بقلم داليا عبد السلام بتاريخ 15 مايو 2019

ا
الديناميكا الهوائية هي التي تدرس القُوى المؤثرة على أي جسم أثناء حركته في الهواء.
الفنان والعالم الإيطالي ليوناردو دافينشي على رأس قائمة رواد الديناميكا الهوائية. دافنشي هو أول إنسان درس حركة تحليق الطيور بأسلوب علمي. ورسم في ثمانينيات القرن الخامس عشر رسومًا توضيحية تبين حركة الطيور أثناء طيرانها ورسومًا تخطيطية لآلات يمكنها الطيران.
وفي أواخر القرن السابع عشر، وضع العالم الإنجليزي إسحق نيوتن قوانين الحركة، لكن الناس لم تبدأ في استخدام قواعد الديناميكا الهوائية وتستفيد منها إلا في القرن التاسع عشر عند محاولة الإنسان الطيران باستخدام طائرة أثقل من الهواء.
وفي نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين أدّى تطورعلم تحريك الهواء التجريبي إلى زيادة سرعة الأجسام الطائرة ووصولها لسرعات تفوق سرعة الصوت والفضل في ذلك يرجع ل ثيودور كارمان.
كارمان عالم ومهندس مجري أمريكي برع في استخدام الرياضيات والعلوم الأساسية خاصة الفيزياء لتأسيس علوم الطيران والملاحة الفضائية.
ولد يوم 11 مايو 1881 في بودابست، والده كان أستاذا بجامعة بودابست وخبيرا في مجال التعليم كلفته الدولة باصلاح نظام التعليم الثانوي. ثيودور تلقى تعليمه في المنزل تحت الهيمنة الكاملة لوالده.
وهو عمره 6 سنوات، أدرك أخوته الثلاثة الأكبر منه أنه معجزة رياضية لقدراتة على إجراء حسابات معقدة. وخوفًا من أن يصبح مهووسًا بالرياضيات قرر والده إبعاده عن الرياضيات وووتوجيهه لدراسة الجغرافيا والتاريخ والأدب. في سن 9 سنوات دخل ثيودور مدرسة مينتا الثانوية في بودابست والتي تأسست وفقا لأفكار والده التعليمية. في السنة التي أكمل فيها كارمان تعليمه في المدرسة، فاز بجائزة أفضل طالب في الرياضيات والعلوم على مستوى المجر.
إرضاءا لوالده، درس تيودور الهندسة الميكانيكية في جامعة بودابست للعلوم التقنية والاقتصادية وحصل على الشهادة عام 1902. لكن على الرغم من مواهب كارمان النظرية العظيمة، إلا أنه لم يكن مجربًا ماهرًا وظلت مواهبه في الجانب الرياضي للهندسة وليس في الجانب العملي.
بين 1903 و1906 تم تعيينه في قسم الهيدروليكا في جامعتة، في نفس الوقت كان مستشارا للشركة الرئيسية لتصنيع المحركات في المجر. الأبحاث التي أجراها كارمان على قوة المواد مهدت الطريق لإسهامات لاحقة مهمة في تصميم هياكل الطائرات.
في عام 1906 حصل على زمالة لمدة عامين من أكاديمية العلوم المجرية وغادر بودابست للدراسة في جامعة جوتنجن في ألمانيا لتحضير رسالة الدكتوراه. أثناء زيارة قصيرة إلى باريس عام 1908 شاهد رحلة جوية رائدة ألهمته لوضع أسس علوم الطيران والملاحة الفضائية.
في عام 1913 عين كارمان مديرا لمعهد الطيران في مدينة آخن الألمانية وتولى منصب رئيس علوم الطيران والميكانيكا في الجامعة التقنية بالمدينة وبنى فريقًا بحثيًا قويًا وبدأ العمل النظري في تصميم الطائرات، وقام الطلاب باختبار فاعلية تصاميمه من خلال العمل التجريبي.
حين أندلعت الحرب العالمية الأولى في عام 1914 استُدعي كارمان للخدمة العسكرية في الجيش النمساوي وكجزء من عمله الحربي صمم طائرة عسكرية وعمل على تصميم مُحسَّن لطائرة هليكوبتر. بعد إنتهاء الحرب، بقي كارمان في المجر لإدخال تحسينات على تدريس العلوم لكن الوضع السياسي الصعب جعل من الإصلاحات التعليمية أمر مستحيل فقرر كارمان العودة لآخن.
و بمساعدة مالية من أبرز الشركات المصنعة للطائرات الألمانية، بدأ برنامجًا مكثفًا لدراسة مقاومة السوائل والاضطرابات والرفع بهدف تحسين تصميم الطائرات.
زار كارمان الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1926 بدعوة من رئيس معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا "كالتيك" لتقديم المشورة بشأن تصميم نفق للرياح. بحلول عام 1928 كان يقضي ست شهور كل عام في كالتيك وست شهور في آخن. وفي عام 1930 عرض عليه منصب مدير متفرغ لمختبر الطيران في كالتيك. ورغم حبه لآخن، دفعته الأحداث السياسية في ألمانيا وتزايد معاداة السامية لقبول العرض.
في عام 1933 أسس معهد الولايات المتحدة لعلوم الطيران وواصل أبحاثه عن ميكانيكا الموائع ونظرية الاضطراب والرحلات الأسرع من الصوت. درس تطبيقات الرياضيات في الهندسة وهياكل الطائرات. بعد ذلك، تحول عمله إلى البحث في مجال الصواريخ، وأنشأ مختبر الدفع النفاث في كالتك عام 1944 والذي قدم مساهمات كبيرة في برنامج الفضاء.
وعلى الرغم من كونه من أعظم عقول القرن العشرين، إلا أن ثيودور لم يحقق الشهرة التي يستحقها، قد يكون ذلك بسبب أن الديناميكا الهوائية النظرية وأبحاث الصواريخ ليست المجال الذي يسمح بالشهرة لكنه بدون شك مجالا أسهم بشكل كبير في تشكيل التاريخ العلمي والسياسي