قصة استشهاد الامام الحسين بن علي بن ابي طالب


السلام عليكم

قصة استشهاد سبط الرسول وسيد شباب اهل الجنة الامام الحسين بن علي بن ابي طالب عليهم السلام

القصة جدا مختصرة فهي تتكلم عن ما بعد استشهاد الاصحاب واهل البيت وما قبل السبي الهاشميات والاطفال ونهب الخيم وحرقها

قال رسول الله صل الله عليه واله للامام الحسين عليه السلام: مرحباً بك يا أبا عبد الله يا زين السماوات والأرضين، فقال له أُبيّ وكيف يكون يا رسول الله زين السماوات والأرض أحد غيرك؟ فقال: يا أُبيّ والذّي بعثني بالحق نبياً إن الحسين بن علي في السماء أكبر منه في الأرض فإنّه لمكتوب عن يمين عرش الله: (مصباح هدى وسفينة نجاة وإمام غير وهن (خير ويمن) وعزّ وفخر وذخر...)بحار الأنوار : ج 36 ص 204 باب 40 ح 8

كتب عبيد الله بن زياد الى عمر بن سعد لعنهما الله : اما بعد فاني لم ابعثك الى الحسين لتمنية السلامة والبقاء, و لا تكن له عندي شفيعا فاذا وصلك كتابي هذا, فاعرض على الحسين واصحابه النزول على حكمي فان قبلوا فابعث الي بهم سلما وان ابوا فازحف اليهم وقاتلهم, واذا قتلت حسينا فأوطئ الخيل صدره وظهره, فان أنت مضيت بأمرنا جزيناك جزاء السامع المطيع وان ابيت فاعتزل امرنا وجندنا واترك ذلك بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر فانا قد أمرناه بأمرنا.

فجاء الشمر لعنه الله بكتاب ابن زياد ودخل أرض كربلاء يوم التاسع من المحرم عصرا, فقدم الكتاب الى عمر بن سعد لعنه الله فلما قرأه قال : يا شمر لعنك الله ولعن ما قدمت به, أني والله لأظن أنك أنت الذي حثثته على هذا لا والله ان الحسين لن يستسلم ابدا, ان نفس ابيه علي لبين جنبيه, فقال له الشمر لعنه الله : يا بن سعد أقصر اتمضي بأمر أميرك او تعتزل وتخلي بيني وبين العسكر؟

فقال ابن سعد لعنه الله : لا ولا كرامة, أنا اتولى قتل الحسين دونك, فكن انت على الرجالة, ثم استعجل ابن سعد في نفس اليوم التاسع من المحرم, قبيل غروب الشمس, فنادى المنادي يا خيل الله اركبي, فركبوا خيولهم وزحفوا نحو معسكر الحسين عليه السلام, وكان الحسين جالسا في خيمته واضعا رأسه بين ركبتيه وقد غفت عيناه فلما سمعت اخته زينب عليها السلام اصوات الخيل والرجال دخلت على اخيها الحسين عليه السلام قالت : اخي يا حسين, فتح الحسين عينيه قال : نعم اختاه قالت : أخي لقد اقترب العدو منا, قال : اخيه ارجعي الى خيمتك ولا يذهبن بحلمك الشيطان, ثم التفت الى اخيه ابي الفضل العباس عليه السلام قال : اركب بنفسي أنت واستخبر القوم وانظر ماذا يريدون وما بدا لهم في هذا الليل؟

