السؤال: لا تعارض بين إمامته (صلى الله عليه وآله) وقوله تعالى (وما أرسلناك الإّ مبشّراً ونذيرا)
كيف نوفق بين امامة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهذه الاية (( وما أرسلناك الإّ مبشّراً ونذيرا ))؟
فجعل مهمته الوحيدة هي ان يبشر وينذر ، وهذا للحصر فأين إمامته في هذه الاية؟
الجواب:

يمكن فهم هذا الاختلاف من عدة وجوه:
1- ان القرآن الكريم لابد أن يفهم كاملاً فلا يصح أخذ آية منه وفهم القرآن على أساسها حتى لو عارضها الكثير من الآيات، بل لابد من رفع التعارض المتوهم لحمل الآيات المخالفة على معانيها الصحيحة حتى تنسجم مع الآيات الأخرى. ففي الوقت الذي ذكر القرآن الكريم تلك الآية القرآنية وهي: (( وَمَا أَرسَلنَاكَ إلَّا مبَشّراً وَنَذيراً )) (الاسراء:105), ذكر كذلك الكثير من الآيات التي تدل على حاكمية وولاية النبي (صلى الله عليه وآله) على هذه الأمة بما لا يدع مجالاً للشك في ثبوت الإمامة له.
ومن تلك الآيات: (( وَمَا أَرسَلنَا من رَسول إلَّا ليطَاعَ بإذن اللَّه )) (النساء:64), و (( النَّبيّ أَولَى بالمؤمنينَ من أَنفسهم )) (الأحزاب:6), و (( يَحكم بهَا النَّبيّونَ )) (المائدة: 44), و (( وَأَن احكم بَينَهم بمَا أَنزَلَ اللَّه وَلا تَتَّبع أَهوَاءَهم )) (المائدة:49)، و (( إنَّا أَنزَلنَا إلَيكَ الكتَابَ بالحَقّ لتَحكمَ بَينَ النَّاس بمَا أَرَاكَ اللَّه )) (النساء:105), وغيرها من الآيات التي تدل على ولايته من خلال فرضه بعض الفروض المالية كقوله تعالى: (( يَسأَلونَكَ عَن الأَنفَال قل الأَنَفال للَّه وَالرَّسول )) (لأنفال:1), و (( وَاعلَموا أَنَّمَا غَنمتم من شَيء فأَنَّ للَّه خمسَه وَللرَّسول وَلذي القربَى وَاليَتَامَى وَالمَسَاكين وَابن السَّبيل إن كنتم آمَنتم باللَّه )) (الأنفال:41)، و (( مَا أََفاءَ اللَّه عَلَى رَسوله من أَهل القرَى َللَّه وَللرَّسول وَلذي القربَى.. )) (الحشر:7), و (( خذ من أَموَالهم صَدَقَةً تطَهّرهم وَتزَكّيهم بهَا )) (التوبة:103). هذا بالإضافة إلى آيات الولاية العامة كقوله تعالى: (( النَّبيّ أَولَى بالمؤمنينَ من أَنفسهم )) (الأحزاب:6), و (( أَطيعوا اللَّهَ وَأَطيعوا الرَّسولَ وَأولي الأَمر منكم )) (النساء:59), هذا بالإضافة إلى آيات الجهاد التي هي صريحة في وجوب إقامة الحكم الإسلامي والتسليم الخارجي لهم يقول تعالى: (( يَا أَيّهَا النَّبيّ جَاهد الكَّفارَ وَالمنَافقينَ ))(التوبة:73).
اذن كل هذه الآيات تدل دلالة قاطعة على ثبوت الإمامة للنبي (ص) على الأمة، ولو تصورنا معارضتها تلك الآية أو غيرها الدالة على حصر المهمة بالتبشير والإنذار فلابد من فهمها بغير هذا الفهم والتصور. ذلك أن الآية تريد الإشارة إلى معنى آخر من معاني القرآن، وهو أن لا إكراه في الدين وان الإيمان الذي هو مدار النجاة في الآخرة لا يمكن للرسول ان يلجأ إليه يقسر عليه حيث كان الرسول يتألم لما يرى من صدود المنافقين وهو الذي أفرسل رحمة للعالمين.
ثم إن سياق الآيات التي ذكرت ذلك الحصر بعيدة عن حاكمية الرسول أو إمامته، بل أن معنى تلك الآية في سورة الإسراء، ان النبي ليس له أن يتصرف في القرآن بزيادة أو نقيصه أو يتركه كلا أو بعضاً باقتراح من الناس أو هوى من نفسه أو يعرض عنه فيسأل الله آية أخرى فيها هواه أو هوى الناس...
ومحصل القول: ان القرآن آية حقة ليس لأحد أن يتصرف فيه شيئاً من التصرف، والنبي وغيره في ذلك سواء .
وكذلك الحال في سورة الفرقان كان السياق يشير إلى أن الكلام جار في الدور الذي يفعله الرسول مع الكافرين، أما الدور الذي يفعله مع المؤمنين فان الآية ساكتة عنه والذي يحدده قول آخر من القرآن.
2- ان الحصر الوارد في الآية جاء ليحدد وظيفة الرسالة دون الوظائف الأخرى، ذلك انه بالإضافة إلى وظيفة الرسالة هناك وظيفتان للنبي (ص) هما وظيفة النبوة ووظيفة الإمامة، وان الحصر هنا لم يأت ليحدد وظيفة الرسول عما هو حاصل لتلك الوظائف الثلاث، بل جاء التحديد وظيفة الرسالة فقط، فيكون المعنى ان وظيفه الرسالة ما هي إلا التبشير والانذار، وهنا الآية ساكتة عن وظيفة الإمامة أو الحاكميه التي يحق فيها للحاكم فرض أمور كثيرة كالتصرف في نفس المحكومين وفي أموالهم وغير ذلك.
3- ان للرسول طاعتين، إحداهما فيها ضرب من العناية كما هي شأن كل واسطة بين الآمر والمأمور ولا تعد هذه طاعة حقيقية وهذه هي المرادة للنبي بالنظر إلى منصب النبوة والرسالة، بخلاف الطاعة الثانية التي هي طاعة حقيقية عندما ألبسه الله ثوب الإمامة والقيادة، فالآية القرآنية التي تحدد دور الرسالة بالتبشير والإنذار كأنما تريد تحديد معنى الطاعة بالمعنى الأول وهي التي تكون بالعناية ولا تريد نفي الطاعة الثانية المفروضة عند تحقق الإمامة كما هو الحال في آية (( أَطيعوا اللَّهَ وَأَطيعوا الرَّسولَ وَأولي الأَمر منكم )) (النساء:59).