التعليم في العراق.. واقع مزري ومدارس خارج عداد الزمن وفقراء محرومون منه
في ظل الصراعات بين الكتل السياسية على الحقائب الوزارية في حكومة عادل عبد المهدي وبينها حقيبة التعليم التي لم يُستقر على وزيرها، أعلنت مؤخرا منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) أن التفاوت الاقتصادي عائق أمام الفقراء لإدخال أطفالهم المدارس ولإكمال مراحل تعليمهم.
عملية التعليم في العراق مزقتها الحروب، فعلى حكومة بغداد إنفاق المزيد من الأموال على قطاع التعليم حيث أن المشكلة تعود إلى الأزمة المالية وسنوات القتال وقلة الدعم الحكومي، والتي أدت بدورها إلى الإضرار بالنظام التعليمي في العراق، بحسب دراسة أعدتها يونيسف، شملت أكثر من عشرين ألف عائلة.
التعليم منهار تماما والمسؤولون عن انهياره لا يحاسبون فمثلا يحتاج نصف مجموع المدارس الحكومية إلى أعمال تأهيل، وتعمل نحو ثلث المدارس بأكثر من دوام مدرسي واحد، مما يقلل فترة تعلم الأطفال، لذلك دعت يونيسيف السلطات إلى "الاستثمار في الخدمات التي تعود بالفائدة المباشرة على الأطفال المتأثرين بالصراع وبالفقر، والعمل من أجل وضع حد لجميع أشكال العنف ضد الأطفال".
ويعاني العراق منذ سنوات طويلة من أزمة نقص الأبنية المدرسية نتيجة عقود من الحصار والحروب، لكنها تفاقمت خلال السنوات القليلة الماضية جراء تدمير أو تضرر عدد كبير من المدارس في الحرب بين القوات العراقية ومسلحي تنظيم "داعش" الإرهابي بين عامي 2014 و2017، وتقدر وزارة التربية حاجة البلاد إلى نحو 20 ألف مدرسة بحلول عام 2022.
ووفق أرقام أعلنتها وزارة التخطيط في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، فإن عدد العراقيين الذين تقل أعمارهم عن 15 سنة، يبلغ 15 مليونا و428 ألف نسمة بواقع 45 بالمئة من مجموع السكان العام بالبلاد.
من جانبها، حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) من أن عدم التكافؤ الاقتصادي يؤثر بشكل كبير على عملية تعليم الأطفال في العراق الذي مزقته الحروب، وحضت حكومة بغداد على إنفاق المزيد من الأموال على قطاع التعليم.
وتوصلت الدراسة إلى أن حوالي 90 في المئة من الأطفال العراقيين لا يستطيعون الوصول إلى التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة.
ويخلق الوضع الاجتماعي والاقتصادي فجوة كبيرة بين الذين يتخرجون من المدارس الثانوية، حيث تصل نسبة المتخرجين الأكثر ثراء إلى 73 في المئة، مقارنة مع 23 في المئة فقط من الطلاب الأكثر فقرا.
وتعمل ثلث مدارس البلاد بدوامين أو ثلاثة يوميا، في محاولة لتسجيل أكبر عدد ممكن من الأطفال، ما يعني أن الطلاب قد يحصلون على بضع ساعات فقط من الدراسة في اليوم الواحد.
وترى يونيسف أن البلاد بحاجة إلى 7500 مدرسة من أجل تحسين الوصول إلى التعليم.
وقال ممثل يونيسف في العراق بيتر هوكينز إن "الأمر متعلق بالنزاع، والانهيار الاقتصادي، ونقص الاستثمارات على مدى السنوات العشرين الماضية. وعندما تتراجع النوعية، فإن الأطفال أنفسهم يتسربون من الفصول الدراسية".
وأضاف هوكينز أن "الأطفال هم مستقبل هذه البلاد، والفجوة المتنامية بين الفقير والغني تثير النزاعات وتضر بالأطفال والعراق".
وتعرضت البنية التحتية لضربات قاسية بدأت مع الغزو الأمريكي للبلاد في العام 2003، مرورا بحرب طائفية ضروس تبعتها أعمال عنف دامية، وصولا إلى اجتياح تنظيم الدولة الإسلامية واحتلاله ما يقارب ثلث مساحة البلاد في العام 2014.
وتعتبر يونيسف أن على الحكومة، ومن أجل زيادة عدد الأطفال الذي يرتادون المدارس، تعزيز إنفاقها على التعليم، الذي يعد واحدا من أدنى المعدلات في المنطقة بنسبة 5,7 في المئة فقط من إجمالي الإنفاق.
وحث هوكينز المسؤولين الحكوميين قائلا "أيها الوزراء، أرجوكم استثمروا في هؤلاء الأطفال الأكثر احتياجا. هؤلاء الأطفال هم مستقبلكم".
وأعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، عن وجود 3.2 مليون طفل لا يحصلون على التعليم بشكل مستمر.
وقالت اللجنة في تغريدة على حسابها الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي تويتر، إن “3.2 مليون طفل عراقي لا يحصلون على التعليم بشكل مستمر، ومليوني طفل لا يستطيعون الذهاب إلى المدرسة في اليمن”.
وأضافت أن “2.2 مليون طفل خارج المدارس في جنوب السودان، في حين لا يذهب 1.75 مليون طفل إلى المدرسة في سورية”.
وعدت الناشطة في حقوق الإنسان سلامة الخفاجي البرامج التي نفذت لتطوير واقع الأطفال التي لم تحقق أهدافها المنشودة مطالبة الحكومة توفير الدعم اللازم لتلك الشريحة لضمان قيادات مستقبلية للبلاد.