فركب العباس عليه السلام في عشرين فارسا من اصحابه فلما لقوا الجيش صاح العباس : ما تريدون وما بدا لكم؟ فقالوا : جائنا أمر من الأمير ابن زياد لعنه الله أن نعرض عليكم النزول على حكمه أو الحرب, فقال العباس عليه السلام : قفوا مكانكم حتى اخبر سيدي الحسين بأمركم فوقف اصحاب العباس بوجه الجيش ورجع العباس الى الحسين وأخبره بقولهم, فقال الحسين عليه السلام : لا و الله لا اعطيهم بيدي اعطاء الذليل ولا افر فرار العبيد, والله لا اعطيهم شيئا مما يريدون, ولكن يا أخي ان استطعت ان تردهم عنا سواد هذه الليلة الى غداة غد لكي نصلي فان الله يعلم أني أحب الصلاة وتلاوة القران, فرجع العباس وطلب منهم مهلة ليلة واحدة, فرفض ابن سعد لعنه الله أن يمهلهم, لكن عمرو بن الحجاج الزبيدي قال لأبن سعد : يا سبحان الله, والله لو كانوا من الروم او الديلم وطلبوا منا مهلة سواد ليلة لأمهلناهم كيف لا نمهلهم وهم اهل بيت نبينا محمد؟ فصار رأي الاكثرية هو أن يمهلوا الحسين سواد هذه الليلة, فأضطر عمر بن سعد لعنه الله ان ينزل عند رأيهم, فنادى مناديهم : يا حسين ويا اصحاب الحسين انا قد امهلناكم سواد هذه الليلة الى غداة غد, فاما أن تستسلموا وتنزلوا على أمر الأمير ابن زياد لعنه الله أو نناجزكم الحرب و القتال, ثم عاد الجيش الى معسكره.

فكانت ليلة عاشوراء اخر ليلة في حياة الحسين عليه السلام واصحابه رضوان الله عليهم, ولكن كيف قضوا تلك الليلة؟ وماذا كانت حالتهم فيها؟
روي انهم باتوا تلك الليلة ولهم دوي ٌ كدوي النحل من العبادة

في نفس ليلة العاشر محرم الحرام جمع حبيب بن مظاهر الاسدي رضوان الله عليه اصحابه وهو يقول : يا أخوتي اترضون ان يتقدم علينا بنو هاشم في ساحة القتال ونحن ننظر اليهم وهم يُقتلون؟ فقالوا : لا و الله يا حبيب ما جئنا الى كربلاء الا لكي لا نرى هاشميا مضرجا بدمه.

اما حال بني هاشم في هذه الليلة رضوان الله عليهم فقد جمعهم ابو الفضل العباس وقام خطيبا فيهم وهو يقول : يا بني هاشم الحمل الثقيل لا يقوم به الا اهله, نحن المطلوبون, اما الاصحاب فقد جاءوا الى مساعدتنا ونصرتنا فنحن الذين ينبغي ان نتقدم للقتال اولا فاذا قُتلنا أخذوا بثأرنا. واخيرا جاء بنو هاشم والانصار الى خيمة الحسين عليه السلام وعرضوا هذا الأمر عليه, كلٌ يريد ان يسبق الاخر الى القتال, فقال عليه السلام : تتقدم الانصار على بني هاشم, وجزاهم جميعا عن الله خيرا.

في يوم العاشر من شهر محرم اي يوم المصرع أمر الامام الحسين عليه السلام اولا بحفر خندق حول ظهر المخيم وملأه بالحطب وامر باحراقه لئلا يأتيه العدو من الخلف, حتى ان الشمر بن ذي الجوشن لعنه الله عندما أقبل ورأى النار في الخندق, تعجب, فصاح : يا حسين تعجلت بنار الدنيا قبل نار الاخرة. فقال الامام الحسين عليه السلام : يا بن راعية المعزى (الامام الحسين يُذكر الشمر لعنه الله بامه التي زنت عندما كانت ترعى الماعز فولدت اللعين الشمر)
أنت اولى بها مني صليا, وكان الى جانبه برير, فقال سيدي إاذن لي ان ارمي هذا الفاسق بسهم, فمنعه الحسين عليه السلام وقال : إني اكره أن أبدأهم بقتال ثم رجع الامام الحسين الى اصحابه وقال لهم : إن الله قد أذن بقتلي وقتلكم في هذا اليوم فاستعدوا للصبر و الجهاد.

