﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً ﴾




قرآني نبض حياتي .:. قرآني طهر ذاتي


قرآني عصمة أمري .:. قرآني طوق نجاتي

آيات الله حمَتني .:. غمرتني بالبركاتِ

تحفظني من همزاتِ .:. الشيطان و من زلاتِ

إن القرآن لنورٌ .:. يتفجر في جنباتِ

يرفعني عند مليك .:. الخلق لأعلى الدرجات

إن القرآن أنيس .:. لفؤادي في أزماتِ

يمنحني الصبر على .:. ما قد ألقى من عثراتِ

معجزة خالدة ما .:. أعظمها من كلمات

منّ الرحمـان علينا .:. بكتاب من رحماتِ




كيف هجر القرآن ولماذا؟


الشيخ سعيد السلاطنة



سؤال يحمل بين جنباته الالم والهم الكبير ..كيف والقرآن الكريم كتاب الحياة ..كتاب الخلود..كتاب الهداية ..فلماذا يهجر القرآن وهو المعين الصافي الذي ينهل منه العطاشى التائقون الى الصراط المستقيم؟


نعم تلك هي الحقيقة المرة ،وهي ان ظاهرة هجر القرآن في عالمنا المعاصر اصبحت تتفشى عند معظم أفراد المجتمع وفي معظم مؤسساتنا الدينية والاجتماعية للاسف الشديد .


صحيح ان الناس في هذا الشهر الكريم تفتح بيوتها لتلاوة القرآن ،والكثير من الناس يعاهدون ان انفسهم ان يختموا القرآن في شهر رمضان ولو ختمة واحدة .



ولكن ما ان ينقضي الشهر الكريم الا ومعظم الناس قد ودعت القران وتلاوته ومجالسه .


واذا سمعت القرآن بعد شهر رمضان تبادرت الى انفك رئحة الكافور ممزوجة بسؤال من المتوفى؟




القرآن الكريم الذي هو الاساس لبعث الحياة للناس صار وسيلة وعلامة على وفاة الناس!!!


ولذلك الإمام الخميني (قده)قال في وصيته الخالدة ايها المسلمون :انقذوا القرآن من المقابر)


وهاهو الرسول الكريم (ص) ينظر الى هذه الحقيقة المرة اذ يقف (ص)في عرصة القيامة في ذلك الموقف الرهيب رافعا القرآن بيديه قائلا:(يارب ان قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا)الفرقان 30



ولو سلطنا الضوء على واقعنا المعاصر لرأينا ان حقيقة هجر القرآن تكمن في اربعة مظاهر .



المظهر الأول: (هجر قراءة وتلاوة المصحف الشريف)



والحال ان الامر القراني بالقراءةوالتلاوة لاغبار عليه وهو من المسلمات عند جميع المسلمين قال تعالى (فاقرأواماتيسرمن القرآن)المزمل20



وقال تعالى(ورتل القرآن ترتيلا)المزمل4


وقال الرسول الكريم(من قرأعشر آيات في ليلة لم يكتب من الغافلين.ومن قرأخمسين آية كتب من الذاكرين .ومن قرأ ثلاثمئة آية كتب من الفائزين.ومن قرأخمسمئة آية كتب من المجتهدين)


فالرسول (ص) من خلال هذا الحديث يربي عن المسلم روح الاقتران بالقرآن منهجا وبرنامجا حياتيا في كل يوم كي لايعيش المسلم الغفلة عن دستور حياته ،وكي يكون ذلك المسلم ذاكرا لله ، واذا ارادالفوز والاجتهادفعليه بالاكثار من القراءة للقرآن الكريم.


المظهر الثاني:(هجر الاستماع للقرآن)



انك لتعجب اذا رأيت الانسان يتوق لسماع كل شيء ولكن بمجرد ان يعرض عليه القرآن يعرض عن سماعه ،والحال ان الله يأمرنا ان نستمع للقرآن (واذا قرءالقرآن فاستمعوا له وانصتوا لعلكم ترحمون)


بل ان البعض اذا لايطيق سماع القرآن ويعتبره امرا يبعث على الملل ، وفي هذه الأيام أيام القرآن الكريم ترى عادة جديدة ظهرت في مجتمعنا وهي ان يفرد لقارئ القرآن غرفة معزولة عن موضع جلوس الناس في البيت الذي يقرء فيه القرآن ليأخذ الناس راحتهم في الحديث والكلام ، فيالها من ظاهرة مؤلمة ان تجد قارئ القرآن يقرء القرآن لوحده ليس معه حتى من يستمع اليه او يشجعه او يعينه او يرد عليه اذا اخطأ .


