كان أهل مدين من أسوأ الناس خُلقًا، وتعاملًا مع غيرهم، يبخسون المكيال والميزان، ويطففون فيهما، يقطعون السبيل، ويخيفون المارة، واتخذوا من «شجرة أيك» إلهًا لهم من دون الله، فبعث الله فيهم رسوله «شعيبًا»- عليه السلام- فدعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ونهاهم عن هذه الأفعال القبيحة.
وأهل مدين كانوا قوما عربا، يسكنون قرية من أرض معان من أطراف الشام مما يلي ناحية الحجاز قريبا من بحيرة قوم لوط، وكانوا بعدهم بمدة قريبة، وهم من بني مدين بن مديان بن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام، وشعيب نبيهم هو ابن ميكيل بن يشجن ذكره ابن إسحاق.
نسب شعيب
ولكن يقول علماء آخرون أن منطقة مدين تقع بالقرب من مدينة البدع التابعة لمنطقة تبوك التي تقع شمال غرب المملكة العربية السعودية، وتبعد عن مدينة تبوك نحو 170 كم، وتقع ما بين خطي طول 30 ـ 34 ،30 ـ 35 شمالا وخطي عرض 00 – 28، 00– 29 شرقا. وهى مدينة أثرية تضم بيوتا ومعابد أثرية منحوتة في الصخر والجبال يرى بعض علماء الآثار أنها تعود إلى الألفية الثانية ق.م وكان سكانها من قبيلة مدين.
قال ابن عساكر: ويقال: جدته ويقال: أمه بنت لوط وكان ممن آمن بإبراهيم وهاجر معه ودخل معه دمشق والله أعلم.
وفي حديث أبي ذر الذي في صحيح ابن حبان في ذكر الأنبياء والرسل قال: أربعة من العرب، هود، وصالح، وشعيب، ونبيك يا أبا ذر.
وكان بعض السلف يسمي شعيبا خطيب الأنبياء، يعني لفصاحته وعلو عبارته وبلاغته في دعاية قومه إلى الإيمان برسالته، وقد روى إسحاق بن بشر، عن جويبر، ومقاتل، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إذا ذكر شعيبا قال: ذاك خطيب الأنبياء.
وكان أهل مدين كفارا يقطعون السبيل، ويخيفون المارة، ويعبدون الأيكة- شجرة من الأيك حولها غيضة (أشجار) ملتفة بها- وكانوا من أسوأ الناس معاملة يبخسون المكيال والميزان، ويطففون فيهما يأخذون بالزائد، ويدفعون بالناقص فبعث الله فيهم رجلا منهم، وهو رسول الله شعيب عليه السلام فدعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ونهاهم عن تعاطي هذه الأفاعيل القبيحة من بخس الناس أشياءهم، وإخافتهم لهم في سبلهم وطرقاتهم، فآمن به بعضهم، وكفر أكثرهم حتى أحل الله بهم البأس الشديد.
نهاية قوم مدين
قال الله تعالى، عن نهاية أهل مدين: "فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين". ذكر في سورة الأعراف أنهم أخذتهم رجفة أي رجفت بهم أرضهم، وزلزلت زلزالا شديدا أزهقت أرواحهم من أجسادها، وصيرت حيوانات أرضهم كجمادها، وأصبحت جثتهم جاثية لا أرواح فيها ولا حركات بها ولا حواس لها، وأرسل عليهم شرر النار ولكنه تعالى أخبر عنهم في كل سورة بما يناسب سياقها ويوافق طباقها في سياق قصة الأعراف أرجفوا نبي الله وأصحابه.
وتوعدوهم بالإخراج من قريتهم أو ليعودوا في ملتهم راجعين فقال تعالى: «فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين». فقابل الإرجاف بالرجفة، والإخافة بالخيفة، وهذا مناسب لهذا السياق، ومتعلق بما تقدمه من السياق، وأما في سورة هود فذكر أنهم أخذتهم الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين، وذلك لأنهم قالوا لنبي الله على سبيل التهكم، والاستهزاء والتنقص: «أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد».
فناسب أن يذكر الصيحة التي هي كالزجر عن تعاطي هذا الكلام القبيح الذي جهلوا به هذا الرسول الكريم الأمين الفصيح فجاءتهم صيحة أسكتتهم مع رجفة أسكنتهم.
وأما في سورة الشعراء فذكر أنه أخذهم عذاب يوم الظلة. وكان ذلك إجابة لما طلبوا، وتقريبا إلى ما إليه رغبوا فإنهم قالوا: «إنما أنت من المسحرين وما أنت إلا بشر مثلنا وإن نظنك لمن الكاذبين فأسقط علينا كسفا من السماء إن كنت من الصادقين قال ربي أعلم بما تعملون» [الشعراء: 185- 188]. قال الله تعالى وهو السميع العليم: «فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم».
وذكر الحافظ ابن عساكر في تاريخه، عن ابن عباس أن شعيبا عليه السلام كان بعد يوسف عليه السلام.
وروي في حديث مرفوع أنه بكى من حب الله حتى عمي فرد الله عليه بصره، وقال: يا شعيب أتبكي خوفًا من النار، أو من شوقك إلى الجنة؟
فقال: «بل من محبتك، فإذا نظرت إليك فلا أبالي ماذا يصنع بي».. فأوحى الله إليه: «هنيئًا لك يا شعيب لقائي، فلذلك أخدمتك موسى بن عمران كليمي».. رواه الواحدي عن أبي الفتح محمد بن على الكوفي، عن على بن الحسن بن بندار، عن أبي عبد الله محمد بن إسحاق التربلي، عن هشام بن عمار، عن إسماعيل بن عباس، عن يحيى بن سعيد، عن شداد بن أمين، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه. وهو غريب جدًا، وضعفه الخطيب البغدادي.
ولكن حسبما قال أنس بن مالك فقد تزوج سيدنا موسى عليه السلام من "صافورية" ابنة سيدنا شعيب.
وعن وهب بن منبه أن شعيبًا عليه السلام مات بمكة ومن معه من المؤمنين، وقبورهم غربي الكعبة بين دار الندوة ودار بني سهم.
وادي شعيب
"وادي شعيب" قرية أردنية عدد سكانها لا يتجاوز 500 نسمة. تقع في محافظة البلقاء تبعد أقل من 3 كم جنوب مدينة السلط في الطريق المتجه إلى وادي الأردن والبحر الميت توجد فيها آثار من حقب زمنية مختلفة إسلامية كمسجد النبي شعيب ومقابر بيزنطية ومن أهم ما تشتهر به على الصعيد الأثري وجود آثار مستوطنة للإنسان الحجري تعود إلى الألف السادس قبل الميلاد. يوجد فيها ضريح نبي الله شعيب.
ويوجد فها سيل متوسط الحجم يسمى بسيل وادي شعيب يصب في نهر الأردن يقدر عدد منابعه بـ666 عينًا. تتميز منطقة وادي شعيب بطبيعتها الخلابة وتكثر فيها أشجار الليمون والزيتون.
قديما كانت محطة مهمة على الطريق الرئيسية الرابطة ما بين عمان والقدس مرورا بغور الأردن. اليوم لا تزال الطريق موجودة وتشكل ممرا مهما لاقتصاد المنطقة.