله ويقتل مظلوماّ يمكن أن نفترض فيه فرضيتين:
    إحداهما: الشهادة (في حالة المبادرة).
    والأخرى: الشهادة (في حالة ردّ الفعل).
    فالإنسان الذي يبادر إلى الشهادة معنى ذلك أنَّه بتخطيط وتصميم مسبق قد فكّر بالقيام بعمل تغييري معيّن قد يؤدي به إلى الشهادة، فالشهادة هنا جاءت عن مبادرة مخطط لها سلفا.
    وقد يستشهد الإنسان مظلوماّ وبعدوان من الظالمين، ويكتب عند الله سبحانه تعالى في الجنان مع الشهداء، ولكن لم تكن شهادته على أساس تخطيط ولا على أساس مبادرة، وإنما جاءت تعبيراً عن ردّ الفعل والإحساس بالظلم والحيف، فيكون هذا الاستشهاد منطلقاّ على أساس أنَّ الظالم من أجل أن يفرض هيمنته وسيطرته على الناس يقوم بقتلهم وخصوصاّ المتديّنين منهم، فهؤلاء ـ الذين يقتلهم الظالم بسيفه ظلماً وعدوانا ـ وإن كانوا شهداء، لكن شهادتهم ليست عن مبادرة ولا عن تخطيط مسبق، ولذا لا يعتبر مثل هؤلاء شهداء فكر وتصميم.
    فالثورة التي يمكن أن تحقق نجاحاً وتصل إلى غاياتها، هي تلك الثورة التي تخطط للانتفاضة على الظالم لدفع الظلم ورفع الذلّ الذي يعانيه المجتمع، ويكون لدى أبنائها ورجالها العزم والتصميم والإرادة على التغيير والتضحية والبذل والعطاء من اجل تحقيقه، وهذا ما أراده القرآن الكريم من المؤمنين: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً}(9).
    الشرط الرابع: البعد الوجداني
    يعتبر البعد العاطفي والوجداني من الأبعاد المهمة جداً في الثورة التي يراد لها النجاح، فقد تملك الثورة ارتباطاً بالله تعالى، وقد تملك بعداً إنسانياً في مضمونها وأُطروحتها، وقد تملك أيضاً بُعدَاً عقليا، أي تخطيطاً ومبادرةً، ولكن مع ذلك لا تصل إلى غاياتها بسبب افتقادها لهذا البعد، الذي هو بمثابة الوقود للثورة، فالعقل وحده كمخطط لا يحرّك الإنسان، وإنما الذي يحرّكه ويعطيه القدرة على التحرّك والاندفاع إنما هو الجانب الوجداني فيه، فالثورة كما تحتاج إلى العقل والتخطيط، فهي تحتاج أيضاً إلى الوجدان من أجل أن تكون قادرة على الحركة والفاعلية.
    فالجانب الوجداني في الثورة الصحيحة ينطلق دائماً من حبّ الإنسان لله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لله}(10) وبالتالي حب كل ما يرضي الله تعالى وأوليائه الصالحين، وحب كل المعاني الخيّرة التي أودعها الله تعالى في الإنسان من العدل والإحسان والعزة والكرامة والحرية، بحيث تتحوّل هذه المعاني إلى المشاعر والأحاسيس والعواطف التي يتفاعل معها الإنسان.
    وأما في الحركات الثورية المادية فينطلق هذا الوجدان والعواطف من التركيز على الغرائز الإنسانية، والشهوات والملذات والمنافع الآنية، التي يتحسّسها الإنسان ويلمسها في حياته اليومية.
    ولذلك لابد في الثورة الصحيحة من تعميق عنصر الحب لله تعالى في الإنسان ولأوليائه ولكل هذه المعاني الخيّرة، بحيث تتحوّل إلى وجدانه وعواطفه وأحاسيسه، ولابد من إثارة جميع مكامن هذا الحب وهذه المشاعر.
    ويعتبر الجهاد في سبيل الله والتصميم على الشهادة تجسيداً حقيقياً لنمو وتكامل هذه المشاعر، حيث يرغب المؤمن بلقاء الله تعالى، وتعبيراً عن تصاعد الحالة الوجدانية لدى المؤمن، بحيث يعبّر عن هذه الحالة الوجدانية الواعية والمخططة بالإقدام على بذل نفسه وماله في سبيل تحقيق هذه الأهداف. وحالة العشق هذه هي حالة عاطفية ووجدانية تعتمد على العقل والرؤية الصحيحة للأشياء والتخطيط المسبق للعمل، وعندما نقول عاطفة ووجدان لا نريد بذلك الوجدان المفرط الذي لم يكن عن تخطيط، وإنما نقصد به الوجدان الذي يكون من ورائه تخطيط مسبق.
    فالثورة إذا كانت متجاوبة مع المشاعر والعواطف ومحركة لها، يمكنها عندئذ أن تخلق من الإنسان طاقة هائلة تحركه بالاتجاه الصحيح الذي يهديه إليه العقل.
