الأحكام العملية لبناء الأُسرة
تبدأ العلاقة الزوجية شرعاً من حين العقد ، وهو التعبير العلني عن الالتزام الجدي بمضمون محدّد اتجاه الطرف الآخر الذي يتعاقد معه .
صيغة العقد :
أجمع العلماء على توقّف العقد على الإيجاب والقبول اللفظيين .
والإيجاب أن تقول الزوجة : ( زوَّجتُكَ وأنكَحتُكَ نفسي على المهر المعلوم ) .
والقبول أن يقول الزوج : ( قَبِلتُ التزويج ، أو قَبِلتُ النكاح ) .
ولا يكفي مجرد التراضي القلبي ، ولا الكتابة ، ولا الإشارة المفهِمة لمَن يستطيع النطق .
والعقد الصحيح يجب أن يكون باللغة العربية لمَن يتمكّن منها ، ويصح
بغير العربية لغير المتمكن منها (1) .
وفي عصرنا الراهن تعارف الناس على إجراء العقد من قِبل المأذون ، فتيسّر الأمر لجميع أبناء المجتمع .
الإشهاد في العقد :
الإشهاد في العقد سُنّة سنّتها الشريعة الإسلامية ، والتزم المسلمون بها ، وتوارثوها جيلاً بعد جيل ، وهي ليست شرطاً في صحة العقد (2) . سُئل الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) : في الرجل يتزوج بغير بيّنة ، قال : ( لا بأس ) (3) . واستحباب الإشهاد والإعلان إنّما سُنَّ من أجل إثبات الأنساب ، والميراث ، وإيجاب النفقة ، ودرء الحدود ، وإزالة الشبهات (4) .
سُئل الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) : عن الرجل يتزوج المرأة بغير شهود ، فقال ( عليه السلام ) : ( لا بأس بتزويج البتَّة فيما بينه وبين الله ، إنّما جُعل الشهود في تزويج البتَّة من أجل الولد ، لولا ذلك لم يكن به بأس ) (5) .
وقال أيضاً : ( إنّما جُعلت البيّنات للنسب والمواريث ) ، وفي رواية أُخرى ( والحدود ) (6) .
ـــــــــــــــــ
(1) جامع المقاصد 12 : 67 . والصراط القويم : 199 . ومنهاج الصالحين / السيد السيستاني ، المعاملات ، القسم الثاني : 16 ـ 30 .
(2) الانتصار : 281 . وجامع المقاصد 12 : 84 .
(3) الكافي 5 : 387 .
(4) المقنعة : 498 . وجواهر الكلام 29 : 40 .
(5) الكافي 5 : 387 / 1 .
(6) الكافي 5 : 387 .
شروط العقد الذاتية والإضافية :
1 ـ يشترط في صحة العقد رضا الزوجين واقعاً ، فلو تظاهرت الزوجة بالكراهة مع العلم برضاها القلبي صحّ العقد ، ولو تظاهرت بالرضا مع العلم بكراهتها واقعاً بطل العقد .
ولو أُكره الزوجان على العقد ، ثمّ رضيا بعد ذلك ، وأجازا العقد صحّ ، وكذلك الحال في إكراه أحدهما ، والأفضل إعادة العقد بعد الإجازة (1) .
2 ـ لا يشترط أن يكون المجري لصيغة العقد ذَكراً ، فيجوز للمرأة أن تكون مجريةً للعقد (2) ، ولكنّ ذلك مخالف للعرف ، فلم نسمع أنّ امرأةً قامت بذلك في مختلف المراحل الزمنية لمسيرة المسلمين .
3 ـ يجب الوفاء بالشروط الخارجة عن أصل العقد ، فإذا اشترط أحد الزوجين على الآخر شروطاً خارجة عن أصل العقد ، وجب الوفاء بها ، إن كانت شروطاً موافقة للشريعة ، ولا يبطل العقد بعدم الوفاء (3) .
سُئل الإمام الصادق ( عليه السلام ) عن ذلك فقال : ( يفي لها بذلك ) (4) .
وإن شرطت أو شرطا شرطاً يخالف الشريعة فلا يصح الشرط ، فلو شرطا عدم التوارث ، وعدم النفقة ، فالشرط باطل (5) ؛ لأنّه يخالف سنن التشريع .
ــــــــــــــــــــ
(1) منهاج الصالحين ، المعاملات : 20 .
(2) مهذّب الأحكام 24 : 226 .
(3) الجامع للشرائع : 443 .
(4) الكافي 5 : 402 / 2 .
(5) الجامع للشرائع : 442 . وجواهر الكلام 31 : 95 وما بعدها .
أولياء العقد :
لا يجوز للصغيرة العقد على نفسها إلاّ بإذن الأب والجد (1) ، ولا يجوز للبالغة البِكر غير الرشيدة أن تجري العقد إلاّ بإذنهما ، فإن عقدت بغير إذنهما خالفت السُنّة ، وكان العقد موقوفاً على إمضائهما (2) .
قال الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) : ( لا تُزوج ذوات الآباء من الأبكار إلاّ بإذن آبائهنّ ) (3) .
فللأب والجد ولاية على الصغيرة والبالغة غير الرشيدة ، فهما أعرف منها بمصلحتها في اختيار الزوج والاقتران به ؛ للتجربة التي عايشاها ، ومعرفتهما بأحوال الناس ، ومدى أهليتهم للقيام بمسؤولية الأُسرة من الناحية المادية والمعنوية ، وللحيلولة دون انسياق الفتاة وراء المخادعين والمنحرفين من الرجال .
وقد تُرجّح ولاية الجد على ولاية الأب ، وإن سبق الأب إلى العقد لم يكن للجدّ اعتراض عليه (4) .
وإذا سبق أحدهما إلى العقد لم يكن للآخر فسخه (5) .
وتسقط الولاية في حالة منعهما البنت البالغة الرشيدة من الزواج بالأكفاء ، فلها الحقّ أن تجري العقد بغير إذن منهما ، ولم يكن لهما
ـــــــــــــــــ
(1) السرائر 2 : 560 . ونحوه في جواهر الكلام 29 : 174 . والصراط القويم : 201 .
