السؤال: المراد من قوله تعالى (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما)
ما هي تفسير هذه الآية الشريفة : (( إِنَّا أَنزَلنَا إِلَيكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ لِتَحكُمَ بَينَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلخَآئِنِينَ خَصِيمًا )) (النساء:105)) وخصوصا هذا المقطع : (( وَلاَ تَكُن لِّلخَآئِنِينَ خَصِيمًا )) وهل هذا يشير الى ان الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله يعامل الخائنين على حسب ظواهر الامور دون البواطن ؟ فإذا كان جوابكم نعم ألا يسبب ذلك تعارضا مع صدر الآية الكريمة (( لِتَحكُمَ بَينَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ )) والذي افهم منها هو الحكم بالناس مع العلم ببواطنهم والحكم على أساس ذلك.
أرجوا أن توضحوا لي هذا الأمر جليا .
الجواب:

إن الآية الشريفة لا علاقة لها بالحكم حسب العلم بالباطن, وأنما نزلت في سياق آيات يفيد التدبر فيها الوصية بالعدل في القضاء والنهي عن ميل القاضي في قضاءه الى المبطلين والجور على المحقين كائنين من كانوا, وإن كانت ربما تشير إلى مورد نزول معين كما ذكر المفسرون من قصة سرقة أبو طعمة بن الابيرق .
والآية المعنية (( إِنَّا أَنزَلنَا إِلَيكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ لِتَحكُمَ بَينَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُن لِلخَائِنِينَ خَصِيماً )) تدل على جعل حق الحكم لرسول الله (صلى الله عليه وآله) والحجية لرأية ونظره,فإن الحكم وهو القطع في القضاء وفصل الخصومة لا ينفك عن إعمال نظر من القاضي الحاكم واظهار عقيدة منه مضافاً إلى ما عنده من العلم بالاحكام العامة والقوانين الكلية في موارد الخصومة, فان العلم بكليات الأحكام وحقوق الناس أمر والقطع والحكم بانطباق مورد النزاع على بعضها دون بعض أمر آخر.
فالمراد بالإرادة في قوله تعالى : (( لتحكم بين الناس بما أراك الله )) ايجاد الرأي وتعريف الحكم لا تعليم الأحكام والشرائع كما أحتمله بعضهم, ومضمون الآية على ما يعطيه السياق ان الله انزل اليك الكتاب وعلمك أحكامه وشرائعه وحكمه لتضيف اليها ما اوجد لك من الرأي وعرفك من الحكم فتحكم بين الناس وترفع بذلك اختلافاتهم (الميزان 5: 68) .
ففي الآية ذكر لما أكرم الله به رسوله, اضافة الى ملاحظة نسبة رأي رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى الله بقوله عز وجل: (( بما أراك الله )) فهو مصون من الخطأ لأن الله يريه, لا كأحد من الناس بما يراه هو من نفسه.
وقوله (( وَلا تَكُن لِلخَائِنِينَ خَصِيماً )) أي لا تكن في طرف الخائنين تخاصم عنهم مقابل من يطالبهم بالحقوق, أو تميل معهم لاي سبب كان حسب ظواهر الأمور,وانما القاضي يكون وسط بين الطرفين الى أن يحكم بالحق.
وهذا النهي في الآية لا يدل على وقوع الفعل من النبي (صلى الله عليه وآله) (اعوذ بالله) او الهم بالفعل كما ينقل عن بعض المفسرين كيف والقرآن نزل على معنى (اياك اعني وأسمعي يا جارة) والله جل وعلا يقول بعد هذه الآية (( وَلَولا فَضلُ اللَّهِ عَلَيكَ وَرَحمَتُهُ لَهَمَّت طَائِفَةٌ مِنهُم أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُم وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيءٍ وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيكَ الكِتَابَ وَالحِكمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَم تَكُن تَعلَمُ وَكَانَ فَضلُ اللَّهِ عَلَيكَ عَظِيماً ))