للاجئون العراقيون.. مأساة إنسانية تنتظر الحل (1/ 4)
مركز دراسات البيئة والصحة
لم تنته الحرب الأمريكية على العراق إلا بعدما خلفت أثرها المدمر على جميع بقاع البلاد، وأصبح الشعب بجميع أطيافه ضحايا هذه المآسي التي ألحقها به حالة الانفلات الأمني الواضحة، وأعمال القتل والخطف التي نشاهدها بصفة يومية، ليتحول الشارع العراقي إلى جحيم لا يطاق بعد أن أصبح ساحة لتصفية الحسابات المحلية والدولية، حتى أدت جملة هذه المعطيات إلى هروب جماعي للأسر العراقية وهي تحمل بالكاد المقتنيات الشخصية، لتودع بعيون دامعة وقلوب دامية الوطن والأهل ودجلة والفرات وعبرت الحدود إلى دول الجوار بعدما ركعت مقبلة تراب وادي ما بين النهرين الذي امتزجت به أتربة أجساد الأجداد. وتستمر المعاناة للعراقيين اللاجئين سواء بالتهجير القسري للانتقال داخل البلد أو الهجرة الى الخارج طلبا للامان المفقود تماما في العراق منذ عدة سنوات وفي كلتا الهجرتين، تعاني العوائل من نقص شديد في سبل العيش فضلا عن فقدانها لابسط الخدمات الإنسانية، والتعطيل الوظيفي والتربوي مما يؤثر سلبيا حتى على مستقبل الأطفال ومصدر العيش بالنسبة للكبار.
منظمة اللاجئين: اللاجئون العراقيون أكبر أزمة إنسانية في العصر الحديث
ويعيش العديد من العراقيين المغادرين حاليا في فقر مدقع ولا تتوفر لهم الرعاية الصحية ولا أماكن لأطفالهم في المدارس. وتقدر وكالة الأمم المتحدة للاجئين أن نحو 50 ألف فرد يغادرون العراق كل شهر بسبب أحداث العنف فيه، وان نحو أربعة ملايين عراقي يعيشون بعيدا عن منازلهم. وتظل الغالبية العظمى من العراقيين الفارين من بلادهم في سوريا والأردن المجاورين للعراق، حيث يوجد في سوريا وحدها زهاء المليون لاجئ عراقي بينما يأوي الأردن حوالي 750 ألف لاجئ، ويعيش في مصر حوالي 13 ألف لاجئ، ليتجاوز، وحسب آخر تقديرات، عددهم الإجمالي زهاء الــ 2 مليون لاجئ جراء الظروف التي تعيشها العراق، وهذا الرقم بطبيعة الحال في زيادة مستمرة بسبب التدفقات الشبه يومية من العراقيين إلى دول الجوار.
ووصفت منظمة اللاجئين العالمية بواشنطن هذه المشكلة بأنها “الأزمة الإنسانية الأسرع تزايدا في العالم، حيث يغادر العراق 3000 شخص يوميا، باتوا يهددون النسيج الاقتصادي والاجتماعي لكل من الأردن وسورية”. فيما توقعت منظمة الهجرة الدولية أن يفر في الفترة المقبلة نحو مليونين من العراقيين إلى البلدان المجاورة طلبا للجوء، وأن يكون العام الحالي أكثر قتامة وسوداوية, طالما أن العوامل والظروف المشجعة على التهجير بقيت على حالها.
ولابد من الإشارة هنا إلى أن حكومات الدول المضيفة لا ترغب في الاعتراف بأزمة تدفق قافلة اللاجئين، ومن ثم لا تقرْ للاجئين العراقيين بوضع رسمي، رغم أنها توفر لهم قلّة من الخدمات الاجتماعية. وعلى نحو مماثل لا زال المجتمع الدولي في حالة إنكار بشأن وجود واستمرار أزمة اللاجئين العراقيين، رغم توفير موارد ضحلة لمواجهة حاجات هذه الموجات البشرية المتسعة، لاسيما أن الدول المضيفة تحتاج إلى دعم من الدول المانحة والأمم المتحدة لإنشاء برنامج هادف للاستجابة لهذه المأساة البشرية.