(2) الكافي في الفقه : 292 . ونحوه في جواهر الكلام 29 : 182 ـ 183 .
(3) تهذيب الأحكام 7 : 379 .
(4) الانتصار : 287 . ونحوه في : جواهر الكلام 29 : 174 ، 209 .
(5) جامع المقاصد 12 : 103 . والكافي في الفقه : 292 .
الفسخ (1) .
ولا ولاية لأحد على غير الباكر ، ولكن يستحبّ لها أن تعقد بإذنهما (2) ، واستشارة الأب أو الجد ، وطلب إذنهما من القضايا المحبّبة لدى الشريعة ولدى العرف ؛ لأنّ الزواج هو تعميق للعلاقات الاجتماعية بين الزوج والزوجة وأرحامهما ، فليس من الحصافة أن تتزوج المرأة دون إذن من أبيها أو جدها أو كليهما ، وكذا الحال في الرجل .
سُئل الإمام الصادق ( عليه السلام ) عن زواج غير الباكر ، فقال : ( هي أملك بنفسها ، تولّي أمرها مَن شاءت إذا كان كفواً ، بعد أن تكون قد نكحت زوجاً قبل ذلك ) (3) .
ويجوز للباكر العقد على نفسها في حالة غيبة وليّها عنها (4) .
والغيبة هنا هي الغيبة الطويلة ، التي ينقطع بها الاتصال بين البنت وأبيها أو جدّها ، بحيث لا تستطيع الاستئذان ، ومثال ذلك ، سفر الولي إلى خارج البلاد ، أو فقده ، فليس من العقل أن تنتظر الفتاة وليّها المجهول الحال فترةً زمنية تضر بحالها ، وهي بحاجة إلى الزواج .
المحلّل والمحرّم في النكاح :
وضع الإسلام قيوداً في تحليل وتحريم النكاح ، منسجمةً مع الفطرة الإنسانية ، وطبيعة الأواصر الأُسريّة ، فحرّم النكاح من أصناف النساء
ــــــــــــــــ
(1) جامع المقاصد 12 : 127 . وجواهر الكلام 29 : 184 .
(2) الكافي في الفقه : 293 ، والوسيلة إلى نيل الفضيلة : 300 . ونحوه في جواهر الكلام 29 : 186 .
(3) مَن لا يحضره الفقيه 3 : 397 .
(4) الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 299 .
والرجال ، قال تعالى : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ ... ) (1) .
أَوّلاً : المحرّم بالنسب :
يحرم الزواج من الأصناف التالية من النساء من جهة الأنساب (2) :
1 ـ الأُمّ وإن علت كأُمّ الأُمّ .
2 ـ البنت وإن نزلت كبنت البنت .
3 ـ الأخت وبناتها وإن نزلنَ .
4 ـ العمّة والخالة وإن علتا كعمّة العمّة وخالة الخالة .
5 ـ بنات الأخ وإن نزلنَ .
لا تُحرم زوجة العمّ وزوجة الخال على ابن الأخ وابن الأخت في حال طلاقهما أو موتهما .
ولا يجوز للرجل أن يتزوج بنت أخت الزوجة ، أو بنت أخيها ، جمعاً بينهما وبين الخالة أو العمة إلاّ بإذنهما ، قال الإمام الباقر ( عليه السلام ) : ( لا تتزوج
ــــــــــــــــ
(1) سورة النساء : 4 / 23 .
(2) جامع المقاصد 12 : 188 .
على الخالة والعمّة ابنة الأخ وابنة الأخت بغير إذنهما ) (3) .
ويجوز للرجل أن يتزوج العمّة والخالة دون إذن ابنة أخيها وابنة أختها (2) .
ثانياً : المحرّم بالرضاع :
يحرم من الرضاع جميع ما يحرم من النسب (3) ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ) (4) .
حيث تصبح المرضِعة أُمّاً للرضيع ، وزوجها ـ صاحب اللبن ـ أباً له ، وإخوتهما أخوالاً وأعماماً له ، وأخواتهما خالات وعمات له ، وأولادهما إخوة له ، بعد توفر شروط التحريم من الرضاعة وهي (5) :
1 ـ أن تكون مدة الرضاعة يوم وليلة ، أو خمس عشرة رضعةً مباشرة من الثدي ، غير مفصولة برضاع آخر من مرضعة ثانية .
2 ـ أن يكون اللبن الذي يرتضعه الطفل منتسباً بتمامه إلى رجل واحد .
3 ـ عدم تجاوز الرضيع السنتين من العمر حال الرضاعة .
ولا يعتبر أخ وأُخت المرتضع أبناءً للمرتضِعة ، فيجوز لهما الزواج من
ـــــــــــــــــــ
(1) الاستبصار 3 : 177 . وجامع المقاصد 12 : 340 .
(2) الانتصار : 278 . وجامع المقاصد 12 : 340 .
(3) جامع المقاصد 12 : 196 . والمقنعة : 499 .
(4) المقنعة : 499 .
(5) جامع المقاصد 12 : 213 ـ 223 . وجواهر الكلام 29 : 264 وما بعدها . ومنهاج الصالحين ، المعاملات / القسم الثاني : 41 ـ 42 . والصراط القويم : 203 .
أبنائها وبناتها .
ثالثاً : المحرّم بالمصاهرة :
ذكرت الآية المتقدّمة حرمة الزواج من : زوجة الأب ، وزوجة الابن ، ومَن عقد على امرأة ودخل بها فلا تحلّ له ابنتها بنكاح أبداً (1) .
أمّا إذا لم يدخل بالأُمّ فيجوز له نكاح ابنتها ، وهو نصّ القرآن الكريم في الآية المتقدّمة ، وقال الإمام علي ( عليه السلام ) : ( إذا تزوج الرجل المرأة حرمت عليه ابنتها إذا دخل بالأُمّ ، فإذا لم يدخل بالأُمّ فلا بأس أن يتزوج بالابنة ) (2) .
