رحلتي في بلاد العمائم مذكراتي في الاسر 1982-1990الحلقة الثانية

(في طريق العفن..مكاتيب سقطت من ساعي البريد)
ان الجنة وبلادي هما المكانين الوحيدين اللّذين تستطيع فيهما ان تكرع الخمرة وتسبّح بحمد ربّك!!!...من قصيدة مذكرات معتوه ,,للمؤلف,,


رشدي عبد الصاحب
سارت بنا الحافلة ضمن قافلة الاسرى العائدين المهيئين للتبادل مع الاسرى الايرانيين في العراق.كانت تحف بقافلتنا سيارات اللاندكروزر ذوات الهوائيات الضخمة النابتة في مقدمة السيارة كأنها وحيد القرن والتابعة للصليب الاحمر الدولي رافعة اعلامأ ضخمة للتدليل على هويتها وتتخطانا كل بضعة دقائق سيارات باترول بيك آب تنهب الارض باتجاه الحدود العراقية ثم لاتلبث ان تعود باسرع مما ذهبت حتى يخيل لنا انها ستنقض علينا وكلنا يعلم مدى سطوة راكبيها ..
-هناعلى الحدود يبدو تدخل الله محدودآ امام تدخل أي من هؤلاء...قالها صاحبي وهو( يدردم )....انهم من الاستخبارات العسكرية (دايرة دوفوم)أي الدائرة الثانية وهي شعبة الاستخبارات المختصة بشؤون الاسرى.
كأن على رؤوسنا الطير ننظر الى الامام كمن يقود الحافلة...فهناك حيث الافق البعيد منظر نخلات ثلاث محترقات قرب أكمة لانكاد نميز ماحولها ......
هناك العراق حيث النخلات..قالها سائق الحافلة الايراني المدني ...ومد يده الى راديو السيارة حيث يقوى البث العراقي عند الحدود لاسيما في (سربيل زهاب )حيث نتوجه للتبادل عبر وسيط هو الصليب الاحمر الدولي...انطلق صوت رشدي عبد الصاحب عبر المذياع وهو يزمجر بانتصارصدام التاريخي في الكويت*هامش رقم1...*(كانت الحرب قد اوقفت رسميا في 8 آب 1988 الا ان تبادل الاسرى قد تأخر قرابة السنتين ولم يتم حلحلة ملف تبادلهم الا بعد دخول صدام للكويت وانشغاله بها حيث لم يعد بمقدوره التصارع على كل الجبهات ومن هنا فان الاسرى العراقيون ينظرون الى حماقة صدّام في اجتياح الكويت باعتبارها احد اعظم اعماله فلولاها لما عادوا لاهليهم!!!!) فاذا بالجميع يجهشون بالبكاء..!!!.
العبرة ليست برشدي المذيع الذي كان يصم آذاننا بزعيقه عن البطولات الزائفة لسيده صدام في القادسية خلال الثمانينات والذي قيل ان مكافأته كانت باستثنائه من التسفيرالى ايران قبيل اندلاع الحرب,ولكنه رمز يذكرك بالعراق فحين تكون خارج وطنك ومحروم منه فأي حمار عراقي واية عاهرة عراقية بل وحتى أي مسؤول سياسي عراقي يعد كافيآ ليثير فيك رغبة عارمة في احتضانه وتقبيله من دبره.. ودبرها!!.وكأنك تبوس العراق,ومن ينكر هذه الحقيقة فهو جاهل بحب الوطن وبعلم النفس الاجتماعي وعلم الاستمولوجي وعلم التاريخ وحتى علم البوس!!
سمّرتنا الاوامر الصادرة من رجل ضخم الجثة تعدى الرتل بسيارته التي يقودها بنفسه ثم توقف واشار بيدة بعلامة الوقوف فتوقفت في الحال قافلة الحافلات الخمس والعشرين .
نزل من كل حافلة مسؤولها ليستعلم ويستلم اوامر جديدة بالتريث ,تسمرت عيوننا على النخلات الثلاث لم ينبس احدنا ببنت شفة كنا نتلهف لمعرفة السبب؟مالذي يحدث سألت السائق الذي بدا منزعجآ من تأخير نقل الحمولةوتفريغها!!؟
يبدو ان الجانب العراقي لم يحظر الاسرى الايرانيين الذين يفترض مبادلتكم بهم,اجابني السائق واردف انكم 850 في هذه الوجبة والاتفاق ان تتم مبادلتكم بألفي اسير ايراني ولكن يبدوا ان العدد غير جاهز في المنذرية على الجانب الاخر.
ليس امامنا سوى الانتظار ....لاأحد ينظر من شباك الحافة يمينآ او شمالا الكل عيونهم زائغة للامام حيث العراق.
سمعنا دوي انفجارات على جانبي الطريق المجدب ,قيل لنا ان الارض على الجانبين مزروعة بحقول زاخرة بالالغام التي تتفجر فيها الارانب والخنازير.كان يراد لنا ان نختم رحلة العودة بمشاهد التفجير والقتل .
نظرت من الشباك فلاح لي ارنب ينهب الارض مسرعآ وفجأة دوى انفجار هائل وتطايرت اشلاءه وغبار الشظايا والاحجار والتراب الذي غطى مخيلتي واعادني الى ليلة الثلاثين من نيسان عام 1982 في الجبهة ضمن قاطع عمليات البصرة كنا في منطقة ما بين المحمرة وعبادان وكانت طبول معركة وشيكة تدق منذ ليلتين ودوي الانفجارات لاينقطع,زار الجبهة ليلتها اسماعيل تايه النعيمي (ابو الشهيدين)وابلغنا جنودآ ومراتب ان هجومآ وشيكآ سيحصل في قاطعنا وما علينا سوى الصمود لساعة واحدة وسنرى افضل مقاتلي الجيش العراقي هنا يحيطون بنا مساندين.*هامش رقم2..*( ارجو ان لاتكونوا قد صدقتم كلمة من حديث هذا المارشال الذي لم نر قطعاته من اول خيوط فجر اليوم الاخير من نيسان1982 حتى يوم عودتنا عبر سربيل زهاب في 26 آب 1990)