السؤال: آباء النبيّ محمّد(صلّى الله عليه وآله وسلّم) موحّدون وليس منهم آزر
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته..
قرأت في كتاب (أوائل المقالات في المذاهب المختارات) للشيخ المفيد رحمه الله الآتي:
((القول في آباء رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأُمّه وعمّه أبي طالب - رحمة الله تعالى عليهم: اتّفقت الإمامية على أنّ آباء رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من لدن آدم إلى عبد الله بن عبد المطّلب مؤمنون بالله - عزّ وجلّ - موحّدون له.
واحتجّوا في ذلك بالقرآن والأخبار؛ قال الله - عزّ وجلّ: (( الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ )) (الشعراء:218-219).
وقال رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (لم يزل ينقلني من أصلاب الطاهرين، إلى أرحام المطهّرات حتى أخرجني في عالمكم هذا).
وأجمعوا على أنّ عمّه أبا طالب - رحمه الله - مات مؤمناً، وأنّ آمنة بنت وهب كانت على التوحيد، وأنّها تُحشر في جملة المؤمنين.
وخالفهم على هذا القول جميع الفرق ممّن سمّيناه بدء)).(انتهى قول الشيخ).
وسؤالي: ألم يكن أبو النبيّ إبراهيم الخليل على نبيّنا وآله وعليه الصلاة والسلام مشركاً وهو يعتبر جدّ نبيّنا؟
أرجو حلّ هذا الإشكال بالنسبة لي.
ودمتم لخدمة المسلمين.
الجواب:

قال السيّد جعفر مرتضى في كتابه (الصحيح من سيرة النبيّ الأعظم(صلّى الله عليه وآله وسلّم)): ((وقد اعتُرض على القائلين بإيمان جميع آبائه(صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى آدم, بأنّ القرآن الكريم ينص على كفر آزر أبي إبراهيم؛ قال تعالى: (( وَمَا كَانَ استِغفَارُ إِبرَاهِيمَ لأبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنهُ إِنَّ إِبرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ )) (التوبة:114).
وأجابوا:
أوّلاً: إنّ ابن حجر يدّعي إجماع المؤرّخين على أنّ آزر لم يكن أباً لإبراهيم, وإنّما كان عمّه, أو جدّه لأُمّه, على اختلاف النقل، واسم أبيه الحقيقي: تارخ, وإنّما أطلق عليه لفظ الأب توسّعاً وتجوّزاً، وهذا كقوله تعالى: (( أَم كُنتُم شُهَدَاءَ إِذ حَضَرَ يَعقُوبَ المَوتُ إِذ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعبُدُونَ مِن بَعدِي قَالُوا نَعبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ )) (البقرة:133). ثمّ عدّ فيهم إسماعيل, وهو ليس من آبائه, ولكنّه عمّه.
وقد ذكر بعض العلماء: أنّ اسم آزر لم يذكر في القرآن إلاّ مرّة واحدة في أوّل الأمر, ثمّ لم يتكرّر اسمه في غير ذلك المورد؛ تنبيهاً على أنّ المراد بالأب: آزر.
ثانياً: إنّ استغفار إبراهيم لأبيه قد كان في أوّل عهده وفي شبابه, مع أنّنا نجد أنّ إبراهيم حين شيخوخته, وبعد أن رُزق أولاداً, وبلغ من الكبر عتياً يستغفر لوالديه؛ قال تعالى حكاية عنه: (( رَبَّنَا اغفِر لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلمُؤمِنِينَ يَومَ يَقُومُ الحِسَابُ )) (ابراهيم:41)، قال هذا بعد أن وهب الله له على الكبر إسماعيل وإسحاق حسب نصّ الآيات الشريفة، مع أنّ الآية تفيد: أنّ الاستغفار الأوّل قد تبعه التبرّؤ مباشرة.
ولكن من الواضح: أنّ بين الوالد والأب فرقاً؛ فإنّ الأب يُطلق على المربّي وعلى العمّ والجدّ, أمّا (الوالد) فإنّما يخص الوالد بلا واسطة. فالاستغفار الثاني إنّما كان للوالد, أمّا الأوّل فكان للأب.
ثالثاً: إنّه يمكن أن يكون ذلك الذي استغفر له, وتبرّأ منه, قد عاد إلى الإيمان, فعاد هو إلى الاستغفار له.
هذا, ولكن بعض الأعلام يرى: أنّ إجماع المؤرّخين على أنّ أبا إبراهيم ليس آزر منشؤه التوراة, التي تذكر أنّ اسم أبي إبراهيم هو: (تارخ)..
ثمّ ذكر ما استظهرناه نحن أيضاً من أنّ من الممكن أن يكون نفس والد إبراهيم قد كان مشركاً يجادله في الإيمان بالله, فوعده بالاستغفار له, ووفى بوعده, ثمّ عاد فآمن بعد ذلك، فكان يدعو له بعد ذلك أيضاً حتى في أواخر حياته هو كما أسلفنا.
وهذا الاحتمال وإن كان وارداً حيث لا ملزم لحمل الأب في القرآن, والوالد على المجاز، إلاّ أنّه ينافي الإجماع والأخبار؛ فلا محيص عن الالتزام بما ذكرناه آنفاً من أنّ المراد بالأب هو: العمّ والمربّي, لا الوالد على الحقيقة.
مع عدم قبولنا منه قوله: إنّ استعمال الأب في العمّ المربّي يكون مجازاً))(1).
ودمتم في رعاية الله
(1) الصحيح من سيرة النبيّ الأعظم(صلّى الله عليه وآله وسلّم) 2: 189-191.


تعليق على الجواب (1)

لقد ذكرتم في الجواب السابق ان هنالك فرق بين الأب والوالد
وهو أن فإن الأب يطلق على المربي وعلى العم والجد,
أما ( الوالد ) فإنما يخص الوالد بلا واسطة
فما هو الدليل من القرآن على استعمال كلمة الأب مرة للمربي ومرة للعم ومرة للجد؟ ام انه دليل لغوي؟
الجواب:

قال الطباطبائي في الميزان 7/162:
والأب ربما تطلق على الجد والعم وغيرهما، وقد اشتمل القرآن الكريم على هذا الاطلاق بعينه في قوله تعالى: (( أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدى قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون )) (البقرة:133) فإبراهيم جد يعقوب وإسماعيل عمه وقد أطلق على كل منهما الأب، وقوله تعالى فيما يحكى من كلام يوسف عليه السلام: (( واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب )) (يوسف:38) فإسحاق جد يوسف وإبراهيم عليه السلام جد أبيه وقد أطلق على كل منهما الأب .
فقد تحصل ان آزر الذي تذكره الآية ليس أبا لإبراهيم حقيقة وإنما كان معنونا ببعض الأوصاف والعناوين التي تصحح إطلاق الأب عليه، وان يخاطبه إبراهيم عليه السلام بيا أبت، واللغة تسوغ إطلاق الأب على الجد والعم وزوج أم الانسان بعد أبيه وكل من يتولى أمور الشخص وكل كبير مطاع، وليس هذا التوسع من خصائص اللغة العربية بل يشاركها فيه وفي أمثاله سائر اللغات كالتوسع في إطلاق الام والعم والأخ والأخت والرأس والعين والفم واليد والعضد والإصبع وغير ذلك مما يهدى إليه ذوق التلطف والتفنن في التفهيم والتفهم.