وإذا عقد على البنت حرمت عليه أُمّها ، سواء دخل بها أم لم يدخل ، قال الإمام علي ( عليه السلام ) : ( وإذا تزوج الابنة فدخل بها أو لم يدخل بها ، حرمت عليه الأُمّ ) (3) .
ومَن عقد على امرأة حرمت على ابنه ولم تحل له أبداً ، وكذلك تحرم معقودة الابن على الأب حرمةً دائمة ، ولا يشترط في جميع ذلك الدخول ، فمجرد العقد يؤدي إلى الحرمة (4) .
رابعاً : المحرّم بسبب تجاوز القيود الشرعية :
الزواج في الإسلام رابطة مقدّسة بين الرجل والمرأة ، وهو مقدمة
ــــــــــــــــــــ
(1) جامع المقاصد 12 : 282 . والمقنعة : 502 .
(2) تهذيب الأحكام 7 : 273 .
(3) المصدر السابق .
(4) المقنعة : 502 . وجواهر الكلام 29 : 350 وما بعدها .
لتعميق أواصر الإخاء والتآزر والتعاون بين الأُسر ؛ لذا حرّم الإسلام العلاقات الزوجية التي تؤدي إلى التنافر والتباغض ، مراعياً الفطرة الإنسانية وما ينسجم معها من علاقات .
فلو عقد الرجل على امرأة ذات زوج ، حرمت عليه أبداً ، إذا كان عالماً أنّها ذات زوج ، سواء دخل بها أم لم يدخل ، فلا يجوز له العقد عليها ثانية بعد طلاقها من زوجها أو بعد موته .
ولا فرق في ذلك بأن كانت في عصمة زوجها ، أو في عدّةٍ لها من طلاق أو موت .
أمّا إذا كان جاهلاً بأنّها ذات زوج ولم يدخل بها ، فإنّها تحلّ له بعد طلاقها من زوجها أو بعد موته ، أمّا إذا دخل بها فتحرم حرمةً أبدية (1) .
ومَن زنى بامرأة ذات زوج ، أو ذات عدّة حرمت عليه أبداً ، فلا يجوز له الزواج منها بعد الطلاق أو بعد إتمام العدّة (2) .
مراسيم الزواج :
من المتعارف عليه عند المسلمين ، هو إقامة مراسيم الزواج في اليوم الأَوّل ، من أيام البدء الفعلي للعلاقات الزوجية بالدخول إلى بيت الزوجية ، حيث يجتمع أهل الزوجين والأقارب والجيران والأصدقاء سويّةً ، وبذلك تتهيّأ الفرصة للتعارف ، وتمتين العلاقات الأُسريّة والاجتماعية ، ومن السُنّة
ـــــــــــــــ
(1) جامع المقاصد 12 : 306 . وتهذيب الأحكام 7 : 306 ـ 307 ، والانتصار : 264 . وجواهر الكلام 29 : 430 .
(2) جامع المقاصد 12 : 314 . وجواهر الكلام 29 : 430 . والانتصار : 262 ، 264 .
إقامة الوليمة في يوم الزفاف ، وجمع الإخوان على الطعام ، وإظهار المسرّة ، والشكر لله تعالى ، والحمد على نِعَمه (1) .
فحينما تزوج رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ميمونة بنت الحارث ، أَولَم عليها وأطعم الناس (2) ، ويستحب أن يكون الزفاف ليلاً ، عن الإمام الرضا ( عليه السلام ) أنّه قال : ( إنّ من السُنّة التزويج بالليل ؛ لأنّ الله عزَّ وجلَّ جعل الليل سكناً ، والنساء إنّما هنّ سكن ) (3) .
وقال الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) : ( زفّوا عرائسكم ليلاً ، وأَطعموا ضحىً ) (4) .
ويستحبُّ للزوج أن يتجمّل ، ويتنظّف ، ويمسّ الطيب (5) .
ويستحبُّ تقديم شيء من المهر للزوجة ، قبل الدخول (6) ؛ فالعطاء يدخل السرور على المرأة في بداية حياتها الزوجية .
ويستحبّ أن يكون الزوجان على طهارة ، وأن يصليا ركعتين ، ثمّ يحمدا الله تعالى ، ويصليا على محمد وآله الطيبين الطاهرين (7) .
ـــــــــــــــــــ
(1) المقنعة : 515 .
(2) تهذيب الأحكام 7 : 409 .
(3) تهذيب الأحكام 7 : 418 . وجامع المقاصد 12 : 15 ـ 19 .
(4) تهذيب الأحكام 7 : 418 .
(5) المقنعة : 515 .
(6) الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 298 .
(7) تهذيب الأحكام 7 : 410 .
وحثّ الإسلام على الابتداء بالدعاء ؛ ليكون أَوّل اتصال بين الزوج والزوجة اتصالاً معنوياً روحياً ، وليس مجرد اتصال بهيمي جسدي ، فيستحب الدعاء بإدامة الحب والود : ( اللهمّ ارزقني إلفَها وودّها ورضاها بي ، وأرضني بها ، واجمع بيننا بأحسن اجتماع ، وأيسر ائتلاف ، فإنّك تحبُّ الحلال وتكره الحرام ) (1) .
ويستحب الأخذ بناصيتها ، ويستقبل بها القبلة ، ويخلع خفّها ، ويغسل رجلها إذا جلست ، ويصب الماء في جوانب الدار (2) .
والالتزام بذلك يخلق جواً من الاطمئنان ، والاستقرار ، والهدوء ، في أَوّل خُطوات اللقاء ، ويدفع ما في نفس الزوجة من دواعي القلق والاضطراب ، خصوصاً وإنّ الزوجة تعيش في أَوّل يوم من حياتها الزوجية ، حالةً من الخوف والاضطراب النفسي ، فإذا شاهدت مثل هذه الأعمال من صلاة ودعاء ، فإنّها ستعيش في جوّ روحي يبدّد مخاوفها ويزيل اضطرابها ، ويستحب للرجل حين الجماع أن يدعو : ( اللهمّ ارزقني وَلداً ، واجعله تقياً زكياً ، ليس في خَلقه زيادة ولا نقصان ، واجعل عاقبته إلى خير ) (3) .