المظهر الثالث:(هجرحفظ القرآن)



انك لتتألم اذا وجدت الكثير من ابنائنا وبناتنا يحفظون الكثير من المحفوظات حتى المعقدة في الحفظ ،ولكن اذا جئت اليهم لتجدهم في حفظ القرآن تراهم يتلعثمون في حفظ آية من كتاب الله،والحال ان الرسول الكريم يقول(ص) ان الذي ليس في جوفه شيء من الفرآن كالبيت الخراب)


المظهر الرابع: (هجر التدبر)



ومن مظاهر الهجر لكتاب الله هجر التدبر، والتدبر هو التأمل لآيات الله والوقوف على ابعادها ومكنوناتها، البعض من الناس يتصور ان التدبر في القرآن حكر على علماء التفسير ،وهذا القول غير صحيح لاصطدامه مع اطلاق قوله تعالى(افلا يتدبرون القرآن ام على قلوب أقفالها)محمد24

فالتدبر حق للجميع كل بحسب ادراكه وثقافته التي لاتصطدم وهدف القرآن السامي(ذلك الكتاب لاريب هدى للمتقين)



المظهر الخامس: (هجرالعمل بالقرآن)


فالقرآن لم ينزل للثافة المعزولة عن العمل ،ولذا فحينما نقف في ليلة القدر ونضع القرآن على رؤوسنا نستلهم شيئا مهما مفاده( ان القرآن هو الحاكم على مركز القيادة عند الانسان وهو رأس الانسان ،اذافالقرآن هو الحاكم على جميع اقوالنا وافعالنا ونحن نقف في ليلة القدر على معاهدة الله لذلك)



ووما يخطر ببالي في هذا المجال ان عبدالملك بن مروان حينما قصد الحج مضى لمدينة الرسول (ص) فسأل اهناك احد من الصحابة بقي على قيد الحياة ؟


فقالوا له :لا.



فقال اهناك احد من التابعين؟

فقالواله: نعم هناك ابو حازم.

أمر بان يحضر ،فاحضروه وقد كان شيخا كبيرا.

فقال له عبد الملك: يااباحازم لما نكره الموت؟

فال ابو حازم:لأنكم عمرتم الدنيا وخربتم الآخرة ومن الطبيعي يكره الانسان ان ينتقل من عمران الى خراب.


فقال عبد الملك : كيف القدوم على الله ؟

فقال ابو حازم: اما المؤمن فكالغائب يرجع الى اهله يأنسون به ويأنس بهم،واما الفاجر الفاسق فكالعبد الآبق يرد الى مولاه.

فقال عبد الملك اين انا في كتاب الله ؟

وهذا موضع الشاهد .. فقال ابوحازم اعرض نفسك على القرآن وانظر اين موقعك في كتاب الله ؟


الله تعالى يقول: (ان الأبرار لفي نعيم وان الفجار لفي جحيم)

اذا وأنا أقرأ القرآن علي ان أفتش عن مواقعي في كتاب الله.. أين موقعي هل مع الظالمين... ام مع الفاسقين... ام مع الكافرين.. ام مع المنافقين ..أم مع المؤمنين .


وبعد ذكر البعض من مظاهر هجر القرآن نأتي الى الاسباب لنتجبنها فنكون مع القرآن من شهر ربيع القرآن كما (قال الرسول الكريم(ص) لكل شيء ربيع وربيع القرآن شهر رمضان)



ويمكن الاشارة الى ثلاثة اسباب:




السبب الاول:(عدم صلاحية القرآن للتطور)



وهو ان البعض يرى ان القرآن كتاب غير صالح لأن ينسجم ومتطلباتنا الحياتية فهو كتاب عظيم وكان في عهد الرسول(ص) هو الاساس في بناء ذلك الجيل اما الآن ونحن في عصر التطور فعلينا بقراءة القران للبركة فقط.




