الدرس الأول: حقيقة الإستكبار
ما هو الإستكبار ؟
الإستكبار كلمة مأخوذة من التكبُّر وهو الاستعلاء على الآخرين، والاستكبار ليس مسألة جديدةً، ظهرت في زماننا، بل هو مسألة قديمة بقدم التاريخ، وقد ذكر الله تعالى في القرآن الكريم أمثلة على المستكبرين كفرعون، قال سبحانه وتعالى:﴿ ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ * فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ * قَالَ مُوسَى أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ * قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ ﴾1.
والتكبُّر في الإنسان هو من الصفات الأخلاقية الذميمة التي ذكرها علماء الأخلاق في عداد الصفات المهلكة للدين، بناءً على ما ورد في الروايات من التحذير، فعن الإمام الباقر عليه السلام:
" العز رداء الله، والكبر إزاره، فمن تناول شيئا منه أكبه الله في جهنم"2.
وفي رواية أخرى عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قالا:
" لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر "3.ويقول دام ظله:
9
"من أعظم مسؤوليات الإنسان حيثما وجد معرفة حدوده القانونية وعدم تجاوزها، وتجاوز الحدود ما هو إلا عبارة عن الاستبداد والاستكبار بما ينطويان عليه من مفهوم قبيح ومشين؛ وأعظم خطر يحيق بالإنسان هو أن يستحوذ عليه الاستبداد والاستكبار، وهذا وبال ربما يصاب به الجميع أيضاً "4.
واصطلح هذا اللفظ في هذا العصر على الدول المستكبرة التي تحاول الهيمنة على العالم .
يقول الإمام الخامنئي دام ظله:
" الاستكبار العالمي يشمل جميع القوى المتغطرسة والمتجبّرة في العالم، وجميع الوجوه الوقحة المتسلطة على الشعوب"5.
نظرة الاستكبار إلى العالم
تنظر الدول الاستكبارية إلى الدول الأخرى نظرةً احتقاريةً ودونية، وتحاول أن ترسم عن نفسها في مختلف وسائل الإعلام صورة مثالية، وكذلك فإنها تصور الآخرين بحالة من التخلُّف والرجعيَّة، وأنهم يحتاجون لزمن طويل لكي يصلوا إلى التقدُّم الذي وصلت إليه هذه الدول المهيمنة، والهدف من ذلك كله بحسب ما يشير إليه الإمام الخامنئي دام ظله هو زرع اليأس والضعف في النفوس الضعيفة، وإيقاع الهزيمة النفسية في الشعوب، يقول دام ظله:
10
"وإنكم لو نظرتم الآن إلى المشهد الجغرافي لهذا العالم في تقسيماته وممارساته السياسية، لوجدتم على ماذا يستند أولئك الذين يتصوَّرون امتلاكهم لكل شيء على هذه الأرض، والذين ينظرون باحتقار لكل الشعوب ويسيطرون ظلماً وعدواناً على المصادر البشرية والمادية، وهم قوى الاستكبار، فعلى ماذا يعتمد هؤلاء؟ إن أهم ما يعوّلون عليه هو الإيحاء للشعوب بأن قوتهم قوة لا منازع لها "6.
وقد يصل الأمر ببعض الدول المستكبرة أن تخاطب الآخرين بلهجة العبيد، أو الخدم، ويوحون للعالم بأنهم يمتلكون هذه الدول الصغيرة . يقول الإمام الخامنئي دام ظله عن هذا الأمر:
"إنه لَمنَ النادر حقاً أن يعثر المرءُ على حكومةٍ تتحدثُ بمثل ما يتحدث به هؤلاء حول دول الشرق الأوسط، فهم يعتبرون هذه الدول ملكاً لهم! وهذا ما يعنيه الاستكبار "7.
الإستكبار والنزاع العالمي
يشير الإمام الخامنئي دام ظله إلى مسألة في غاية الأهمية، وهي أن محور النزاع في العالم دائماً هو طمع المستكبرين الذين يحاولون أن يسيطروا على شعوب الأرض ويقرروا مصير هؤلاء وفق مصالحهم ورغباتهم الشخصية، يقول دام ظله :
"إن النزاع الدائر في العالم سواء في الماضي أو الآن أو في المستقبل سببه أن القوى الإستكبارية تسعى إلى تقرير مصير الشعوب وفق ما تشاء "8
11
الإستكبار والمجازر
ليس من الغريب أن نرى بصمات أيدي الإستكبار العالمي في المجازر التي ترتكب بحق الشعوب المستضعفة، فهذا أمر طبيعي إذ إن دول الإستكبار التي تتغنى يومياً بحقوق الإنسان وحقوق المرأة وحقوق الحيوان، ليس لديها أي قيمة للإنسان الآخر إلا بمقدارما يحقق لها من مصالح .