وهذا إيحاء للمرأة وللرجل بأنّ العلاقة الجنسية ليست مجرد إشباع للغريزة ، وإنّما هي مقدمة للإنجاب والتوالد ، حيث يبتدئ الجماع ( ببسم الله الرحمن الرحيم ) (4) ، فتكون ليلة الزفاف ليلةً مباركة بذكر الله تعالى .
ـــــــــــــــــــ
(1) تهذيب الأحكام 7 : 410 ، ومكارم الأخلاق : 208 . وجواهر الكلام 29 : 43 .
(2) الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 313 . وجواهر الكلام 29 : 46 .
(3) تهذيب الأحكام 7 : 411 ، ومكارم الأخلاق : 209 .
(4) مكارم الأخلاق : 209 .
كراهية المباشرة في أوقات معيّنة :
يكره للزوج أن يباشر ويجامع زوجته في الأوقات التالية (1) .
1 ـ ليلة الهلال باستثناء هلال شهر رمضان .
2 ـ ليلة النصف من الشهر ، وليالي المُحاق .
3 ـ يوم الكسوف وليلة الخسوف .
4 ـ وقت الزلازل والرياح السود والصفر .
5 ـ ما بين طلوع الفجر والشمس .
6 ـ ما بين غروب الشمس ومغيب الشفق ، وما بعد الظهر .
7 ـ ليلة الأضحى ، وليلة النصف من شعبان .
8 ـ بين الأذان والإقامة .
كراهية المباشرة في أحوال معيّنة :
يكره للزوج مجامعة زوجته عرياناً ، وقائماً ، ومستقبل القبلة ومستدبرها ، وفي وجه الشمس إلاّ أن يرخي ستراً .
ويكره له أن يجامع زوجته قبل الاغتسال من احتلام له .
ويكره له أن يتكلم أثناء الجماع باستثناء الكلام بذكر الله تعالى (2) .
ويكره للرجل أن يجامع زوجته متخيّلاً امرأةً أخرى ، قال رسول
ــــــــــــــــــ
(1) الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 313 . وجامع المقاصد 12 : 22 . وجواهر الكلام 29 : 61 .
(2) الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 314 . وجواهر الكلام 29 : 60 .
الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( لا تجامع امرأتك بشهوة امرأة غيرك ، فإنّي أخشى إن قضي بينكما وَلد أن يكون مخنّثاً ، مؤنثاً ، مخبلاً ) (1) .
مستحبات المباشرة :
يستحبّ للرجل غضّ البصر ( ولا ينظرنَّ أحد في فرج امرأته ، وليغضّ بصره عند الجماع ، فإنّ النظر إلى الفرج يورث العمى في الولد ) (2) ، ويستحب له أن يذكر الله تعالى ، وأن يسأله أن يرزقه ذَكراً سوياً ، كما يستحب الغسل أو الوضوء بعد الجماع قبل أن يجامع مرةً أُخرى (3) .
وتستحب المداعبة والملاعبة (4) ؛ لأنّ ذلك يعمّق الود والحب ، وينقل الجماع من صورته البهيمية إلى صورة إنسانية ، تتناسب مع طبائع الإنسان وعواطفه وإحساساته .
المحرّم في المباشرة :
يحرم على الرجل الدخول بزوجته الصغيرة التي لم تبلغ تسع سنين ، قال الإمام محمد الباقر ( عليه السلام ) : ( لا يدخل بالجارية حتى يأتي لها تسع سنين أو عشر سنين ) (5) .
فإن دخل بها وأفضاها حرم عليه جماعها أبداً ، ووجب عليه دفع
ــــــــــــــــ
(1) مكارم الأخلاق : 209 . وجواهر الكلام 29 : 61 .
(2) مكارم الأخلاق : 209 .
(3) الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 314 .
(4) مكارم الأخلاق : 212 .
(5) تهذيب الأحكام 7 : 391 .
الأرش ، والإنفاق عليها مدة حياتها (1) .
ويحرم جماعها وهي حائض (2) .
أحكام الجنابة :
يحرم على المجنب قراءة سور العزائم ، وهي السور التي فيها آيات السجدة الواجبة .
ويحرم دخول المساجد ، ووضع شيء فيها .
ويحرم مس كتابة المصحف ، ومس كل كتابة من أسماء الله تعالى . ويكره قراءة ما زاد على السبع آيات من القرآن ، ويكره للمجنب الأكل والشرب إلاّ بعد الوضوء ، أو بعد غسل اليدين والتمضمض وغسل الوجه (3) .
وتتحقّق الجنابة بالجماع بقذف أو دون قذف ، وبالقذف بغير جماع .
أحكام الحيض :
يحرم على الحائض قراءة سور العزائم ، ومس كتابة القرآن وأسماء الله تعالى ، ودخول المساجد ووضع شيء فيها .
ويبطل صوم الحائض ، ويجب عليها قضاء الصوم الذي فاتها في زمن حيضها ، ولا يجب عليها قضاء الصلاة ، إلاّ إذا حاضت بعد دخول الوقت ،
ــــــــــــــــــ
(1) الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 313 . وجامع المقاصد 12 : 330 ـ 332 .
(2) جامع المقاصد 1 : 319 .
(3) جامع المقاصد 1 : 265 ـ 269 . والوسيلة إلى نيل الفضيلة : 55 .
فيجب عليها قضاء تلك الصلاة فقط ، إن لم تكن قد أدّتها في وقتها ، ولا يصح للزوج طلاق الحائض (1) .
الحمل :
أقل الحمل ستة أشهر ، وأكثره تسعة أشهر ، والريب ثلاثة أشهر ، فتصير الغاية في أكثر الحمل سَنة كاملة (2) ، والسَنة الكاملة انفردت بها الإمامية (3) .
والفائدة في تحديد أكثر الحمل ، أنّ الرجل إذا طلق زوجته فأتت بولد بعد الطلاق لأكثر من ذلك الحدّ لم يُلحق به ، وتحديد الحمل يعتمد على النصوص ، والتوقيف ، والإجماع ، وطرق علمية ، ولا يثبت عن طريق الظن (4) .
