أرامل العراق- نتاج الحروب وضحايا الاستغلال
أجيال من الأرامل و جحافل من الأيتام يتعذر احصاء تعدادها الذي تشكلّ في تاريخ العراق الحديث المرتبط بانقلابات العسكر وحروب الجوار وخلافات خلقت صراعات دموية. جهود الاعانة والإغاثة الرسمية والدولية لا تصلح ما أفسد الدهر.
أرامل يافعات وأرامل في سن الكهولة وأرامل في سن الجدات المسنات، القاسم الذي يجمعهن هو الفقر والحاجة والوحدة. غاب رجالهن في دوامة الحروب التي لا تنتهي، بل أنّ بعضهن أرامل ولِدن لأرامل وأنجبن نساء بتن أرامل، فهي أجيال تخلف أجيالاً من الترمل، والنتاج أيتام فقدوا آباؤهم وكبروا في ظل أمومة تائهة حائرة، تحارب كيف تحفظ عفتها، وتكافح كي تصل بالأيتام الى برٍ آمن يحميهم.
DW عربية فتحت ملف أرامل العراق وحاورتهن وحاورت المعنيين بإسعافهن واعانتهن واغاثة حاجاتهن.
قصص يجمعها الحزن والفقر والوحدة
حياة قاسم 59 عاما، أرملة فقدت زوجها وأولادها الثمانية، تحدثت لـDW عربية قائلة إن "جماعات إرهابية مجهولة أحرقت زوجي وهو في سيارته عام 2006 بسبب الطائفية، وفي 2007 هجمت جماعات إرهابية مجهولة أيضا لنفس السبب على بيتنا وقتلت أولادي الثمانية جميعهم ستة شباب وابنتين وكنا بمدينة بعقوبة، مركز محافظة ديالى شمال شرق بغداد، نتخذ من بستان بيت لنا لحالتنا المادية الصعبة".
من تلك المأساة نجت حياة وواحدة من زوجات أولادها مع ثلاثة أطفال من أحد أولادها المقتولين ليسكنوا ببيت للإيجار بمدينة حسينية الراشدية، شرق بغداد، مدينة تفتقر إلى أبسط الخدمات. حياة فوق ذلك لا تقوى على المشي إلا بمسند ما يصعب عليها العمل لإعالة العائلة. زوجة أحد أولادها المقتولين هي معصومة فاضل البالغة من العمر 24 سنة، وهي أم لثلاثة أطفال قالت لـDW عربية إن "حالتنا المادية صعبة نعيش حاليا على راتب الرعاية الاجتماعية من وزارة العمل والشؤون الاجتماعية العراقية مع قيامي بالخياطة بين فترة وأخرى"، واضافت "أبحث عن عمل منذ فترة طويلة لكن لا جدوى ورغم تعرضي للمضايقات والتحرش لكوني شابة ولا معيل لي لكني مستمرة بالمواجهة والبحث عن العمل ورغم عدم إكمالي التعليم"، الدموع تملأ عينيها "قمت بالانتحار بقطع معصم يدي بمشرط حاد، لمقتل زوجي ومعاناتي حاليا من تضخم في الرحم يتطلب إجراء عملية جراحية تكاليفها باهظة لا استطع عليها، تم إنقاذي وذهبت للمستشفى وكتب الله لي حياة ثانية"، لتؤكد معصومة لنا بأنها لن تعاود الانتحار مرة أخرى بكل عزيمة وإصرار "أواجه الحياة بكل ما أملك من قوة لأجل أولادي"، مطالبة الحكومة العراقية بتوفير سكن أو قطعة أرض يحميهم من غدر ظروف الحياة الصعبة.
المتحدث الرسمي لوزارة التخطيط العراقية، عبد الزهرة الهنداوي، أكد ل DW عربية "بحكم ظروف البلد الصعبة دائما ما تكون نسبة أعداد الأرامل أكثر من المطلقات"، لافتا، بذات الوقت، إلى أن "الوزارة ستطلق قبل نهاية العام الحالي الاستراتيجية الوطنية للتخفيف من الفقر في العراق الثانية للسنوات 2018 و2022، لدعم المرأة العراقية عموما منهن الأرامل وذلك بتحسين مستوى السكن والتعليم والدخل والرعاية الصحية وغيرها".
حين تكون المرأة وحدها تصبح الحياة أصعب
جهود وأموال الإغاثة تتأخر في ظل اجراءات بيروقراطية
لكن جهود الاغاثة تصطدم دائما بالبيروقراطية والفساد، فبحكم القانون العراقي بعد مرور أربع سنوات على فقدان الزوج تعد الزوجة أرملة، شذى علي (اسم مستعار)، 47 عاما، لديها سبعة أولاد صغار فقدت زوجها منذ سنتين ونصف ولا تعرف عنه شيئا، لكن معاملاتها غير مكتملة لأخذ راتب الرعاية الاجتماعية بسبب عدم انقضاء المدة القانونية ، محنتها تتفاقم بالحالة المادية الصعبة التي تعيشها وهي تسكن تجاوزا بيتاً لا تملكه مع أولادها دون معيل بإحدى المناطق الفقيرة ببغداد.
عام 1990 تزوجت شذى من رجل مصري الجنسية يعمل نجارا دون موافقة الأهل لعدم لتبدأ رحلة المعاناة التي وصفتها في حديث لـ DWعربية بالقول "تنقلنا من محافظة إلى أخرى لأني سأكون معرضة للقتل بحكم عادات وتقاليد العشائر، عشنا أياما من جوع وبرد ولا ملاذ لنا إلى أن استقرينا بإحدى المناطق الفقيرة ببغداد ليخرج زوجي يوم ما من دون عودة ولا أعرف عنه شيئا منذ سنتين ونصف"، لتكمل "أولادي عاشوا حالة مزرية جدا أياما وأشهرا لا طعام ولا شراب ولو يعود الزمان إلى الوراء لن أتزوج وأتحمل ظلم الوالد".
ثم تحدت شذى كل ذلك بفضل من وصفتهم ب"أناس أخيار من وزارة العمل ومنظمة الصليب الأحمر ساعدونا ماديا ونفسيا استطعت وضع محامي لإكمال إجراءات راتب الرعاية ما زاد من إيماني بالله أكثر متحدية واقعي المرير".
عن طريق هذه المساعدات، قامت شذى ببيع الحلويات والطعام، ومن ثم تعمل الآن موظفة خدمات بإحدى المؤسسات المعنية بشؤون المرأة .
فرح عدنان- بغداد