تقارير: 3000 شخص يغادرون العراق يومياً جراء انتشار الفوضى في البلاد
وأشار انتونيو جوتيرس رئيس المفوضية العليا للاجئين إلى أن المجتمع الدولي ركز على الاضطراب داخل العراق، لكنه أهمل الجانب الإنساني لأزمة اللاجئين، وأنه لا يوجد اهتمام كاف بحقيقة وجود ملايين العراقيين الذين هجروا أماكنهم، ويعيشون في ظروف بالغة الصعوبة، بعضهم داخل العراق وبعضهم خارجه، وكثيرا منهم يعيشون في فقر، وأن فرص حصولهم على الخدمات الصحية والتعليمية محدودة. وقد تحول الشارع العراقي الى جحيم لا يطاق بعد ان تحول الى ساحات لتصفية الحسابات المحلية والدولية دينية كانت او اثنية، حتى ادت الى هروب جماعي للاسر العراقية وهي تحمل بالكاد المقتنيات الشخصية وودعت بعيون دامعة وقلوب دامية الوطن والاهل ودجلة والفرات وعبرت الحدود الى دول الجوار بعدما ركعت مقبلة تراب وادي ما بين النهرين الذي امتزجت به أتربة أجساد الأجداد.
وتلاحقت هذه الموجات طرديا بالنزوح بازدياد فاق سابقتها والتي بدأت بعد 8/ 2/ 1963 مرورا بدكتاتورية الأحزاب القومية وسلطة الحزب الواحد ومن ثم المقابر الجماعية وضحايا الأنفال وإبادة الكرد بالأسلحة المحرمة حتى حرب الخليج الاولى والثانية والثالثة اذا صح التعبير وتسمى احيانا “حرب سقوط بغداد “. والحقيقة ان افضل تسمية لها هي “حرب تفكيك الدولة العراقية ” وتم ذلك بعد احتلال البلد من قبل الولايات المتحدة الاميركية وبريطانيا ودول التحالف الأخرى.
فكانت فرحة الناس كبيرة بوقوع الصنم ارضا وتوديعهم لأعتى نظام دكتاتوري شهده العراق، قمع الحريات وبطش بالشعب وقتل وشرد الآلاف ولكن بالمقابل كان قد اثلج صدور المحتلين بكسر شوكة بغداد رمز الحضارات ومهدها منذ آلاف السنين وشعلة الثقافة في الشرق الاوسط، اشباعا لغرائزهم السادية، وارضاء لعقلية التكبر والانانية والغرور الغربية التي عرفت عن بابل ما لا يعرفه غيرهم وآلت على نفسها ان لا يبقى هذا النجم متألقا في سماء الشرق، سمحت بنهب متاحفه ومواقعه الاثرية لتخفي رموزه الحضارية وراحت تستبدل بغباء المصابيح القديمة باخرى جديدة عبثا لكسب مزيد من الوقت لتكريس وجودها على كامل رقعة الثروة النفطية في الشرق الاوسط ونهب خيرات الشعوب كما فعلت في افريقيا وساعدها على ذلك سياسة القطب الواحد بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وتفكيك الاشتراكية المشيدة وتحت مسمى النظام العالمي الجديد وجندت لهذه الحملة المسعورة جميع ارباب الطواحين المهجورة من ادعياء ساسة المنطقة بعد محاصرة البلد ثلاثة عشر عاما وانهاك جميع مفاصله الاقتصادية والعسكرية وكان طوطم البعث المقبور يناورهم ويغازلهم حتى هيأ لهم الذرائع والحجج، اسلحة دمار شامل. صواريخ. قنابل نووية. وغيرها. من افلام الخيال العلمي الذي كان يروجها وهي لاوجود لها اساسا على ارض الواقع حتى وحدهم جميعا فاجتاحوا هذا البلد، وراح ينفذ مشروعه الاخر بحجة مقاومة الاحتلال وفكك حزبه سيئ الصيت ووزعه زمرا متحالفة مع الارهابيين لسفك دم العراقيين والايغال في القتل، حتى اجرى نهر الدم كرافد ثالث لدجلة والفرات.