في صبيحة يوم عاشوراء أخذ عمر بن سعد لعنه الله سهما ووضعه في كبد القوس والتفت الى قادة الجيش وقال : اشهدوا لي عند الأمير ابن زياد لعنه الله أني اول من رمى الحسين بسهم, ثم رمى بسهم نحو مخيم الحسين وتبعه الجيش كأنها فجاءت السهام نحو مخيم الحسين كأنها المطر حتى لم يبق احد من اصحاب الحسين إلا واصابه من سهامهم, عند ذلك التفت الامام الحسين عليه السلام الى اصحابه قائلا : قوموا يا كرام الى الموت الذي لابد منه فإن هذه السهام رسل القوم إليكم, فقام اصحاب الحسين, وبدأت الحملة الاولى حيث التحم الاصحاب مع جيش العدو فما انجلت الغبرة الا عن خمسين صريعا من اصحاب الحسين, بعد ذلك قالوا تقدم الحسين عليه السلام وقد افرغ على نفسه مواريث جده رسول الله صل الله عليه واله وسلم فوقف بازائهم وجعل ينظر اليهم كأنهم السيل ثم قال : أيها الناس ناشدتكم الله هل تعلمون أن هذه عمامة رسول الله؟ قالوا : اللهم نعم, قال : ناشدتكم الله هل تعلمون أن هذا سيف رسول الله؟ هذا فرس رسول الله؟ هذا رداء رسول الله؟ قالوا : نعم. الى ان قال : ناشدتكم الله هل تعلمون أني بنت رسول الله؟ قالوا : اللهم نعم, قال : هل تعلمون انه ليس في شرق الارض وغربها ابن بنت نبي غيري فيكم ولا في غيركم؟ قالوا : اللهم نعم, قال : إذن بم تستحلون دمي؟ قالوا : يا حسين انزل على حكم الأمير فلسنا تاركيك حتى تنزل على حكم يزيد بن معاويه لعنهما الله واخزاهما, فقال الامام الحسين عليه السلام : الحمد لله الذي خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال متصرفه باهلها حالا بعد حال فالمغرور من غرته والشقي من فتنته فلا تغرنكم هذه الدنيا فإنها تقطع رجاء من ركن اليها وتخيب طمع من طمع فيها وإني أراكم قد اجتمعتم على امر قد اسخطتم الله فيه عليكم واعرض بوجهه الكريم عنكم وجنبكم رحمته واحل بكم نقمته فنعم الرب ربنا وبئس العبيد انتم أقررتم بالطاعة وامنتم بالرسول محمد صل الله عليه واله وسلم ثم عدوتم على عترته وذريته تريدون قتلهم فتبا لكم ولما تريدون وانا لله وانا اليه راجعون.

