(( لا تَجعَل يومَ صَومِكَ كيَومِ فِطرِكَ ))

:: المَرجَعيَّةُ الدِّينيَّةُ العُليَا الشَريفَةُ ::- تَعِظُ وتوجّه بضرورة توظيف مُعطياتِ وبركات شهر رمضان المُبارك في إصلاح منظومة العلاقات الاجتماعيّة مع الأرحام والجيران والأصدقاء وبقيّة أفرادِ المُجتمع .



- إنَّ المعصومين ، عليهم السلام ، كثيراً ما يُذَكِّرون بهذه المقولة ( لا تَجعل يومَ صومِك كيومِ فِطرِكَ ) :- وذلك لأنَّ في شهر رمضان الفضيل خصوصيّة إيمانيّة وبفضل الله تعالى فيه تُجعَل القلوب رقيقةً وتمنح النفوسَ سرعةَ الاستجابة والتأثّر بالمواعظ والنصائح بشكل يختلف عن بقيّة الشهور.



- نحن نتعرّضُ في حياتنا للأخطاء ، وقد نتخلّف عن الجادة المُستقيمة في واقعنا ومُجتمعنا ، ولكن علينا أن نراجعَ أنفسنا وذواتنا لنصلحها و نكمل مسيرتها .



- ومن جملة الأمور التي تُهدّدُ منظومتنا الاجتماعيّة هي مسألة الزعل والتقاطع والشقاق بين المؤمنين – نعم هذه الحياة فيها مشاكل وأزمات وتنافس واختلاف في الرؤى والعقائد والأفكار – ولكن ينبغي تجاوزها بالتواصل والتراحم والتعاون والإصلاح .



- إنَّ غرض الأئمة المعصومين ، عليهم السلام ، من تأكيدهم على ضرورة التواصل والتراحم هو أن يجعلوا المُجتمعَ الإسلامي مُجتمعاً قويّاً ومتماسكاً في علاقاته الاجتماعيّة – وقادراً على مواجهة الأعداء بقوّة – لا بضعف وتفكك .



- المعصومون ، عليهم السلام ، يُريدون منّا أن نُظهرَ للآخرين مدى التزامنا بمبادئنا وديننا بالتعاون والتكاتف وترك التدابر والتقاطع والتحاسد والتباغض .



- علينا أن نغتنمَ فرصةَ هذا الشهر المبارك بإصلاح النفوس وتطهير القلوب من الحقد والبغض والهجران مع أرحامنا وجيراننا والآخرين – وفي دعاء استقبال شهر رمضان يؤكّد الإمام السجاد ، عليه السلام ، على فقرات مهمّة جدّا ينبغي توظيفها في إصلاح منظومة العلاقات الاجتماعيّة :



(وَأَعِنَّـا عَلَى صِيَامِـهِ بِكَفِّ الْجَـوَارِحِ عَنْ مَعَاصِيْكَ، وَاسْتِعْمَالِهَا فِيهِ بِمَا يُرْضِيْكَ حَتَّى لاَ نُصْغِي بِأَسْمَاعِنَا إلَى لَغْو، وَلا نُسْرِعُ بِأَبْصَارِنَا إلَى لَهْو، وَحَتَّى لاَ نَبْسُطَ أَيْدِيَنَا إلَى مَحْظُور، وَلاَ نَخْطُوَ بِأَقْدَامِنَا إلَى مَحْجُور ......... وَوَفِّقْنَا فِيهِ لاِنْ نَصِلَ أَرْحَامَنَا بِالبِرِّ وَالصِّلَةِ وَأَنْ نَتَعَاهَدَ جِيرَانَنَا بِالإِفْضَالِ وَالْعَطِيَّةِ وَأَنْ نُخَلِّصَ أَمْوَالَنَا مِنَ التَّبِعَاتِ، وَأَنْ نُطَهِّرَهَا بِإخْرَاجِ الزَّكَوَاتِ، وَأَنْ نُرَاجِعَ مَنْ هَاجَرَنَـا وَأَنْ نُنْصِفَ مَنْ ظَلَمَنَا وَأَنْ نُسَـالِمَ مَنْ عَادَانَا).