اللاجئون العراقيون يهددون النسيج الاقتصادي والاجتماعي لكل من الأردن وسوريا
وكان الحصار هو السبب الاخر لهذه الهجرة فقد ذاق العراقيون مرارة الجوع والحرمان ثلاثة عشر عاما من سنين عجاف شربت دماء هذا الشعب واكلت خضرته واذابت شحم بطونه فكان الجوع والمرض والفقر المدقع احد اهم الاسباب التي تجاوزت الحد المعقول من الصبر والتحمل خصوصا وان الحالة الصحية ساءت في البلد الى حد كبير بسبب قلة توريد الأدوية والمستلزمات الطبية الأخرى وانتشرت على نطاق واسع وفيات الأطفال بسبب عدم توفر مادة الحليب ناهيك عن تفشي الأمراض الأخرى المخيفة خصوصا التي عقبت الحروب مثل السرطانات الناجمة عن الاشعاع نتيجة استعمال اسلحة حديثة منضبة باليورانيوم، وضعفت موارد البلد، وتم حظر الاستيراد بمشروع الأمم المتحدة ”النفط مقابل الغذاء والدواء “ ومرور هذه الموارد من خلال لجنة صندوق 661 باختيار استيراد مركزي اممي لحاجات هذا البلد وما تلته من فضائح اختلاس من اموال الشعب المغلوب على امره، وكانت مبررات ذلك كله عن اشتباه لجان التفتيش بامتلاك العراق اسحلة الدمار الشامل عقيب حرب تحرير الكويت”حرب الخليج الثانية “ التي الحقت بالشعب والجيش اشد الضرر النفسي وقلبت الاحلام الفنطازية التي صورها طوطم النظام”صدام “ بانه سيهزم الحلفاء وغيرها من المهاترات غير المسؤولة الى هزيمة نكراء جعلت الجميع يشعر بالاحباط والارهاصات المختلفة وهزمت روح الامل في نفوس العراقيين وتم حصرهم في زاوية حرجة في حالة دفاع عن النفس، بعدما كانوا في موقع الهجوم في وضع غير متكافئ مع اكبر قوة عسكرية في العالم ممثلة في (أميركا وبريطانيا) وثلاثين دولة تحالفت معها، وشجع هذا الوضع وما سبقه الى انضمام أفواج من الهاربين من الخدمة العسكرية الى موجات النزوح والهجرة من البلد، طلبا للجوء والحماية، من بلد اكلته الحروب وتبددت موارده على امور تافهة لا علاقة لها بمشاريع التنمية والخدمات فقد اهملت النواحي الاخرى للبلد، وصبت ثروة البلد باتجاه التسليح والجيش عسكرة الشعب التي لن تجدي نفعا كما أثبتت الايام لاحقا.
كما استقبلت دول الجوار آلاف العوائل المهاجرة ومنها نزحت بشكل غير شرعي الى اوروبا واستراليا قسما والقسم الآخر تقطعت بهم السبل وكان اسعد الناس من يجتاز الحدود للخلاص من ارهاب السلطة وعليه ان يكون حذرا من رجال المخابرات العراقية المنتشرين في البلد الذي حط فيه الرحال، الذين نشرهم النظام كجيش اخر لم يتأثر بعد بهزيمة الحرب امام اميركا ودول التحالف. وعندما سقط النظام في 9/ 4/ 2003 اسقط معه المحتل جميع مؤسسات الدولة ومقومات وجودها وتعرضت للسلب والنهب والحرق والتخريب بعد ان حل الجيش العراقي السابق وبذلك انفلت الامن في الشارع العراقي مع غياب السلطة وهيبة القانون، وتعاقبت هياكل لانظمة حكم بديلة للنظام المباد ولكنها ضعيفة الاداء محدودة الصلاحيات وهي سلطة الائتلاف، مجلس الحكم، الحكومة الانتقالية، وغيرها من المسميات غير الملزمة والمرحلية نظمتها قوانين او قرارات طوارئ لحالة بلد تحت الاحتلال. حيث تم وضع دستور وبرلمان منتخب ديمقراطيا من قبل الشعب بيد ان الحكومات التي تشكلت تحت مظلة هذا البرلمان بدأت ببناء الهيكل السياسي المنهار للحكومة ولم تبدأ ببناء الهيكل المفكك للدولة.