سكانياً، وبحسب ما جاء في أحدث تقدير لحجم السكان صدر عن الأمم المتحدة حتى حزيران من هذا العام 2018 فإنّ حجم السكان في العراق يقترب بتسارع ملحوظ من سقف الأربعين مليون نسمة.
ويقدر العمر الوسيط فيه بما يقرب من العشرين عاماً أي أنّ نصف السكان أقل من عشرين عاماً فيما يقع النصف الآخر فوق سن العشرين عاماً، ويعني هذا عملياً أننا نقف أمام تحديات صعبة للغاية على مستوى تأمين الخدمات التعليمية والصحية والأمنية الضرورية لأعداد متزايدة من البشر ضمن الجماعة الوطنية للمجتمع العراقي.
على صعيد قطاع التعليم تشهد الإحصاءات الوطنية الشاملة الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء لعام 2016-2017 وهي آخر ما تمّ إطلاقه، حتى وإنْ حسبت بأيسر الطرق وأقلها تشدداً، على تحديات لا تقل خطورة. فقد سجل عدد الطلبة المقبولين والموجودين على مستوى التعليم الإبتدائي أكثر من ستة ملايين ونصف المليون طفل وصل منهم 53% فقط إلى مرحلة التعليم الثانوي بمرتبتيه المتوسطة والإعدادية. أي أنّ 47% من هؤلاء الطلبة أكتفوا بالتعليم الإبتدائي دون أنْ يعني ذلك أنّهم حصلوا على شهادة المدرسة الإبتدائية وإنّما تسربوا وتركوا الدراسة لأسباب عدة، وصل من هؤلاء 23% فقط مرحلة التعليم الجامعي وما يعادله على مستوى المعاهد ومراكز البحث العلمي نتيجة حدوث حالات تسرب واسعة وجديرة بالقلق، وهذا ما يشير بصورة مؤكدة إلى تآكل خطير في رأس المال البشري للمجتمع العراقي، بيد إنّ الخطورة لا تقف عند هذه الجوانب وإنّما تتعداها إلى نوعية الإحصاءات التي يقوم الجهاز المركزي بجمعها وتقديمها والتي يفترض أنْ توفر قاعدة بيانات أساسية لأية عملية تنموية مخطط لها يمكن أنْ تشرع بها المؤسسات الحكومية وغير الحكومية.
بحسب إحصاءات الجهاز المركزي للإحصاء حول عدد الطلبة المقبولين والموجودين على مستوى التعليم الإبتدائي من جانب وعدد أعضاء الهيئات التعليمية من جانب آخر يتضح أنّ هناك معلم لكل 25 طالب وطالبة، وبالمثل فإنّ هناك 23 طالباً وطالبةً لكل مدرس على مستوى التعليم الثانوي أي بأخذ عدد الطلبة المقبولين والموجودين من جانب وعدد أعضاء الهيئات التدريسية على مستوى الدراسة الثانوية في العراق ككل من جانب آخر. وبمثلها فإنّ هناك 20 طالباً وطالبةً لكل تدريسي جامعي على مستوى التعليم العالي. إحصاءات وردية على المستوى الوطني بلا شك تنافس إحصاءات التعليم في أرقى البلدان وأكثرها رفاهاً.
معروف أنّ الجامعات في البلدان المرفهة تعتبر ألا يتعدى حجم القاعة الدراسية الواحدة سقف الـ 20-25 طالباً وطالبةً مقياساً مهماً لضمان تقديم خدمة تعليمية جادة وحميمة وفعالة على مستوى العلاقة بين الطالب والأستاذ، كما تسمح هذه الجامعات بفتح قاعات دراسية لا يقل عدد الطلبة فيها عن خمسة ولا يزيد على 25 لضمان سير عملية تعليمية توفر أجواء اجتماعية طبيعية وصحية ومؤثرة، إلا إنّ واقع الحال في العراق يكذب هذه البيانات المجردة.
فما الذي يقوله الجهاز المركزي للإحصاء عن ظاهرة التعليم الخصوصي التي باتت جزءاً حيوياً وليس مجرد تعبير عن مساعي عائلية متفانية للمساعدة على تأمين الحصول على معدلات تنافسية عالية لأبنائهم من الطلبة بسبب عدم توفر الملاكات التدريسية لمرحلة التعليم الإبتدائي والثانوي وحتى الجامعي.
فهذه الإحصاءات لا تقول شيئاً عن ظاهرة الدوام المزدوج بل وحتى الثلاثي والرباعي للمدارس الحكومية في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية حيث يتزاحم الطلبة في بنايات مدرسية متهالكة في الغالب وغير مؤهلة من حيث الخدمات الأساسية.
وهناك الظواهر النوعية المستجدة التي ارتبط أحدثها بحصول أعداد كبيرة من خريجي المدارس الثانوية في السنوات الأخيرة على معدلات نجاح كاملة أي 100% أدت إلى دفع الطلبة الذين حصلوا على معدلات تقل عن 95% جانباً ليقبلوا في معاهد وكليات غير مرغوب بها من قبلهم، هذه ظاهرة تشير إلى عدد من الاحتمالات لعل من أسوأها إنتشار حالات الغش في الامتحانات وعلى نطاق واسع وأخرى لا تقل سوءاً وهي التي تتمثل بشيوع حالات الركود والجمود في العملية التعليمية على مستوى المادة التدريسية والكتب المنهجية التي صار يقرأ فيها الأحفاد ما قرأه الأجداد وليس فقط ما قرأه الآباء والأمهات.