الصخور النفطية طاقة المستقبل
يعادل احتياطي النفط من الصخور أربعة أضعاف النفط التقليدي، لكن إنتاجه الحالي الضعيف جداً لا يؤثر إطلاقا على السوق، لذلك تعقد الآمال على التطور التكنولوجي المستقبلي لمعالجة معوقات هذا الإنتاج.
نفط غير تقليدي
تنتمي هذه الصخور إلى فصيلة النفوط غير التقليدية، حالها في ذلك حال النفط الصخري والرمال النفطية. فعندما يكتمل تكوين الخام ينساب من الصخور الحاضنة له إلى خزانات جوفية في أعماق متفاوتة من الأرض لتشكل الحقول. وتحفر الآبار بصورة عمودية لاستخراجه بالطريقة المعتادة من هذه الحقول. وهذا هو النفط التقليدي.
أما النفوط المستخرجة بطرق أخرى فتعتبر غير تقليدية. بمعنى آخر إن طريقة الاستخراج وليس محتوى الخام هي الحد الفاصل بين هذين الوصفين. فقد يستمر خروج النفط حتى يقترب من سطح الأرض ويختلط بالطين (الرمال النفطية). أو قد يحتبس في هذه الصخور لأنها ذات مسامية ضعيفة (النفط الصخري). أما الصخر النفطي فيحتوي على مواد نباتية وحيوانية تسمى الكيروجين التي لم تتحول إلى نفط بسبب عدم تعرضها للحرارة خلال فترة كافية. إنه يحتوي إذن على مواد طاقة غير مكتملة بفعل الطبيعة.
ينفصل الخام عن الرمال بالماء الساخن. ويتم الاستخراج من النفط الصخري بتحطيم الصخور بواسطة ضغط مرتفع لخليط من الماء والرمال والمواد الكيميائية. أما الصخور النفطية فتعالج بالحرارة كما سيأتي بيانه.
وبحسب إحصاءات مجلس الطاقة العالمي، تحتوي الصخور النفطية على 4786 مليار برميل، أي أربعة أضعاف احتياطي النفط التقليدي. وتمتلك الولايات المتحدة 3706 مليارات برميل. ويعد حوض النهر الأخضر أغنى منطقة في العالم من حيث كمية النفط المختزنة في صخورها. وتحتل الصين المرتبة العالمية الثانية، تليها روسيا. تستحوذ هذه الدول الثلاث على 4307 مليارات برميل، أي 89.9% من الاحتياطي العالمي. ومن البلدان الغنية بصخورها النفطية البرازيل وإيطاليا.
أما العالم العربي فيحتوي على 104 مليارات برميل، أي 2.1% من الاحتياطي العالمي. ويقع المغرب في المرتبة العربية الأولى حيث يمتلك 53 مليار برميل يليه بحسب الأهمية الأردن ثم سوريا فمصر.
ولا بد من إبداء ثلاث ملاحظات حول هذه النقطة:
الملاحظة الأولى أن غالبية الإحصاءات الحالية تعود إلى تقديرات وضعت في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي. فلا غرابة إذن من أن يزداد الاحتياطي عندما تعير الصناعة النفطية اهتماماً أكبر للصخور النفطية، وعندما تتقدم الوسائل المستخدمة في تقديرها.
والملاحظة الثانية أن الدول (باستثناء روسيا) التي تمتلك كميات كبيرة من هذه الصخور مستوردة للخام في الوقت الحاضر. وستتحول إلى بلدان مصدرة عند توفر الظروف المواتية للإنتاج.
أما الملاحظة الثالثة فترتبط بمكانة الولايات المتحدة التي تستحوذ على حصة الأسد البالغة 77.4% من الاحتياطي العالمي. في حين أن السعودية -وهي أكبر دولة من حيث حجم نفطها التقليدي- لا تملك سوى 21.1% من النفط التقليدي في العالم. إن الاحتياطي النفطي الأميركي من الصخور النفطية يعادل أكثر من أربعة أضعاف احتياطي النفط التقليدي وغير التقليدي في جميع الدول العربية.