ومن هنا يقول الإمام الخامنئي دام ظله:
"أينما تجد مجزرة ضد المسلمين، تجد حضوراً مباشراً من الاستكبار أو تحريكاً وتشجيعاً منه، أو سكوتاً ذا معنى واضح يعبر أجلى تعبير عن التشجيع "9.
فالتعاطي بمكيالين مع القضايا الإنسانية أصبح جليَّاً لكل شعوب العالم المستضعف؛ ففي وقت تقوم القيامة في الولايات المتحدة وأروقة مجلس الأمن لجرح صهيوني محتل في لبنان أو فلسطين، تجدها تسكت حين يرتكب الصهاينة المجازر في قانا وجنين . كذلك تراها تتشدق بالحديث عن انعدام الديمقراطية وعن سجناء الرأي السياسي في العالم العربي، في حين ترى بشائر ديمقراطيتها في أبو غريب وغوانتنامو، وعن هذا يقول دام ظله:
"لقد تظاهرت القوى الشيطانية وما تسمونه بالاستكبار الذي يتمثّل في أمريكا ضد البشرية والقيم الإنسانية . فأرواح آلاف الأشخاص لا قيمة لها عندهم، فقد شاهدتم كيف أن إسرائيل في ظرف خمسة عشر أو ستة عشر يوماً قتلت وجرحت وشرّدت عشرات الآلاف وأحدثت الفجائع دون أن يطرف جفن للاستكبار العالمي الذي يستفزأجهزته
12
ويبذل الأموال رياءً لإنقاذ حياة قطة سقطت في بالوعة رغم أنها حيوان! ! " 10.
ومن أكبر نماذج المجازر التي يرتكبها الإستكبار العالمي، هو احتلال أراضي الشعب الفلسطيني وإقامة كيان صهيوني على أنقاضه، وهذا أسوء ما يمكن أن نتصوره من أنواع الاستكبار الممزوج بالاستعمار، لأنه مجزرةٌ بحقِّ أمة كاملة لها الحق في العيش والاستقلال . وعن هذا النوع الفاضح من المجازر يقول الإمام الخامنئي دام ظله:
"من الناحية الإنسانية شعب مظلوم في المقابل حكومة عنصرية ترتكب شتى أنواع الظلم وكل هذا الكذب والافتراء الصادر عن أمريكا والمنظمات الدولية وما يسمى بالمفكرين الغربيين بشأن الديمقراطية، ومن الناحية الأمنية تعتبر القضية الفلسطينية خطراً امنياً يحدق بكل المنطقة ليس فقط يحدق بمواطنيهم بل بكل المنطقة فهؤلاء يملكون ترسانة نووية وما زالوا ينتجون المزيد، ومنظمة الأمم المتحدة حذرت مراراً لكنهم لا يبالون، والسبب الرئيس هو الدعم الأمريكي، يعني ذنب الممارسات الصهيونية والكيان الغاصب يقع في غالبيته على عاتق الإدارة الأمريكية . اعلموا انه وخلال خمسين عاماً من حكم اليهود صدر 29 قراراً ضد إسرائيل في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وقد مارست أمريكا حق الفيتو ضدها جميعاً، والآن يمضي حوالى عشر سنوات تقريباً منذ عام 1990 بعد تداعي الاتحاد السوفياتي السابق لم تسمح فيها أمريكا بطرح
13
قرارات في مجلس الأمن ضد إسرائيل . إذن فمسؤولية كل هذه الجرائم تقع على عاتق أمريكا، أمريكا التي ترعى عملية السلام وأحياناً ما ترتسم على وجهها ابتسامة خبيثة ومسمومة لكل الشعوب بما فيها شعبنا العزيز والمظلوم فإنها المجرم الأول في قضية فلسطين، وأحد ذنوبها هو أن يدها غارقة حتى المرفق في دماء الفلسطينيين "11.