فصاح ابن سعد لعنه الله كلموه فإنه ابن ابيه علي بن ابي طالب عليهم السلام والله لو وقف فيكم يوما كاملا لما كل ولما حصر, فناداه الشمر لعنه الله : ما تقول يا بن فاطمة؟
فقال الامام الحسين عليه السلام : أقول اتقوا الله ولا تقتلوني فإنه لا يحل لكم قتلي وانتهاك حرمتي فإني ابن بنت رسول الله وجدتي خديجة الكبرى وقد بلغكم قول نبيكم لي ولأخي,
(الحسن و الحسين سيدا شباب اهل الجنة), فإن صدقتموني فيما اقول وهو الحق فالله اولى بالحق والله ما تعمدت كذبا كذبا مذ علمت أن الله يمقت عليه اهله, وان كذبتموني فأن فيكم من اذا سألتموه عن ذلك اخبركم سلوا جابر بن عبد الله الانصاري وابا سعيد الخدري وسهل بن سعد الساعدي والبراء بن عازب وانس بن مالك وزيد بن ارقم يخبرونكم انهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله لي ولأخي, اما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي؟
ويلكم اتطلبوني بقتيل لكم قتلته؟ ام بمال استهلكته؟ أم بقصاص من جراحه؟ فأخذوا لايكلمونه, فنادى عليه السلام برفيع صوته : يا شبث بن ربعي يا حجار بن ابجر ويا قيس بن الاشعث ويا يزيد بن الحارث ويا عمرو بن الحجاج ويا فلان ويا فلان ألم تكتبوا لي ان قد أينعت الثمار وأخضر الجناب وانما تقدمُ على جند لك مجندة؟ فأجابه قيس بن الاشعث : يا حسين لا ندري ما تقول ولكن انزل على حكم بني عمك فإنهم لن يروك الا ما تحبُ, فقال الامام الحسين عليه السلام : لا و الله لا اعطيكم بيدي اعطاء الذليل ولا افر فرار العبيد.
لكن قبل القتال كان الامام الحسين عليه السلام يستنصر القوم كان ينادي : هل من ناصر ينصرنا؟ هل من ذاب يذب عنا؟ هل من معين يعيننا؟ وقد اثرت هذه الكلمات في كثير من اصحاب عمر بن سعد لعنه الله ومنهم الحر بن يزيد الرياحي, فأقبل الى عمر بن سعد وقال : امقاتل أنت هذا الرجل؟ قال : نعم قال : اما لكم فيما عرضه عليكم الحسين من رأي؟ قال : قد كتبت الى أميرك ولكنه أبى, فعاد الحر الى موقعه وقد اخذته الرعدة فالتفت اليه المهاجر بن اوس لعنه الله وقال : يا أبا يزيد ما هذه الرعدة؟ و الله لو سُئلت من اشجع اهل الكوفة ما عدوتك, قال : ويحك إني أُخير نفسي بين الجنة و النار, لا والله لا اختار على الجنة شيئا ثم التفت الى ولده قال : بني لا طاقة لي على العار ولا على غضب الجبار, قال : وما ذاك يا أبه؟ قال : اوما تسمع صوت ابن بنت رسول الله يطلب الناصر؟ ثم توجه نحو الحسين يمشي رويدا رويدا شابكا عشرة على رأسه وهو ينادي ربه : الهي إني اليك انيب فلقد ارعبت قلوب اوليائك واولاد بنت نبيك, حتى دنا من الحسين ومطأطأ برأسه الى الارض, صاح : السلام عليك يا ابا عبد الله, فقال الحسين عليه السلام : وعليك السلام, ارفع رأسك من انت؟ قال : سيدي انا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع وجعجعت بك الى هذا المكان, والله يا سيدي ما كنت اظن ان الامر يصل الى ما ترى وانا الان تائب فهل لي من توبة؟ فاجابه الحسين عليه السلام : نعم ان تُبت تاب الله عليك, انزل من على ظهر فرسك, قال : سيدي أنا لك راكب خير لك مني راجل, ثم حمل الحُرُ على القوم بعد ان خطبهم ووعظهم, فقاتلهم قتالا شديدا حتى قُتل رضوان الله عليه, وهكذا لم يزل اصحاب الحسين عليه السلام يبرز الواحد بعد الاخر حتى صار الوقت بعد الظهر بساعة فلم يبق من الاصحاب مع الحسين اح, فصارت النوبة على بني هاشم, بدأ علي الاكبر القتال, وما زال بنو هاشم يبرزون الواحد تلو الاخر حتى نظر الحسين عليه السلام الى مخيم اصحابه واهل بيته فلم ير فيه احدا من الرجال, وصار يكثر من قول : لا حول ولا قوة الا بالله, ثم اقبل الى المخيم دعا بفرسه وهو ذو الجناح فرس رسول الله صل الله عليه واله وسلم, هذا الفرس ركبه الحسين يوم عاشوراء, اقتحم به المشرعة فلما ولج الماء مد الفرس رأسه ليشرب, فقال له الحسين : أنت عطشان وانا عطشان فلا اشرب حتى تشرب فرفع الفرس رأسه عن الماء وكأنه فهم كلام الحسين, فلما مد الحسين يده الى الماء ليشرب ناداه رجل لعين : يا حسين اتلتذ بشرب الماء وقد هتكت حرمك وخيامكم؟ فرمى الماء من يده وخرج من المشرعة, وتوجه نحو الخيام فوجدها سالمة, فعلم أنها مكيدة, فجعل يستسقي الاعداء ينادي : يا قوم أسقوني شربة من الماء, اجابه لعين من القوم : يا حسين لن تذوق الماء حتى ترد الحامية فتشرب من حميمها, فقال عليه السلام : أأنا ارد الحامية؟ لا و الله وانما ارد على جدي رسول الله واشكو اليه ما ارتكبتم مني وانتهكتم من حرمتي فغضبوا عليه.