    وهذا الجانب ضرورة من ضرورات الثورة الناجحة القادرة على تحقيق أهدافها وهو يمثل عنصر الوقود والطاقة المحرّكة للثورة والقادر على دفع الإنسان؛ ومن هنا لابد أن نهتم بالجانب العاطفي في العمل الثوري ونصعّده حتى يمكن أن يصل الإنسان إلى الإستعداد في بذل المال والجاه، أو بذل الجهد البدني حتى يصل هذا البذل إلى قمّته ببذل النفس؛ لأنّه يمثلّ قمّة الارتباط بالله تعالى، وقمة العشق له سبحانه، وقمة الوجدان في الإنسان الثائر.
    الشرط الخامس: البعد الجماهيري
    من أجل أن تحقّق الثورة أهدافها، لابدّ أن يكون لها وجود جماهيري وقاعدة واسعة في الأمة تتفاعل معها وتفهم مضمونها وأهدافها ومحتواها وتؤمن بمفاهيمها وشعاراتها، أمّا إذا كانت الثورة موجودة عند قائد واع مدرك متحمّل لهموم الإنسانية، وتتمثل فيه الشروط الأربعة السابقة، ولكنه كان في معزل عن الجماهير ـ لظرف أو سبب معيَّن ـ أو إذا كانت الثورة في نخبة صالحة مؤمنة بالله تعالى مستوعبة للإسلام قادرة على فهمه، ومستعدّة لأن تبذل كل وجودها وقدراتها وكلّ ما لديها حتى نفسها، ولكن لا وجود لها في الجماهير وغير مستوعبة لها، فحينئذٍ لايمكن أن تحقق تلك الثورة أهدافها؛ وذلك لأن:
    1. إن الهدف الحقيقي للثورة هو عملية تغيير الأمة، وإيجاد التحوّل الاجتماعي والسياسي فيها، فما لم تكن الأمة قد استوعبت بدرجة معقولة هذه الأهداف والمفاهيم والشعارات فلا يمكن أن نفرض تفاعلها مع الثورة، وإنّما تصبح الحركة عملية انتحارية، أو ثأرية، أو انفعالية، أو تعبير عن موقف محدود قد يكون مبرّراً من الناحية الشرعية أو السياسية، ولكنّه لا يحدث التغيير المطلوب.
    2. إنّ أداة التغيير في الثورة ووقودها في عملية المواجهة مع الطغاة والمستكبرين، هي الأمة والجماهير، التي يمكنها بإذن الله تعالى أن تحدث التغيير المطلوب، وتقف أمام الطغيان والجبروت وتتغلّب عليه وتحقّق النصر والفتح.
    3. لكي تستمر عملية التغيير وتدوم بعد النصر لابد للثورة من حماية تضمن لها الدفاع عن نفسها أمام الأعمال والعناصر المضادة، التي تتحرّك عادة للقضاء عليها ووأدها في مهدها، والجماهير هي العنصر الوحيد ـ بعد الله تعالى ـ التي يمكنها القيام بهذه المهمة.
    وهنا لابد أن نلاحظ أن فعلية التغيير وسرعته وحضوره، أو تأخره وبطأه يرتبط بهذا الجانب، وكذلك مدى وجود الثورة وحضورها في وسط الأمة وتفاعلها فكرياً وعاطفياً وإرادياً معها، أو تقلص دائرة التفاعل وحصرها بالدائرة الفكرية، أو الفكرية والعاطفية.
    فلابدّ من أجل القيام بأية ثورة من تعبئة القاعدة الجماهيرية وتهيئتها فكريّاً وسياسيّاً ومعنويّاً، وبدون ذلك فإنّ العمل الجهادي التي تقوم به النخبة أو الشخص قد يكون مبرراَ لسبب أو آخر، ويكون مصير صاحبه أو أصحابه هو الجنان، ولكنه لاتكون ثورة تغييرية على مستوى الأمة والمجتمع.
    الجهة الثانية: الشروط وواقعة كربلاء
    إذا تم فحص ثورة الحسين (عليه السلام) وتحرّكه نجد وبوضوح أنها متوفرة على الشروط الخمسة المتقدمة، ولذلك تمكّنت الثورة الحسينيّة من تحقيق أهدافها واستمرارها وخلودها الى يومنا هذا، بل الى يوم القيامة.
    النهضة الحسينية والارتباط بالله
    لاشك ولا ريب أن الشرط الاول متوفر في واقعة كربلاء ولا نقصد بذلك ارتباط شخص الحسين (عليه السلام) بالله سبحانه وتعالى فحسب، وإنما ارتباط حركته وثورته بمجملها بالأهداف الإلهية، وإلاّ فالحسين (عليه السلام) إمام معصوم مرتبط بالله سبحانه تعالى بلاشك ولاشبهة عند أحد من المسلمين.
    فقد تحرّك (عليه السلام) بدافع من الوظيفة والمسؤوليّة الشرعيّة والمعاني التي وضعها الله سبحانه وتعالى على عاتق الإنسان المسلم، ويتضح ذلك من خلال مجموعة من الخطب التي ألقاها الحسين (عليه السلام)، فمنذ اليوم الأول الذي تحرّك فيه من المدينة المنوّرة قاصداً مكة أكّد على هذا البعد في وصيّته لأخيه محمد الحنفيّة، حيث ورد فيها: «هذا ما أوصى به الحسين بن علي بن أبي طالب إلى أخيه محمد بن علي المعروف بابن الحنفيّة، أنّ الحسين يشهد ان لاآله إلا الله وحده لا شريك له، وأنَّ محمداً عبده ورسوله جاء بالحق من عند الحق، وأنَّ الجنة والنار حق، وأنَّ الساعة آتية لا ريب فيها، وأنَّ الله يبعث مَن في القبور، وأنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدّي (صلى الله عليه وآله) أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر....»(11).
