مرحبا
قد تفضي تبدلات الطاقة الحرّة في بعض التفاعلات الكيمياوية إلى إصدار الضوء، إذ تهتاج إلكترونات الجزيئات المتفاعلة فترتفع إلى مستوى من الطاقة أعلى، ولدى عودتها إلى حالتها الأصلية تنشر فائض الطاقة على شكل كَمّات quanta ضوئية أو فوتونات photons. ويحدث تحرير الطاقة المشعة هذا نتيجةً للاستقلاب في بعض الجراثيم والفطور، وفي أمثلة معينة من جميع الشعب الحيوانية. هناك عدة أنواع مختلفة من الجراثيم ولاسيما الجنسان: الجرثوم الضوئي Photobacterium والجرثوم اللاصبغي Achromobacter، تُصْدِر ضوءاً. وهي تنمو على الأسماك الميتة واللحم الفاسد.
سمك أبو شص يحمل عضواً مضيئاً في نهاية سويقة متحركة فوق خطمها يستخدمه الحيوان شركاً لاصطياد فرائسه
آلية إصدار الضوء
يُعرف عن هذه الأنواع المصدرة للضوء أهمية الأكسجين لإضاءتها الحيوية، كما يُعرف اليوم أن التفاعل المؤدي إلى إصدار الضوء فيها ماهو إلا تفاعل تأكسدي يتطلب إضافة نوكليوتيد فلافيني وألدهيد طويل السلسلة، إضافة إلى إنظيم نوعي يحمل اسم لوسيفيراز luciferase. أما ديدان الأرض المضيئة من جنس Eisenia فإنها تطرح مخاطاً أصفر اللون من ثقوب في ظهرها يتوهج بضوء أخضر مصفر حالما يلامس الهواء، ويبدو أن هذا الصباغ هو الريبو فلافين.
انتشار الأعضاء المضيئة
تكثر النماذج المضيئة في الشعب الحيوانية الكبيرة، مثل الحيوانات الأوالي ومعائيات الجوف والحلقيات والرخويات ومفصليات الأرجل والفقاريات. وفي المجموع يبلغ عدد الأنواع الحية المصدرة للضوء نحو خمسين نوعاً، تكون في معظمها من الحيوانات البحرية، في حين لايوجد منها في المياه العذبة إلا بعض الجراثيم وأحد أنواع البطلينوس وهو اللاتِية اللاصقة Latia neritoides (وهو واحد من الرخويات التي تلتصق بالصخور) في بحيرات نيوزيلندة وجداولها.
سمك النيون Cheirodon axelrodi
أما بين الأنواع الحيوانية التي تعيش على اليابسة فلا يوجد من مُصْدرات الضوء إلا اليراعات والديدان النارية والبق المضيء وبضع رتب أخرى من الحشرات ومئويات الأرجل وألفيات الأرجل وديدان الأرض، إضافة إلى أحد الحلزونات الأرضية. ولا توجد أعضاء مضيئة لدى فقاريات اليابسة، كمالا توجد لدى النباتات باستثناء الجراثيم والفطور.
أنماط الأعضاء المضيئة
توجد ثلاثة طُرُز أساسية للإضاءة الحيوية، تُوجَزُ فيما يلي:
استخدام الجراثيم المضيئة بأسلوب التعايش: فهناك أنواع من الحبّار وقليل من فصائل الأسماك العظمية ساكنات البحار العميقة تعتمد على جراثيم مصدِرة للضوء تتعايش معها وتنمو في أكياس نسيجية خاصة. وقد تتزود هذه الأكياس بعاكس وعدسة وبساط صباغي لتوفير التحكُّم في إصدار الضوء، كما هي الحال في أسماك من فصيلة الشاذّات Anomalopidae.
حاملات الضوء لدى القشري (رتبة البوفاوزيات) Meganyctiphanes norvegica
الإضاءة خارج الخلايا: ويكثر هذا الطراز في اللافقاريات البحرية، في حين يندر في لافقاريات اليابسة وفي الأسماك [ر] فيما عدا الجنس Searsia. وتظهر المفرزات في هذا الطراز إما بشكل مخاط مضيئ يفرش سطح الجسم، أو بشكل نقط مضيئة، أو تُقذف بشكل سحابة ساطعة، كما هي الحال في المحارة الحفّارة الإصبعية Pholas dactylus وفي الدودة النارية السنِّية Odontosyllis. وتكون الإضاءة الحيوية خارج الخلايا متقطعة في العادة وتخضع لإشراف عصبي. وفي بعض الحيوانات، مثل السبرينيدية Cyprinidia من مفصليات الأرجل، يوجد نوعان من الخلايا يُسْهِمان في إصدار الضوء: أحدهما يفرز المادة الركيزة التي هي اللوسيفرين luciferin، والآخر يفرز الإنظيم أو اللوسيفراز. ويطلق كلاهما مادته ليجري امتزاج الركيزة والإنظيم في الماء بوجود الأكسجين.
الإضاءة داخل الخلايا: تأخذ البُنى المصدرة للضوء في العالم الحيواني أعقد أشكالها فيما يسمى حاملات الضوء photophores، حيث يجري إنتاج الضوء داخل الخلايا، ثم يتركز الضوء الصادر عن هذه الخلايا عبر جهاز من المرايا والعدسات، فتبدو البُنْيَةُ بمجموعها كالجوهرة المتلألئة في الظلام. ويوحي بعض حاملات الضوء بمظهر عيون حَلَّ فيها السطح المولد للضوء محل السطح المستقبل للضوء في العين أي الشبكية. وتكون الإضاءة في هذا الطراز متقطعة يتحكم فيها الإشراف العصبي بلا استثناء. ونذكر أمثلة عليها كلاً من الليلية الدخنية Noctiluca miliaris من السوطيات Dinoflagellata، والسَّرْغَسْتة Sergestes من القشريات، والأَقْلَةُ النجمية Acholoe astericola من الحلقيات، والفموية Stomias من الأسماك العظمية.
أهمية الإضاءة الحيوية
قد تهدف الإضاءة الحيوية إلى إغراء الفريسة للنَّيل منها، أو تكون بغرض الدفاع عن الحيوان بتخويفه لأعدائه، أو لتغطية هربه منها تحت ستار من سحابة الضوء، أو بغرض الجمع بين الذكور والإناث بغية الاقتران والتكاثر، إضافة إلى استكشاف البيئة في ظلام أعماق البحار عن طريق الإبصار.