لما ايس الامام الحسين عليه السلام ما اصحابه بعد ان راهم جثثا مطرحين على الرمضاء أقبل الى الخيمة, صاح : يا زينب ويا ام كلثوم ويا سُكينة ويا رقية ويا فلانة.. هلممن, عليكن مني السلام فهذا اخر العهد واللقاء في الجنة, فخرجن النساء واحدقن بالحسين من كل جانب وأمسكن بشكيمة فرسه, هذه تقول : الى اين يا حمانا؟ وتلك تقول : الى اين يا رجانا؟ أقبلت اخته زينب عليها السلام وقالت : أخي كانك قد استسلمت للموت؟ قال لها : اخيه وكيف لا يستسلم للموت من لا ناصر له ولا معين؟ ولكن اخيه اذا انا قتلت فلا تخمشي علي وجها ولا تضربي علي صدرا ولا تشقي علي جيبا ولا تدعي بالويل والثبور, قالت : اخي أفشاهد مصرعك وأبتلي بهذه المذاعير من النساء و الاطفال؟ ليت الموت اعدمني الحياة يا ثُمالة الباقين ويا بقية الماضين فقال لها : اخيه تعزي بعزاء الله إن أهل الارض يموتون واهل السماء لا يبقون لقد مات جدي وهو خير مني وقد مات ابي وهو خير مني وقد مات اخي وهو خير مني, فصاحت السيدة زينب عليها السلام : واثكلاه هذا الحسين ينعى نفسه, ثم وقعت مغمى عليها, نزل الحسين من على ظهر فرسه فأخذ برأسها ووضعه في حجره وجعل يمسح على قلبها وهو يقول : اللهم اربط على قلبها بالصبر, ثم نظر الحسين في صفوف النساء قال : ام كلثوم اخيه مالي لا ارى ابنتي سُكينة؟ قالت : اخي سُكينة جالسة في الخيمة تبكي, فأقبل الى الخيمة وإذا بسُكينة واضعة رأسها بين ركبتيها حزينة باكية جلس الحسين عندها, جعل يمسح على رأسها بيده وهو يقول :

سيطول بعدي يا سُكينةُ فاعلمي .... منك البكاء إذا الحمامُ دهاني
لا تُحرقي قلبي بدمعك حسرة .... ما دام مني الروح في جثماني
فإذا قُتلتُ فأنت اولى بالذي .... تأتينه يا خيرة النسوان

رفعت سُكينة رأسها اليه وقالت : أبه كأنك استسلمت للموت؟ قال : بُنية وكيف لا يستسلم للموت من لا ناصر له ولا معين؟ قالت : أبه إذن رُدنا الى حرم جدنا, قال : بنية هيهات لو تُرك القطا لغفى ونام, ثم ركب جواده, فأقبلت اليه سُكينة عليها السلام وقالت : أبه إن لي اليك حاجة, قال عليه السلام : وما حاجتك يا بنتاه؟ قالت : حاجتي ان تنزل من على ظهر فرسك, نزل الحسين عليه السلام من على ظهر فرسه, دنت منه سُكينة أخذت يده وجعلت تمسح بها على رأسها, فعرف الحسين ما تقول سُكينة, تريد ان تقول : أبه بعد ساعة سأكون يتيمة لا اجد من يمسح على رأسي.

بعدها ركب الامام الحسين عليه السلام جواده فأحطن النساء به كالحلقة هذه تقبل يده وهذه تقبل رجله فجعل يودعهن وهو يقول : الله خليفتي عليكن ثم توجه الى الميدان سار قليلا وإذا بالنداء من خلفه : أخي حسين قف لي هُنيئة, فالتفت الى ورائه وإذا هي اُخته السيدة زينب عليها السلام, عاد اليها الحسين عليه السلام وقال : أُخيه ما تريدين؟ قالت : أخي انزل من على ظهر جوادك, فنزل الحسين, دنت منه وقالت : أخي اكشف لي عن نحرك وصدرك, كشف
الحسين عليه السلام لها عن نحره وصدره, فقبلته في صدره وشمته في نحره ثم حولت وجهها الى جهة المدينة وصاحت : أُماه يا زهراء لقد استُرجعت الوديعة وأُديت الامانة فقال الامام الحسين عليه السلام : أُخيه أيةُ وديعة وأمانة قالت : أخي اعلم انه لما دنت الوفاة من اُمنا الزهراء دعتني اليها فقبلتني في صدري وشمتني في نحري ثم قالت لي : بُنية زينب هذه وديعتي عندك إذا رأيت اخيك الحسين بأرض كربلاء وحيدا فريدا فشميه في نحره فانه موضع السيوف وقبليه في صدره فانه موضع حوافر الخيول فلما سمع بذكر أُمه الزهراء عليها السلام هاج به الحنين إليها.

