مرقد النبي يونس .. ملاذ حزانى ومهمومي الموصل العراقية
ينظر سكان مدينة الموصل مركز محافظة نينوى، بشمال العراق، الى مقام النبي يونس غير النظرة المألوفة التي ينظر بها الى مراقد الانبياء والاولياء.. فما أن يشعر ساكن الموصل نفسه تعبا او حزينا او به أذى حتى يقصد مقام ذلك النبي الذي يعرفه الناس بدعائه الذي انقذه به الله واخرجه سالما من بطن الحوت.
ويوجد المقام شرق مدينة الموصل، في منطقة تحمل اسم منطقة النبي يونس، وهي سكنية وتجارية بها آلاف المساكن والمتاجر يعود تاريخ الكثير منها الى عقود طويلة.. والمقام موجود على تلة ترتفع عن المنطقة المحيطة به، يقصده كل يوم العشرات من سكان المدينة ويأتونه من خارج المدينة ايضا.
وللدعاء عند المقام صنوف، فمن الناس من يذهب ليدعو لنفسه ومنهم من يذهب بابنه او ابنته او قريب له ليدعوا له هناك. كما ويذهب الناس جماعة يتقدمهم رجل دين لاقامة صلاة الاستسقاء وقت شح المطر.. ويقع مرقد وجامع النبي يونس عليه السلام على تلة كبيرة تدعى "التوبة" والتلة موجودة بمكان يسمى تاريخيا بـــ"قرية نينوى".
ويقال إن الجامع في أصله كان معبدا للفرس، وبعد انتشار المسيحية في الموصل صار ديرا بأسم دير يونان بن امتاي المعروف عند المسلمين بالنبي يونس بن متى، ويعرف كذلك بأسم "ذو النون"، اي صاحب الحوت.
مروان عبد الكريم صالح 43 عاما، وهو محصل، كان عند المقام لزيارته، ومن هناك قال "آتي إلى زيارة ضريح النبي يونس عليه السلام بشكل مستمر، اعتقلت قبل فترة وأطلق سراحي، وبت عند دخولي الى المقام اشعر بالأمان والطمأنينة والسكون، وافتقد هذا الشعور خارج هذا المكان الطاهر".. وأضاف: "وأنا في المعتقل كنت أدعو الله ان يفرج علي وان نخرج جميعا من السجن وقد حرصت أن آتي إلى هنا للدعاء ولتفريج الهم وإصلاح حالنا، خصوصا أن سيدنا نبي الله يونس مر بظرف صعب عندما ابتلعه الحوت وبقي سجينا في داخل الحوت وبقى يدعوا من الله الفرج إلى أن استجاب الله سبحانه وتعالى لدعائه".
ومضى قائلا "اشعر أنني محتاج إلى الدعاء عند المقام للتفريج عن الهم والقهر وخصوصا أن أخي معتقل، آتي مع والدتي للدعاء لاخي المعتقل نتذلل في الدعاء ونبكي وننسى أنفسنا، صحيح بامكاننا الدعاء اينما كان او ان نذهب الى اي مسجد في المدينة، لكن في مسجد وضريح النبي يونس نشعر بان الامر مختلف".
محسن عامر محمود، وهو موظف في الثامنة والاربعين من العمر..التقيناه عند مقام النبي يونس، قال "لهذا المكان في نفسي واغلب أهالي الموصل منزلة خاصة، بل ان مدينتنا مكرمة بضريح النبي يونس عليه السلام والكثير ممن يأتون إلى هنا تدمع أعينهم اثناء الدعاء، منهم من يأمل أن يرزق بطفل، ومن يدعوا لأن تسهل أمورهم، والطلبة يأتون في فترة الامتحانات، كل من يقع في كرب يأتي إلى هنا ويتوسل بالدعاء الى الله".
واضاف: "لي أقارب يأتون المقام بشكل أسبوعي ومنتظم، كانوا مهمومين بسبب عدم أنجاب أطفال، نحن نتخذ من الضريح سبيلا للتقرب إلى الله عز وجل فهولاء أنبياء ولهم مكانة ومنزلة عظيمة عند الله".