ويحرم على الزوج نفي الحمل منه ، وإن كان يعزل عن زوجته ؛ لاحتمال سبق المني من غير انتباه ، أو احتمال بقاء شيء من المني في المجرى وحصول اللقاح به عند العود إلى الإيلاج (5) .
ولا يجوز للمرأة إسقاط الجنين وإن كان من حرام ، إلاّ إذا خافت الضرر على نفسها مع استمرار وجوده ، فإنّه يجوز لها إسقاطه ، في وقت لم تلجه
ـــــــــــــــــــ
(1) الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 58 ـ 59 . وجامع المقاصد 1 : 317 ـ 319 .
(2) الكافي في الفقه : 314 .
(3) الانتصار : 345 .
(4) الانتصار : 346 .
(5) منهاج الصالحين ، المعاملات ، القسم الثاني : 112 ـ 113 .
الروح ، أمّا بعد ولوج الروح فيه فلا يجوز لها إسقاطه مهما كان السبب (1) .
ويستحب إطعام المرأة الحامل بعض المواد الغذائية ؛ لتأثيرها على صحتها وصحة جنينها ؛ لأنّ الأمراض الجسدية والتشوهات في الخِلقة ناجمة في أكثر الأحيان عن سوء التغذية ، وهنالك أغذية مخصوصة لها تأثير على الصفات النفسية والروحية للجنين ، ومن الأغذية التي يستحبّ إطعامها للحامل .
1 ـ السفرجل : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( كلوا السفرجل ، فإنّه يجلو البصر ، وينبت المودة في القلب ، وأطعموه حبالاكم ، فإنّه يحسّن أولادكم ) (2) .
2 ـ اللبان : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( أَطعموا نساءكم الحوامل اللبان ، فإنّه يزيد في عقل الصبي ) (3) .
3 ـ التمر : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( أطعموا المرأة في شهرها الذي تلد فيه التمر ، فإنّ ولدها يكون حليماً تقياً ) (4) .
ووضع أهل البيت ( عليهم السلام ) جدولاً متكاملاً ، في أنواع الأغذية المفيدة ، في صحة جسم الحامل وصحّة حملها ، فيستحبُّ توفيرها للحامل ، كما ورد في كتاب الأطعمة والأشربة من الكافي ومكارم الأخلاق ، كالرّمان ، والتين ، والعنب ، والزبيب ، والبقول ، والسلق ، واللحم ، والهريسة ،
ــــــــــــــــ
(1) منهاج الصالحين ، المعاملات ، القسم الثاني : 115 ـ 116 .
(2) مكارم الأخلاق : 172 .
(3) مكارم الأخلاق : 194 .
(4) مكارم الأخلاق : 169 .
والخضروات .
ويحرم على الحامل تناول الأطعمة والأشربة المضرّة بصحتها وصحة الحمل .
ويجب على الزوج النفقة ابتداءً ، ويكون الوجوب أشدّ وآكد في فترة الحمل ، ولا يسقط وجوب النفقة وإن كانت الحامل مطلّقةً ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : ( إذا طلّق الرجل المرأة وهي حبلى ، أنفق عليها حتى تضع حملها ، فإذا وضعته أعطاها أجرها ... ) (1) .
وينبغي حسن المعاملة مع المرأة في جميع الأحوال ، وهو أَولى في فترة الحمل ، فهي بحاجة إلى مراعاة حالتها النفسية ؛ لانعكاسها على الجنين ، كما يقول الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) : ( ... فإنّ لها حق الرحمة ، والمؤانسة ، وموضع السكون إليها قضاء اللذة ) (2) .
فالأفضل من قِبل الزوج تجسيداً لحق الرحمة والمؤانسة الرفق بها ، وإسماعها الكلمات الجميلة ، وتكريمها ، والتعامل معها كإنسانة أكرمها الإسلام ، وإشاعة جو السرور والبشاشة ، والمودّة واللطف في المنزل ، وإدخال الفرحة على قلبها ، والصبر على أخطائها ومساوئها ، التي لا تؤثر على نهجها الإسلامي ، وتجنّب كلّ ما يؤدي إلى الإضرار بصحتها النفسية ، كالتعبيس في وجهها ، أو ضربها ، أو هجرها ، أو التقصير في حقوقها (3) .
ـــــــــــــــــــ
(1) الكافي 6 : 103 .
(2) تحف العقول / الحراني : 188 ، المطبعة الحيدرية ، النجف ، 1380 هـ ، ط5 .
(3) راجع إرشاد القلوب : 175 ، ومكارم الأخلاق : 245 ، والكافي 5 : 511 ، والمحجّة البيضاء 3 : 19 .
الولادة :
هي المرحلة التالية لمرحلة الحمل مباشرة ، ويجب على المرأة في أَوّل المخاض أن تخلو مع النساء ، ولا يجوز لأحدٍ من الرجال الدخول عليها أثناء المخاض مع الاختيار (1) .
ويجوز عند الضرورة أن يقوم الرجل بإجراء عملية الولادة لها إن عجزت النساء عن ذلك (2) .
ويستحب على القابلة أن تأخذ الوليد وتمسح عنه الدم ، وتحنّكه بماء الفرات ، أو بماء عَذِب إن لم تجد ماء الفرات ، ويستحبّ لها أن تحنّكه بالعسل المخلوط مع الماء ، أو التحنيك بتربة الإمام الحسين ( عليه السلام ) (3) .
ويستحب على الوالدين أن يسمعا الوليد اسم الله تعالى بالأذان في أُذنه اليمنى ، والإقامة في أُذنه اليسرى (4) .
عن الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) قال : ( قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : مَن وُلِدَ له مولود فليؤذّن في أُذنه اليمنى بأذان الصلاة ، وليُقم في اليسرى ؛ فإنّها عصمة من الشيطان الرجيم ) (5) .
ويستحب تسمية الوليد بأحسن الأسماء ، وليس ثَمّة اسم أحسن من
ـــــــــــــــــــ
(1) المقنعة : 521 . وجواهر الكلام 31 : 250 .