استخلاص النفط بالحرارة
يمكن استخدام الصخور النفطية مباشرة حال استخراجها كالفحم الحجري. وتستغل طاقتها الحرارية لإنتاج الكهرباء بواسطة محطات مصممة لهذا النوع من الطاقة. وتعتمد إستونيا بصورة شبه كلية على هذه الصخور في إنتاج الكهرباء.
لكن أهمية الصخور النفطية لا تكمن في الإحراق المباشر بل في استخلاص الزيت منها. لأن استخدامات هذا الإحراق للصخور محدودة وتنحصر بتوليد الكهرباء. في حين أن استخدامات النفط السائل عديدة كما هو معلوم. ناهيك عن أن الطاقة الناجمة عن إحراق كمية معينة من الصخور أقل من الطاقة الناجمة عن النفط المستخلص من الكمية نفسها.
والاستخلاص إما أن يكون سطحياً أو موضعيا. يتمثل الاستخلاص السطحي بنقل الصخور النفطية إلى سطح الأرض لمعالجتها في أفران خالية من الهواء. إن هذه الأفران التي تتراوح حرارتها بين 450 و500 درجة مئوية كفيلة بتحويل الكيروجين إلى النفط الخام الذي يخضع لعملية التكرير للحصول على المشتقات النفطية. لكن هذه الطريقة مضرة بالبيئة بسبب كثرة وخطورة الغازات المنبعثة عنها، كأول أكسيد الكربون وأكسيد الكبريت وأكسيد النيتروجين.
وتشير الدراسات إلى أن جل تلوث الهواء في إستونيا ناجم عن استغلال الصخور النفطية. ناهيك عن الكميات الهائلة للنفايات التي يخلفها هذا الاستخلاص السطحي وكذلك الإحراق المباشر. أما الاستخلاص الموضعي فيتجلى بتسخين الصخور النفطية في مكامنها، أي دون نقلها إلى سطح الأرض. لذلك فهو أقل ضرراً على الهواء من الاستخلاص السطحي لكنه أكثر ضرراً على المياه الجوفية بسبب استخدام مواد سامة تتسرب إلى هذه المياه. أضف إلى ذلك أن كلفة الاستخلاص الموضعي عالية جداً ويتطلب الإنتاج فترة طويلة نسبيا.
على الصعيد العملي، يقتصر الاستخراج على الاستخلاص السطحي المتبع بالدرجة الأولى من قبل ثلاث دول وهي إستونيا والصين والبرازيل. علماً بأن إنتاجها هبط بشدة من 0.9 مليون برميل يومياً عام 1985 إلى 0.3 مليون حاليا. ويعود ثلثا هذا الإنتاج الى إستونيا التي اكتسبت تجربة غنية في هذه الصناعة وباتت شركاتها -خاصة استي إينرجيا- تعمل في عدة بلدان سواء كانت نامية كالأردن أم صناعية كبرى كالولايات المتحدة.
إن الإنتاج العالمي عن طريق الاستخلاص السطحي لا يتجاوز حالياً 1% من إنتاج أوبك.
ولا توجد إشارات لارتفاعه في المستقبل القريب. وبالتالي لا يؤثر هذا النفط بفاعلية على السوق النفطية. في حين أن النفط الصخري الذي سجل خلال فترة قصيرة ارتفاعاً هائلاً بلغ أكثر من مليون برميل يومياً في الولايات المتحدة وحدها، أسهم في هبوط أسعار الخام التقليدي في الأشهر المنصرمة. كما أن هناك خططاً أميركية لزيادته ليصل إلى 4.4 ملايين برميل يومياً، أي 14.3% من إنتاج أوبك (وضعت هذه الخطط قبل هذا الهبوط وسيباشر بتنفيذها حال ارتفاع الأسعار). أما الاستخلاص الموضعي فلا يزال في طور التجارب والدراسات. كما يستوجب استثمارات مالية ضخمة وإمكانات تقنية عالية، لذلك لا يوجد حالياً إنتاج نفطي بموجب هذا الأسلوب.
