العراق.. كيف يستقبل الطلاب عامهم الدراسي الجديد؟


قسم التقارير – العراق
مع اقتراب بدء العام الدراسي الجديد في البلاد والذي من المقرر أن يبدأ رسميا في الثلاثين من أيلول/ سبتمبر الجاري، يعاني
الواقع التعليمي الأولي في البلاد من مشاكل عديدة على جميع الأصعدة التربوية والصحية والعلمية، فضلا عن تسبب الحروب المتلاحقة في البلاد بانهيار النظام التعليمي الذي عدته منظمة اليونيسكو في يوم من الأيام كأحد أفضل الانظمة التعليمية في العالم.
قراءة في الواقع التعليمي بين الأمس واليوم
في بداية كل عام دراسي في العراق، يدور الحديث سنويا عن النظام التعليمي العراقي، وما يواجهه من مخاطر جمة ليس أقلها تدني المستوى التعليمي والخدمات التربوية المقدنة للطلاب، بعد أن كان
العراق يحتل المراتب الأولى عالميا في مستوى التعليم.
“عدد المدارس في جميع أنحاء العراق هو 15,500 مدرسة تقريبا في جميع المحافظات”
وفي هذا الصدد يقول المشرف التربوي “نبيل عبد الرؤوف” في حديثه لوكالة “يقين” إن منظمة اليونيسكو صنفت في نهاية سبعينات القرن الماضي
النظام التعليمي في العراق، كأحد أفضل النظم التعليمية على مستوى العالم، لكن هذا النظام تدهور إلى الحد الذي بات يوشك على الانهيار.
وأضاف عبد الرؤوف أن ازدياد عدد سكان العراق إلى ما يزيد على 37 مليون نسمة، لم يرافقه زيادة عدد المدارس التابعة لوزارة التربية، إذ أن عدد المدارس في جميع أنحاء العراق هو 15,500 مدرسة تقريبا في جميع محافظات البلاد، وأن
الحرب الأخيرة التي شهدها العراق بعد عام 2014 شهدت تدمير وتضرر الاف المدارس في المحافظات الوسطى والشمالية.
وأشار إلى أن نسبة المسجلين في التعليم الابتدائي في سبعينات القرن الماضي كانت 100%، ولكن لو قارنا ذلك مع ما بعد 2003 لوجدنا أن نسبة القادرين على القراءة والكتابة في العراق في فئة الذكور 55% وفي الاناث 23%، وهو ما يدق ناقوس الخطر نحو اتجاه البلاد
نحو الأمية بعد أن كان العراق يخلو منها تماما، بحسب عبد الرؤوف.