(2) المبسوط 4 : 160 ـ 161 . وجواهر الكلام 31 : 250 .
(3) المقنعة : 521 . وجواهر الكلام 31 : 252 .
(4) المقنعة : 521 . وجواهر الكلام 31 : 251 .
(5) الكافي 6 : 24 .
اسم محمد ، فهو اسم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
وكان الأئمة من أهل البيت ( عليهم السلام ) ، يحثّون المسلمين على تسمية أبنائهم وبناتهم بالأسماء التالية : (عبد الرحمن ـ وباقي أسماء العبودية لله ولصفاته ـ محمد ، أحمد ، علي ، حسن ، حسين ، جعفر ، طالب ، فاطمة ) (1) .
ويكره التسمية ببعض الأسماء ، كالحَكَم ، وحكيم ، وخالد ، ومالك ، وحارث (2) .
واستحباب الاسم الحَسَن مقدمة ؛ لتحصين الوليد من السخرية والاستهزاء في كبره ؛ لأنّ الأسماء غير الحسنة تُستهجن من قِبل المجتمع ، إضافةً إلى ذلك فإنّ الأسماء الحسنة كأسماء الأنبياء ، والأئمة ، والأولياء ، تجعل الطفل مرتبطاً بهم في سلوكه ومواقفه ، وهو في نفس الوقت نوع من التبرّك بأفضل أسماء الشخصيات ، التي لها دور كبير في إرشاد الإنسانية وتقويمها .
ويستحب في اليوم السابع من الولادة أن تُثقب أُذن الوليد ، ويُحلق شعر رأسه ، ثمّ يجفّف ويتصدق بزنته ذهباً أو فضةً ، ويختن في هذا اليوم ، ويُعقّ عنه بشاة سمينة ، يُعطى للقابلة منها الرجل بالورك ، ويفرّق باقي اللحم على الفقراء والمساكين ، ويُعقّ عن الذَكر بذَكر من الغنم ، وعن الأُنثى بأُنثى منها (3) .
ــــــــــــــــــــ
(1) راجع الكافي 6 : 19 .
(2) راجع الكافي 6 : 21 .
(3) المقنعة : 521 ـ 522 . وجواهر الكلام 31 : 253 وما بعدها .
عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : ( يُسمّى في اليوم السابع ، ويُعقّ عنه ، ويُحلق رأسه ، ويتصدّق بوزن شعره فضةً ، ويُبعث إلى القابلة بالرجل مع الورك ، ويطعم منه ويتصدّق ) (1) .
وفي رواية عنه ( عليه السلام ) : ( ... واحلق رأسه يوم السابع ، وتصدّق بوزن شعره ذهباً أو فضةً ) (2) .
ولهذه المستحبات دور كبير في تعميق الأواصر الاجتماعية ، بالتصدّق على الفقراء ، وإطعام المحتاجين والمساكين ، ولها آثار نفسية حسنة للطفل حينما يترعرع ، ويفهم اعتناء الوالدين به في ولادته ، إضافةً إلى الذكرى الحسنة عند مَن وصلته تلك الصدقة وتلك العقيقة ، حيث يكون عندهم محل احترام وتقدير .
ومن الأذكار المأثورة عند ذبح العقيقة ما ورد عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( وجّهت وجهي للّذي فطر السماوات والأرض حنيفاً مسلماً ، وما أنا من المشركين ، إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له ، اللهمّ منك ولك ، اللهمّ هذا عن فلان بن فلان ) (3) .
وفي السيرة عقّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عن الحسن ( عليه السلام ) بيده وقال : ( بسم الله عقيقة عن الحسن ، اللهمّ عَظمها بعَظمه ، ولحمها بلحمه ، ودمها بدمه ، وشعرها بشعره ، اللهمّ اجعلها وقاءً لمحمّد وآله ) (4) .
ــــــــــــــــ
(1) الكافي 6 : 29 .
(2) الكافي 6 : 28 .
(3) الكافي 6 : 31 .
(4) الكافي 6 : 32 ـ 33 .
وفي استحباب ثقب الأُذن والختان قال الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) : ( إنّ ثقب أُذن الغلام من السُنّة ، وختانه لسبعة أيام من السُنّة ) (1) .
وللختان في اليوم السابع آثار صحيّة على الوليد ، قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( اختنوا أولادكم لسبعة أيام ، فإنّه أطهر وأسرع لنبات اللّحم ، وإنّ الأرض لتكره بول الأغلف ) (2) .
والختان في هذا اليوم يؤدي إلى سرعة الشفاء مع قلة الألم .
أحكام النفاس :
أقل مدّة للطهر من دم النفاس عشرة أيام (3) .
وحكم النُفَساء حكم الحائض في جميع المحرّمات والمكروهات (4) .
فيحرم عليها : قراءة سور العزائم ، ومسّ كتابة القرآن وأسماء الله تعالى ، ودخول المساجد ، ووضع شيء فيها .
ويجب عليها منع زوجها من وطئها في الفرج .
ويبطل صومها ، ويجب عليها قضاء الصوم دون الصلاة ، ولا يصحّ للزوج طلاقها .
ـــــــــــــــــــ
(1) الكافي 6 : 35 .
(2) الكافي 6 : 34 .
(3) الكافي في الفقه : 315 . والمسائل الاتفاقية : 115 ـ 116 .
(4) جامع المقاصد 1 : 349 . والمسائل الاتفاقية : 118 . والوسيلة إلى نيل الفضيلة : 61 .
حكم تبنّي الوليد :
إذا ولدت امرأة على فراش الرجل لأكثر من ستة أشهر فصاعداً لزمه قبوله ، ويحرم عليه نفيه منه ، وإن ولدت لأقلّ من ذلك وليداً حيّاً سوياً ينبغي نفيه منه ، فإن أقرّ به قُبل منه ، ولم يسعه بعد ذلك الانتفاء منه (1) .