    وهكذا عندما خاطب أصحاب الحر بن يزيد الرياحي عند لقائه بهم، حيث بيّن فيها سبب تحرّكه بقوله: «أيها الناس، إنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: مَن رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقّاً على الله أن يدخله مدخله، ألا وأن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود...»(12).
    وهكذا تتضح قضية ارتباط ثورة الحسين (عليه السلام) بالله سبحانه وتعالى من مجموعة الرسائل التي أرسلها إلى المسلمين في مختلف أقطارهم، منها: ما كتبه إلى أشراف أهل البصرة، حيث جاء فيها: «أمّا بعد، فإنَّ الله اصطفى محمداً (صلى الله عليه وآله) على خلقه وأكرمه بنبوّته واختاره لرسالته، ثم قبضه إليه وقد نصح لعباده، وبلّغ ما أرسل به (صلى الله عليه وآله)، وكنا أهله وأولياءه...وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيّه (صلى الله عليه وآله)، فإنَّ السنّة قد أميتت، وإنَّ البدعة قد أحييت...»(13).
    وهكذا في بقية خطبه ورسائله التي يؤكد فيهما على الوظيفة الشرعية، مضافاً إلى دعوة المسلمين من أهل الكوفة وغيرهم للإمام الحسين (عليه السلام) ونظرتهم إلى (يزيد) من أنه إنسان منفصل عن الإسلام وبعيد عنه.
    فمن كل هذه الأمور وغيرها نفهم أنّ تحرّكه (عليه السلام) مرتبط بالله سبحانه وتعالى وواجد له، وليس تحركّاً قائماً على أساس آخر.
    رفض الظلم والذلّ
    وأما البعد الإنساني فهو من الأبعاد الواضحة والبارزة في ثورة الحسين (عليه السلام)، ويتضح ذلك جليّاً من خلال تحرّكه (عليه السلام)، وتعامله مع الأحداث وتأكيده في خطبه وكلماته على الكرامة الإنسانيّة والحريّة التي فطر الله سبحانه وتعالى الإنسان عليها، وتأكيده (عليه السلام) على العدل ورفض الظلم والذل والحرمان والاستضعاف.
    وبتعبير آخر يمكن تلخيص البعد الإنساني بأمرين أساسيين موجودين منذ بداية التأريخ البشري، ولا زالا حتى الآن يمثلان محور حركة المجتمعات الإنسانية نحو التكامل والوصول إلى الأهداف في القرب من الله تعالى ودخول الجنان التي وعد بها:
    الأمر الأوّل: الإخلاص في العبودية، بأن يتحرَّر الإنسان من كلّ عبودية غير عبودية الله سبحانه وتعالى، فهذه هي الحرية الحقيقية التي دعا إليها الإسلام، والتي كانت محوراً لحركة الإنسان نحو التكامل.
    وعند التأمل في التأريخ الإنساني نجد أنّ هناك صراعاً دائماً ومستمرّاً ـ منذ بداية وجود الإنسان ـ بين حركة الإنسان نحو الله تعالى والارتباط به، وحركة الإنسان نحو الطاغوت والارتباط به.
    ومن هنا يطرح القرآن الكريم دائماً (الله) في مقابل (الطاغوت) في جملة من الآيات القرآنية، كقوله تعالى: {اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَات}(14).
    وقوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ}(15).
    ومن هنا نجد أنّ أحد الشعارات الرئيسية، وأحد أبعاد المحتوى الأساسي لثورة الحسين (عليه السلام) هو دعوته للحرية في الخلاص من عبادة الطاغوت والخضوع للطغيان والظلم، ودعوته للإخلاص في عبودية الله تعالى.
    وفي مقابله كانت حركة يزيد، الذي كان يسعى لتحويل التزام الإنسان بعبادة الطاغوت، بل إنَّ يزيد طوّر هذا المفهوم، كما طوّرهُ فرعون وجعله أمراً واضحاً في الالتزامات الاجتماعية بين الناس والحاكم، حيث كان يرى أنّ العلاقة والالتزام بين الناس والحاكم، هي أن يكون الناس عبيداً للحاكم بشكل رسمي وأساسي.
    كذلك صنع يزيد هذا الأمر بشكل واضح عندما دخل بجيشه إلى المدينة المنوّرة في السنة الثانية من مقتل الإمام الحسين (عليه السلام)، وأخذ عهداً من المسلمين جميعاً بما فيهم النخبة الصالحة من الصحابة والتابعين على أن يكونوا عبيداً أقنان له.