من جانبه أشار الأستاذ “طلال محمد” الذي عمل مدرسا لثلاثين عاما في مدارس بغداد والموصل، إلى أن عدد الطلاب في الصف الواحد كان لا يتجاوز الـ 30 طالبا، أما الآن فإن غالبية المدارس لا يقل عدد الطلاب في كل صف فيها عن 50 طالبا.
وأوضح في حديثه لوكالة “يقين” أن الطلاب يستقبلون العام الدراسي الجديد، ومشاكل عديدة بانتظارهم ليس أقلها نقص المناهج التعليمية وافتقار المدارس للمراكز الصحية التربوية، فضلا عن نقص
الكوادر التدريسية في عموم البلاد، بعد أن أوقفت الحكومة منذ أعوام نظام التعيينات المركزية للكوادر التدريسية في البلاد.
وعن عدد أعداد المدارس في
العراق وقابيلة استيعابها للطلاب في عموم العراق، أشار مصدر في دائرة التخطيط التابعة لوزارة التربية، إلى أن الوزارة تعاني من قلة الموازنة المالية المخصصة لها، والتي أثرت بشكل كبير على بناء مدارس جديدة لاستيعاب الطلاب، فضلا عن نقص التخصيصات اللازمة لطبع المناهج الدراسية.
“بعد الغزو الأمريكي عام 2003 بات على رب الأسرة شراء جميع لوازم الطلبة على نفقتها الخاصة بمبالغ كبيرة”
وأوضح المصدر أن المحافظات الوسطى والشمالية وهي كل من نينوى والأنبار و
صلاح الدين وديالى وأطراف بغداد والتأميم، أدت الحرب التي دارت هناك بين القوات الحكومية ومسلحي تنظيم الدولة، إلى تدمير وتضرر قرابة الـ 5400 مدرسة ما بين تدمير كلي وجزئي، لافتا إلى أن الوزارة لا تملك الأموال اللازمة لإعادة إعمارها، مؤكدا أن جميع المدارس المتضررة جزئيا والتي شهدت بعض أعمال الترميم والصيانة تمت من خلال المنظمات المحلية والدولية.
العام الدراسي الجديد وهموم الآباء
يشكل العام الدراسي الجديد مشكلة كبيرة لدى الكثير من العوائل في العراق، إذ تتحمل الأسر مصاريف الطلاب التي تشمل اللوازم الدراسية والقرطاسية والملابس وأجور النقل واختيار أفضل المدارس من حيث
جودة التعليم، “حسن معن” والد لثلاثة طلاب، تحدث لوكالة “يقين” عن معاناته السنوية مع بداية كل عام دراسي جديد، إذ يقول: “كانت المدارس في ما مضى تزود الطلبة بالمناهج الدراسية والقرطاسية اللازمة التي تكفيهم طيلة العام، إلا أنه وبعد الغزو في عام 2003، بات علينا شراء جميع لوازم الطلبة على نفقتنا الخاصة، بمبالغ كبيرة لا نتحمل تبعاتها”.
وأوضح معن أنه يتوجب عليه شراء قرطاسية كاملة وملابس لجميع أولاده الطلاب، فضلا عن استنساخ بعض مفردات المناهج التعليمية والتي
تفتقر المدارس لبعضها، وهذا يكلف قرابة الـ75 ألفا لكل طالب -63 دولارا-، ما بين ملابس ولوازم مدرسية.
مشيرا بالقول: “راتبي 650 ألف دينار شهريا -540 دولارا-، وهي لا تكفيني لسد رمق العيش، فكيف لي أن أتحمل الانفاق على ثلاثة طلاب بجميع احتياجاتهم المدرسية فضلا عن أجور ذهابهم وإيابهم من وإلى المدرسة!”.
“نسبة التلاميذ المتسربين من المدارس الابتدائية بلغت في عام 2015 نحو 38%”
من جانبه يقول الخبير التربوي “حسين الطائي” في حديثه لوكالة “يقين” أنه حتى في
سنوات الحصار التي مر بها العراق بين عامي 1991 و2003، كانت وزارة التربية تزود جميع الطلاب بالقرطاسية الضرورية لعام كامل من دفاتر وأقلام ومناهج دراسية، إلا أنه ومع الميزانيات الانفجارية التي تخصصها الحكومة كل عام منذ 2003، فأن الوضع التعليمي في البلاد يتجه من سيء إلى أسوأ.
وأشار إلى أن اعتماد وزارة التربية على الاستيراد الكامل، وعدم تشغيل مطابع الوزارة بسبب البيروقراطية الادارية و
الفساد الكبير، يأتيان على تخصيصات الوزارة بأكملها، دون توفير الحد الأدنى من اللوازم المدرسية لمدارس البلاد.