عوامل النهوض بالإنتاج
يتوقف الإنتاج التجاري الواسع للنفط من الصخور على خمسة عوامل رئيسة.
العامل الأول: تحسن أسعار النفط التقليدي. يتطلب الإنتاج من الصخور النفطية بطريقة أو بأخرى كلفة عالية، وبالتالي لا يمكن أن تكون هذه العملية مجدية من الزاوية الاقتصادية إلا إذا كان سعر النفط التقليدي يفوق 80 دولاراً للبرميل.
إن السعر الحالي لهذا النفط البالغ 59 دولاراً والمتجه نحو الهبوط لا يسمح إذن بالاستخلاص التجاري الواسع للنفط من الصخور، بل لم تشهد هذه الصخور تقدماً حتى عندما كان سعر البرميل يتجاوز 110 دولارات في عام 2012 لأن الأفضلية منحت للنفط الصخري والرمال النفطية. وتجدر الإشارة إلى أن المؤتمر الوزاري لأوبك المنعقد في 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي لم يتخذ قراراً بتخفيض الإنتاج، الأمر الذي يؤكد على الرغبة في استمرار هذا الهبوط. وهكذا تأثرت سلبياً أغلب أشكال النفوط غير التقليدية، علماً بأن أعلى درجات التأثر أصابت الصخور النفطية ثم يأتي النفط الصخري بالمقام الثاني. أما الرمال النفطية فلا يتراجع استغلالها إلا إذا وصل سعر النفط التقليدي وفق الحسابات الكندية إلى أقل من 35 دولاراً للبرميل.
العامل الثاني: التطور التكنولوجي. يلعب هذا العامل دوراً بارزاً في تخفيض كلفة إنتاج البرميل باستخدام طرق جديدة أو بتحسين الطرق القديمة. في الوقت الحاضر حققت الدول الصناعية الكبرى -خاصة الولايات المتحدة وكندا- تقدماً كبيراً في الرمال النفطية ثم في النفط الصخري، ولكن لا يوجد أي مؤشر يدل على إحراز تقدم في ميدان الصخور النفطية.
كما تسعى التكنولوجيا إلى معالجة المشاكل الصحية والبيئية المترتبة على عمليات الإنتاج. وتجدر الإشارة إلى أن جميع الطرق المستخدمة حاليا في إنتاج أي صنف من أصناف النفط غير التقليدي لا تزال تثير مثل هذه المشاكل الخطيرة، بل أظهر التقدم العلمي مخاطر جديدة مثل تسرب اليورانيوم من باطن الأرض إلى سطحها.
العامل الثالث: نضوب النفط الصخري. ارتفع احتياطي هذا النفط ارتفاعاً كبيراً خلال فترة قصيرة حتى بلغ 345 مليار برميل في عام 2013. أي أن التطور التكنولوجي أدى إلى تقليل كلفة الإنتاج التي أصبحت أقل من كلفة الإنتاج من الصخور النفطية. كما تشير التقارير إلى أن منتجات الصخور النفطية تحتوي على كمية من الكبريت تفوق تلك التي تحتويها منتجات النفط الصخري، وبالتالي فإن استغلال هذه الصخور سيتوقف على نضوب النفط الصخري. علماً بأن إنتاج هذا النفط -الذي ازداد بسبب ارتفاع أسعار النفط التقليدي في السنوات الماضية- ساهم في زيادة العرض وبالتالي في تراجع أسعار النفط مؤخرا، وبالنتيجة النهائية تقهقر هذا الإنتاج وغدت إمكانية نضوبه بعيدة المدى.