    وهذا البعد الإنساني باعتباره يمثل بعداً قائماً في حركة المجتمع الإنساني ووجود الإنسان منذ اليوم الأوّل وحتى قيام الساعة، فبطبيعة الحال يكون له تأثير في حياة الناس بشكل دائمي ومستمر، غاية الأمر أنه قد يتصاعد ويشتد فيصبح واضحاً، كما في زمن فرعون و نمرود ويزيد وأمثالهم، أو يخف فيصبح خفياً غير واضح، أو يأخذ أشكالا مختلفة في زمن آخر.
    لكن محتواه ومضمونه موجود دائماً في حركة الإنسان وفي المجتمع الإنساني.
    وبهذا نلاحظ أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) منذ بداية حركته وحتى نهايتها كان يشير إلى هذا البعد الذي أكّده القرآن الكريم وأكده الإسلام، لأنّه يمثل حقيقة في مجمل الصراع الذي حدث بينه وبين يزيد.
    الأمر الثاني: العدل في محتوى حركة الإمام الحسين (عليه السلام) مقابل الظلم، وإيجاد المجتمع الصالح المتمثل بمجتمع العدالة الاجتماعية والتضامن بين الناس والتعاون فيما بينهم، ومجتمع الشعور بالمسؤولية وبحقوق الآخرين، فكلّ هذه القضايا يمكن أن يكون مفهوم العدل عنواناً لها.
    فالعدل في الإسلام يختلف عن مفهومه في الحضارات المادية أو النظريات الحديثة، إذ تراجع أنَّ هذا المفهوم له أبعاد واسعة جداً في الإسلام، فبالإضافة إلى العدل في العلاقات الاجتماعية والذي يمثل مفردة ومصداقاً مهمّاً للعدل، هناك عدل يتمثل في تعامل الإنسان مع نفسه، بل في كلّ حركة يقوم بها سواء كانت معنوية أم ذاتية كتعامله مع بدنه وصحته، فهناك التزامات للإنسان في نظر الإسلام تجاه نفسه.
    أمّا الحضارات المادية فترى أنّ الإنسان حرٌّ في تصرفه مع نفسه، يفعل ما يشاء حتى لو أضرّ ذلك بنفسه، أو أدى إلى تسافله أخلاقياً أو مادياً أو بدنياً.
    كما أنَّ العدل في نظر الإسلام يشمل علاقة الإنسان بالله الذي خلقه، والذي يريد له المصلحة والسعادة والرقي والكمال، ومن هنا عبَّر القرآن الكريم عن الشرك بالله بأنه {ظُلْمٌ عَظِيمٌ}؛ لأنّه خلاف العلاقة الطبيعية بين الإنسان وبارئه.
    وكذلك يشمل مفهوم العدل في الإسلام علاقة الإنسان بالطبيعة وبالكون، فليس من الصحيح أن تطلق الحرية للإنسان للتصرف بهما كيفما شاء، بل يجب أن تكون العلاقة متَّسمة بالتوازن، وإلّا تعرَّض إلى الكثير من المصائب(16).
    وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه العلاقة في قوله تعالى: {اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا}، ثم يقول بعد ذلك: {إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّار}(17).
    ولذا نجد أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) ركَّز على المحتوى الإنساني في نهضته المباركة، وكانت الشعارات الأساسية في ثورته تتلخص بشعارين أساسيين هما: (الحرية) و(العدل) ويتضح ذلك من خلال خطبه ورسائله.
    ولعل من الكلمات التي تجسّد هذا المعنى بشكل واضح قوله (عليه السلام) لقيس بن الأشعث بعد أن عرض عليه النزول على حكم يزيد: «لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أفرّ فرار العبيد»(18).
    وقوله في خطبته الثانية يوم الطف وهو يعبّأ أصحابه للقتال: «ألا وأنَّ الدعيّ ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتيّن السلة والذلّة، وهيهات منّا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وحجور طهرت ونفوس أبيّة وانوف حمية من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام... »(19).
    وقوله (عليه السلام): «فإني لا أرى الموت إلّا سعادة والحياة مع الظالمين إلّا برما»(20).
    وقوله (عليه السلام) في ساحة المعركة: «القتل أولى من ركوب العار، والعار أولى من دخول النار»(21).
    من كل هذه المضامين نفهم أنَّ من أوثق الأسباب التي ثار من أجلها الحسين (عليه السلام) هو العزّة والكرامة، فقد أراد الأمويون إذلال المسلمين واضطهادهم وممارسة حالة القيّمومة عليهم، وإرغام الحسين (عليه السلام) على الذل والخنوع، لكنه (عليه السلام) أبى الّا أن يعيش عزيزا تحت ظلال السيوف والرماح.
    فالحسين (عليه السلام)لم يدعو الناس إلى إقامة العبادات والارتباط بالله سبحانه وتعالى منفصلين عن قضاياهم الأساسية، وإنّما كان يؤكد أيضاً على الجانب الإنساني في تحرّكه، والقضايا التي يعيشها الناس في حياتهم.
