السؤال: شرعية نذر عبد المطّلب ذبح أحد أبنائه العشرة
إذا كان عبد المطّلب مؤمناً، فلماذا قام بهذا النذر: (قتل أحد أولاده‎ إذا وصل عددهم عشرة) الذي يتصرف بموجبه بنفس أُخرى، وهو محرّم شرعاً، ثمّ يقوم باللجوء إلى الكهنة والاقتراع بالأسهم؟
الجواب:

لا يبعد أن يكون نذر عبد المطّلب ذبح أحد أبنائه إن بلغوا عشرة - إن صحّ خبر النذر - ناجم عن إلهام أو رؤيا صادقة، على حذو رؤيا نبيّ الله إبراهيم(عليه السلام)؛ فعبد المطّلب لم يكن شخصاً عادياً، والمظنون جداً أنّه من الأوصياء، ولا أقلّ من كونه موحّداً على دين جدّه إبراهيم(عليه السلام)، وقيل: أنّه من أوصياء عيسى المسيح(عليه السلام).
والذي يؤيّد كونه وصيّاً: ما ورد في الأخبار: ((أنّ الأرض لا تخلو من حجّة لله وإلاّ لساخت بأهلها))، وكان الناس في عصر عبد المطّلب على عبادة الأوثان، فلو لم يكن في الناس حجّة لله لَما قامت الأرض ولَما استقرّت.
وممّا يؤيّده كذلك: ما ورد في كتب السُنّة من حادثة جيش أبرهة الذي جاء لهدم الكعبة - كما أشارت إليه سورة الفيل - وحين التقى به أبرهة وهو بصدد استرجاع مائتي ناقة له استولى عليها جيش أبرهة، قال له أبرهة: قد كنت أعجبتني حين رأيتك، ثمّ زهدت فيك حين كلّمتني؛ أتكلّمني في مائتي بعير، وتترك بيتاً هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه لا تكلّمني فيه؟
فقال عبد المطّلب: إنّي أنا ربّ الأبل، وإنّ للبيت ربّاً سيمنعه(1).
وموقفه هذا يدلّ على درجة عالية من التسليم واليقين لا يمكن أن تتّفق إلاّ لنبيّ أو وصيّ نبيّ.
ومن يكن كذلك فكيف يتصوّر أن تبدر منه معصية عظمى تتمثل في ذبح أحد أبنائه وإن كان نذراً؟
فيجب أن نلتمس لفعله هذا وجهاً صحيحاً من الشرع، وقد استقربنا بأنّه قد تلقّى من الله تعالى عبر الرؤيا أو الوحي أو الإلهام ما دفعه إلى الإقدام على ما أقدم عليه، ولعلّه كان مؤمناً بأنّ الله تعالى سوف يفدي ولده عبد الله كما فدى إسماعيل(عليه السلام) من قبل، ولهذا أقدم على نذره.
وحادثة الذبح كما يرويها بعض المؤرّخين: أنّ عبد المطّلب كان نذر إن وافى له عشرة رهط أن ينحر أحدهم، فلمّا توافوا له أقرع بينهم، فصارت القرعة على عبد الله وكان أحبّهم إليه، فقال: أهو أو مائة من الإبل؟ ثمّ أقرع ثانية بين المائة وبينه، فصارت القرعة على الإبل.
فهذا الخبر يدلّ على أنّ عبد المطّلب كان عازماً منذ البداية على فداء ولده بالإبل، وإلاّ لمضى لسبيله وذبح عبد الله، أو همّ بذبحه كما فعل إبراهيم(عليه السلام) من قبل.
أمّا قولك: ((ثمّ يقوم باللجوء إلى الكهنة والاقتراع بالأسهم))، فلا نرى فيه بأساً أو عيباً على عبد المطّلب كما تظنّ أنت، فإنّ العرب كانوا يقترعون في كثير من المسائل التي يتحيّرون فيها، كالسفر وغيره، فقد كانت القرعة من عادات العرف العربي في الجاهلية وقد أقرّها الإسلام بعد ذلك، أمّا ذهاب عبد المطّلب إلى الكهنة فلم يثبت، وإن ثبت فهو لأجل القرعة لا لأجل التعلّم أو التصديق بأقوالهم.

(1) جامع البيان 30: 489 سورة الفيل.


تعليق على الجواب (1)
لا يمكن القبول عقلاً بأنّ إنسان عاقل ينذر هذا النذر المزعوم، فبدل أن يذبح أحد أبنائه إذا بلغوا العشرة فانّه يتوقّف عن إتيان النساء قبل ذلك!
الجواب:

إنّ آباء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) كانوا يعلمون أنّهم يحملون نور النبوّة.
فلعلّ رغبة عبد المطّلب في كثرة الأبناء ليس هو لأجل كثرتهم، بل هو منتظر لانتقال ذلك النور إلى أحد أبنائه، فطلبه للابن العاشر لأجل هذا الغرض، ولعلّ مقصود نذره هو: إذا تحقّق انتقال النور سوف يذبح أحد أبنائه غير ذلك الابن الذي يحمل ذلك النور، وليس معنى ذبحه أن يحصل ذلك بدون رضا من الله تعالى، بل معناه أنّه لو اختبر كما اختبر إبراهيم(عليه السلام) بذبح ابنه لفعل.
ولمّا خرجت القرعة على عبد الله الحامل لنور النبوّة، التجأ إلى طريقة أُخرى، وهي: التعرّض إلى اختبار آخر، هو: التنازل عن أمواله من الإبل في قبال حفظ هذا الولد الحامل لنور النبوّة، فصارت القرعة على الإبل دون الابن، فرضي بذلك.