4- البعد الكوني للمهدوية
تعدد العوالم في المأثور الديني:
الذين ينتقدون الدين جهلاً، هم أبعد الناس عن النظر في المأثور الديني والتأمل في نصوصه، بل يبدو أن الغرب أكثر منهم جديه في دراسة تاريخ الأديان، ويكفي أن تذكر أول معجم لفظي للقرآن وضع من قبل الألماني [فلوجيل]، فكأنه هو الذي بدأ عملياً تطبيق طريقة الإمام علي (ع) في تفسير القرآن بعضه ببعض ومع ذلك فقد ظل هذا المعجم حلم الكثيرين في الحصول عليه. وكذا فعلوا في دراسة النصوص الدينية المأثورة بخلاف علماء الأمة الذين اعتنوا فقط بالمعاني الظاهرة.
إن الكون في نظر الأقدمين هو قبة فلكية عُلقّت فيها النجوم كما تعلق المصابيح وهي تدور حول الأرض. والفلك عندهم أشبه بطبق أو سكة تتحرك فيها النجوم، وقد وجدوا أربعة كواكب تغير مواضعها فسموها الدراري أو الكواكب السيارة وهي المرئية بالعين المجردة من المجموعة الشمسية، وهذا هو كل الفلك عند بطليموس. وعند البعثة المحمدية توالت النصوص القرآنية والنبوية ونصوص أهل البيت (ع) وبعض الأصحاب العلماء (رض) في نسف هذا المفهوم عن الفلك جملةً وتفصيلاً. فأشارَ القرآن بعبارات محكمة إلى النظام السباعي للكون، وإلى التكوير، وإلى دَحو الأرض وإلى تابعية القمر للشمس وإلى سباحة الجميع في الفلك، وإلى توسع السماء، والى تفجرها أو تفتتها بعد الرتق، وإلى كونها أصلاً من غازات "واستوى إلى السماء وهي دخان"، وإلى هوي النجوم واندثارها، وإلى طمسها وحلف مرات عديدة بالسماء والنجوم ومواقعها، وأشار إلى وجود أعمار وآجال لها... إلى غير ذلك من الإشارات والعبارات التي تناقض المعلومات القديمة مناقضة تامة. وأشار القرآن كذلك إلى ان الشمس حارة ونارية (سراجاً) أو (ضياءً) والضياء عند العرب هو ضوء النار وإلى برودة القمر (والقمر نوراً) كما أشار إلى تعدد العوالم وكثرة المخلوقات في السماء "وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حراساً شديداً وٍشهباً" أو كقوله "ولا يعلم جنود ربك إلا هو" وقوله "ويخلق ما لا تعلمون".. وإلى حركة الشمس (والشمس تجري) إلى حركتها الدائمة (تجري لا مستقر لها) حسب قراءة أهل البيت (ع). وإلى تفلطح شكل الأرض (والأرض بعد ذلك دحاها)، فقال الصادق (ع) جعلها كالدحية والدحية هي البيضة. وهناك العشرات من الإشارات العلمية المختلفة يأتيك بعضها في هذا الكتاب.
ومنذ (كوبر نيكوس) توالت الاكتشافات العلمية في الفلك، حيث لوحظ أن السماء واسعة جداً وتتوسع باستمرار مثل بالون ينفخ بصورة مستمرة وإنها مليئة بالنجوم وإن ما نراه من نجوم هي شموس بقدر شمسنا وأكبر تحتوي عليها المجرة التي تقع مجموعتنا الشمسية في طرفها. وأقرب المجرات إلينا بروميدا التي تبعد مليون ونصف سنة ضوئية. ولوحظ أن المجرات تتشكل سوية وتميل إلى التجمع على شكل عناقيد فنحن بمجرتنا و(17) مجرة أخرى تشكل العنقود المحلي.. والذي تتناثر في الكون مثله الآلاف العناقيد. وتميل العناقيد إلى التوزيع المتجانس ويشبهها (برتراند راسل) في كتاب النسبية بقطرات المطر على صفيح الزجاج، وإن عددها في كل مساحة متساوٍ. إذن فالمجموعة الشمسية بكواكبها وأقمارها هي أصغر نسبة من الخاتم الذي في إصبعك إلى الصحراء إذا رميته فيها.
وهذا التشبيه هو تشبيه الرسول (ص) إذ رمى خاتمه في الصحراء وأشار إلى أن السماوات والأرض إلى الكرسي كهذه الحلقة في هذه الفلاة، والكرسي إلى العرش كهذه الحلقة إلى هذه الفلاة.
إن هذا التصور العلمي عن سعة الكون أمر سابق لأوانه بأكثر من ألف عام. بل أشاد هو (ص) وأهل بيته (ع) إلى تعدد العوالم وتعدد الكائنات وتعدد الشموس والأقمار... وأن منها الآلاف الآلاف...! وكل ذلك في عصر كان يدين فيه علم الفلك لمعلومات بطليموس حول القبة!.
المهدوية ليست إذن أمر متوقع حدوثه على الأرض وحدها! بل هو قانون جار في العوالم الأخرى كما تشير الروايات.
بمعنى آخر أن الله خلق عوالم متعددة وبنظم مختلفة، وإن بعضها ربما يمر بالطور المهدوي سابقاً البشرية على الأرض.
وسنرى في جملة الأحاديث الآتية إن الإمام الصادق (ع) يوبخ أحدهم على تصوراته الضيقة عن الكون.. ويشير إلى جهة المغرب لكوكب فيه خلق لا يعصون الله ما أمرهم وبإمكاننا أن نفهم أن هؤلاء يمرون بطور الاستخلاف الذي سيأتيك بيانه خلال طرحي للموضوع اعلاه.