    الحسين والتخطيط للثورة
    وأما بُعد أو شرط التخطيط للثورة، فإنه من الأبعاد الثابتة في حركة الإمام الحسين (عليه السلام)، وقد يكتنف هذا البعد بعض الغموض عند بعض الباحثين، حيث تصوّروا أن الحسين (عليه السلام) لمّا كان عارفاً بمقتله في كربلاء هو وأصحابه، لم يهتم بمسألة التخطيط للثورة وللهدف المعلن، وهو الإطاحة بنظام يزيد وإقامة حكم الإسلام مقامه، مع أنَّ الحسين (عليه السلام) في الوقت الذي كان يعرف هذه النتيجة والنهاية، ويدرك جيداً عدم تمكّنه من تغيير الحكم الأموي كما هو واضح وصريح(22) لمن تتبّع كلماته (عليه السلام)، لكنه بالرغم من كل ذلك كان يخطّط لهذا التحرّك بشكل كامل، وكأنه قادر على استلام الحكم من يزيد وإقامة الحكم الإسلامي مكانه، حتى توهّم بعض الباحثين من خلال دراستهم إلى الخطط التي كان يرسمها الإمام الحسين (عليه السلام) أنَّه كان يحتمل الوصول إلى الحكم، ولذلك خطّط على ضوء هذا الاحتمال، حتى أن بعضهم ذهب به الوهم إلى أن يتصور أنّ الحسين أخطأ في معرفة الحقيقة وتشخيص طبيعة الأوضاع السياسية والواقعية، وأنّ الرياح جرت بخلاف تقديرات ربّان السفينة.
    ولكن الصحيح إنّ الحسين (عليه السلام) لم يقدّر في تحليله السياسي للأوضاع الوصول إلى الحكم، ولكن مع ذلك لم تفقد حركته ونهضته التخطيط، والسر في ذلك أنّ التخطيط وبذل الجهد يمثّل الوفاء بالوظيفة والواجب الشرعي في هذا المجال، فإنّ على الإنسان أن يسعى ويبذل كل قدرته للوصول إلى الحكم الإسلامي، مضافا إلى أنّ التخطيط بنفسه يترك آثاراً نفسية وسياسية واجتماعية على مجمل الأوضاع العامة للمسلمين، وهذا ما كان يستهدفه الإمام الحسين (عليه السلام) من وراء هذا التخطيط.
    حيث إنّ العملية بدون التخطيط لها قد تبدو وكأنّها عملية انتحار، أو مجرّد انفعال ورفض للظلم والذل، وأما مع التخطيط فتتحوّل إلى عمل ثوري وسياسي عام يرتبط بالأمّة كلّها، وتتفاعل الأمة مع أهدافها ومقاصدها وشعاراتها ومفاهيمها، وهناك بعض الشواهد التي تؤكّد عنصر التخطيط في نهضة الحسين (عليه السلام) نشير إليها باختصار:
    الشاهد الأول: موقف الحسين (عليه السلام) من البيعة عندما طلبها منه والي المدينة، فإنَّ الحسين (عليه السلام) قد خطَّط لإعلان الرفض في ذهابه إلى الوالي، ولم يصنع كما صنع غيره ممّن دعاه الوالي إلى البيعة كعبد الله بن الزبير أو عبد الله بن عمر، وفي الوقت نفسه لم يذهب إلى الوالي بشكل عفوي، وإنما خطط لذهابه فاصطحب معه جماعة من بني هاشم وكلّفهم بالوقوف على الباب؛ لكي يهجموا عندما يسمعون الصيحة لينقذوه، ثم إنّه (عليه السلام) خطط للحديث مع الوالي، كيف يبدأ وكيف ينتهي(23).
    الشاهد الثاني: ذهاب الحسين (عليه السلام) إلى مكة وبقائه هناك حتى اليوم الثامن من ذي الحجة وهو يوم التروية، فمضافا إلى أنّ مكة تعتبر موطناً آمناً نسبياً، لما حباها الله تعالى من قدسية وجعلها بلداً آمناً في الإسلام، وكذلك في تأريخ العرب أنفسهم، تمكّن (عليه السلام) من الاتصال بجماهير واسعة من المسلمين الذين وردوا مكة للحج، كما أنه (عليه السلام) قام بإرسال عدّة رسائل إلى مختلف الأقطار الإسلامية، كالكوفة، والبصرة، واليمن من أجل استنهاض المسلمين وشرح قضيته وأهدافه.
    الشاهد الثالث: إرسال مسلم بن عقيل (عليه السلام) إلى أهل الكوفة، لكي يهيّىء الأجواء فيها، ويعبّأ المسلمين وينظَّمهم ويأخذ البيعة منهم، ويدرس مجمل الأوضاع السياسية والاجتماعية والروحيّة فيها، ويعرّف المسلمين أهداف الثورة ومقاصدها.
    نعم، كان الحسين (عليه السلام) يعرف أنَّ مسلم سوف يقتل في النهاية، كما يعرف أنَّه سيقتل هو في كربلاء، ولكن هذه التضحية والنهاية مسألة أخرى لها غاياتها وأهدافها، فهو كإنسان ثائر سعى في بذل كل ما بوسعه وجهده من أجل تحقيق الأهداف المنشودة، ومن أجل أن يوفر للثورة شروطها ويضع عن عاتقه مسؤوليّة مواجهة النظام الأموي الفاسد.
