قصتي انا و الالف بنت / الصفحة الاولى
ب ش معروف
كانَ الوقتُ مساءاً وأنا أراها لأوّلِ مرَّةٍ في حَياتي لَم يكُن عُمري يتجاوزُ حينَهُ الخامسةَ عشر و هيَ كذلك ، (ليلى) وما أحلى (ليلى) ، جَرى الدَّمُ في عرُوقي و نَبَضَ الفؤادُ فَارْتَسَمَتِ اللَّهفةُ في عيُوني لِجَميلةِ هذا الكَوْنِ لِينتحرَ الخجلُ و يندحرَ جَمعُ النَّصائِحِ الَّتي مَلئوا بها آذاني منذ أنْ وعيْتُ على الدُّنيا ، اِنّهُ القلبُ و ليسَ القلبُ بِتفّاحةِ نيوتن لِينْجذبَ الى الأرضِ بَل يَسمو و يَسمو حينَ يُصافحُ النّجومَ و يعتلي الكَواكبَ ليجاورَ القَمرَ و يُحاورهُ و يرقصَ فرحاً و أملاً في لقاءِ العيون ، كانَت كُلَّ البشر و لا أحدَ غَيرها على وجهِ البَسيطةِ حاولتُ جاهداً أنْ ألفِتَ انتباهها و نظرها نحوي و أسعى لفعلِ المستحيلِ دونَ جَدوى خَصَلاتُ شَعرِها تَطايَرُ في الجوِّ و عيونُها تأسرُني ، سَمراءٌ ليستْ كمثلِها سَمراء في مُنتهى الرِّقَّةِ و الجمالِ والصَّفاء.
أحلامٌ تتسابقُ و العيونُ تَلحقُ كلَّ حَرَكةٍ مِنْ حرَكاتِها الى أنْ نقلتْ ببصرها نحوي........
آهٍ يا مولاتي لا يوجدُ أجملُ مِن عيونِك ، عيون يكمُنُ داخلها السِّحرُ و البراءةُ و قِصَصاً أنتظرُ أنْ أسْمعها و لَمْ أسمعها بعدُ و سَفَراً أبدِيّاً و هِجْرةً في الخيالِ رَغماً عَنِّي أمْ بارادتي لا أعرفُ ولا أعرفُ مِن أين سأبدأُ و أين سينتهي المطافُ بي ، انّها لحظةُ البحثِ عنِ الحياةِ لحظةُ البحثِ عن الرُّوح لحظةُ البحثِ عن الذّات لحظةٌ تختزلُ العمرَ كلّه في بَسْمةِ شفاهٍ أو غَمزةٍ مِن عينِ الحبيبةِ مُترقّباً اِشارةَ الرِّضا و علامةَ القَبول.
انّها رحلةُ الاكتشافِ و ساعةُ القَشعريرةِ انّها السَّعادةُ المُطلقة.
قَد يبدو الأمرُ لِلبعضِ حُبَّ المراهقين و عبثَ الأطفالِ المجانين أو فراراً مِن الكَبْتِ و الخجلِ و التّربيةِ المُحافِظةِ الجاثمةِ على البيتِ و تَمَرُّداً على الكُل لكنَّني لا أدري سِوى أنّني أمامَ طوفانٍ مِنَ المشاعرِ و الأحاسيسِ لا يفهمُها غَيري و لا يدفعُ ثَمنَها سِواي.
انّها السّاعةُ الَّتي يتحوَّلُ فيها القلبُ الى حاكمٍ مُطلقٍ و سُلطانٍ مُستبَدّ ٍ و ما للعَقلِ و الجَوارحِ الاّ أنْ يقولَ لهُ نَعَم ، قُوَّةٌ خَفيَّةٌ هائِلةٌ تَجذبُني اليها مع هذا كنتُ أتَمنّى أنْ أكونَ أكثر جرأةً و أُناديها بأعلى صوتي قبلَ أنْ تَنزلَ مِن سَطحِ مَنزِلِها و تَذهَبَ عَنِّي .
تَقَدَّمَتْ بِخطواتٍ قليلةٍ و وقفتْ خلفَ حائِطِ السّتارةِ و كانَ يفصلُ بينَ دارَيْنا شارعٌ عام هوَ شارعُ (تُوت المَلِك) و مَعَ أنَّ الشارعَ عريضٌ و المارَّةُ كثيرون و تَمُرُّ كذلك سَيّارَةٌ مِن حينٍ لآخَرَ و معَ أنَّ في الحديقة الخارجيَّةِ أمامَ منزلهم و المُسَيَّجةِ ببعضِ الأخشابِ القَصيرَةِ و الملوَّنَةِ بالألوانِ الزّاهيَةِ كان والداها يجلسانِ على أرجوحَةٍ حَديديَّةٍ يهُزُّها الأستاذ (كمال) بقدَمَيهِ فيتمايلانِ و هُما يتحدَّثانِ بادَرَتني (ليلى) بالسَّلامِ و قالتْ:
-مساءُ الخيرِ يا ( بندي)
تَلَعثَمتُ و أنا أُجاوبُها بِصوتٍ خافِتٍ :
- مساءُ النور
اِنتَبهتْ لِخجلي فابْتسمتْ قليلاً و قالتْ :
- مع السَّلامة
غادرَتْ و أنا أقولُ في نَفسي :
-أفديكِ بِروحي يا مَلاكي ما أحْلاكِ
بقلمي