واقع المدارس في العراق وتسرب الطلاب
تشير إحصائيات رسمية إلى أن نسبة التلاميذ المتسربين من المدارس الابتدائية بلغت في عام 2015 نحو 38% من مجموع الأطفال الواجب تسجيلهم في المرحلة الابتدائية، ولم تشر الإحصائية إلى الذين لم يسجلوا أصلا في المدارس ولا توجد لديهم قيود دراسية لدى
وزارة التربية.
وفي هذا الصدد، عزا معاون مدير عام دائرة الصحة العامة في وزارة الصحة الدكتور “محمد جبر” في تصريح صحفي، ظاهرة تسرب الطلاب، إلى أسباب اقتصادية واجتماعية ونفسية، إضافة إلى عوامل بيئية.
وأكد أن نحو 70 % من مدارس البلاد تعاني مشاكل بيئية عديدة أبرزها افتقار المدارس لمرافق صحية مناسبة للتلاميذ ومياه صالحة للاستهلاك البشري.
وأوضح جبر أن بعض
صفوف المدارس تضم أكثر من 60 تلميذا أو طالبا ما يؤثر في التهوية الصحية ومستوى النظر واستيعاب الدروس، مشيرا إلى معضلة أخرى تتمثل بمدارس الطين والمدارس الكرفانية التي تعد بيئات مدرسية غير ملائمة للدراسة.
من جانبه أشار المشرف التربوي “محمد محمود” الذي يعمل في دائرة الإشراف التربوي في محافظة نينوى، إلى أن ظاهرة تسرب التلاميذ تتركز في الأقضية والنواحي البعيدة عن مراكز المدن، موضحا أن هذه المشكلة لا تشمل محافظة نينوى فحسب، بل جميع محافظات العراق.
“عدد المدارس المدمرة كليا في مدينة الموصل بلغ قرابة الـ75 مدرسة”
وأشار محمود إلى أن مديريات التربية في المحافظات ومنذ سنوات تركز نشاطها واهتمامها على مراكز المدن دون إيلاء الأهمية اللازمة لمدارس الأقضية والنواحي والقرى، وأضاف قائلا: “إن السياسة المتبعة في وزارة التربية والتي تركز على مراكز المدن بشكل يفوق تركيزها على الأقضية والنواحي يؤدي الى فقدان
القيمة التعليمية لقرابة 50% من جدواها، ذلك أن مجموع المدارس في الأقضية والنواحي والتي تعاني الاهمال الكبير، يساوي عددها في محافظات عديدة عدد المدارس في مراكز المدن، وبالتالي، فإن الوزارة وما لم تولي أهمية كبيرة لجميع مدارس المحافظات دون التمييز بين المركز والأطراف، فإن العملية التربوية في البلاد لن تشهد تحسنا مطلقا”.


واقع أليم في مدارس المدن المنكوبة
شهدت محافظات وسط البلاد وشماله
عمليات عسكرية كبيرة خلال الأعوام الأربعة الماضية، ما أدى إلى تدمير كبير للبنى التحتية في تلك المحافظات ومن بينها المدارس، ووفق مصدر في قسم الأبنية في مديرية تربية محافظة نينوى تحدث لوكالة “يقين”، أن عدد المدارس المدمرة كليا في مدينة الموصل مركز محافظة نينوى بلغ قرابة الـ75 مدرسة، فضلا عن أضعاف هذا الرقم مدمرة جزئيا.
“تربية نينوى تشهد حالة من الفوضى في عدم توزيع الكوادر التدريسية بنسب عادلة بين جانبي المدينة”
ويقول الناشط المدني “صفوان الجبوري” من
مدينة الموصل في حديثه لوكالة “يقين” إن العدد الذي أعلنته تربية نينوى عن عدد المارس المدمرة غير دقيق، إذ أن هذا الرقم لم يشمل المدارس في منطقة الموصل القديمة والتي عدتها تربية نينوى خارجة عن الخدمة، فضلا عن عدم احتساب تربية نينوى لعدد المدارس المدمرة فيقضاء سنجار وقضاء البعاج الذي لم يعد إليه نازحوه حتى اللحظة.
وأضاف الجبوري أن مدارس محافظة نينوى لم تدمر فقط نتيجة العمليات الحربية، إذ أن هناك نوع آخر من التدمير وهو إغلاق كثير من المدارس نتيجة عدم عودة
الكوادر التدريسية إليها، وتنسيبهم من خلال العلاقات والوساطات للعمل في ممثلية تربية محافظة نينوى في منطقة إقليم كردستان.
وأوضح أن تربية نينوى ومنذ استعادة المدينة قبل أكثر من عام، تشهد حالة من الفوضى في عدم توزيع الكوادر التدريسية بنسب عادلة بين جانبي المدينة الأيمن والأيسر، فضلا عن عدم عدالة توزيع الكوادر بين مركز المحافظة وبقية الأقضية والنواحي.

المصدر:وكالة يقين