الجمع بين كون آباء النبيّ محمّد(صلّى الله عليه وآله وسلّم) موحّدين وتسمية عبد المطّلب
السؤال: الجمع بين كون آباء النبيّ محمّد(صلّى الله عليه وآله وسلّم) موحّدين وتسمية عبد المطّلب ابنه بـ(عبد العزّى)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عندي سؤال حيّرني وأرجو أن أجد عندكم الجواب:
بما أنّ آباء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من آدم(عليه السلام) موحّدون، ومن البعيد جدّاً أن يختار الله تعالى الأنبياء من نطف غير طاهرة قد دنّستها الأرجاس، فما علّة تسمية عبد المطّلب لابنه المعروف بـ(أبي لهب) بـ(عبد العزّى)؟
الجواب:
ممّا يجب أن نعرفه قبل الخوض في التسمية ومشروعيتها، أنَّ هناك أدلّة عديدة نؤمن بها بأنّ آباء الأنبياء والأئمّة(عليهم السلام) موحّدون مؤمنون، وهم من أصلح وأفضل أهل زمانهم، قال تعالى: (( مِلَّةَ أَبِيكُم إِبرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ المُسلِمِينَ مِن قَبلُ )) (الحج:78)، وكذلك قوله تعالى: (( وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ )) (الشعراء:219).
وقد جاءت أحاديث كثيرة تتضمن هذه المعاني، نذكر بعضها اختصاراً:
روى ابن جرير الطبري في (نوادر المعجزات): ((ثمّ قذفنا في صلب آدم، ثمّ أُخرجنا إلى أصلاب الآباء وأرحام الأُمّهات، ولا يصيبنا نجس الشرك، ولا سفاح الكفر، يسعد بنا قوم ويشقى بنا آخرون))(1).
وورد أيضاً: ((وكانت قريش تقول: عبد المطّلب إبراهيم الثاني))(2).
وكذلك قصّته المشهورة وقوله العظيم في وجه أبرهة الحبشي: ((للبيت ربٌّ يحميه[يمنعه]))(3)، واستسقائه بالنبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) عند الجدب والمجاعة، وتوجّهه إلى الكعبة، والتوجّه والتوسّل به إلى الله تعالى(4).
وقال الشيخ المفيد في (أوائل المقالات): (( واتّفقت الإمامية على أنّ آباء رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من لدن آدم إلى عبد الله بن عبد المطّلب مؤمنون بالله - عزّ وجلّ - موحّدون له. واحتجّوا في ذلك بالقرآن والأخبار، قال الله - عزوجل -: (( الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ )) (الشعراء:218-219). وقال رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (لم يزل ينقلني من أصلاب الطاهرين إلى أرحام المطهّرات حتى أخرجني في عالمكم هذا)(5) ))(6).
وروي عن مولانا أمير المؤمنين(عليه السلام) أنّه قال: (والله ما عبد أبي ولا جدّي عبد المطّلب ولا هاشم ولا عبد مناف صنماً قط). قيل له: فما كانوا يعبدون؟ قال: (كانوا يصلّون إلى البيت على دين إبراهيم(عليه السلام) متمسّكين به)(7).
وقد روى أهل السُنّة في تفاسيرهم ما يدعم صلاحهم ومدحهم، ونقتصر على هذه الرواية:
روى السيوطي في (الدرّ المنثور): ((عن ابن مردويه، عن ابن عبّاس، قال: سألت رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقلت: بأبي أنت وأُمّي! أين كنت وآدم في الجنّة؟ فتبسّم حتى بدت نواجذه، ثمّ قال: (إنّي كنت في صلبه... لم يلتق أبواي قطا على سفاح، لم يزل الله ينقلني من الأصلاب الطيّبة إلى الأرحام الطاهرة، مصفّى مهذّباً، لا تتشعّب شعبتان إلاّ كنت في خيرهما...) ))(8).
وبعد هذه المقدّمة والتسليم بها، ينبغي علينا إحسان الظنّ بهم، وتأويل بعض الأسماء، مثل: (عبد العزّى) التي وردت عنهم، خصوصاً أنّ أبا لهب هذا من الكفّار وليس والداً للنبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولا للأئمّة(عليهم السلام)، ولله الحمد والمنّة.
ومع ذلك نقول بأنّ الأسماء عند العرب من أقسام الألفاظ المرتجلة التي لا تدلّ فيها الألفاظ على معانيها، بل على مسمّياتها، ومنها: أسماء الأعلام والبلدان والآلات والأدوات وغيرها. فمثلاً: مَن سمّى ابنه جميلاً، لا يجعله بهذه التسمية جميلاً حقيقةًً، بل قد يكون غيرَ جميل حقيقةًً، ومن سمّى ابنه: عبد الله، فقد يكون عدّواً لله، فلم يدلّ الاسم على مسمّاه، وهكذا.
بالإضافة إلى أنّ مفردة (العزّى) غير مختصّة بالآلهة في أصل وضعها في اللغة العربية؛ فإنّها تعني: العزيزة الشريفة - مؤنّث الأعزّ - فيكون معنى (عبد العزّى): خادم العزيزة، وليس عبداً بمعنى العبادة، كما في عبد المطّلب نفسه.
وكذلك تسمية هذا الابن من بين أبنائه العشرة بهذه التسمية، لها دلالتها على علم عبد المطّلب بجحده وكفره بالرسالة العظيمة في مستقبله، ويدعم هذا الرأي تسمية عدو الله أبي لهب بـ(عبد العزّى)، وتسمية أبي رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بـ(عبد الله).
وربّما علمه وفعله في هاتين التسميتين ناتجة عن المداراة والمصلحة والتقية مع ذلك المجتمع القبلي الجاهلي الظالم، فلولا هذه التغطية بـ(عبد العزّى) والتي قد يقصد منها (خادم العزيزة)، وظاهرها اعترافه بآلهتهم، كما كان أبو طالب يفعل ذلك معهم؛ حمايةً للرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، لما استطاع التسمية بـ(عبد الله) والحفاظ عليه، وعلى نفسه من هؤلاء المشركين، ليكون نبيّنا(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بأبهى صورة وأجمل الأسماء وأحبّها إلى الله تعالى. والله العالم.
ودمتم في رعاية الله
(1) نوادر المعجزات: 81 الباب الثاني (فضائل سيّدة النساء فاطمة الزهراء).
(2) تاريخ اليعقوبي 2: 11 مولد رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم).
(3) كشف الخفاء 2: 138( 2037) حرف اللام، السيرة النبوية 1: 33 قصّة أصحاب الفيل، الكامل في التاريخ 1: 444.
(4) السيرة الحلبية 1: 189.
(5) تفسير مجمع البيان 4: 90، 6: 426.
(6) أوائل المقالات: 45 - 46.
(7) كمال الدين وإتمام النعمة: 174 الباب 12.
(8) الدرّ المنثور 5: 98 سورة الشعراء.