الرضاع :
حليب الأُمّ هو الغذاء الأمثل للطفل ، فهو ( أوفق بمزاجه وأنسب بطبعه ) (2) ، وأفضل مَن يمنحه الحنان ، فيكون الطفل أقل توتراً ، وأهنأ بالاً ، وأسعد حالاً ، فيستحب إرضاع الطفل من حليب أُمّه ، قال الإمام علي ( عليه السلام ) : ( ما من لبن يرضع به الصبي أعظم بركة عليه من لبن أُمّه ) (3) .
وهذا ما يؤكّده العلم الحديث ، وهو يكشف مناسبة حليب الأُمّ لحاجة الرضيع من حيث مكوّناته ، ومن حيث درجة حرارته أيضاً ، فإنّ مكوّناته وحرارته تتغيّر مع نمو الطفل ، وبحسب ما يتطلبه النمو السليم .
وعلى الرغم من استحباب إرضاع الطفل من حليب أُمّه ، إلاّ أنّه لا يتوجب عليها إرضاعه (4) ، سُئل الإمام الصادق ( عليه السلام ) عن الرضاع فقال : ( لا تُجبر الحرّة على رضاع الولد ، وتجبر أُمّ الولد ) (5) .
ـــــــــــــــــ
(1) الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 317 . وجواهر الكلام 31 : 224 . ومنهاج الصالحين ـ المعاملات : 112 ـ 113 .
(2) الحدائق الناضرة 25 : 71 .
(3) الكافي 6 : 40 .
(4) الحدائق الناضرة 25 : 71 . وجواهر الكلام 31 : 272 . والصراط القويم : 214 .
(5) الكافي 6 : 41 .
وعدم الوجوب مشروط بوجود الأب وقدرته على دفع الأُجرة ، أو عدم تبرّع الأُمّ ، أو وجود مال للولد ، ووجود مرضعة أُخرى ، وفي حالة عدم توفر هذه الشروط ، يجب على الأُمّ إرضاعه ، كما يجب عليها الإنفاق عليه إذا كان الأب معسراً أو مفقوداً (1) .
وفي الظروف الاستثنائية التي تقف حائلاً دون إرضاع الأُمّ لطفلها بسبب قلّة الحليب ، أو مرض الأُمّ ، أو موتها ، أو رفضها للرضاعة مجاناً ، يستحبّ اختيار المرضِعة المناسبة والملائمة ضمن مواصفات معيّنة ، قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ( انظروا مَن ترضع أولادكم ، فإنّ الولد يشبُّ عليه ) (2) .
ويستحب اختيار المرأة المرضعة التي تتوفر فيها أربع خصال : العاقلة ، المسلمة ، العفيفة ، الوضيئة (3) .
قال الإمام محمد الباقر ( عليه السلام ) : ( استرضع لولدك بلبن الحِسان ، وإيّاك والقِباح فإنّ اللبن قد يعدي ) (4) .
وقال ( عليه السلام ) : ( عليكم بالوضاء من الظؤرة ، فإنّ اللبن يعدي ) (5) .
ويكره استرضاع الحمقاء ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( لا تسترضعوا الحمقاء ، فإن الولد يشبُّ عليه ) (6) .
ــــــــــــــــ
(1) الحدائق الناضرة 25 : 72 . وجواهر الكلام 31 : 272 .
(2) الكافي 6 : 44 . وجواهر الكلام 29 : 307 .
(3) الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 316 . وجامع المقاصد 12 : 208 . وجواهر الكلام 29 : 306 .
(4) الكافي 6 : 44 . وجواهر الكلام 29 : 306 .
(5) الكافي 6 : 44 .
(6) مكارم الأخلاق : 237 . وجواهر الكلام 29 : 306 .
وكذا البغيّة والمجنونة ، قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( توقّوا على أولادكم من لبن البغيّة والمجنونة ، فإنّ اللبن يعدي ) (1) .
ويجوز استرضاع الكتابيات على كراهية ، وفي حال عدم وجود مرضِعة مسلمة ، وترتفع الكراهة في حال منعهنَّ من شرب الخمر ، قال الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) : ( إذا أرضعنَ لكم ، فامنعوهنَّ من شرب الخمر ) (2) .
وكراهية استرضاع تلك الأصناف ناجمة من تأثير اللبن على الطفل ، ففي حديث رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( ... فإنّ اللبن يعدي ، وإنّ الغلام ينزع إلى اللبن ) (3) .
ومن أجل تحسين حليب الطفل ، يستحبُّ إطعام النساء في نفاسهنَّ التمر ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( ليكن أَوّل ما تأكل النُفَساء الرطب ) (4) .
ويفضّل إطعام نوع خاص من التمر وهو البَرني ، قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( أطعموا البَرني نساءكم في نفاسهنَّ ، تحلم أولادكم ) (5) .
وللأُمّ حق الإرضاع لطفلها إن رضي الأب بغير أُجرة ، ولها حق الامتناع من الرضاعة ، إمّا إذا كانت مطلّقةً ، فهي أَولى برضاعه سواء رضي الأب أم لم يرضَ ، ولها أُجرة المِثل ، فإن طلبت أُجرةً زائدة على ما يرضى به
ـــــــــــــــ
(1) مكارم الأخلاق : 223 . وجواهر الكلام 29 : 306 ، 308 .
(2) الكافي 6 : 42 . وجواهر الكلام 29 : 307 .
(3) الكافي 6 : 43 .
(4) الكافي 6 : 22 .
(5) الكافي 6 : 22 .
غيرها ، كان للأب حقّ انتزاعه من يدها (1) .
ولا يجوز للأب أن يسلّم الطفل إلى مرضعة تذهب به إلى منزلها إلاّ برضا الأُمّ (2) .
ومدّة الرضاع هي سنتان ، وأقلّه واحد وعشرون شهراً ، ويجوز الزيادة على السنتين مقدار شهرين ، والزيادة لا أُجرة فيها (3) .