وهذه شبهة ينبغي ان يطهر المجتمع منها فالقرآن اهتدى به كل في مجاله، والهداية الى الصراط المستقيم لاتصطدم مع التطور ،بل هي خير معين على التطور والرقي الحضاري، والحضارة الاسلامية خير شاهد على ذلك.


السبب الثاني:(التعامل الخاطئ مع هيبة القرآن الكريم)



اذ ترى البعض يعتمد على نصوص مفادها ان من فسر القرآن برأيه فاليتبوء مقعده من النار ،فلذا فيحتم على الانسان ان يبتعد عن تفسير القرآن برأيه فهذا من المحرمات البينة .


وهذا التعامل الخاطئ مع هيبة القران هيمن وللاسف حتى على بعض المفسرين بحيث تراه لايتعدى الفهم اللغوي للاية مخافة ان يقع في محذور تفسير القرآن بالرأي.



والحال ان التدبر والتامل والاتعاظ بالقرآن ليس له مدخلية بالتفسير بالرأي.



وكما يقول الامام الخميني(قده)ان من المحتمل ان يراد من التفسير بالرأي المذموم في آيات الاحكام لافي آيات المعارف والعلوم العقلية التي توافق الموازين البرهانية.



السبب الثالث:(غياب مادة القرآن الكريم في مؤسساتنا الدينية)


ولو سلطت الضوء على حوزانتا التي تعتبر العمود الفقري لدعاتنا وعلمائنا لوجدتها خالية من دروس التفسير والتحفيظ للقران والتجويد .



وقد تجد البعض من الحوزات حينما اذا طرحت درس التفسير او التجويد تجعله درسا ثانويا ليس من دروس الحوزة الاساسية وهذه مغالطة فعلوم اللغة ماوضعت الا لفهم القران وكذا العلوم العقلية ماوضعت الا ليتذوق الانسان القران الكريم.. ولذا أوجه دعوة متواضعة من طويلب علم الى حوزاتنا في المملكة بأن تسعى جادة لعقد مؤتمر لمناقشة هذه الظاهرة الخطيرة على صعيد الحوزة أولا: وعلى صعيد المجتعمع ثانيا:


وان كان في الآونة الأخيرة خرجت الى النور البعض من مراكز تعليم وتحفيظ القرآن في البحرين على يد نخبة من الشباب المؤمن وبمباركة علمائية خجولة ..وأقول خجولة لأن الحضور العلمائي فيها اضعف من ان يذكر..بارك الله لاخواننا فيما قاموا بهم وسددالله خطاهم ولقاهم الله الأمل ونتاج العمل..


هجـر القـرآن


سماحة الشيخ حسن الصفار


﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً ﴾(الفرقان:30)



الهجر في اللغة : هو ترك ما من شأنه أن يوصل .

فأي جهة كان ينبغي أن تكون على صلة معها ثم تتركها يقال لك بأنك هجرتها، ولا يقال لمن لم تعرفه أنك هجرته.

وفي هذه الآية يشكو الرسول إلى الله تعالى من هجر قومه للقرآن العظيم ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَارَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾ (سورة الفرقان آية 30) وقوم محمد هم أمته وأتباعه ﴿ اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً﴾ وإنما قال سبحانه ﴿ اتخذوا ﴾ ولم يقل (هجروا) ليدلل على أن الهجر صار ديدنهم ومنهجهم وطريقتهم في التعاطي مع القرآن العظيم.


وقد اختلف المفسرون في المدلول الزمني لهذه الآية ،فهل حدثت هذه الشكوى في زمن النبي أم أنه سيرفعها الى الله في يوم القيامة؟

فبعض المفسرين قالوا بأنها حصلت عندما كان الرسول يقرأ على قومه القرآن وهم يستنكفون عن الاستماع إليه ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ﴾ (سورة فصلت آية26)



ولكن عدداً من المفسرين يرجحون أن تكون هذه الشكوى يوم القيامة، وأن الفعل ( وقال ) فعل ماض لكنه يدل على تحقق ما سيقع في المستقبل إنزالاً لمنزلة ما سيقع حتماً بمنزلة ما وقع فعلاً ، وهذا ما يستفاد من السياق العام للآية إذ يقول سبحانه ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُللانًا خَلِيلا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلانسَانِ خَذُولا * وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾ ( سورة الفرقان آية28 – 30 )



والروايات تؤكد على مثل ذلك أيضاً ، وتندد بأولئك الذين يهجرون القرآن..



