العلامة عبدالرزاق السنهوري أستاذ أساتذة القانون في العراق
أحرار العراق :
... يقول الادباء ان المعرف لا يعرف، فالعلامة السنهوري الذي اشرف على وضع أول قانون مدني عربي للعراق بناء على طلب الحكومة العراقية قد اضطر للإقامة في بعقوبة التي احبها وأحب اهلها وامتدح طيبتهم وكرمهم.. وأقام في دمشق تارة اخرى للاستمرار في وضع القانون المذكور، لأن حكومة الوفد في مصر كانت تطارده كونه من اعوان المناهضين لزعامة علي ماهر والنقراشي، بل طلبت من حكومة العراق رسميا عدم السماح له بالعمل في مؤسساتها، فاضطرت الحكومة العراقية الى مناشدته الاقامة في بعقوبة وتأمين كل متطلباته، لكي تؤكد لمصر انه غير موجود في بغداد.وقد امتدح اهالي بعقوبة كثيرا.
استجاب الى طلب الحكومة ولكن ما يتوفر في العاصمة غير ما يتوفر في بعقوبة وخاصة الصحف والمجلات وأجهزة الراديو وغير ذلك .. وطلب من الحكومة العراقية ان يعيش في دمشق لإكمال ما كلف به.. رحبت الحكومة السورية به وعرضت عليه منصبا مهما إلا انه ظل على تعاقده واستمر يعد مواد القانون العراقي من دمشق .. كما ان الزعيم الوطني المرحوم ياسين باشا الهاشمي في عهد وزارته الثانية عام 1935 استدعاه لتولي عمادة كلية الحقوق ووضع القانون المدني الى جانب قوانين اخرى،واستعان وزير العدل محمد زكي بالعلامة السنهوري لتعديل قانون العشائر العراقية الذي وضعه المستعمرون الانكليز لإدارة شؤون البلاد على النحو الذي يديرون فيه مستعمراتهم وخاصة الهند.
اجتمعت اللجنة الحقوقية في مجلس النواب لدرس التعديلات التي ادخلها العلامة السنهوري على قانون العشائر، ولكن هذه التعديلات لم تلق تأييدا من السيد رشيد عالي الكيلاني وزير الداخلية لأنه رأى فيها ما يضعف قوة السلطة التنفيذية، واعتمدت جميع الحكومات التي اعقبت وزارة المرحوم ياسين باشا الهاشمي على جهوده في اصلاح الاوضاع القانونية. ولما تأكد للحكومة المصرية الموقع المتميز الذي ناله العلامة السنهوري في العراق طالبت بإبعاده عن العراق. إلا ان الحكومة العراقية امتنعت عن ذلك. وتصور البعض عدم الاستجابة هذه انها نتيجة للخلاف السياسي بين نوري السعيد والنحاس باشا، لكن الحقيقة هي ان حاجة العراق للسنهوري قد وضعت فوق كل اعتبار خاصة وانه لم يمارس عملا سياسيا يؤثر في العلاقات المصرية المتصادمة مع بعضها لأن (الخلاف المكبوت) بين العراق ومصر كان منحصرا بين الاسرتين الملكيتين، حيث كانتا تتنافسان تنافسا وهميا على وراثة (الخلافة الاسلامية) التي كان الانكليز يثيرون موضوعها وهي من اساليبهم الدنيئة (فرق تسد) وزرع الفتن والشقاق بين العرب والمسلمين.
كان العلامة السنهوري عن حسن الظن في الابقاء على خدماته القيمة للعراق فقد رفع من مستوى كلية الحقوق وشجع الدراسات العليا، واليه يعود الفضل في اعداد الكثير من القانونيين، وأساتذة الحقوق وحكام التمييز وآخرين شغلوا مناصب عليا في الدولة بجدارة وكفاءة، كما ارتبط بعلاقات واسعة مع عدد كبير من رجال الفقه والقانون والأدباء والشعراء.
حفظ العلامة السنهوري بعد عودته الى مصر افضال العراقيين ونخوتهم وكرمهم وظل يقف الى جانب الطلبة العراقيين الدارسين في مصر ويوجههم ويساعدهم في المصادر ويوصي اساتذتهم، وكان يقف الى جانب العناصر الوطنية في مواقفها ضد تصرفات المحتل البريطاني.. ويوم امتنعت وزارة مصطفى العمري عن تلبية مطالب الشعب بتبديل قانون انتخاب النواب بحجة عدم امكان اصدار مثل هذا القانون بمرسوم لعدم وجود مجلس للنواب، يومها استطلع المرحوم المناضل فائق السامرائي العلامة السنهوري في الموضوع فأصدر فتواه المشهورة (اصدار هذا المرسوم لا يشكل خلافا لأحكام الدستور)، وكان وقع تلك الفتوى من السنهوري على الحكومة شديدا، لأنه وضعها في موقف محرج، لكنها لم تنزل عن رأيها فكان ما كان من أمر الانتفاضة الشعبية التي انتهت بإزاحة مصطفى العمري.