قصتي انا و الالف بنت / الصفحة الثالثة
ب ش معروف
أكملتُ اِمتحاناتِ الثّالثِ المتوسِّطِ و صِرتُ أتجَوَّلُ في شوارعِ المدينةِ أمشي مُتمهِّلاً و مُبتهِجاً لا يشغلُني شيءٌ سِوى النَّظرِ في كلِّ شيءٍ فَكلُّها يُوحي اِليكَ بالدِّفءِ و الطُّمأنينةِ و الفرحِ و السّرورِ في هذا الصَّباحِ الحُزيراني الجميلِ ف(السُّلَيمانيَّةُ) مدينةٌ رائِعةُ الجَمالِ و ساحِرةٌ بِجبالها و أوْدِيتِها و طبيعتِها الخلاّبةِ تُسابِقُ الزَّمنَ و تُعانِقُ المستقبلَ عاصمةً للثَّقافةِ و مُتجَدِّدةً على الدَّوامِ اِنَّها عروسةُ اِمارَةِ (بابان) يَتَجلّى فيها هذا النَّسَقُ الرُّوحِي مِنَ الحِوارِ بينَ الحَجَرِ و الشّارعِ و البَشَر مدينة مغسولةً بمياهِ الذَّهبِ و الفِضَّـةِ و الماسِ تأخُذُكَ للخيالِ و بَناتها الجَميلاتِ الفاتناتِ الماهراتِ في التَّزَيُّنِ الأنيقاتِ في اللِّبْسِ و الفطِناتِ يكفي لِعيونِك أن تفتَخِرَ بأنَّها رأتْهُنَّ ذاتَ يَومٍ يَمُرْنَ أمامي يأخذنَ عقلي و روحي بلْ يُعطينَكَ اِمتِداداً مِنَ الأوهامِ و الالهامِ في سماءِ الفِكرِ و الشِّعرِ تَمنَّيتُ لَو أصِلَ الى أعماقِ كلِّ واحدةٍ مِنهُنَّ و أُحاورَهُنَّ تَتَناثَرُ أحاسيسي في كلِّ الاتِّجاهاتِ شرقاً و غرباً و شِمالاً و جنوباً ما لِهذهِ الألوانِ الزّاهية؟! تَسائلتُ كثيراً و أنا أجِدُ أكثرَهُنَّ أكبرَ مِنِّي سِنّاً ماذا لَو كنتُ بِعُمرِ أخي الأكبر؟!
لكن لن يطول هذا اِلاّ هُنيهاتٍ قصيرةٍ لأفيقَ على صَدى نصيحةِ أُمِّي بأنَّ أمامي سنوات طويلة كَي أُفكِّرَ في البناتِ لأعودَ مهزوماً محروماً مكسوراً و أتَحسَّرَ فقط.
دخَلتُ في شارعِ ( بيرَمَيرد ) و لأوَّلِ مرَّةٍ أرتادُ مكتبةً لأشتري كتاباً أو مجلَّةً و أنا أطالِعُ في عناوينِ الكُتُبِ المعروضةِ اِذا بصاحبِ المكتبةِ يُناولني بِحذرٍ شديدٍ شَريطَ مُسَجِّلٍ و طلبَ منِّي أنْ أُوصِلهُ الى أخي الأكبرِ الَّذي كانَ طالباً في كلِّيَّةِ الطّبِّ و كانَ مُولَعاً بِأشرِطَةِ الخُطَبِ الدِّينيَّةِ (المحظورةِ طبعاً في ذلكَ الوقت) أخذتُهُ و تابعتُ البحثَ في عناوينِ الكُتُبِ الى أن لفتتْ انتباهي مجلَّةٌ اسمُها (أحباب) اشتريتُها و عُدتُ أدراجي للبيت.
و أنا أطالِعُ المجلَّةَ قرأتُ فيها قصَّةً قصيرةً ، قصَّة الصياد الصغير لكاتبة شابة كانت اسمها (لُبنى عمّان) معَ أنَّ القصَّةَ كانتْ للاطفالِ الاّ انَّني استمتعتُ كثيراً بقراءتها مُنجَذباً كذلكَ الى صورَتها في أعلى الصَّفْحةِ وجهٌ كالبَدرِ و أحلى بَشرةٌ بيضاءٌ و عيونٌ واسعةٌ خضراء و هدوءٌ لا مُتناهي يوحي لكَ بأنَّكَ قَد تكون في الجنَّةِ مع الحوُرِ ، انتهيتُ مِن قراءةِ القصَّةِ و لم أنتهي مِن النَّظرِ الى صورتِها.
ما لِهذا القلبِ يصرخُ في العالَمِ و لا أحدَ يسمعُ صُراخَه؟؟؟
يا اِلهي كيفَ لي أن أصبرَ كُلَّ هذه السنين الطَّويلة ؟ و هل كُلَّما أحببتُ فتاتاً أو أعجبتني عليَّ أن أغمضَ عَيني و كأنَّ شيئاً لا يَعنيني؟؟؟
يا أُمِّي قد أكونُ مُقتنعاً بما قُلتِ لكنِّي حزينٌ جدّاً بَل خَسرتُ قلبي و أصْبحَتِ الآهاتُ رَفيقةَ لَيلي و الدّموعُ بَلَدي و عِنواني..
بقلمي