السؤال: عربية النبي من إسماعيل (عليه السلام)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عندي شبهة عرضت لي من مدة ليست بالقريبة وهي أنه لا يشك أحد من العرب والمسلمين وغيرهم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) عربي تهامي مكي مدني بل أصوله الشريفة ضاربة في أرض العرب ..
ولكن !! رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) من ذرية نبي الله إسماعيل (عليه السلام) أي بالأصح يرجع نسبه الشريف إلى خليل الله إبراهيم (عليه السلام).
الآن .. ما نعرفه في قصة هاجر (عليها السلام) أن الأمر الإلهي أتى بتركها عند ما يعرف اليوم بماء زمزم والقصة كما نعرفها أنه بعد فترة أتى للسيدة هاجر ونبي الله إسماعيل (عليهما السلام) قبيلة وتعرف بـ ( جرهم ) وكما يقال لنا أنها قبيلة عربية ..
لكن هل خليل الرحمن إبراهيم (عليه السلام) كان عربيا أو بابليا، حيث إن وصلنا إلى هنا فسيرد لنا إشكال: وهو أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليس بعربي في أصوله !!
أرجوا بيان هذا الإشكال ولكم الشكر والمنة ونأسف على التطويل ..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
الجواب:
المستفاد من الأخبار والآثار أن إسماعيل (عليه السلام) هو أول من فتق الله لسانه بالعربية المبينة التي نزل بها القرآن الكريم.
ففي روايات العامة أن رسول الله(ص)، قال: (أول من فتق لسانه بالعربية المبينة إسماعيل، وهو ابن أربع عشرة سنة) (كنز العمال 11: 490) .
وفي (مجمع البيان) للطبرسي عن الباقر (ع): (إن إسماعيل أول من شق لسانه بالعربية، وكان أبوه يقول له، وهما يبينان البيت: يا إسماعيل! هات ابن (وفي بعض النسخ: هابي ابن) أي: اعطني حجراً، فيقول له إسماعيل بالعربية: يا أبه! هاك حجراً). (مجمع البيان 1: 388). وقد روي أن أول من تكلم بالعربية يعرب بن قحطان، قال القرطبي في تفسيره بعد أن ذكر ما ورد في أول من تكلم بالعربية: (الصحيح أن أول من تكلم باللغات كلها من البشر آدم (عليه السلام)، والقرآن يشهد له قال الله تعالى: (( وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسمَاءَ كلَّهَا )) (البقرة:31), واللغات كلها أسماء فهي داخلة تحته وبهذا جاءت السنة، قال (صلى الله عليه وآله): (وعلم آدم الأسماء كلها حتى القصعة والقصيعة) وما ذكروه يحتمل أن يكون المراد به أوّل من تكلم بالعربية من ولد إبراهيم (عليه السلام ) إسماعيل (عليه السلام): وكذلك إن صح ما سواه فإنه يكون محمولاً على أن المذكور أوّل من تكلم من قبيلته بالعربية بدليل ما ذكر والله أعلم. وكذلك جبريل أول من تكلم بها من الملائكة وألقاها على لسان نوح بعد أن علمها الله آدم أو جبريل، على ما تقدم، والله أعلم) (تفسير القرطبي 1: 283).
وفي خطبة لأمير المؤمنين (ع) جاء فيها: (.. ثم خصصت به إسماعيل دون ولد إبراهيم، فانطقت لسانه بالعربية التي فضلتها على سائر اللغات، فلم تزل تنقله محظوراً عن الأنتقال في كل مقذوف من أب إلى أب حتى قبله كنانة عن مدركه...)) (مصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) 1: 207). وقد ورد في الأثر ان إسماعيل(ع) عندما تركه أبوه هو وأمه في مكة عند بئر زمزم نزلت عليه جماعة من (جرهم) وهي قبيلة تتكلم العربية، فتعلم منهم إسماعيل هذه اللغة ففتق الله على لسانه العربية الفصيحة المبينة، فكانت عربية إسماعيل أفصح من عربية يعرب بن قحطان وبقايا صحير وجرهم (انظر: فتح الباري 6: 286، فيض القدير 2: 203).
ومن هنا نقول: ان الأنتساب للعروبة هو بلحاظ اللسان المتكلم به، وأول لسان عربي فصيح متكلم به هو لسان إسماعيل (عليه السلام) وهو جد النبي (ص) وقد كان لسانه (عليه السلام) يختلف عن لسان أبيه إبراهيم (ع) وأخيه إسحاق (ع) إذ كانا يتكلمان السريانية. ولعلك تسأل عن علّة التسمية لهذا اللسان بالعربية؟ نقول: ذكر بعض الباحثين أن العرب إنما سموا بذلك لأن ألسنتهم معربة عما في ضمائرهم، ولا شك أن اللسان العربي مختص بأنواع من الفصاحة والجزالة لا توجد في سائر الألسنة.
وفي قول آخر: إنما سمّوا بذلك لأن أولاد إسماعيل نشأوا بعربة، وهي من تهامة، فنسبوا إلى بلدهم، وكل من يسكن جزيرة العرب وينطق بلسانهم فهو منهم، لأنهم إنما تولدوا من أولاد إسماعيل. (انظر: تفسير الرازي 16: 165).
وعلى العموم يقسم العرب إلى قسمين: العرب العاربة: وهم الذين تكلموا بلسان يعرب بن قحطان، وهو اللسان القديم.
والعرب المستعربة: هم الذين تكلموا بلسان إسماعيل بن إبراهيم (عليهما السلام)، وهي لغات الحجاز وما والاها (انظر: القاموس الفقهي: 246).