الثورة العربية الكبرى: عندما أرادت فرنسا حماية الأماكن الإسلامية المقدسة
القائد الفرنسي بيزاني ومولود باي أحد الوجوه البارزة في استقلال الحجاز في 1918.
وزارة الثقافة الفرنسية أ ف ب
أطلق الشريف الحسين في 1916 ثورة كبرى ضد العثمانيين لاستقلال الحجاز، وذلك بدعم من بريطانيا. فرنسا أيضا ساندت هذا التحرك وقدمت له دعما عسكريا لم ينل حقه من الاهتمام من قبل المؤرخين.
خصصت الصحافة الفرنسية في بداية صيف 1916 حيزا هاما للمعارك في مناطق فيردان. لكنها تابعت باهتمام كبير الأحداث التي كانت جارية على بعد آلاف الكيلومترات في المنطقة العربية.
"الحجاز في انتفاضة كبرى، السيطرة على مكة، والمدينة المنورة تحت الحصار". نقر أ على أعمدة صحفية "لوتون" (الوقت) في 24 حزيران/ يونيو. وكان الشريف الحسين يواصل توسعه في الحجاز الذي كان تحت سيطرة العثمانيين.
في 5 حزيران/ يونيو 1916 دخل الشريف حسين بن علي في تمرد ضد الإمبراطورية العثمانية، لتعلن بذلك ولادة الثورة العربية الكبرى. ولقي الشريف تعهدا من بريطانيا لدعمه في تأسيس مملكة كبرى مقابل الانتفاض ضد العثمانيين حلفاء الألمان.
وذاع صيت هذه الفترة من الحرب العالمية الأولى بفضل توماس إدوارد لورانس، ضابط العلاقات في لندن، المعروف باسم لورانس العرب.
مهمة عسكرية فرنسية في الحجاز
لكن الدور الفرنسي في الثورة العربية الكبرى لم يسلط عليه الضوء الكافي. بداية من أغسطس/آب 1916، قررت باريس إرسال بعثة عسكرية إلى عين المكان لتدريب الفيالق العربية والقيام بعمليات بجانبها.
دواعي مشاركة فرنسا في الانتفاضة كانت متعددة بينها تسجيل الحضور في المنطقة، ومهاجمة عدوها الألماني على جبهة أخرى. "الفرنسيون اعتبروها فرصة سانحة لإضعاف العثمانيين وفي نفس الوقت الألمان والنمسا-المجر"، يقول العقيد فيديريك جوردان صاحب العديد من المقالات نشرت على موقع "ليكو دو شون دو باتاي" "صدى حقل المعركة".
وشارك هذا المهتم بالتاريخ العسكري في أبريل/نيسان في إنشاء معرض صور بعمان حول البعثات التي شاركت في المعارك بجانب الفيالق العربية التي كان يقودها الشريف الحسين، ويمكن أن نرى صورا لفرنسيين بلباس البدو في مراكز مراقبة بجانب رفاقهم في السلاح وغالبيتهم من المسلمين قدموا من الجزائر، والمغرب، وتونس أيضا.
فرنسا كانت وقتها تعاني من حملة دعائية معادية تقودها ألمانيا ضدها على أنها عدو للإسلام. وبإرسالها جنودا مسلمين ينحدرون من المستعمرات إلى الأماكن المقدسة، أظهرت عكس ذلك على أنها صديقة لهم"، يفسر فريديريك جوردان.
صور تظهر الحضور الفرنسي لجانب العرب في معاركهم ضد الاحتلال العثماني
1/5
نظمت السفارة الفرنسية بعمان في إطار إحياء الذكرى المئوية للحرب العالمية الأولى معرضا للصور حول تقدم البعثة العسكرية الفرنسية إلى جانب فيالق الشريف الحسين من 1916 إلى 1918. وزارة الثقافة الفرنسية
وكانت باريس تهدف لإعادة فتح الطريق أمام الحجاج المسلمين المنحدرين من مستعمراتها نحو مكة، وهو ما تحقق في سبتمر/أيلول 1916 إثر توجه البعثة الرسمية الأولى للأماكن المقدسة، تتكون من حجاج ينحدرون جميعا من شمال أفريقيا برئاسة الجزائري السي قدور بنغبريت مؤسس مسجد باريس الكبير.
المقدم بريمون المعادي للورانس العرب
كان المقدم إدوارد بريمون على رأس الجنود الفرنسيين الذين تم ارسالهم للمنطقة في خريف 1916. "كان يتحدث العربية. ويرى أنه لأجل تقديم مساعدة عسكرية ميدانية، كان من الضروري فهم ثقافة البلد. وهذا أفاد كثيرا علاقاته مع زملائه المسلمين"، يوضح فريديرك جوردان.
وتمكن المقدم بريمون بسرعة عالية من نسج علاقة ثقة مع الشريف الحسين، لكن هذا التقارب لم ينظر له بعين إيجابية الاسم الكبير في الثورة العربية لورانس العرب.
وبحسب فريديريك جوردان، اشتعلت منافسة كبيرة بين الاثنين. "كان كل واحد منهما له رؤيته حول فيالق العرب". لورانس العرب "كان يقدرهم كثيرا، كان يحب أن يعيش وسطهم كرحالة. كان يكره الحرب في الوقت الذي كان فيه بريمون جنديا، تلقى تدرييا على الطريقة الأوروبية، وكان يرى أن العرب قليلو الانضباط وكان يريد إضافة لمسته في التنظيم" للفيالق العربية.
الأسطورة على الشاشة الكبرى
وخرج فلورانس العرب منتصرا في معركته ضد المقدم الفرنسي. حيث تم إعادة منافسه إلى باريس تحت ضغط منه في نهاية 1917 ليتم تعويضه بمساعده القائد كوس.
الشخصية الأسطورية للورانس نقلت إلى الشاشة الكبرى من خلال فيلم "سات بيليي جو لاسجيس" "الركائز السبعة للحكمة" التي يقدم بطريقة فنية المحطات الكبرى في الانتفاضة العربية الكبرى: تخريب السكة الحديدية في الحجاز، الاستيلاء على العقبة في مايو 1617 وأخيرا دمشق في سبتمبر/ أيلول 1918، شهر قبل توقيع الهدنة من قبل العثمانيين.
على الشاشة الكبرى، الفرنسيون هم أكبر غائب عن التاريخ، علما أن العقيد روزاريو بيزاني هو أيضا دخل إلى العاصمة السورية إلى جانب فيصل نجل الشريف الحسين.
مئة سنة بعد وصول البعثة العسكرية الفرنسية إلى الحجاز، يتأسف فريديريك جوردان لبقاء دور هؤلاء الرجال في الظل: "واجهوا ظروف حياة صعبة جدا. وكانت عملية تموينهم معقدة. قطعوا آلاف الكلمترات في مناطق خالية، لكن كانت لهم القوة للتأقلم مع الوسط والظروف لإتمام مهمتهم".
بالنسبة له، إن "جنود 2016 هم ورثة أشقاهم الكبار" الذين شاركوا في معارك بجانب العرب ضد العثمانيين.
ويتابع في نفس السياق "قبل سنوات في أفغانستان، واليوم في أفريقيا، نقوم بنفس الشيء الذي قمنا به في القرن العشرين، يعني تقديم المساعدة العسكرية الميدانية أو التدريب لجيوش أخرى. أي أننا لم نخلق أي شيء جديد".