قصتي انا و الالف بنت / الصفحة الثانية
ب ش معروف
جَلستُ في غرفتي أُفكِّرُ فيها و نسيتُ كلَّ شيءٍ حولي و تشاغلْتُ حيناً بدفاتري و أوراقي شاردَ الفكرِ و الذِّهنِ و أمامي مجموعةٌ مِن كُتبـي المدرسيَّة لا أدري بأيِّهم أبدأُ لكنَّني في الأخيرِ تناولتُ و مَسكتُ كتابَ الرِّياضيّاتِ و أنا أُقلِّبُ في صفحاتِهِ تَعجَّبتُ مِن عِلمِ الحِسابِ فكيفَ يصبحُ ناتجُ جمعِ 1+1=2 و ناتجُ جَمعي أنا و (ليلى) يساوي واحداً صَحيحاً فأيُّ المُعادلتينِ أصـَحُّ يا ترى ؟ أعَدتُ كتابَ الرِّياضيّاتِ مكانهُ و مسكتُ كتابَ التَّأريخِ و حملات (نابليون بونابرت) تعجَّبتُ مِن هذا القائدِ الفرنسيِّ الكبيرِ كيفَ عَبَرَ البلدانَ والبحارَ مِن فرنسا الى مِصر و أنا لا أجرُؤ حتّى على عبورِ الشّارعِ لأصِلَ الى حبيبتي حزنتُ لِحالي كثيراً فتركتُ كتابَ التَّأريخِ كذلك و مسكتُ بكتابٍ آخر هوَ كتابُ الأدب العربيِّ و قرأتُ فيهِ لامرُؤ القيسِ
أغَـرَّكِ مِنِّـي أنَّ حُبَّـكِ قَاتِلِـي
وأنَّـكِ مَهْمَا تَأْمُرِي القَلْبَ يَفْعَـلِ
للهِ دَرُّكَ يا ( امرؤ القيس) كأنَّكَ بداخلي مَنْ قالَ انَّكَ شاعِرُ المجُونِ بَل أنتَ شاعرُ الأحاسيسِ و القلبُ الحنون.
فُتِحَ البابُ فجأةً و دخلتْ والدتي و كانتْ بثيابِ الصَّلاةِ و في يدِها قدحٌ مِنَ الحليبِ السّاخنِ وَضَعتْهُ على الطّاولةِ أمامي ، جلستْ على كرسيّ ٍ قريبٍ مِنّي و بقِيَتْ صامتةً تتأمَّلُني بعضَ الوقتِ و أخيراً تكلَّمَتْ و قالتْ بِهدُوءٍ :
-ماذا تقرأُ يا (بندي)؟
- شِعراً غزليّاً ل(امرؤ القيسِ) اِنَّهُ شاعرٌ عظيمٌ مِن أصحابِ المعلَّقات
- لا بأس ......( و ابتسمتْ )
و أنا أشربُ الرَّشفةَ الأُولى مِنَ الحليبِ بَدأتْ تنصحُني و تُركِّزُ في حديثها على حقوقِ الجارِ في الاسلامِ تعجَّبتُ كثيراً مِنْ أمرها لأنَّني تعوَّدتُ دائماً أنْ أتلقّى النَّصائِحَ مِن والدي فقط و قالتْ :
- عليكَ يا ولدي أن تنتَبِهَ لدروسكَ و تحصلَ على درجاتٍ عاليةٍ فأنت طالبٌ متفوِّقٌ و ذكيٌّ والحُلمُ بأن تصبحَ طبيباً أو مهندساً ذاتَ يومٍ و أن يكونَ لكَ شأناً و مكانةً مرموقةً في المجتمعِ و بينَ الأهلِ و الأصحابِ عِندها لكَ أن تختارَ و تتزوَّجَ مِمَّن تشاءُ و سنُباركُ لكَ و نفرحُ لأجلكَ أمّا الآنَ و أنتَ في الثّالثِ المتوسِّطِ أرجوكَ يا اِبني أن لا تُشغلَ بالَكَ بالبحثِ عنِ البناتِ هذا أوَّلاً و أمّا ثانياً عليكَ أن تَعرِفَ أنَّ بِنْتَ الجارِ بِمثابَةِ أُختِكَ و عليكَ أن تصُونَها لا أنْ تُغازلَها و تُشغلَها عَن درُوسِها يَجبُ أن لا تسمحَ لنفسِكَ بذلك.
لم يكُنْ يخطُرُ ببالي أبداً أنَّها لاحظَتْ وقوفي في سطحِ البيتِ و كلامي مَعَ (ليلى ) لكن ما حصلَ قد حصلَ و كَلامُها نزلَ على قلبي كالصّاعِقةِ بلْ كانَ حُكمَ الاعدامِ على أُولى بَسَماتي في هذه الدُّنيا الغريبةِ و للأسفِ لمْ أكُن جريئاً للافصاحِ عَن حُبِّي الكبيرِ لَها و الدِّفاعِ عَن هذا الأملِ الوليد.
حديثُ والدتي كانَ مُقنِعاً جدّاً رغمَ أنَّني لمْ أكُن أستَسيغُهُ البَتَّة لكن ليسَ لي اِلاّ أن أستسلِمَ و قَدْ أقحَمَتِ الدِّينَ في نُصحِها لي و أنا كنتُ مُتَديِّناً اِلى حَدّ ٍ ما.
كيفَ ذلكَ يا أُمِّي؟
كيفَ و أنتِ الحنونةُ الغاليةُ سمحتِ أن تَقتُلي نَبضي و حِسِّي؟
ألا تعلمينَ أنَّ الحُبَّ هوَ الحياة؟ و أنَّني بدونِ (ليلى) لن أكون، اِنَّها توأمُ رُوحي و انَّها الأقربُ مِن دَمِي.
كَم كرهتُ ضَعفي و قِلَّةَ حيلتي؟ دَبَّ اليأسُ في قلبي و ضاقتِ الدُّنيا في صَدري فاذا بقلبي الصَّغيرِ ينفطِرُ فَلَم يكُن ذلكَ سهلاً أبداً فَما أمَرَّ الاحساسَ بالهزيمةِ و الانكسارِ و الهـَوان......
بقلمي