فاطمة بنت أسد هي سيدةٌ جليلةٌ ذات إيمانٍ قويٍّ وإصلاحٍ ودين، أسلمت بمكَّة بعد وفاة زوجها أبي طالب في حياة النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال عنها النبيُّ صلى الله عليه وسلم بعد وفاتها: «رحِمَكِ اللهُ يَا أُمِّي، كُنْتِ أُمِّي بَعْدَ أُمِّي؛ تَجُوعِينَ وَتُشْبِعِينِي ،وَتَعْرَيْنَ وَتُكْسِينِي وَتَمْنَعِينَ نَفْسَكِ طَيِّبًا وَتُطْعِمِينِي تُرِيدِينَ بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ وَالدَّارَ الآخِرَةَ».
نشأة فاطمة بنت أسد وحياتها
هي فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف القرشيَّة الهاشميَّة، أم الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه [1]، وأمها: حبَّى بنت هرم ابن رواحة، من قريش [2]، نشأت في الجاهليَّة بـ مكة [3]، وتزوَّجت بأبي طالب بن عبد المطلب بن عبد مناف، وأنجبت منه علي رضي الله عنه وإخوته، وهم: طالب واختلف في إسلامه [4]، وعقيل وجعفر وجمانة وأم هانئ واسمها فاختة رضي الله عنهم أجمعين [5].
ووهي أوَّل هاشميَّة وَلَدَت لهاشميٍّ وأول هاشميَّة وَلَدَت خليفة، ومن بعدها فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أم الحسن والحسين رضي الله عنهما، ثم زبيدة زوجة هارون الرشيد أم الخليفة العباسي الأمين [6].
إسلام فاطمة بنت أسد
أسلمت فاطمة بنت أسد بعد وفاة زوجها أبي طالب [7]، ثم هاجرت مع أبنائها إلى المدينة [8].
وكانت رضي الله عنها راويةً للحديث؛ روت عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ستَّةً وأربعين حديثًا [9]، وكانت امرأةً صالحة [10]، وذات صلاحٍ ودين [11]، فكان النبيُّ صلى اللَّه عليه وسلم يزورها ويقيل في بيتها [12].
وفاة فاطمة بنت أسد وفضلها
قيل: إنَّ فاطمة بنت أسد رضي الله عنه ماتت قبل الهجرة، وهذا ليس صحيحًا [13]، والصحيح أنَّها ماتت في نحو السنة الخامسة من الهجرة في المدينة [14].
وروى ابن عباس رضي الله عنهما: أنه لمـَّا ماتت فاطمة أم علي بن أبي طالب رضي الله عنه خلع رسول الله صلى الله عليه و سلم قميصه وألبسها إياه واضطجع معها في قبرها، فلمَّا سوَّى عليها التراب قال بعضهم: يا رسول الله، رأيناك صنعت شيئًا لم تصنعه بأحدٍ، فقال صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي أَلْبَسْتُها قَمِيصِي لِتَلْبَسَ مِنْ ثِيَابِ الْجَنَّةِ، وَاضْطَجَعْتُ مَعَهَا فِي قَبْرِهَا لَيُخَفَّفَ عَنْهَا مِنْ ضَغْطَةِ الْقَبْرِ، إِنَّهَا كَانَتْ أَحْسَنَ خَلْقِ اللَّهِ إِلَيَّ صَنِيعًا بَعْدَ أَبِي طَالِبٍ» [15].
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّه قال: لمـَّا ماتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أم علي رضي الله عنهما دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس عند رأسها فقال: «رحِمَكِ اللهُ يا أمِّي كنْتِ أمِّي بعدَ أمِّي تجوعين وتُشْبِعيني وتَعْرَينَ وتُكْسيني وتَمْنعينَ نفسَكِ طيِّبًا وتُطْعِميني تُريدين بذلك وجهَ اللهِ والدَّارَ الآخرةَ»، ثم أمر أن تُغسَّل ثلاثًا، فلمَّا بلغ الماء الذي فيه الكافور سكبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، ثم خلع رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه فألبسها إيَّاه، وكفَّنها ببُرد فوقه، ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد وأبا أيوب الأنصاري وعمر بن الخطاب وغلامًا أسود يحفرون، فحفروا قبرها، فلمَّا بلغوا اللحد حفره رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وأخرج ترابه بيده، فلمَّا فرغ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فاضطجع فيه، فقال: «اللهُ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ اغْفِرْ لِأُمِّي فَاطِمَةَ بِنْتِ أَسَدٍ وَلَقِّنْهَا حُجَّتَهَا وَوَسِّعْ عَلَيْهَا مُدْخَلَهَا بِحَقِّ نَبِيِّكَ وَالْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِي فَإِنَّكَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ» وكَبَّر عليها أربعًا، وأدخلوها اللحد هو والعباس وأبو بكر الصديق رضي الله عنهم [16].
[1] ابن الأثير: أسد الغابة، تحقيق: علي محمد معوض، عادل أحمد عبد الموجود، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1415هـ= 1994م، 7/212.
[2] ابن قتيبة: المعارف، تحقيق: ثروت عكاشة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، الطبعة الثانية، 1992م، 1/ 203.
[3] الزركلي: الأعلام، دار العلم للملايين، الطبعة الخامسة عشر، 2002م، 5/ 130.
[4] لم تتحدث مصادر أهل السنة والجماعة عنه إلا بشي محدود ولم يرد ذكره في كتب السير والتراجم؛ مثل: "الاستيعاب في معرفة الأصحاب" لابن عبد البر، ولا في "أُسْد الغابة في معرفة الصحابة" لابن الأثير الجزري، ولا "سير أعلام النبلاء" للذهبي، ممَّا يدل على أنَّه لا دليل على إسلامه، وقد توفي طالب بن عبد المطلب في العام الثاني من الهجرة.
[5] ابن قتيبة: المعارف، 1/203.
[6] ابن الأثير: أسد الغابة، 7/212.
[7] الزركلي: الأعلام، 5/130.
[8] ابن الأثير: أسد الغابة، 7/212، والزركلي: الأعلام، 5/130.
[9] عمر رضا كحَّالة: أعلام النساء في عالمي العرب والإسلام، مؤسسة الرسالة، ييروت، 4/33.
[10] ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة، 8/ 269.
[11] عمر رضا كحَّالة: أعلام النساء في عالمي العرب والإسلام، 4/33.
[12] ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلى محمد معوض، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1415هـ، 8/269.
[13] ابن الأثير: أسد الغابة، 7/ 212، والزركلي: الأعلام، 5/130.
[14] ابن عساكر: تاريخ دمشق، تحقيق: عمرو بن غرامة العمروي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1415هـ= 1995م، 41/9، والزركلي: الأعلام، 5/130.
[15] الطبراني: المعجم الأوسط (6935)، 7/ 87، حديثٌ حسن.
[16] الهيثمي: مجمع الزوائد، 9/259، خلاصة حكم المحدث: فيه روح بن صلاح؛ وثَّقه ابن حبان والحاكم، وفيه ضعف، وبقيَّة رجاله رجال الصحيح، وأخرجه الطبراني: المعجم الأوسط، 24/351، (871)، وأبو نعيم: حلية الأولياء، 3/121.
قصة الإسلام