ما الدافع وراء الاستكبار؟
سؤال لا نلتفت إلى حقيقته في كثير من الأحيان، فهل أن دول الاستكبار العالمي تقوم بكل هذه المؤامرات والمحاولات للهيمنة على العالم بنفسها، أم أن وراءها أحداً ما يدفعها إلى هذه الغطرسة؟
يجيب الإمام الخامنئي دام ظلهعلى هذا التساؤل:
"إن شيطان الاستكبار قد اهتم بنشر جبهته إلى جميع أرجاء العالم وجميع شؤون الحياة الإنسانية وكل الفئات البشرية في المجتمع، وأقصد بجبهةالشيطان هذه المادية الغربية التي يخطط لها أئمة الكفر والاستكبار وتقوم على أساس مصالح أصحاب الشركات الكبرى وأصحاب رؤوس الأموال الضخمة ونهمهم وطغيانهم وحرصهم المسعور"12.
وما يشير إلى ذلك قول وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت والذي يصور حقيقة هذا الجشع المادي اللامتناهي، حيث تقول في أحد خطاباتها :
"إن الهدف الأساسي لحكومتنا هو التأكيد أن المنافع
14
الإقتصادية للولايات المتحدة ستمتد إلى المستوى الكوني "13 .
وهذا ما نراه في الأهداف الاقتصادية التي يبتغيها الاستكبار من احتلاله للبلدان كالعراق الغني بالنفط، حيث إن العقود الإقتصادية المعلنة التي لزمت لشركات أمريكية بلغت حوالى سبعة مليارات دولار، وذلك بعد أن تم إلغاء العقود السابقة…14.
خلاصة الأمر :
"إن الثقافة الأمريكية، تخالف كل تعابير الديمقراطية، بهدف الوصول إلى مجتمع شامل من المستهلكين، بحيث تختفي المعايير القبلية، والمواطنة، وحتى الإنسانية ولا يبقى سوى المستهلك، وبهذا تبقى سياسة الولايات المتحدة مرتبطة بقدرتها المسيطرة"15.
أهداف الإستكبار العالمي
يتضح من خلال ما قدَّمنا أن أهم الأهداف التي يبتغيها الاستكبار من محاولته الهيمنة على العالم، تبتني على الأصعدة الثلاثة: الاقتصادية، والسياسية، والثقافية، ولهذا يقول الإمام الخامنئي دام ظله:
"لقد أضحى من مستلزمات الروح الاستكبارية وحقاً يأتي هنا محل كلمة الاستكبار في عالمنا المعاصر القيامُ بحركة
15
عاجلة للهيمنة على العديد من الأصعدة ـ وهي بالأساس ثلاثة: الاقتصاد والسياسة والثقافة ـ وتبدأ الحركة من القمة كالسيل الجارف الذي ينزل نحو الوادي، وقد انحدر هذا السيل وهو ليس ابن هذه السنة أو التي قبلها، غاية الأمر أنه يزداد شدّة بحسب الظروف العالمية "16.
16
هوامش
1- سورة يونس، الآيات75 ـ 78
2- الكافي، الشيخ الكليني، ج2، ص309 .
3- الكافي، الشيخ الكليني، ج2، ص. 310
4- المناسبة: عيد الفطر السعيد الزمان والمكان: غرة شوال 1422هـ طهران .
5- المناسبة: الذكرى السنوية السابعة لرحيل الإمام ( قدس سره ) الزمان والمكان: 16 محرم 1417هـ
6- المناسبة: الذكرى السنوية الحادية عشرة لرحيل الإمام الخميني ( قدس سره ) الزمان والمكان1 ربيع الأول 1421هـ طهران( مرقد الإمام قدس سره ).
7- المناسبة: 13 آبان ذكرى إحتلال السفارة الأمريكية الزمان والمكان:29 شعبان 1423هـ طهران.
8- المناسبة: يوم المعلم والعمال المكان والزمان: 3 ذي الحجة 1415هـ ـ طهران .
9- الزمان والمكان:7 رمضان 1414هـ طهران.
10- المناسبة: يوم العمال ويوم المعلم المكان والزمان:12 ذي الحجة 1416هـ ـ طهران
11- من كتاب الإنتفاضة ومؤامرة الاستكبار إصدار جمعية المعارف الإسلامية الثقافية .
12- الزمان والمكان: 7 رمضان 1417هـ ـ جامعة طهران .
13- صناعة القرار في أميركا، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ص 183، من محاضرة للدكتور محمد سليم وهبة
14- صناعة القرار في أميركا، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ص193، نقلا عن جريدة السفير العدد 9251 ، عن أ ب، أ ف ب، رويترز، د ب أ، يو بي أي .
15- صناعة القرار في أميركا، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ص 196، من محاضرة للدكتور محمد سليم وهبة .
16- المناسبة: ذكرى تأسيس مجلس الشورى الإسلامي الزمان والمكان:15 ربيع الأول 1423هـ ـ طهران .