كل هذه الامور كانت سببا اخر لضياع العراقيين داخل وخارج البلد واصبحت تسودهم روح الاحباط وضبابية الامور التي عززها التناحر الطائفي الذي خلفته المحاصصات السياسية وتمخض عن ذلك كله تنامي حالات العنف والاقتتال وتدهورت حالة الامن الذي اصبح هاجس الجميع. فلم تخدم اللاجئ العراقي بالعودة الى الوطن ولم تحد من قلق المواطن في الداخل وتجعله دائما يفكر بالهجرة خارج البلد، حيث ان الصنوان على كفي عفريت فلم يستقر او يهدأ لهما بال واستمر الانفلات من قمقم الأزمة وتضاعفت اعداد المهاجرين الى الخارج والمهجرين في الداخل من والى المناطق ذات الجيوبولتكيا الساخنة وتحملت دول الجوار هذه التراكمات وتداعياتها خصوصا الممكلة الاردنية الهاشمية بمساحتها الصغيرة وشعبها الذي يرزح معظمه تحت خط الفقر وضعف ثرواته وقلة مصادره واعتماده على المساعدات الخارجية والاستثمار، حيث ان هذا البلد ومنذ القدم كان ولا يزال مستودعا لاحتواء النازحين من مختلف الشعوب المضطهدة في الشرق الاوسط والمتضررة بسبب الكوارث الطبيعية اوالحروب مثل الشركس والشيشان والأكراد والاتراك والارمن وغيرهم اضافة الى العبء الثقيل الذي يتحمله منذ اكثر من نصف قرن من الزمن وهو استضافته لاكثر من ثلاثة ملايين لاجئ فلسطيني.
منظمة الهجرة الدولية: العام الحالي أكثر قتامة وسوداوية على اللاجئين العراقيين
وكانت الدول المانحة وعلى رأسها اميركا وبريطانيا لم تقدر الظروف التي يعاني منها هؤلاء اللاجئون في هذا البلد فكانت تقدم نسبة قليلة لمساعدة اللاجئين العراقيين لا تفي بالغرض حيث بلغت 447845 دولاراً ما بين عامي 2003 و2005 من اصل 736 مليون دولار منحتها الاردن على شكل منح متعددة الاطراف للمفوضية السامية للاجئين في عمان وقد خصصت ايضا للمنظمات غير الحكومية في الاردن العاملة في هذا المجال مثل المفوضية الدولية الكاثوليكية للهجرة 1,4 مليون دولار اما الاتحاد الاوروبي وبريطانيا لم يقدم لهؤلاء اللاجئين اية مساعدة حتى عام 2005 لأن الدول المانحة لا تقدم امولا بدون طلب من الدول المضيفة والاردن من البلدان التي اختارت ان لا تقدم مثل هذه الطلبات.
وبات امر تقديم المساعدات اليهم مستبعدا، مما ينعكس سلبا على اوضاعهم خصوصا وقد تقطعت بهم السبل مما يضطرهم للبحث عن طرق غير مشروعة للهجرة من الاردن الى اوروبا الغربية الامر الذي يجعلهم هدفا للمافيا التي تستنزفهم مقابل ذلك آلاف الدولارات بهجرة غير مضمونة وبطرق غير مأمونة، وبهذا تزداد المحنة سوءا او تعقيدا فمن جانب عدم اهتمام هؤلاء اللاجئين بالعودة للعراق بسبب سوء اداء الدولة المانحة من جهة والفوضى العارمة التي تجتاح الشارع في العراق بسبب التناحر الطائفي من جهة اخرى.
