الرغبة في الحياة.. حكاية صورة غيّرت مسيرة طفل عراقي فقد ساقه قبل 10 أعوام



المقاومة والاستمرار والرغبة الصادقة في الحياة، ليسوا مجرد كلمات عابرة، ولكنها تمثل ركنا أساسيا من مسيرة العديد من الأفراد بالعالم، الذين تحدى بعضهم صعوبات الحياة بقوة، بين الفقر والإرهاب والأزمات وحتى فقدان الأب أو الأسرة أو أحد أطراف الجسد، وربما تجمعت بعضهم لدى عدة أشخاص، منهم الطفل قاسم الكاظمي.
قاسم محمد ساير محسن الكاظمي.. طفل عراقي، ولد قبل 13 عاما، بإحدى القرى النائية بمحافظة كربلاء، وسط أزمة طاحنة تضرب ببلاده، التي فتتها الحرب وعاني أهلها أيضا من ويلات الإرهاب، ليعيش حياة صعبة للغاية، تفاقم ضنكها بفقدانه لساقه اليسرى، وهو ابن الثلاثة أعوام، وفقا له، ولكنه لم يدرِ حينها أنه بعد 10 أعوام ستنقلب حياته رأسا على عقب ويعود للحياة الطبيعية من جديد في 2019.



"الوطن" تحاور المصور العراقي تيسير مهدي وبطل الصورة الطفل قاسم
رغبة الطفل في العيش ومحاولة التشبث بالحياة وسط حطام الحرب والإرهاب، وبمساندة ودعم قوي من أسرته البسيطة، تمكن من تخطي عدة عقبات بحياته إثر الإنفجار الغاشم، الذي لم يفقده ساقه فقط، بل أثر على أيضا على قدرته بالحديث، ليحاول بخطوات حثيثة التمكن من الكلام، والسير باستخدام عكازين.
لم يفقد قاسم الكاظمي حسه الطفولي مع تلك الصعوبات ولكن اعتمد على ذاته وانسجم مع أصدقائه من نفس عمره، ليستمتع معهمم بلحظات سعادة ومرح متعددة، فعشق كرة القدم وأصر على لعبها بساق واحدة وعكازين، متكئ على شغف وأمل وحب شديدين، حفروا آثارهم في ملامحه الصغيرة، ليجذبوا أنظار المصور تيسير مهدي، ويغيروا من وجهته تماما، في عام 2017.

المصادفة.. كواليس صورة "الرغبة في الحياة"
المصور العراقي ذو الـ33 عاما، قرر قبل عامين أن يشارك في مسابقة "أندريه ستينين" الدولية للتصوير الصحفي، بطريقة مختلفة تعكس الوضع الحقيقي ببلاده، فحمل أدواته لإقامة ورشة تصوير بإحدى المناطق النائية والفقيرة بضواحي كربلاء، بفكرة معينة رسمها في مخيلته حينذاك، ولكن جذب انتباهه مجموعة من الأطفال يلعبون الكرة بحماسة شديدة، يتوسطهم قاسم، الذي يلعب الكرة بشغف قوي رغم إعاقته، ليغير من وجهته سريعا، ويوثق صورة لهم، ويتحدث مع الطفل الذي أخبره حينها بكل عزم "لن يعوقني أي شيء في ممارسة حياتي بشكل طبيعي"، ليؤثر ذلك بشدة فيه ويعتبرها رسالة قوية لكل فرد يمر بظروف صعبة في بلاده وخارجها.
بين 100 و 125 صورة، ألتقطهم المصور الثلاثيني بدقة وعفوية للأطفال وقاسم وهم يلعبون الكرة، إلى أن توصل لصورته الأخيرة الشهيرة، تظهر ابتهاجه وتفانيه ومثابرته في التغلب على الصعوبات سواء أثناء اللعب أو بالحياة، استخرج فيها الإصرار والعزيمة لكل أطفال العالم وخاصة العراق، الذين يتحدون الإرهاب ومصاعب الحياة، ليطلق عليها اسم "الرغبة في الحياة".
سرعان ما لاقت الصورة العفوية انتشارا ضخما بالبلاد وخارجها فور نشرها، حيث يقول المصور تيسير مهدي، لـ"الوطن": "تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي والوكالات العالمية بشدة حينها، بينما اتخذها البعض كدرس وعبرة في الكثير من الجامعات، لتكون كمثال حي ضد جرائم الإرهاب بالعالم وبهذه المأساة الإنسانية، لتحصد عدة جوائز أيضا".


الصورة تجسد القوة والمثابرة على تحدي الصعاب بالعراق.. وزاد من القرب بين المصور والطفل
تكلل تميز الصورة، بحصولها على المركز الأول في مسابقة "أندريه ستينين" الدولية للتصوير الصحفي في فئة "الرياضة"، بنوفمبر الماضي، ليبدي الكثيرون وقتها رغبتهم القوية في مساعدته، من بينهم رئيسة تحرير قناة "روسيا اليوم" والوكالة الدولية للأنباء "روسيا سيغودنيا"، مارغاريتا سيمونيان، التي تعهدت بعلاج الطفل في موسكو.
كما عرضت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، على المصور الشاب خلال حفل توزيع الجوائز، إيجاد "اللاعب الصغير" لدعوته لزيارة العاصمة الروسية موسكو، وبالفعل قامت الجهة المنظمة للمسابقة، الوكالة الدولية للأنباء "روسيا سيغودنيا"، بدعوة الفتى لزيارة روسيا، قبيل حلول يوم ميلاده، وفقا لموقع "روسيا اليوم".

انتقل "مهدي" سريعا إلى ضواحي كربلاء مجددا للبحث عن الطفل، والذي توصل إليه سريعا ليخبره برغبة الحكومة الروسية في مساعدته، حيث يقول قاسم: "منذ أن فقدت ساقي، وأنا أعتمد على نفسي وعكازي، ولم أتخيل أبدا أن تغيير الصورة من حياتي بهذا الشكل، فكانت تلقائية تماما".
بعد مرور عدة أشهر، وقبل يومين تحقق ذلك بالفعل، حيث سافر مهدي وقاسم الذين توطدت العلاقة بينهم بشدة بسبب الصورة العفوية، إلى موسكو حتى يخضع الطفل إلى الفحوصات الأولية ويحصل على ساق صناعية له، حيث وجه قاسم الشكر للحكومة الروسية على ذلك، واصفا ذلك "سعادتي لا مثيل لها، سأتمتع أخيرا بساقين".


"لدي العديد من الصور المهمة والتي حصل بعضها على جوائز، ولكن صورة قاسم مميزة ومهمة بشدة لي، وسوف تبقي في ذاكرتي دائما أني كنت يوما من الأيام سببا في استرداد حياة وبسمة لطفل فقد ساقه".. بهذه الكلمات عبر المصور العراقي على أهمية "الرغبة في الحياة" لديه سواء على الصعيد المهني أو الإنساني، موضحا أنه حصد أكثر من 85 جائزة على صوره، منها الميدالية الذهبية من الجمعية الأمريكية للتصوير الفوتوغرافي، والميدالية الذهبية في أيرلندا، والميدالية الذهبية في اليونان.
وينتظر خلال الأسبوع الذي سيقضيه "قاسم" في روسيا، أن يتعرف على معالم موسكو ومشاهدة مباراة من الدوري الروسي بين فريقي "سبارتاك" موسكو و"أوفا" من بشكيريا.