بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته







كلّ يومٍ يتجدد الألم المزروع فينا ويكبر، فنجرّ أذيال الهزيمة، والخيبة تعانق وجوهنا المليئة بالحُزن، إنها الحكاية القاسية في حياتنا، هيَ حكاية ذُلّنا التي أنبتت أنيابها في عقولها وقلوبنا منذ ١٣٤٤هـ، وإلى اليوم نحن نعيش أقسى أنواع الحرمان، فإننا جميعاً نتمنّى الوصال إلا أنّ هُناك زبانية يقفون على بوّابة الرّحمة، يُجرّحون كلّ قلبٍ سعى للوصول للقاء أحبابه.

نصرخ في وجه الكون، ولا يسمعنا أحد، لأننا أضعف من أن نصرخ! فصُراخُنا يتمثّل في صمت مُريب، ننتظر الخلاص وانقاذنا من طُغيان أنفسنا المُتقاعسة التي تأمرنا بأن نكون مجرّد كائنات تنشر في الأرض الخضوع، وكأنّها تحتاج إلى المزيد!، إنّ انحدار الأمّة ازداد منذ ذلك اليوم المشؤوم الموسوم بالثامن من شهر شوّال، حيث تمكن المجرمون من هدم قباب مقبرة البقيع، وتمكنوا من ازالة كلّ معالم الفخر في تلك البقعة، إنّهم لا يفقهون أنّ تُراثنا الإسلامي أكبر من ذواتهم.

الطرق امتلأت بالفاقدين، والأرصفة امتلأت بالدموع المُتناثرة بعد بُكاءٍ مرير، وأوراق الأشجار لا تغطّينا بدفئها المُعتاد، فكلّ الفصول أصبحت بلا تغيير، إنها مُجرّدة من الأحاسيس، أصبحنا نمشي في المُدن كالمجانين، نترنّح نبحث عن معشوقٍ لا نظير له، وحبيبٍ لا مثيل له، لنبني معه تلك القبّة الذهبية التي ستعانق السماء إن شاء الله، ونزحف في ذلك اليوم إلى المدينة المنوّرة كما نزحف إلى كربلاء، لنُشاهد قبّة الحبيب صلوات الله عليه وقبّة الحسن بن علي (عليه السلام)، ونطوف فيما بينهما نبحث عن قبر ضاع في لجّة ظلام أعيننا.

لا تظنّوا أننا سنتخلى عن البقيع، فهوَ محفور في قلوبنا، إلا أنّ الخُذلان أكل منّا ما أكل، وصنع فينا ما صنع، لا تظنّوا أننا نسينا هذه البقعة المباركة، فهي أرضٌ تشرّفت بأقدام النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله)، لا تظنّوا أننا سنبقى مكتوفي الأيدي، فإنّ لنا ناصراً سيظهر، وسيمحق الظَلال والظَلام، وسينثر النور، وسيقف الطُغاة مذهولين، من عظمة ما سنصنع في تلك الأرض، سنبكي ونسقي نعش الحسن (عليه السلام) بالدموع لا كما سقته الخونة بالسهام، وسنضع الورود فوق المرقد، ونُقرّ عين الحُجّة (عجّل الله تعالى فرجه)، وستكثُر أنغامنا بين شفاهنا ونُسمع العالمَ دويّ اسم الحسن (عليه السلام)، ونرسم لوحة عشق لا مثيل لها.

لا تظنّوا أننا لن نقيم ذلك العزاء المركزي في ليلة استشهاد الحسن بن علي (عليه السلام) وفي بقعة البقيع المقدّسة، ونطلق تلك الآهة التي تُخرس الليل، وتُرهب الشامتين، إلى متى والدنيا تقسو على شيعة عليّ؟ إلى متى ونحن ننتظر الخلاص أو الموت، ألم نتعلّم سابقاً، أنّ البدايات هيَ أُمّ النهايات؟ إلى متى والبقيع مهشّم الأضلاع، كصحراء مُقفرة؟.


كلّ شيء ينتظر الشهقة الأعظم، والصرخة الأبهر، لابُدّ أن تُشرق الشمس بعد نهايات الليل الطويل، لابد وأنّ يُجاب الدعاء في يومٍ من الأيّام، ولن ننسى (البقيع الغرقد) في كلّ لحظة من لحظات حياتنا
.