فقد ورد عن الفضل بن شاذان أنه سمع الإمام الرضا يقول مرة بعد مرة « فإن قال: فلم أمروا بالقراءة في فالصلاة؟ قيل: لئلا يكون القرآن مهجوراً مضيعاً وليكون محفوظاً فلا يضمحل ولا يُجهل ».[1]



وعن الإمام الباقر : «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : أَنَا أَوَّلُ وَافِدٍ عَلَى الْعَزِيزِ الْجَبَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَ كِتَابُهُ وَ أَهْلُ بَيْتِي ثُمَّ أُمَّتِي ثُمَّ أَسْأَلُهُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَ بِأَهْلِ بَيْتِي».[2]



وعن الإمام الصادق أنه قال : « السُّورَةُ تَكُونُ مَعَ الرَّجُلِ قَدْ قَرَأَهَا ثُمَّ تَرَكَهَا فَتَأْتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ وَ تُسَلِّمُ عَلَيْهِ فَيَقُولُ مَنْ أَنْتِ فَتَقُولُ أَنَا سُورَةُ كَذَا وَ كَذَا فَلَوْ أَنَّكَ تَمَسَّكْتَ بِي وَ أَخَذْتَ بِي لَأَنْزَلْتُكَ هَذِهِ الدَّرَجَةَ » [3]



وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ : «قَالَ الْقُرْآنُ عَهْدُ اللَّهِ إِلَى خَلْقِهِ فَقَدْ يَنْبَغِي لِلْمَرْءِ الْمُسْلِمِ أَنْ يَنْظُرَ فِي عَهْدِهِ وَ أَنْ يَقْرَأَ مِنْهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ خَمْسِينَ آيَةً » [4]



وهجر القرآن يقابله الاهتمام بالقرآن ، ويمكن ملاحظ الأمر في اتجاهين


هجر التلاوة والحفظ


هناك فئة من الناس تقبل على القرآن باحترام شديد فتقرأه على كل حين وتحاول حفظه ونشره بين الناس ... وهذا مصداق واضح على الاهتمام بالقرآن ، على العكس تماماً من ذلك الذي لا يحترم القرآن ولا يقرؤه ولا ينظر فيه ولا يحفظ منه شيئاً وعلى هذا ينبغي أن يكون لدى المسلم برنامج يومي لمطالعة القرآن الكريم، وهذا ماكان عليه آباؤنا وما ينبغي أن نربي عليه أولادنا، وفي الرواية عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ « قَالَ مَا يَمْنَعُ التَّاجِرَ مِنْكُمُ الْمَشْغُولَ فِي سُوقِهِ إِذَا رَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ أَنْ لا يَنَامَ حَتَّى يَقْرَأَ سُورَةً مِنَ الْقُرْآنِ فَتُكْتَبَ لَهُ مَكَانَ كُلِّ آيَةٍ يَقْرَؤُهَا عَشْرُ حَسَنَاتٍ وَ يُمْحَى عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ . » [5] وهكذا ينام الإنسان وهو مشغول بذكر الله،كما أن وآياته تساعده على فهم وتدبر ما عاشه اليوم وما يرجوه غداً، والإنسان الذي يمر عليه اليوم والأسبوع دون أن يفتح القرآن أو يستمع له يعتبر هاجراً للقرآن، والنبي يقف في وجهه يوم القيامة قائلا، لماذا رتبت أولوياتك اليومية من نوم وغذاء وجلسات ومشاهدة ومشاهدة وسماع .. ولم تخصص للقرآن حصة من وقتك! لماذا لم تقرأ !!لم تسمع !!



