السؤال: إستجابة دعاءه (صلى الله عليه وآله) : اللهم أهد قومي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
قيل عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (اللهم اهدي قومي فأنهم لا يعلمون) هل هذا حديث أو قول مأثور وما مدى صحته ؟
ثانيا نعرف ان الله سبحانه وتعالى لا يرد للنبي دعاء ابداً فهل هذا المعتقد صحيح؟ اذا كان صحيحا .. فهل القوم اهتدوا بفضل وبركات دعاء النبي. ام ان الله لم يستجب دعائه لما نراه من الغواية في المسلمين والتخبط وهل هذا قياس صحيح أم لا ؟
أفيدونا يرحمكم الله...والسلام.
الجواب:
يبدو بحسب المنقول من المأثور عن النبي(ص) أن قوله: (اللهمَّ اهد قومي فإنهم لا يعلمون) قد قيل في مناسبات مختلفة.
منها: أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال في يوم عرضه للدعوة على أهل ثقيف فتعرضوا له بالاساءة وجاء جبرئيل ومعه ملك الجبال يأتمر بأمره فرفض النبي (ص) أن يدعو على قومه أو يطلب استئصالهم وقال: (اللهمَّ أهد قومي فإنهم لا يعلمون). (أضواء البيان للشنقيطي 8: 255، حلية الأبرار: 305).
ومنها: أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قاله يوم أحد عندما شج في وجهه وقيل له: ألا تدعو عليهم؟ قال: (اللهمَّ أهد قومي فإنهم لا يعلمون) وأنّه قد نزل بعدها قوله تعالى: (( إنك لا تهدي من أحببت ))(القصص:56) (الصحيح من سيرة النبي الأعظم (ص) 3: 250).
ومنها: أن هذا القول قاله النبي(ص) في يوم فتح مكة. (بحار الأنوار 21: 119).
وبشكل عام أيّا كانت المناسبة التي قيلت فيها هذه العبارة فإن استجابة دعاءه (ص) في الغالب هي مضمونة وخاصة في موارد التحدي واثبات المعجز ، إلا أنه يمكن أن يكون في بعض المواقف ما تقتضي الحكمة الإلهية تأخير الأستجابة لمصالح لا يعلمها إلا الله سبحانه كما هو الأمر في الموقف الثاني حيث نزل قوله تعالى : (( إنك لا تهدي من أحببت )) .. وعلى العموم قد استجاب المولى سبحانه لدعاء نبيّه (ص) في فتح مكة ونزل قوله تعالى: (( إذَا جَاءَ نَصر اللَّه وَالَفتح * وَرَأَيتَ النَّاسَ يَدخلونَ في دين اللَّه أَفوَاجاً * فسَبّح بحَمد رَبّكَ وَاستَغفره إنَّه كَانَ تَوَّاباً )) (النصر:1, 2, 3).
ولكننا نريد التعليق بان استجابة دعاءه (ص) ودخول الناس في دين الله أفواجاً لا يعني استمرارهم على الهداية إلى نهاية حياتهم، فالهداية تعني في أحد معنييها إما إراءة الطريق أو الإيصال إلى الطريق، وإما سلوك الطريق والإستقامة عليه فهذا من شأن الإنسان نفسه إن شاء سار عليه وان شاء تخلف عنه كما قال المولى سبحانه: (( أَلَم نَجعَل لَه عَينَين, وَلسَاناً وَشََفتَين وَهَدَينَاه النَّجدَين )) (البلد:10), وقال تعالى: (( إنَّا هَدَينَاه السَّبيلَ إمَّا شَاكراً وَإمَّا كَفوراً ))(الانسان:3).
تعليق على الجواب (1)
كيف نوفق بين كلامكم هذا وبين أن دعاء النبي مستجاب حتما ؟
ان دأب النبي (صلى الله عليه وآله) أن يسعى لما فيه صلاح أمته وهدايتهم فهو يبذل لهم النصح والموعظة الحسنة ومن ثمّ يدعو لهم بالهداية راجياً أن يهتدوا وأن لا يضلوا وهذا من خلقه الكريم فهو يأمل أن يهتدي بعضهم إلى الحق لذا فقوله : اللهم اغفر لقومي فانهم لا يعلمون ، لا يعني أن الله قد غفر لهم فقد بقوا على كفرهم وضلالهم ، بل أراد أن يترفع الدعاء عليهم وإصابتهم بالسوء فلعلهم يرجعون ، حتى أن الله تعالى مدحه على كريم أدبه وحسن خلقه فقال: (( وإنك لعلى خلقف عظيم )) وهذا أدب الأنبياء ، كذلك فإن إبراهيم حاول هداية قومه وأن لا يصيبهم السوء وكان يحلم عنهم حتى وصفه الله تعالى: (( أن إبراهيم لأواه حليم )) فهو يتأسف على قومه لما سيصيبهم من سوء بسبب جهلهم وغيهم ، هذا هو خلق الأنبياء وقد مثّل رسول الله (صلى الله عليه وآله) أروع أدبهم وكريم أخلاقهم وأمل في هداية قومه إلقاءً للحجة عليهم ، وهذا لا يعني أنهم سوف يهتدون فعلاً بل فيهم من بقي على كفره ومنهم من زاغ إلى النفاق والضلال.أما دعاءه لأهل عمان فلا نعلم مصدر ذلك وإن صح فإن نفس الكلام يأتي في أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتنزه عن الدعاء على قومه ويدأب في صلاحهم .
كلامكم جميل و لكن كيف نوفق بين هذا وبين أن دعاء النبي مستجاب حتما ؟
الجواب:
ان دعاء النبي (صلى الله عليه وآله) مستجاب حتماً , والتوفيق يكون بأن المراد ليس جميع القوم أو جميع أهل عمان , بل ما يصدق أن يسمى قوماً , فان الكلام تارة يراد منه الجميع وأخرى يراد المجموع , والفرق بينهما أن في الأول لا يتحقق إلا بشموله لجميع الأفراد وفي الثاني يتحقق ببعضهم مما يصدق عليه اسم القوم أو جماعة من أهل عمان . ويمكن أن يقال : بان كل فرد يحب الخير والهداية لجميع البشرية , فكيف برسول الله (صلى الله عليه وآله) فانه قطعاً يحب الهداية للجميع , وهذا الحب ظهر على صيغة الدعاء , فليس المراد منه الطلب الحقيقي , بل المراد منه إظهار هذا الحب لجيمع البشرية .