وعلى هذا الأساس، يفترض استغلال الصخور النفطية نفاد النفط التقليدي والنفط الصخري. وبما أن الاستهلاك العالمي السنوي يعادل 33 مليار برميل، وأن احتياطي النفط التقليدي يساوي 1256 مليار برميل، فإن هذا النفط سوف ينضب في عام 2052 (حاصل قسمة الاحتياطي على الاستهلاك).
وبنفس هذه الطريقة الحسابية البسيطة نستنتج بأن النفط الصخري سوف ينضب في عام 2062. وإذا أضفنا الرمال النفطية والنفوط الثقيلة جداً نلاحظ بأن الاستغلال التجاري الواسع للصخور النفطية سوف يبدأ اعتباراً من عام 2067، وسيغطي الطلب لغاية عام 2212 (أجرينا هذه الحسابات لتقريب الصورة فقط وتفترض ثبات الاستهلاك والاحتياطي خلال هذه الفترة).
العامل الرابع: خصائص الصخر النفطي. تختلف الصخور النفطية اختلافاً كبيراً فيما بينها من حيث محتواها الكيميائي ومكوناتها المعدنية وعمرها وعمقها وسمكها ومساحتها. لهذه الخصائص مكانة كبيرة في تحديد كلفة الإنتاج، فكلما ارتفع السمك وازدادت المساحة هبطت كلفة الإنتاج والعكس بالعكس.
في منطقة اللجون الأردنية ومنطقة أندرسن بلين الكندية لا يتجاوز سمك الصخور 30 مترا، في حين يتراوح سمك صخور وادي الثمد في الأردن وأنتيكونش في كندا بين 60 و200 متر. وقد تتكون الصخور النفطية من طبقات سميكة جدا لكن مساحتها صغيرة نسبيا. ففي المغرب يتراوح سمك صخور تمحضيت بين 80 و170 مترا أما مساحتها فلا تتجاوز 350 كيلومتر مربع. وقد تكون الطبقات غير سميكة لكنها ممتدة على مساحة شاسعة، في المغرب أيضاً يبلغ سمك صخور طرفاية 22 مترا فقط وتصل مساحتها إلى 2500 كيلومتر مربع.
ومن زاوية أخرى، يثير هذا التباين الكيميائي والفيزيائي للصخر النفطي مشكلة إضافية ترتبط بالمعدات اللازمة لاستخلاص النفط. فالمعدات الملائمة لصخور معينة لا تتناسب مع صخور أخرى. وهذا يشكل عائقاً أمام الاستثمارات وبالتالي الاستغلال.
العامل الخامس: ارتفاع المحتوى النفطي. من السمات الأساسية للصخور النفطية اختلاف كميات الكيروجين المختزنة في ثناياها، ففي الأردن يحتوي الطن الواحد من هذه الصخور على 80 لتراً في عطارات أم الغدران و105 لترات في اللجون. وفي مصر يحتوى طن الصخور على 75 لتراً في الحمراوين و159 لتراً في وصيف. وقد يختلف المحتوى حتى في ذات المنطقة. ففي نيوفاوندلاند الكندية يتراوح مردود الطن بين 15 و146 لترا. وعلى هذا الأساس فإن الإنتاج يصبح مجدياً في مكامن دون أخرى.
إن التطور الكبير الذي شهده إنتاج النفوط غير التقليدية في السنوات الأخيرة يكاد يقتصر على النفط الصخري، لكن هبوط أسعار الخام أدى مؤخراً إلى تدنٍ كبير في إنتاجه، وقاد إلى انخفاض قيم الأسهم وتباطؤ أرباح جميع شركات النفط خاصة تلك التي تعمل في صناعة النفط غير التقليدي. لذلك ومن باب أولى، تتراجع إمكانات استغلال الصخور النفطية التي ستكون طاقة القرن الثاني والعشرين.