بعدها سار الامام الحسين عليه السلام نحو ميدان القتال شاهرا سيفه ثم حمل على ميمنة القوم وهو يقول :

أنا الحسين ابن علي .... آليت أن لا انثني
احمي عيالات أبي .... امضي على دين النبي

ثم حمل على الميسرة وهو يقول :

الموت اولى من ركوب العار .... والعار اولى من دخول النار

أخذ يحمل عليهم فينكشفون من بين يديه فصاح عمر بن سعد لعنه الله واخزاه بالجيش : ويلكم اتدرون من تقاتلون؟ هذا ابن الانزع البطين, هذا ابن قتال العرب, والله ان فرغ لكم لا تمتاز ميمنتكم عن ميسرتكم فقالوا لعنهم الله : إذن ما نصنع؟ قال : ويحكم احملوا عليه حملة رجل واحد, (فحملوا عليه حملة رجل واحد, فكان عليه السلام يشد عليهم ويبعدهم عن مخيمه ثم يعود الى موقفه أمام البيوت وهو يكثر من قول لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم وإنا لله وأنا اليه راجعون). مصرع الحسين للشيخ الكاشي 184

قال بعض الاعداء لعنهم الله : والله ما رأيت مكثورا قطُ قد قُتل ولدُه واهل بيته واخوته واصحابه اربط جأشا من الحسين ولا امضى جنانا منه ولقد كانت الرجال تشد عليه وفيشد عليهم وقد تكاملوا ثلاثين الفا وهو رجل واحد فيشد عليهم فينهزمون بين يديه انهزام المعزى إذا شد بها الاسد.

عندما اضر العطش بالامام الحسين عليه السلام, اراد أن يصل الى المشرعة فحمل على الجيش وكشفهم عن الفرات فلما مد يده الى الماء ليشرب مد الفرس رأسه الى الماء, فالتفت الحسين قائلا : يا جواد أنت عطشان وانا عطشان فلا اشرب حتى تشرب فكان الفرس قد فهم كلام الامام الحسين, فرفع رأسه عن الماء كأنه يقول : لا أشرب حتى تشرب أنت, فمد الحسين يده واغترف من الماء غرفة, وادنى الماء من فمه فجائه سهمٌ من الاعداء في حلقه فامتلأت كفه دما فرمى الماء وانتزع السهم, ومد يده ثانيا ليشرب فناداه لعين من القوم : يا حسين اتلتذ بالماء وقد هُتكت حرمك فلما سمع الحسين عليه السلام رمى الماء من يده وخرج من المشرعة وإذا بالخيام سالمة, وما استطاع ان يعود الى المشرعة خوفا على حرمه فنادى : يا قوم اسقوني شربة من الماء فقد تفتت كبدي من الظمأ, فاجابوه : يا حسين لن تذوق الماء حتى ترد الحامية فتشرب من حميمها, فقال الامام الحسين عليه السلام : أأنا ارد الحامية لا و الله بل ارد على جدي رسول الله واشكوا اليه ما ارتكبتم مني وانتهكتم من حرمتي, فصاح ابن سعد لعنه الله : ما تنتظرون بالرجل ثكلتكم امهاتكم احملوا عليه فاحاطوا بالامام الحسين من كل جانب وافترقوا عليه أربع فرق, فرقة بالسيوف وفرقة بالرماح وفرقة بالسهام وفرقة بالحجارة.

فكثرت جراحاته واعياه نزف الدم, فوقف ليستريح وقد اعياه الضعف فأخذ أبو الحتوف الجعفي لعنه الله حجرا ورمى به الحسين فصك به جبهته فسالت الدماء على وجهه الشريف فرفع الحسين ثوبه ليمسح الدم عن وجهه وعينيه فأتاه سهم محدد مسموم له ثلاث شُعب وقع على قلبه فصاح الامام الحسين عليه السلام : بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله, فكلما اراد الامام الحسين أن ينتزع ذلك السهم من موضعه لم يتمكن, انحنى على قربوس سرج فرسه ثم استخرج السهم من قفاه, فانبعث الدم كالميزاب فوضع كفيه تحت ذلك الجرح فلما امتللات دما رمى به نحو السماء وقال : (هون علي ما نزل بي أنه بعين الله).
ثم وضع كفيه ثانية فلما امتلأت دما خضب به عمامته ووجهه ولحيته المباركة وهو يقول :
(هكذا اكون حتى القى جدي وأنا مخضوب بدمي مغصوب علي حقي).

