الإمام الحسين عليه السلام رمز الحضارة
لم تكن كربلاء واقعة تاريخية وإنما معركة حضارية تجسدت فيها وتلخصت كل تجارب البشرية من آدم إلى يوم استشهاد الحسين ولاحت منها كل معاني الحياة وفلسفتها ورسمت للمستقبل خطوطه ووضحت للأجيال أهدافها حيث كانت أعظم معركة في التاريخ بين الحق والباطل كما جرى ذلك لآدم وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلي الله عليه و آله وعلي عليه السلام التي شكلت لنا الحسين في أروع مثال لقيم السماء، وبين قابيل والنمرود وفرعون وطغاة قريش وإبليس التي تجسدت في أرذل وأقبح صورة في التاريخ وهي يزيد بن معاوية. هذه الحادثة التي اختصرت لنا الطريق لاستقراء واستنطاق كل التاريخ حتى يعيننا في تحدياتنا الحضارية بل تكفي هذه الحادثة لتفجير ثورة حضارية في كل زمان وفي كل مكان وذلك بما سجلته كربلاء من معاني الحضارة وأسسها ومقوماتها وأسبابها. فكربلاء هي رمز التضحية من أجل القيم والمبادئ، وما حضارتنا إلا قيم ومبادئ نسعى لتحقيقها وما صراعنا إلا مع من يعارضها، فهل لنا مثال ورمز في التاريخ نعلم منه كيف نحمي قيمنا، سوى الحسين، وإلا لو كان ممكن للدنيا أن تكون من غير قيم لآثر الحسين البقاء وما رجح أن ييتّم الأطفال ويشرّد النساء حتى أصبحت فاجعة تبكي فبكاه آدم والخليل وموسى ولعن عيسى قاتله وأمر بني إسرائيل بلعنه وقال من أدرك أيامه فليقاتل معه… وحديث قتل الحسين أبكى الرسول وهو حي فكيف به إذ رآه صريعاً في كربلاء ملطّخاً بالدماء وحوله أصحابه وأهل بيته متناثرين في الصحراء. إن لدم الحسين في كربلاء مؤشراً خطيراً ونهجاً قويماً كيف لا، وما للدم من عبر، وما من دم سال إلا وله آثاره كدم هابيل وأنبياء بني اسرائيل حتى دم تلك البقرة التي أمر الله بذبحها أو دم ناقة صالح التي بسببها دمدم على قومه وسواه، فما بال دم الحسين أطهر خلق الله في زمانه ألا يمكن على دمه أن تقوم أحداث وتبنى حضارات. إن دم الحسين سال عندما تصدعت أركان الحضارة المتمثلة في محورية الانسان واستقامة القانون وعدالة الحاكم. عندما تحولت بمحو شخصية الانسان وجعل المادة هي المحور بانحراف القانون وتبديل أحكام الله فبجور السلاطين وفسقهم انحدرت البشرية في واد سحيق إلى أن وصلت أسفل السافلين عند يزيد، فثار الحسين منادياً بأركان الحضارة التي محقت فقال لا قيمة إلا للانسان ولا عمل إلا بالشريعة ولا طاعة إلا لحاكم عادل، فما بالنا نحن وما لنا لا نتعلم منه؟ ونحن في عصر نصارع فيه حضارة جاهلية قامت على محورية المادة. كيف ننقل ثورة كربلاء؟ ليس بالضرورة أن نفعل ما فعل الحسين، ولكن يمكننا أن نعرف أسس الثورة ومبادئها واستراتيجيتها وأهدافها، يمكننا أن نتعلم أولاً كيف نضحّي من أجل القيم وكيف نعمل من أجل المبادئ ويمكن أن نفهم أن الحياة قيم ومبادئ، لا يعني أن ننتحر ولكن نعمل من أجل إنزال القيم إلى أرض الواقع حتى نموت دونها كما قال الإمام الحسين عليه السلام : (ليرغب المؤمن في لقاء ربه محقاً فإني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما)، ويمكننا نقل كربلاء إلى واقعنا بأن نجعل الإصلاح هو غايتنا وتقدم الانسانية إلى الأفضل هو هدفنا كما قال الإمام الحسين عليه السلام : (ألا وإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي) وأن نعيد كربلاء بأن نعيد لأهل البيت عليه السلام حقهم نبشر فضلهم ومذهبهم خاصة في هذا العصر الذي تعددت فيه المذاهب. فبالحسين يمكن أن نكون حسينيين وبروحه يمكن أن نقاوم كل اليزيديين وببركته يمكن أن نكون أعواناً لصاحب العصر والزمان المهدي المنتظر عجل الله تعالي فرجه الشريف الذي أبى الله إلا أن يعيد به حق أهل البيت عليه السلام الحضاري بين قيم السماء وقيم الجاهلية حين تسقط الأخيرة صريعة، فتمتلأ الدنيا بالخير والأمان وحينها تكون الحضارة الإلهية.