- ويؤكّد أميرُ المؤمنين الإمام علي ، عليه السلام ، على أنَّ صلة الأرحام ضرورة أخلاقيّة واجتماعيّة وإنسانيّة لا ينبغي تركها – حيث قال ( أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّه لَا يَسْتَغْنِي الرَّجُلُ - وإِنْ كَانَ ذَا مَالٍ عَنْ - عِتْرَتِه ودِفَاعِهِمْ عَنْه بِأَيْدِيهِمْ وأَلْسِنَتِهِمْ - وهُمْ أَعْظَمُ النَّاسِ حَيْطَةً مِنْ وَرَائِه وأَلَمُّهُمْ لِشَعَثِه - وأَعْطَفُهُمْ عَلَيْه عِنْدَ نَازِلَةٍ إِذَا نَزَلَتْ بِه )

: نهج البلاغة ، ت ، د ، صبحي الصالح ، ص 65 .



- إنَّ الله تعالى قد جعلَ الأجرَ العظيمَ في صلة الأرحام والبرّ بهم والإحسان إليهم – إحساناً معنويّاً ومادّياً – وفيها بركات دنيويّة وأخرويّة - وعن الإمام الباقر ، عليه السلام ، أنّه قال : (صِلَةُ الأَرْحَامِ تُزَكِّي الأَعْمَالَ ، وتُنْمِي الأَمْوَالَ وتَدْفَعُ الْبَلْوَى وتُيَسِّرُ الْحِسَابَ وتُنْسِئُ فِي الأَجَلِ )

: الكافي ، الكليني ، ج2 ، ص 150 .



- ومن أقبح المعاصي قطيعة الرحم – ولا ينبغي أن نتركها أو نجعلها بالمُقايضة – بمعنى مَن يصلني أصِله – لا بل يجب أن نجعلها بمرتبة عُليا – وهي أن نصل مَن قطعنا ونصفح عمن تجاوز علينا – ( وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه ، الإمام الصادق ، عليه السلام - أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ ص فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّه أَهْلُ بَيْتِي أَبَوْا إِلَّا تَوَثُّباً عَلَيَّ وقَطِيعَةً لِي وشَتِيمَةً - فَأَرْفُضُهُمْ قَالَ إِذاً يَرْفُضَكُمُ اللَّه جَمِيعاً قَالَ فَكَيْفَ أَصْنَعُ قَالَ تَصِلُ مَنْ قَطَعَكَ وتُعْطِي مَنْ حَرَمَكَ وتَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَكَ فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ كَانَ لَكَ مِنَ اللَّه عَلَيْهِمْ ظَهِيرٌ)

:الكافي ، الكليني ، ج2 ، ص 150 .



- ينبغي علينا أن نُفكّرَ في إصلاح نفوسنا وتهذيب سلوكنا وأن نقبلَ النصيحَةَ والموعظةَ الحسنةَ – وأن نتجاوزَ المِحن والمشاكل بالعفو والصفح - وذلك لتحسين منظومتنا الاجتماعيّة والأخلاقيّة – فالغرض من الصيام هو تحصيل التقوى وإصلاح النفس وتعديل السلوك .

_____________________________________



:: أهمُّ مَا جَاءَ في خِطَابِ المَرجَعيَّةِ الدِّينيّةِ العُليَا الشَريفَةِ , اليَوم, الجُمْعَة ، الثامن عشَر من شهر رمضان الفضيل 1440 هجري، الرابع والعشرون من أيّار ، 2019م ، وعَلَى لِسَانِ وَكيلِهَا الشَرعي، سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي ، دامَ عِزّه ، خَطيب وإمَام الجُمعَةِ فِي الحَرَمِ الحُسَيني المُقَدّسِ