اما المواطن صالح عبد الله محمود،37 سنة، فقال عن المقام "اخبرتني والدتي بانها اخذتني الى المقام عندما كان عمري اسابيع، واخذت تتردد على المقام وتصطحبني معها، وبعدما كبرت اخذت ازور المكان لوحدي، آخذ كل من يزورني من خارج مدينة الموصل الى ذلك المكان وجود ضريح النبي يونس مدعاة فخر بالنسبة لنا".. واضاف: "يسحرني المكان ومشهد العوائل تصعد الى التلة التي يوجد عليها الضريح، اشعر بالأمان وانا في حضرة النبي يونس عليه السلام مهما كان حجم الرعب والخوف في عروقنا".
عبد الهادي عامر عبد الله، صاحب احد المتاجر القريبة من ضريح النبي يونس، قال "انا من سكان منطقة النبي يونس عليه السلام ومنذ الصغر تعلقت بهذا الجامع الذي يضم مرقد النبي يونس، اذكر لعبنا في حدائقه وصلينا في ساحاته وكنا وفي شهر رمضان في العشر الاواخر من الشهر الفضيل نذهب للجامع هناك شي يربطنا به، لانستطيع ان لا نذهب اليه حتى عندما كنت اخدم عسكريا في الجيش كنت احتفظ بصورة لجامع النبي يونس معي، عيني كانت تدمع كلما نظرت الى الصورة لاني بعيد ولا استطيع زيارته".. ومضى بالقول "الآن اطفالنا نعلمهم حب هذا الجامع وكم يمثل لنا واهميته لدينا".
ووفق المصادر التأريخية فإن اول ظهور لقبر النبي يونس كان في القرن الرابع عشر الميلادي، واقيمت في ذلك الوقت قبة فوق قبر النبي يونس، وبعد ذلك وحتى الآن شهد الموقع عمليات ترميم عدة آخرها في ثمانينات القرن العشرين.. والموقع يتألف من بناءين يفصل بينهما طريق عرضه ستة أمتار، وهما بيت الوضوء والمصلى والحضرة كما الحق بالجامع داران للخطيب والمقيم.
منارة الجامع مبنية من حجر الحلان الاسمر وتشبه المنائر التركية في طراز بنائها وقد بنيت سنة 1341 هجرية 1922 ميلادية، ومحراب الجامع غني بالكتابات وهو من المحاريب المتميزة الجميلة وثمة كتابة بعد البسملة "الله نور السموات والأرض يهدي الله بنوره من يشاء".
وقال الشيخ محمد عبد الوهاب الشماع أمام وخطيب جامع النبي يونس، إن "لبيوت الله خصوصية في الدعاء والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى، وحرص الكثير من أهالي مدينة الموصل على الصلاة هنا في جامع النبي يونس والدعاء والتقرب من الله عز وجل هو بسبب الخصوصية التي يتمتع بها المكان".. واضاف: "الموصل تعرف بمدينة عدد من الأنبياء فهناك مقام النبي شيت ومقام النبي جرجيس، لكن السكان يحرصون على المجيء إلى هنا لان ما حصل لنبي الله يونس من كرب وشدة اثر بقاءه ببطن الحوت، ودعائه ونجاته بعد ذلك ترك اثرا في نفوس السكان".
ومضى الشيخ محمد عبد الوهاب الشماع، إمام وخطيب جامع النبي يونس، " كثيرون يأتون الى هنا ويسألوني نريد ان ندعوا دعاءً يفرج الهم والكرب وللنجاح والرزق والأطفال، وأقول لهم أدعو مثلما دعا نبي الله يونس وهو في داخل الحوت، قولوا (لا اله ألا أنت سبحانك أني كنت من الظالمين) وان شاء الله يستجيب لكم".
واشار الشيخ الشماع الى انهم يستقبلون أيضا وفوداً وزائرين من كل محافظات العراق تكون أعدادهم كبيرة وبشكل شبه يومي يأتون للصلاة ويجلبون معهم ملابس وطعام لنقوم نحن بتوزيعها على العوائل المتعففة، وتاتي وفود من خارج العراق من من تركيا المغرب السودان ماليزيا ومن الهند يزورون الضريح الشريف، سابقا كانوا يبتون في فنادق قريبة، ولكن بسبب الوضع الأمني يغادرون مدينة الموصل، إلى مدن اخرى مثل اربيل أو دهوك، ولفت الشماع ايضا الى انه ومع اقتراب موسم الحج، يأتي الحجاج الاتراك للزيارة وهم في طريق الذهاب الى الديار المقدسة في مكة والمدينة بالعربية السعودية.