على أن بعض الناس يدعي أن القراءة دون التدبر لاتفيد شيئاً، فبإمكان هؤلاء أن تكون لهم قراءتان للقرآن قراءة طولية وقراءة معمقة ويستحق القران ان نقرأه لأكثر من هدف..



الهجر المعنوي


يحمل القرآن في طياته القيم والمفاهيم والبرامج التي يحتاجها الإنسان في حياته، والقرآن مشروع تحرير


وتنوير « يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ » (سورة لأعراف آية157)


وعلى الرغم من أننا نقرأ هذه الآية وأمثالها ولكنها لاتحرك فينا ساكناً ، ذلك لأننا نعيش حالة الهجر مع القرآن ، كالولد الذي يسمع كلمات أبيه دون أن يعمل على تطبيقها استهانة واستخفافاً


إن أمتنا الإسلامية تمتلك أفضل البرامج وأفضل القيم لإدارة حياتها؛ وأول برنامج يراه القرآن الحكيم هو العلم والتعلم ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ (سورة العلق آية1) فماهي مدى استجابتنا للقراءة والمطالعة وهي أول آية ينزل بها كتابنا ؟



وأين نحن من الشورى أين التعاون والوحدة أين النظام أين وصلنا بمستوانا السياسي والاجتماعي والديني المعاش.. إن تخلفنا في كل ذلك مؤشر واضح على داء الهجر الذي انتابنا فصار القرآن لايتجاوز تراقينا



ينبغي لنا أن نراجع أنفسنا (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا) على الصعيدين الظاهري والعملي ، ماذا تركنا وماذا ينبغي علينا أن نصل وماذا نترك حتى يصدق علينا أننا متمسكون بالقرآن بعيدين ممن يقف الرسول الأعظم في قبالهم وهو ينادي ﴿ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً ﴾.




[1] الصدوق: ابو جعفر محمد ابن علي/ عيون اخبار الرضا/ص113- مؤسسة دار الاعلمي.

[2] الشيخ الحويزي/ تفسير نور الثقلين- ج4.

[3] الحر العاملي/ وسائل الشيعة – ج6.

[4] المصدر السابق –ص158.

[5] الكليني/ الكافي – ص611.




التلاوة في القرآن





إذا تتبعنا موارد استعمال مادة «التلاوة» في القرآن فسنجد:



أ- أن التلاوة من مهمات الأنبياء "عليهم السلام" المكلفين إخراج الناس، قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآياتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾ [1] . وقال تعالى مبيّناً سنة من سننه التي لا تتخلف: ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ ﴾ [2] . فنحن إذاً أمام مهمة لا يتمكن من أدائها إلا المعصوم، وهو النبي في المقام، الذي يباشر فعل «الهداية» بأمر الله، قال تعالى: ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلاً جَعَلْنَا صَالِحِينَ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الخيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ﴾ [3] . ولا يعقل أن تكون هذه المهمة الخطيرة مجرد «قراءة».




لذلك نقول: إنها تعني «الاتباع» في الدرجة الأولى و«القراءة» في الدرجة الثانية، وإن كانت هذه تتقدم على تلك في الشكل، أي أننا نقرأ أولاً لنتبع ثانياً.



ب- أن «التلاوة» تعني التطبيق تارة والطريق إليه تارة أخرى، قال تعالى على لسان خليله إبراهيم "عليه السلام" : ﴿ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الحكِيمُ ﴾ [4] ، ليلحقه بامتنان منه تعالى بالمضمون نفسه في السورة نفسها «البقرة:151» وسورة «آل عمران :164». ومن المؤكد أن الرسول "ص" لم يكن دوره يقف عند حدود «قراءة آيات القرآن» وإنما تجسيد تلك الآيات في ذاته على مستوى الرؤى والأفكار أولاً، والمشاعر والعواطف ثانياً، والسلوك العملي ثالثاً. ولعل هذا المعنى يتأكد إذا قلنا إن قوله تعالى: ﴿ ويعلمهم الكتاب ﴾ إنما هو تفسير لـ ﴿ يتلو ﴾ وليست شيئاً آخر لتكون هذه الجملة بياناً والواو للعطف البياني.