    كما أنه وضع أهل الكوفة أمام مسؤوليّات دينية وأخلاقية وسياسية، وفي الوقت نفسه وفَّر الغطاء السياسي والاجتماعي والمبرر الطبيعي لحركته وثورته، ويبدو كل ذلك من خلال خطابه السياسي عند خروجه من مكة، أو في الطريق إلى الكوفة، أو في يوم عاشوراء.
    وقد قام مسلم بن عقيل بنشاط عظيم في هذا المجال وحقَّق بعض الإنجازات المهمة التي كان لها بعد ذلك دور كبير في النتائج والآثار، فقد تمكن من أخذ البيعة من جماهير الكوفة، وبذلك صعّد أجواء المواجهة إلى حدّ إخراج الكوفة عمليّاً من سلطة الحكم الأموي، وأصبح التحرّك ضد النظام للأمة كلها لا للحسين (عليه السلام)وحده، وأصبحت المطاردة والمظلومية والشعارات عامة ومشتركة، كما أشترك فيها شيوخ العشائر وقادة الجيش ورجال السياسة إلى جانب الأفراد العاديين، ولم يكن النظام قادراً على السيطرة على الأوضاع من خلال الشرعيّة أو الشعارات الكاذبة أو المفاهيم المزوّرة، وكان هذا من أروع الخطط والبرامج التي وضعها الإمام الحسين (عليه السلام) ونفّذها مسلم بن عقيل والتي حقّقت بعد ذلك أفضل النتائج.
    الشاهد الرابع: خروج الحسين (عليه السلام) في الثامن من ذي الحجّة، أي في يوم التروية، اليوم الذي يتوجه فيه الحجاج إلى عرفات، فإنَّ الحسين (عليه السلام) وجد أفضل طريق للإعلان عن ثورته أمام جماهير المسلمين أن يتّخذ طريقا ّآخر يلفت إليه نظر الحجّاج.
    وبذلك أصبح المسلمون على علم بهذه النهضة، وفي نفس الوقت على علم بالأساليب الوحشيّة التي يستخدمها النظام لمطاردة الصالحين، حيث أعلن (عليه السلام) أنَّ السبب في هذا الخروج المستعجل هو محاولة الحكم الأموي قتله في مكة، كما كشف (عليه السلام) بذلك استهتار النظام بالمقدسات الإسلامية عندما أعلن أنَّ خروجه كان بسبب تجنيب الحرم والمسجد الحرام الهتك من خلال إراقة الدماء فيه(24).
    الشاهد الخامس: إبقاء ابن عمه عبد الله بن جعفر، وأخيه محمد بن الحنفية، وعبد الله بن عبّاس في المدينة وفي مكّة وعدم اصطحابهم معه يمكن أن نعتبره عنصراً من عناصر تخطيط الحسين (عليه السلام)؛ لأنَّ هؤلاء بقوا في هذه المراكز المهمة من أجل أن يؤدوا عدة أدوار يأتي في مقدمتها شرح وتوضيح خلفيات هذه الثورة، مضافا الى أنَّهم عيون يرصدون حركة الأعداء ويناورون في الحركة السياسية، وبذلك تكون عملية الثورة متكاملة بأساليبها وأدوارها(25).
    الشاهد السادس: اصطحابه (عليه السلام) لعيالاته ولأهل بيته في مسيرته إلى كربلاء، فإنَّ عياله (عليه السلام) وبالخصوص أخته العقيلة زينب (عليها السلام) قامت بدور عظيم في الدفاع عن موقف الإمام الحسين (عليه السلام) والتعريف بالثورة بعد مقتله، وفي تأجيج العواطف وهزّ الوجدان والضمير لدى الأمة.
    ومن الممكن افتراض أنَّ الحسين (عليه السلام) بمجرد أن يتحرك يقوم النظام بإلقاء القبض عليه، وحينئذ يكون موقفه حرجاً أمام المسلمين وأمام نفسه، عندما تكون صورة الموقف هي: موقف الإنسان الذي ضيَّع عيالاته من أجل النجاة بنفسه(26).
    كما أنَّ عملية السبي التي كان يتنبّأ بها الإمام الحسين (عليه السلام) كان لها دور كبير في فضح شراسة بني أميّة وهمجيّتهم واستهتارهم بالإسلام وقيمه؛ لأنَّ قتل الحسين (عليه السلام) إذا كان لبني أميّة أن يبرّروه أمام البسطاء والعامة والمغفلين ـ تحت شعارات الخروج عن الطاعة، وشق عصا المسلمين، وما أشبه ذلك من الشعارات والعناوين التضليلية ـ فلا يمكن لهم بأي حال أن يبرّروا سبي بنات رسول الله (صلى الله عليه وآله) وذراريه وهتكهم، وتعريضهم للآلام والمحن والعذابات.
    ولعل هذا الموضوع كان من أبرز وأوضح الشواهد على ضلال يزيد وانحرافه في نظر الأمة وعامة الناس.
    ومن هنا يمكن فهم قول الإمام الحسين (عليه السلام) ـ حين سأله محمد بن الحنفيّة عن سبب خروجه واصطحابه للنساء ـ: «إنَّ الله شاء أن يراهنَّ سبايا»(27).