تقارير دولية: المجتمع الدولي ركز على الاضطراب داخل العراق وأهمل الجانب الإنساني
وهناك تقارير دولية تؤكد أن أكثر من ثلاثة ملايين عراقي ممن أجبروا إلى الخروج من بلادهم جراء الحرب قد يواجهون “مستقبلا مظلما للغاية،” خصوصا بعد خفض الميزانية المخصصة لبرامج المساعدات في الشرق الأوسط إلى النصف خلال العام الحالي..
فقد قررت الوكالة الدولية لإغاثة اللاجئين خفض حجم الميزانية الممنوحة للبرامج الخاصة بالعراقيين خلال عام 2007، وذلك بسبب “عدم التزام الدول المانحة بدفع مستحقاته النقدية. وقال أندرو هاربر، المنسق العام لوحدة العراق في الوكالة الدولية بجنيف، انه علق على الوضع بالقول: “لقد شهد العراق مؤخرا أكبر عملية تشريد للعراقيين الذين تزداد احتياجاتهم يوما بعد يوم، بينما تنقص المساعدات الدولية المقدمة لهم في نفس الوقت.” وأضاف “لقد أدى هذا الأمر إلى التراجع عن تنفيذ عدد من المشاريع المهمة للاجئين العراقيين، ومنها إغاثة الآلاف من هؤلاء الذين اتجهوا إلى سوريا والأردن، وخصوصا الأمهات، والمرضى، وكبار السن منهم.”
أكثر من ثلاثة ملايين عراقي ممن أجبروا على الخروج يواجهون مستقبلا مظلما للغاية
ومأساة العراقيين ليست فقط في الخارج، إذ يقّدر عدد العراقيين المشردين داخل العراق بأكثر من 1.5 مليون عراقي. أما أولئك الذين غادروا العراق، فقد زاد عددهم عن 1.6 مليون عراقي، يعيش معظمهم في كل من الأردن وسوريا. ونحاول في السطور القادمة إلقاء الضوء على أوضاع اللاجئين العراقيين في كل من سوريا والأردن ومصر ، للوقوف على حجم المعاناة الإنسانية، التي لا يستطيع أحد التكهن بموعد انتهاءها.
اليونيسيف: 450 ألف عراقي في سوريا يواجهون صعوبات متعددة
سوريا
وإذا تناولنا وضع اللاجئين العراقيين في سوريا، التي تعد المضيف الأول للاجئين العراقيين، حيث تشير التقديرات إلى أن 40 ألف لاجئ جديد يدخلونها شهريا، فإننا نجده لا يختلف عن الوضع الإنساني السئ الذي يعيشه كافة اللاجئين في الدول الأخرى، فقد أشار تقرير منظمة اليونيسيف والبرنامج العالمي للغذاء إن حوالي 450 ألف عراقي في سوريا يواجهون صعوبات متعددة ذات علاقة بشرعية وجودهم في البلاد، بالإضافة إلى محدودية الدخل. وقال مسؤول في الأمم المتحدة أن اللاجئين العراقيين يعيشون عيشة سيئة, إذ اضطرت بعض العراقيات إلى العمل في الدعارة بسبب ضيق ظروفهن المعيشية.
هذا وقد أثار قرار السلطات السورية بداية العام الماضي والمتعلق بتحديد أقامتهم بأسبوعين فقط، قابلة للتجديد مرة واحدة، قلق مئات الآلاف من العراقيين، الذين لجأوا الى سورية هربا من العنف في بلادهم، وباتوا يواجهون الآن مصيرا مجهولا. ولا تلق سوريا داعماً مادياً كافياً لحل المشكلات الاقتصادية للاجئين، لاسيما أن ميزانية مفوضية مساعدة اللاجئين العراقيين فيها اقتصرت العام الماضي على 700 ألف دولار، أي أقل من دولار لكل لاجئ.