ويمكن تدعيم هذا التفسير لـ «التلاوة» بـ:



1- قوله تعالى: ﴿ رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَات لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الانْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً ﴾ [5] فالآية الكريمة تحدد دور النبي "ص" وتلاوته بإخراج المؤمنين والعاملين للصالحات من الظلمات إلى النور، وواضح أن ذلك لا يكتفى فيه بمجرد «القراءة» التي يمكن، نظريا، أن يتولاها غير النبي ، وإن قلنا إن لقراءته خصوصيات لا يشاركه فيها غيره.



2- قوله تعالى خطاباً لنساء النبي "ص" : ﴿ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالحكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً ﴾ [6] الذي يعني أن الحجة عليهن ألزم باعتبارهن يعشن في بيت تتلى فيه آيات الله. وكلنا يعلم أن التلاوة بمعنى القراءة ليست من مختصات بيت النبي "ص" لأن بيوت المسلمين عادة يقرأ فيها القرآن. ولذلك لا يكون الامتنان على نساء النبي "ص" وجيهاً إلا إذا حملنا ﴿ يتلى ﴾، هنا، على «التطبيق والتجسيد» الذي يصح القول إنه، بمعناه الشامل، خاصٌّ ببيت النبي "ص" الذي هو بيت الطهارة والعصمة. ومن ثم جاز أن تكون العقوبة لمن حظي بمثل هذه الرعاية مضاعفة لو وقعت منه المعصية، قال تعالى: ﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَة مُبَيِّنَة يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً ﴾ [7] ، ملحِقاً إياه بقوله: ﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَد مِنَ النِّسَاءِ ﴾... مؤكِّداً أن هذا التميز ليس مطلقاً بل مشروطاً بـ ﴿ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ ﴾ [8] الذي يعني التجسيد تأسياً بالرسول "ص" من خلال التزام ما أمر الله وترك ما نهى عنه ﴿ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً ﴾ [9] .



وقد جاء عن الإمام جعفر الصادق "عليه السلام" في قوله: ﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ ﴾ [10] ، قال: يرتلون آياته، ويتفقهون به، ويعملون بأحكامه، ويرجون وعده، ويخافون وعيده، ويعتبرون بقصصه، ويأتمرون بأوامره، وينتهون بنواهيه. ما هو والله حفظ آياته، ودرس حروفه، وتلاوة سوره، ودرس أعشاره وأخماسه، حفظوا حروفه وأضاعوا حدوده، وإنما هو تدبر آياته والعمل بأحكامه، قال الله تعالى: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ ﴾ [11] .



وننتهي إلى القول إن «التلاوة» بمعنى «القراءة» استحبت شرعاً لتكون طريقاً إلى التفاعل مع أوامر القرآن ونواهيه ليحصل التكامل بين المرسل/ الله، والمتلقي/ العبد، من خلال الرسالة/ القرآن، عبر النبي/ الرسول "ص" ، قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُول إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الحكِيمُ ﴾ [12] ، وليكون ذلك سبيلاً لتحقيق الإيمان أولاً والعمل الصالح ثانياً لتكون النتيجة نيل ﴿ جَنَّة عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [13] .



وفيما عدا ذلك يمكن أن يقال إن القرآن أصبح «مهجوراً»، بمعنى تعطيل دوره الذي أنزل من أجله، وهو إخراج الناس من الظلمات إلى النور، إذ فُرِّغ من محتوى دوره الوظيفي، الذي يبينه ربيب القرآن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب "عليه السلام" بقوله: كتاب الله تبصرون به، وتنطقون به، وتسمعون به، وينطق بعضه ببعض، ويشهد بعضه على بعض، ولا يختلف في الله، ولا يخالف بصاحبه عن الله وهو تفصيل لقول الله تعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ المؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً ﴾ [14] . والهجران لا يتنافى مع ما يمكن أن يحصل من مبالغة في الاهتمام الشكلي بـ «التلاوة» في حدود القراءة المجردة، إذ «رب تال للقرآن والقرآن يلعنه» لأنهم قد يقرأونه من دون أن «يتجاوز تراقيهم». وإذا تحقق معنى الهجر فسيكون القرآن خصماً يشكو له رسول الله "ص" قائلاً ﴿ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ﴾ [15]