بعد هذا انهارت قوى سيد الشهداء بسبب ذلك السهم المثلث المسموم, ما استطاع البقاء على فرسه, مال ليسقط من على ظهر الجواد الى الجهة اليمنى, فمال الجواد معه لكي لا يسقط فمال الحسين ليسقط الى الجهة اليسرى فمال الجواد معه لكي لا يسقط, فالتفت الامام الحسين عليه السلام قائلا : يا جواد لا طاقة لي على الجلوس على ظهرك, دعني اسقط على وجه الارض, فكأن الجواد قد فهم كلام الامام الحسين, حينها مد الفرس يديه ورجليه حتى الصق بطنه على الارض ثم انزل الحسين برفق ولين, وجعل يحوم حول الامام الحسين, فصاح عمر بن سعد لعنه الله : علي بهذا الفرس فإنه من جياد خيل النبي, فركبت الفرسان في طلبه فصار يرمح بيديه ورجليه, فصاح اللعين عمر بن سعد : دعوه لننظر ماذا يصنع, فلما امن الطلب أقبل حتى وصل الى مصرع الحسين وصار يجمع العنان بفمه ويضعه في كف ابي عبد الله عليه السلام فكأنه يريد من الامام الحسين أن ينهض فلما أيس من نهوض الحسين أراد ان يخبر العائلة بمصرع الحسين فجعل يلطخ وجهه وناصيته بدم الحسين, حينها كانت النساء بالمخيم ينتظرن عودة الحسين بعد ان خفي صوته, فقالت احداهن : مالي لا أرى لابن أُمي شخصا ولا اسمع له صوتا؟


قالت الاخرى : لعل الخيل حالت بيننا وبينه , فقالت السيدة زينب عليها السلام : حاشى
لابن أُمي أن تضمه خيل او رجال , بينما هن في هذا الكلام وإذا بالفرس أقبل نحو المخيم يصهل صهيلا عاليا , فلما سمعت السيدة زينب صهيل الجواد التفتت الى سُكينة وقالت : عمه هذا ابوك الحسين قد أقبل قومي لاستقباله , قامت سُكينة الى باب الخيمة لتستقبل أباها وإذا بالفرس خال من الحسين عليه السلام , ملطخ بالدماء ملوي السرج - لطمت سُكينة وجهها وصاحت : عمه زينب لقد قُتل والله والدي.

-صارت- النساء محدقة بالفرس وهو مطأطأ برأسه الى الارض ثم توجه الى الميدان فتبعته بنات رسول الله صل الله عليه واله فصار الفرس دليلا لهن , السيدة زينب , سُكينة , رقية و ام كلثوم وباقي بنات الامام الحسين و نسائة عليهم السلام , اقبلن في اثر الجواد حتى وصلن الى مصرع ابي عبد الله , وإذا الحسين يتقلب على وجه الرمال يمد يمينا ويقبض شمالا ,
يناجي ربه :

الهي تركت الخلق طرا في هواكا .... وأيتمتُ العيال لكي أراكا
فلو قطعتني في الحب اربا .... لما مال الفؤاد إلى سواكا

إلهي وفيتُ بعهدي , الهي الهي هذي رجالي في رضاك ذبائح.
أقبلن النسوة احطن بالحسين, السيدة زينب عند رأسه , سُكينة عند رجليه , أُم كلثوم , رقية , باقي النساء احطن بالحسين من كل جانب , حينها السيدة زينب مدت يدها تحت ظهر الحسين رفعته حتى اسندته إلى صدرها ثم رفعت طرفها نحو السماء وقالت : اللهم تقبل منا هذا القربان.