سوريا حصلت على 700 ألف دولار أي أقل من دولار لكل لاجئ
وأدى هذا الضغط على الاقتصاد السوري إلى مشكلات اقتصادية واجتماعية، حيث ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنحو 35% خلال السنوات الثلاث الأخيرة, وارتفاع سعر الماء والكهرباء ما بين 21 إلى 27% ، إلى جانب ارتفاع معدل الجريمة بنسبة 20%. وقد طلبت وكالة اللاجئين الدولية من المجتمع الدولي مساعدات إضافية بقيمة 600 مليون دولار لغوث اللاجئين العراقيين، حيث سيخصص ربع هذه المساعدات للاجئين العراقيين في سوريا، وبعض هذه المساعدات سوف تقدم مباشرة إلى أنظمة الرعاية الصحية والتعليم السورية التي تعاني من ضغوط كبيرة بسبب العبء الإضافي للاجئين العراقيين.
وقالت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إنها بحاجة إلى 60 مليون دولار لمساعدة نحو 3.7 مليون نازح عراقي شردهم العنف الطائفي الذي يعرك البلاد حالياً. وتقول المنظمة الأممية في بيانها إن المشكلة تتعدى أزمة نزوح حيث تجُبر النساء على ممارسة الرذيلة وسط تقارير تشير إلى تصاعد عمالة الأطفال. وأشار التقرير إلى أن نحو 30 في المائة من الأطفال العراقيين النازحين في سوريا، حيث يقيم مئات الآلاف من العراقيين، لا يتلقون التحصيل العلمي وأن 10 في المائة من العائلات العراقية هناك تقوم عليها امرأة. ونشر الموقع الإلكتروني الرسمي للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين إن هناك أعداداً من النازحين العراقيين قبيل الغزو الأمريكي عام 2003 “إلا أن الأرقام الآن في تصاعد نظراً لعمليات الفرار هرباً من تصاعد العنف الطائفي والعرقي وكافة أشكال العنف عموماً.”
وشهد العام 2006 فرار نحو نصف مليون عراقي إلى مناطق أخرى داخل البلاد، فضلاً عن 300 ألف لاجئي نزحوا في داخل العراق وخارجه منذ شهر نوفمبر/تشرين الثاني، وأن قرابة ألفين عراقي يصلون يومياً إلى سوريا فيما يصل الأردن بصورة يومية نحو ألف عراقي. وتقول المنظمة ” إن في دولة ذات 26 مليون نسمة.. يعد النزوح الجماعي الحالي أكبر حركة نزوح بشرية على المدى الطويل في الشرق الأوسط منذ تهجير الفلسطينيين مع قيام دولة إسرائيل في 1948.” وحذرت من الانعكاسات السلبية للظاهرة “مع استمرار هذا النزاع طويلاً تزداد الأمور تعقيداً لمئات الآلاف من النازحين والمجتمعات التي تحاول مساعدتهم – في داخل وخارج العراق.” وأشارت قائلة “العبء على المجتمعات المضيفة والحكومات هائل”. هذا ويتجمع يوميا آلاف العراقيين أمام مبنى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للامم المتحدة لتسجيل أسمائهم للحصول على حماية من المفوضية ضد ترحيلهم من سورية بالرغم من تطمينات دمشق الاخيرة بأنها لن ترحل أي عراقي ضد رغبته.
ارتفاع معدلات الجريمة بالمجتمع السوري إلى 20% نتيجة ضغوط اللاجئين
ولا يزال الخوف يعتري العراقيين، الذين قدموا الى سورية هربا من دوامة العنف التي اجتاحت بلادهم بعد سقوط نظام الحكم السابق، من أن تقوم الحكومة السورية بترحيلهم بعد انتهاء اقامتهم حيث يلجأون للمفوضية لتسجيل أسمائهم. ويطالب هؤلاء اللاجئون المفوضية بالتوسط لدى حكومة دمشق لالغاء الاجراءات الجديدة التي اتخذتها بصددهم ومن بينها تحديد مدة الاقامة المنوحة لهم بثلاثة أشهر قابلة للتمديد لمرة واحدة فقط وخروجهم لمدة شهر من البلاد بعد انتهاء فترة الاقامة هذه قبل العودة مجددا لسورية.كما يطالبون بالعمل على اعادة توطينهم في أي دولة أخرى ريثما تنتهي أعمال العنف الحالية في العراق.