ويستحسن في مرحلة الرضاع مناغاة الطفل ؛ لأنّها تؤثر على سرعة النطق ، ونموّه اللغوي والعاطفي في المستقبل ، حيث يشعر من خلال المناغاة بوجود الأمن والطمأنينة والهدوء ، ولنا في سُنّة أهل البيت ( عليهم السلام ) خير منار واقتداء ، فكانت سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) ، تناغي الحسن ( عليه السلام ) في هذه المرحلة وتقول :
أشبه أباك يـا حسـن واخلع عن الحق الرّسنْ
واعبـد إلهاً ذا مِنـنْ ولا توالِ ذا الإحَــــنْ
وكانت تناغي الحسين ( عليه السلام ) :
أنـت شبـــيه بأبــي لست شبيهاً بعـــليّ (4)
الفِطام :
حدّدت الشريعة الإسلامية مدة الإرضاع التامة بأربع وعشرين شهراً
ــــــــــــــــــــ
(1) الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 315 ـ 316 .
(2) الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 315 ـ 316 . ومنهاج الصالحين ، المعاملات : 120 .
(3) الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 315 ـ 316 . والصراط القويم : 214 .
(4) بحار الأنوار 43 : 286 .
كما جاء في قوله تعالى : ( والوالِداتُ يُرضِعنَ أولادَهُنَّ حَولَينِ كامِلينَ لِمن أرادَ أن يُتمَّ الرَّضَاعةَ ... ) (1) .
وأقلّ الرضاع ـ كما تقدّم ـ واحد وعشرون شهراً ، وينبغي على الوالدين إن أرادا فِطام الصبي في هذه المدة ، أن يتشاورا فيما بينهما ، قال تعالى : ( ... فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا .. ) (2) .
ويجوز تأخير الرضاع إلى شهر أو شهرين بعد مدة التمام ، وهي أربع وعشرون شهراً ، ويحرم الرضاع بعد ذلك ؛ لأنّ لبن المرأة يصير من الخبائث ، ومن فضلات مالا يُؤكل لحمه ، فيحرم على المكلّف شربه ، وكل ما حرم على المكلّف شربه يحرم إعطاؤه لغير المكلّف (3) .
فيجب على الأُمّ أو الأب المستأجر لمرضعة ، مراعاة وقت الرضاع ، ووقت الفِطام ، بلا إفراط ولا تفريط ، فيحسن إرضاع الولد واحداً وعشرين شهراً ، ولا ينبغي إرضاعه أقل من ذلك (4) ، قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( الرضاع واحد وعشرون شهراً ، فما نقص فهو جور على الصبي ) (5) ؛ ذلك لأنّ الطفل بحاجة إلى اللبن في هذه المدّة ، وبحاجة إلى الدفء العاطفي والحنان على حدٍّ سواء .
ــــــــــــــ
(1) سورة البقرة : 2 / 233 .
(2) سورة البقرة : 2 / 233 .
(3) مهذّب الأحكام 25 : 275 .
(4) منهاج الصالحين ، المعاملات : 120 .
(5) الكافي 6 : 40 .
الحضانة :
الحضانة هي الولاية على الطفل لفائدة تربيته ، وما يتعلّق بها من مصلحته (1) ، ومرحلة الحضانة هي أهمّ المراحل في نموّ الطفل البدني ، واللغوي ، والعقلي ، والأخلاقي ، وهي مرحلة تشكيل البناء النفسي الذي تقوم عليه أعمدة الصحة النفسية والخُلقية ، وتتطلب هذه المرحلة من الوالدين إبداء عنايةٍ خاصةٍ في رعاية الطفل وحمايته ، وتوفير ما يحتاجه من مقوّمات النموّ البدنية والروحية ؛ ليكون عنصراً فعّالاً في المجتمع .
والأُمّ أحقُّ بحضانة الولد مدّة الرضاع ، فلا يجوز للأب أن يأخذه في هذه المدّة منها ، فإذا انقضت مدة الرضاع ، فالأب أحق بالذكر ، والأُمّ أحق بالأنثى حتى تبلغ سبع سنين من عمرها ، ثمّ يكون الأب أحقّ بها ، وإن فارق الأُمّ بفسخ أو طلاق قبل أن تبلغ سبع سنين ، لم يسقط حقّ حضانتها ما لم تتزوج بالغير ، فلو تزوجت سقط حقّها ، وكانت الحضانة للأب (2) .
قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( المرأة أحق بالولد ما لم تتزوج ) (3) .
وعنه ( عليه السلام ) قال : ( ما دام الولد في الرضاع فهو بين الأبوين بالسوية ، فإذا فُطم فالأب أحقُّ به من الأُمّ ، فإذا مات الأب فالأُمّ أحقُّ به من العُصبة... ) (4) .
وفي حال فقدان الأبوين تكون الحضانة لأب الأب مقدّماً على غيره
ــــــــــــــــــ
(1) الحدائق الناضرة 25 : 83 .
(2) مهذّب الأحكام 25 : 278 .
(3) وسائل الشيعة 21 : 471 .
(4) الكافي 6 : 45 .
من الإخوة والأجداد (1) .
وإن فقد أب الأب تكون الحضانة لأقارب الطفل ، على ترتيب مراتب الإرث الأقرب منهم يمنع الأبعد (2) .
ومن شروط حق الحضانة للأُمّ (3) :
1 ـ أن تكون مسلمةً .
2 ـ أن تكون عاقلةً .
3 ـ أن تكون سالمةً من الأمراض المعدية .
4 ـ أن تكون فارغةً من حقوق الزوج ، فلو تزوّجت سقط حقها من الحضانة .
5 ـ أن تكون أمينةً .
6 ـ وأضاف بعض الفقهاء شرط عدم فسق الأُمّ (4) .
ولا يجوز للأمّ الحاضنة أن تسافر بالولد إلى بلد بغير رضا أبيه ، ولا يجوز للأب أن يسافر به ما دام في حضانة أُمّه (5) .
ـــــــــــــــــ
(1) الحدائق الناضرة 25 : 96 .
(2) مهذّب الأحكام 25 : 281 .
(3) الحدائق الناضرة 25 : 90 ـ 91 ، 93 . والصراط القويم : 214 .
(4) الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 288 .
(5) مهذب الأحكام 25 : 283 .