ثم اعادت الامام الحسين عليه السلام الى مكانه , لكن الحسين لا يتكلم , فقالت له السيدة زينب : اخي كلمني بحق جدنا رسول الله , اخي كلمني بحق ابينا امير المؤمنين , اخي كلمني بحق أُمنا الزهراء , حينها فتح الامام الحسين عليه السلام عينيه وقال : أُخيه زينب لقد كسرتي قلبي وزدتي كربي أُخيه ارجعي الى الخيمة واحفظي لي العيال والاطفال - قيل فرجعت النساء ولما همت الحوراء زينب بالرجوع - وإذا بخولي بن يزيد لعنه الله أقبل يريد ذبح الامام الحسين عليه السلام , لكن لما نظر الامام الحسين اليه ارتعش بدنه ورمى السيف من يده وولى , ثم جاء لعين اخر فنظر الامام الحسين اليه فارتعد وولى , وهكذا كلما جاء احد ينظر اليه الحسين فيرتعد ويولي هاربا - فبعث عمر بن سعد لعنه الله في الجيش قائلا : فتشوا هل تجدون في الجيش كاتبا لا يعرف الحسين ولا يعرف محمد بن عبد الله و لا يعرف علي بن ابي طالب حتى يذبح الحسين؟

ففتشوا فوجدوا رجلا من النصارى فبعثه عمر بن سعد قائلا خذ هذا السيف و انطلق الى ذلك الصريع وائتنا برأسه فأقبل ذلك الرجل حتى دنا من الحسين فعرف الحسين أنه من النصارى فقال له : أخا النصارى هل قرأت الانجيل؟ قال : نعم , قال : اقرأت الاسم الفلاني و الفلاني قال : نعم , فقال الامام الحسين : اتعرف من هم اصحاب هذه الاسماء؟ قال : لا ولكني اعلم ان النصارى يحترمونها ويقدسونها , فقال الامام الحسين عليه السلام : أما الاسم الاول فهو اسم جدي محمد رسول الله صل الله عليه واله وسلم وأما الاسم الثاني فهو اسم أبي علي بن ابي طالب , فقال النصراني : أنت الحسين بن بنت محمد؟ قال الحسين : نعم , فقال النصراني : سيدي أنا اشهد أن لا اله الا الله وان جدك محمد رسول الله وأنك عبده ووليه , فقال له الامام الحسين عليه السلام : إذن خذ سيفك وذب عن حرم رسول الله. بينما هم كذلك وإذا بالشمر لعنة الله قد أقبل الى الحسين عليه السلام, هذا والسيدة زينب عليها السلام منكبة عليه وتبكي وإذا بكعب الرمح بين كتفي السيدة زينب واللعين يقول لها : قومي عنه يا زينب , قالوا : وقعت السيدة زينب مغمى عليها فلما افاقت وإذا برأس الامام الحسين على رأس الرمح , وإذا بشيبة الامام الحسين مخظوبة بدمائه فصاحت : وااخاه واحسيناه.

وفي رواية اخرى انه عندما قال الامام الحسين عليه السلام للسيدة زينب عليها السلام أُخية ارجعي الى الخيمة واخفظي لي العيال و الاطفال , فتركته السيدة زينب وعادت الى الخيمة , فرأت الكون قد تغير فأقبلت الى الامام علي زين العابدين ابن الامام الحسين عليهم السلام وقالت : يا ابن أخي مالي أرى الكون قد تغير , قال : عمة زينب ارفعي طرف الخيمة , فرفعت السيدة زينب طرف الخيمة فنظر الامام زين العابدين عليه السلام نحو المعركة مليا , ثم قال : عمة زينب اجمعي العيال والاطفال في خيمة واحدة , عمة زينب إلبسي ازارك , عمة تهيأي للسبي , قالت : يابن أخي ما الخبر ؟ قال : عمة هذا رأس والدي الحسين على رأس الرمح , لما نظرت السيدة زينب رأس أخيها لطمت وجهها وصاحت : وااخاه واحسيناه.

لكن حتى بعد استشهاد الامام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء لم تسلم تلك الانامل الكريمة من ايدي الاعداء , فقد روي انه بجدل بن سليم الكلبي لعنة الله أقبل الى الامام الحسين وهو جثة بلا رأس , عار اللباس ما تركوا عليه شيئا يُسلب , نظر هذا اللعين الى خاتم في خنصر الحسين عليه السلام , فحاول ان يخرجه ما تمكن لأن الدماء قد جمدت عليه , فتناول اللعين قطعة سيف من الارض وصار يحز خنصر الامام الحسين عليه السلام الى ان فصله واخذ الخاتم.

والسلام عليكم