وكانت الحكومة السورية قد أكدت للمفوض الأعلى لشؤون اللاجئين أنطونيو جوتيرس أنها لن تقوم بترحيل أي عراقي رغما عنه وأنها تعتبر العراقيين في سورية ضيوفا وليسوا لاجئين.وتقول الحكومة ان الاجراءات الاخيرة تهدف لضبط أعداد العراقيين لدواع أمنية واقتصادية علما بأن العراقي كان يحتاج في السابق الى ختم على جواز سفره فقط للدخول الى سورية وكان يمكنه مغادرتها والعودة اليها في نفس اليوم أما الان فيجب أن يفصل شهر على الاقل بين الخروج والعودة. وقال رون ريدموند المتحدث باسم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للامم المتحدة في جنيف “سنواصل محاولة حشد دعم المجتمع الدولي بأسره للتصدي لتلك لكارثة. وقال جوتيريس إن سوريا اكدت لمفوضية اللاجئين انها ستواصل استضافة مليون لاجيء عراقي على الرغم من القواعد الجديدة التي تقتضي منهم التقدم سريعا بطلب اقامة.
وقال ريدموند انه برغم التأكيدات “فما زال كثير من العراقيين خائفين من ترحيلهم بموجب قواعد الهجرة السورية التي تم تشديدها اخيرا.” وقال إن الولايات المتحدة ابلغت مفوضية اللاجئين بوجود 70 الف مكان متاح لاعادة التوطين لديها على وجه الاجمال العام الحالي. واضاف “كما اشاروا الى انهم يبحثون امكانية زيادة العدد من العراق الذي سيكون جزءا من عدد السبعين الفا هذا.” واللاجئون الذين يمنحون الاولوية “لاعلادة التوطين في دولة ثالثة” هم في العادة من غير القادرين على البقاء في المنطقة ويحتاجون الى رعاية طبية مكثفة او انهم من ضحايا التعذيب او النساء المعيلات. وقالت مفوضية اللاجئين التابعة للامم المتحدة انها تعتزم اعادة توطين حوالي 20 الف عراقي العام الحالي في عدة دول خارج المنطقة.
عمالة الأطفال والزواج المبكر وممارسة البغاء أبرز ملامح حياة اللاجئين في سوريا
وتأمل وكالة اللاجئين الدولية بأن تعمل المساعدات الدولية على تخفيف تذمر السوريين من اللاجئين الجدد، هذا ما يقوله لورينز جوليز ممثل وكالة اللاجئين الدولية في سوريا، الذي أضاف يقول: هناك بدايات تذمر مع بداية تأثير اللاجئين على البنية التحتية والخدمات واستدرك قائلا: ان سوريا دأبت على الترحيب بالعراقيين ولا توجد أمامهم أية قيود بالمقارنة مع البلدان الأخرى في المنطقة، ولكن التذمرات تعتبر طبيعية في الأوضاع التي يشكل فيها اللاجئون عبئا على الموارد ويدفعون إلى ارتفاع الأسعار ويتنافسون على الوظائف المتاحة.
وفي هذا الإطار، قالت سيبيلا وايلكس، الناطقة باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في سوريا: “يجد الناس أنفسهم في ظروف شديدة الصعوبة، الأمر الذي قد يصل بهم إلى عمالة الأطفال والزواج المبكر وممارسة البغاء من أجل البقاء”.
وأضافت قائلة: “لم تكن هذه الأسر لتلجأ إلى مثل هذه الممارسات في العراق. إنها تتخذ إجراءات شديدة التطرف من أجل الحفاظ على جزء من مستوى حياتها”. ووفقاً لأحدث مسح قامت به المفوضية والذي شمل 754 أسرة عراقية في سوريا، قالت 33 في المائة منها أن مواردها المالية لن تستمر لأكثر من ثلاثة أشهر، في حين تعتمد 24 في المائة من الأسر على الأموال التي تتلقاها من أقاربها القاطنين في الخارج.