    البعد الوجداني في واقعة الطف
    إن البُعد الوجداني في حركة الحسين (عليه السلام) يكاد يطغى على كل الأبعاد في هذه الملحمة التأريخية، ومن يراجع التأريخ سواء في عصر الإمام الحسين(عليه السلام)، أم في العصور المتأخرة عنه ـ سواء ما كتب عنه أم الأحداث التي جرت في التأريخ الإسلامي ـ يجد أنَّ هذا البعد هو أبرز الأبعاد في ملحمة كربلاء، ولا زال هذا البعد يتفاعل معه الناس ـ المتديّنون وغيرهم، بل حتى الذين لا يؤمنون بالإسلام ـ في كل عصر وزمان، بل هو من أهم الأهداف التي استهدفتها حركة الإمام الحسين(عليه السلام)، وكان له تأثير واسع في مجرى التأريخ كلّه، وخير شاهد على تأثير هذا البعد في الأمّة حصول الثورات المتلاحقة بعد مأساة كربلاء والتي أطاحت بالحكم الأموي في النهاية.
    وقد جسَّد الإمام الحسين (عليه السلام) هذا البعد بأقواله وأفعاله وبذله وعطائه وإدارته للمعركة، فتارة يذكّر القوم بحسبه ونسبه، وأخرى بتعمّمه عمامة جدّه رسول الله(صلى الله عليه وآله) وتقلّده سيفه(28)، وثالثة ببذل أصحابه وأهل بيته الميامين وفيهم الشيوخ والكهول والشباب والغلمان والرضعان بطريقة مثيرة تستدرّ دموع الأصدقاء والأعداء على حدّ سواء، بل حتى بعض الذين قاتلوا الحسين (عليه السلام) وشهروا سيوفهم عليه كانوا يبكون لمأساته (عليه السلام) ولبذله وتضحيته وصبره.
    البعد الجماهيري في حركة عاشوراء
    وأما البعد الجماهيري فقد كان موجوداً في ثورة الإمام الحسين (عليه السلام)، بل المتأمل فيها يجد أنه (عليه السلام) لم يقدم على ثورته إلاّ بعد تأكده من وجود القاعدة الجماهيرية لهذه الثورة.
    وهناك قرائن كثيرة على هذه الحقيقة:
    منها: الرسائل والكتب التي كتبها أهل الكوفة للحسين (عليه السلام)، فبالرغم من أن بعض الباحثين يحاول إضفاء طابع النفاق عليها، وافتراض أنَّ أهل الكوفة قد كتبوها تضليلاً للحسين (عليه السلام) ونفاقاً منهم، وأنهم لم يكونوا يستشعرون حقيقة الآلام التي بثّوها في كتبهم، إلاّ أن الحقيقة تؤكّد أنَّ هذه الكتب ـ بشكل عام ـ كانت تعبّر عن مشاعر حقيقيّة لكل المسلمين، وواقع موضوعي قائم في المجتمع الإسلامي كلّه، وأهل الكوفة بادروا إليه قبل غيرهم وعبَّروا عنه في كتبهم، ولكنهم غلبوا على أمرهم بسبب الإرهاب والخوف من الفشل وغيرهما من الأسباب التي سوف نتناولها فيما بعد.
    إذن، فهذه الكتب كانت تمثّل بعداً جماهيريّا، وأنَّ أهل الكوفة كانوا يحسّون بالآلام ويشعرون بالظلم والذلّ، ويرون أن الحسين (عليه السلام) هو الأمل في إنقاذهم من هذا الوضع المأساوي، ولذلك كتبوا له وأخذوا يلحّون عليه، وأكّدوا ذلك ببيعتهم لمسلم بن عقيل (عليه السلام) حيث بايعه ثمانية عشر ألف رجل على بعض الروايات، ولم يشترك في هذه البيعة الأطفال أو النساء أو العجزة، بل أخذ البيعة من أولئك الذين هم على استعداد للقتال من أجل الحسين (عليه السلام)، وهؤلاء أن لم نقل إنهم جميعاً كانوا يتفاعلون مع ثورة الحسين (عليه السلام) وعلى استعداد للقتال والدفاع عنه، فعلى الأقل أغلبيتهم كانوا كذلك، ومن هذا المنطلق كتب مسلم بن عقيل إلى الحسين (عليه السلام) كتاباً يحثّه على الإقبال حيث ورد فيه: «أما بعد: فإنَّ الرائد لا يكذب أهله وإنَّ جميع أهل الكوفة معك وقد بايعني منهم ثمانية عشر ألفاً فعجّل الإقبال حين تقرأ كتابي والسلام عليك ورحمة الله وبركاته»29.
    وأفضل شاهد على هذه الحقيقة، هو أنَّ عبيد الله بن زياد لم يتمكن أن يقف أمام هذا التيّار الجماهيري الواسع إلّا من خلال عمليات القتل والقمع الواسعة واعتقال الكثير من الوجهاء والرؤساء أمثال المختار الثقفي، وسليمان بن صرد الخزاعي، والحارث الهمداني وغيرهم، وكذلك استخدام أساليب الإرهاب والتخويف والتهديد بجيش الشام، وأسلوب الإغراء وبذل الأموال وإعطاء الوعود.
