قضية الحدود الإدارية للقطيف في عاشوراء


ليس ثمة أقلّية أو أكثرية في حسابات الأوطان الحاضنة لكل مَن خُلق مِن ترابها، وعاش فوق أراضيها، وبناها بسواعده، والمتتبع يجد أن اصطلاح الأقلية يختفي ضمن نسيج الدولة التي تعتمد المواطنة معيارًا أساسًا في التعامل مع كل من يحمل الهوية الوطنية، إلا أنه – ومع شديد الأسف- مع أننا نعيش في وطن يعتمد مفهوم الوطن والمواطنة، إلا أننا نجد التقسيم والتمييز واضحًا على أسس تنأى بعيدًا عن المواطنة، ويتجلى ذلك في تقديم امتيازات لفئة دون أخرى، وطائفة دون طائفة، بناءً على ذلك التقسيم، ولاعتبارات قياسية لا تتواءم والمفهوم المعتمد نظريًّا، كالكثرة والقلّة، ما ينتج عنه غزارة في العطاء لجهة، وشُحًّا في جهات أخرى، تمكينًا للأكثرية في مناحي معينة، وتضييقًا على جهات أخرى، افترضنا أن تتساوى في الحقوق والواجبات مع كل شرائح النسيج الوطني، ومن تلك الحقوق؛ حق السكن، حق التعليم، حق الصحة والعلاج، حق التمدد، حق حرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية.

وقد حجّمت الدولة – كما هو معروف- الحقّ الأخير آنف الذكر؛ حقّ ممارسة الشعائر الدينية الخاصة بالشيعة في المملكة، لينحصر في المناطق الشيعية المعروفة تاريخيًّا، وقد واجه شيعة المنطقة الشرقية القاطنين في المدن التي يشتركون فيها مع إخوانهم السنة، كالخبر والخفجي، والدمام، ورأس تنورة، في السنوات الأخيرة، واجهوا قرارات منع تعسفية عدّة، في بناء المساجد والحسينيات الخاصة بهم، والصلاة جماعة، وإقامة مختلف الفعاليات الدينية الخاصة، بل إنهم حرموا حقّ دفن موتاهم في مقبرة خاصة بهم، وهو ما يحدث لشيعة الدمام، لأسباب كانت غامضة أو خافية، أو غير مقنعة.

وقياسًا على هذا المنهج في التعاطي، يُتوقع أن يُمنع الشيعة من ممارسة شعائرهم الدينية في مرحلة لاحقة، في أيّ منطقة مشتركة مستحدثة، نتيجة التوسع العمراني والتكاثر السكاني، ما يزيد الضغط على شيعة المملكة، ويحصر حقّهم في ممارسة شعائرهم الدينية في إطار ضيق لا يعدو القطيف والأحساء، اللتين لا تخلوان أيضًا من التضييق.

إن العبث بالحدود الإدارية للقطيف، وتوزيع أجزائها الممتدة إلى مناطق ومحافظات ومراكز منفصلة عن محافظة القطيف، يضاعف من فرض ذلك التضييق الجائر، ما يهدّد الهوية الدينية والثقافية التاريخية الخاصة بالشيعة ممتدة الجذور تحت تراب هذه الأرض الطيبة، ويعرضها للخطر وفقدان الأمن تحت تهديد الأحادية الفكرية التي لا ترى حقّ الآخر في ممارسة ونيل حقوقه الطبيعية، بل حتى حقّ العيش على هذه الأرض !

ما يرجى في هذا الموسم الحيوي؛ موسم عاشوراء الحسين، الحسين الذي قام لأجل الإصلاح، وردّ الحقوق إلى أهلها، وقد سبقني إلى هذه الدعوة، القائمون على حملة (صمود من أجل الحدود)، أن يقوم كل منا بدوره في خدمة هذه القضية المهمة، خطباء، ناشطون، كتّاب، لجان، وأفراد، القيام بدور التنويه والتذكير والتوعية بهذه القضية، والتحذير من آثارها وعواقبها، والحثّ على الاهتمام بها عمليًّا، من خلال تقديم ما يمكن تقديمه لأجلها، كلّ من موقعه. دامت القطيف – كلّ القطيف – عزيزة بأهلها الذين لم يتوانوا يومًا مّا عن خدمة هذا الوطن الممتد، مخلصين المحبة لكل أهله، دون تفريق أو تمييز.