    ومما يؤكد ـ أيضاً ـ تفاعل جماهير أهل الكوفة مع ثورة الحسين (عليه السلام)، هو تقييم الفرزدق لهم، عند لقائه للإمام الحسين (عليه السلام) في الطريق حيث سأله عن وضع الكوفة بعد مقتل مسلم بن عقيل (عليه السلام) فأجابه: «...أما القلوب فمعك، وأما السيوف فمع بني أميّة..»(30).
    والأحداث التأريخية التي شهدتها الكوفة بعد ذلك تؤكّد هذا الواقع أيضا، فالثورات التي انبثقت بعد ثورة الحسين (عليه السلام) كانت أكثرها تنطلق من الكوفة ومن أولئك الذين بثّوا آلامهم ومعاناتهم له(عليه السلام)(31)، كما أنَّ أكثر أصحاب الحسين (عليه السلام) الذين قتلوا معه كانوا من أهل الكوفة ومن الشخصيّات البارزة فيها أمثال الصحابي الجليل حبيب بن مظاهر الأسدي، وشيخ القراء برير بن خضير، ومسلم بن عوسجة وغيرهم، وهذا الجانب أعطى امتيازا إيجابيّاً وجوهرياً للأوضاع السياسية في الكوفة وأهلها المبادرين.
    ومنها: القاعدة الشعبية الموجودة في البصرة، فقد كان للحسين (عليه السلام) رصيد وجماهير فيها، وهذه الجماهير لا تقدّسه لكونه ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فحسب، وإنما كانت تتفاعل مع ثورته وقضيته، وتبرز استعدادها للبذل والعطاء ويشهد بذلك القصة المذكورة عن يزيد بن مسعود التميمي الذي كان أحد شيوخ بني تميم(32).
    ويدلّل أيضاً على هذا البعد إقبال الناس على الحسين (عليه السلام) في مكة بعد معرفتهم بأنه إنسان ثائر رافض للحكم الأموي ولسلطان يزيد الطاغية، وقد جاء إلى مكة معلناً هذا الرفض، فقد اجتمعت جماهير كبيرة من المسلمين على الحسين (عليه السلام)، حتى تمنّى عبد الله بن الزبير خروج الإمام الحسين (عليه السلام) من مكة ليصفو له الجو ويكون هو الإنسان البارز فيها والمحور لأهلها33.
    وبذلك نعرف أنَّ الشروط الأساسية لنجاح الثورة كانت متوفرة في ثورة الإمام الحسين (عليه السلام)، كما نعرف أيضاً أنَّ الإمام الحسين (عليه السلام) وأصحابه لايتحمّلون مسؤولية عدم الوصول إلى هدف الإطاحة بالحكم اليزيدي الظالم، وإنَّما تتحمّل ذلك الأمّة نفسها لأسباب كان يريد الإمام الحسين (عليه السلام) أن يعالجها بنهضته وتضحيته كما سنعرف إن شاء الله تعالى.

  2. #2
    من المشرفين القدامى
    الموسوي
    تاريخ التسجيل: May-2012
    الدولة: العراق / ذي قار
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 6,090 المواضيع: 456
    صوتيات: 1 سوالف عراقية: 0
    التقييم: 1302
    مزاجي: مبتسم دائما
    المهنة: مبرمج بمديرية تربية ذي قار
    أكلتي المفضلة: الدولمة
    موبايلي: C7
    آخر نشاط: 8/December/2012
    الاتصال: إرسال رسالة عبر Yahoo إلى مهدي الموسوي
    مقالات المدونة: 2
    شكرا الك اخي

  3. #3
    في ذمة الخلود
    ابو مصطفى
    [QUOTE=مهدي الموسوي;631288]شكرا الك اخي[/QUOTE]
    كل الود والتقدير لك اخي العزيز

  4. #4
    من أهل الدار
    al-Tamimi
    تاريخ التسجيل: October-2012
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 1,915 المواضيع: 723
    صوتيات: 1 سوالف عراقية: 33
    التقييم: 615
    مزاجي: ليس سيئ لكنه ليس جيد
    أكلتي المفضلة: سمك مسكوف
    موبايلي: Galaxy Note 2
    آخر نشاط: 18/September/2016
    الاتصال: إرسال رسالة عبر Yahoo إلى JAAFAR2012
    مقالات المدونة: 179

  5. #5
    في ذمة الخلود
    ابو مصطفى
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة JAAFAR2012 مشاهدة المشاركة
    جزاك الله خير الجزاء
    شكرا لك اخي

  6. #6
    من أهل الدار
    ملائكة وشياطين
    تاريخ التسجيل: November-2012
    الدولة: في المنفى
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 21,968 المواضيع: 3,683
    التقييم: 9505
    مقالات المدونة: 66
    شكرا ع الموضوع

  7. #7
    من أهل الدار
    al-Tamimi

  8. #8
    في ذمة الخلود
    ابو مصطفى
    [QUOTE=هدوء الكون;632810]شكرا ع الموضوع[/QUOTE]
    كل الود والتقدير لك اختي العزيزة

  9. #9
    في ذمة الخلود
    ابو مصطفى
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة JAAFAR2012 مشاهدة المشاركة
    ​اسعدني مرورك كل الود والتقدير لك اخي

تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال