الأطفال وتجربة الفقد


يُمكن أن تُساعدَ المعلوماتُ التَّالية الطفلَ الذي فقد أحدَ أفراد أسرته، أو إذا كان هذا الشخص يحتضِر أمامَه.




إذا كان أحد أفراد أسرة الطفل يحتضِر
يُمكن أن يستفيدَ الطفلُ من الدَّعم الخاص المقدَّم له إذا كان أحد أفراد أسرته يحتضِر.
تُقدِّم دورُ رعاية المرضى رعايةً ما قبل الوفاة pre-bereavement care لمساعدة المرضى الذين يوشكون على الموت وأسرهم. يجب تشجيعُ تقديم ذلك، خصوصاً للأطفال, لأنَّ مستوى الشدَّة النفسية عند الأطفال يصل إلى أعلى مستوياته قبلَ وفاة أحد أفراد العائلة، بسبب مشاعر الخوف والمُستقبَل المجهول.
تُعطي رِعاية ما قبل الوفاة الطفل فُرصةَ التفكير والحديث عن مشاعره، والتَّعبير عن مخاوفه للآخرين.
إذا كان أحدُ الوالدين يعرف أنَّه على وشك الموت، يقترح بعضُ الاختصاصيين أن يصنعَ الشخصُ صندوقاً للذكريَّات ويعطيه لطفله, أو يقوم المريضُ وطفله بصنعه معاً. ويحتوي هذا الصندوقُ على أشياء تُذكِّر الطفل والمريض بالوقت الذي قضياه معاً. ويُمكن أن يوفِّر ذلك حلقةَ وصل مهمَّة بين المريض وطفله بعدَ وفاته.




إذا فقد الطفل أحد أفراد أسرته
عندما يمُرُّ الطفلُ بتجربة وفاة أحد الأشخاص الذين يُحبُّهم، فمن الأفضل له أن يتحدَّث عن الشخص المُتوفَّى، سواءٌ أكان جدّه أو أمَّه أو أخاه أو أخته أو صديقه؛ فالتعاطُفُ مع الشخص والحديث عن مشاعره وعن الشخص المُتوفَّى هو أمر مهمّ، خصوصاً للأطفال. إذا فقدَ الطفلُ أحدَ الأشخاص الذين يُحبُّهم, فمن المُهم أن يتحدَّثَ عن ذلك مع شخص يستطيع الحديثَ معه, ويُمكن أن يكونَ ذلك من خلال الصور أو الألعاب أو صناديق الذكريات أو القصص.
إذا لم يترك الشخصُ المُتوفَّى صندوقاً للذكريَّات، يمكن أن يقومَ أفرادُ عائلة الطفل بصنع هذا الصندوق, ويُمكن أن يحتوي على هدايا أو أصداف جُمعت من الشاطئء، أو إحدى الذكريات التي كتبها المُتوفَّى على بطاقة، أو على أيّ شيء ممَّا يجعل الطفلَ يشعر بأنَّه على تواصل مع المُتوفَّى.




التَّعامل مع تجربة وفاة أحد الأشخاص
قد يتعرَّض شخصٌ ما لتجربة جداً سيِّئة بعد وفاة أحد أحبَّائه. ونحاول فيما يلي وصفَ كيفيَّة التَّعامل مع فقدان الأشخاص، والمشاعر التي قد تظهر بعدَ الوفاة أو الفِراق، وأين يمكن للشخص أن يحصلَ على المساعدة والدَّعم.
تُؤثِّر تجربةُ وفاة الأشخاص على الناس بطرقٍ مختلفة. وليس هناك طريقةٌ صحيحة أو خاطئة ليشعر الأشخاص بهذه التجربة. قد يشعر الشخصُ بالكثير من المشاعر في آنٍ واحد، أو قد يشعر بأنَّه يستمتع بيوم جيداً، ثم يستيقظ في اليوم الذي يليه ويشعر بمشاعر أكثر سلبية مرةً أخرى. وقد تظهر مشاعرُ قويَّة بشكلٍ غير متوقَّع.
يتَّفق الخبراء عموماً على أنَّ هناك أربع مراحل يمرُّ بها الشخص عند فقدانه أحدَ الأشخاص:
  • تقبُّل حقيقة وفاة الشخص.
  • الشعور بالألم و الحزن.
  • التكيُّف مع الحياة من دون وجود الشخص المُتوفَّى.
  • نقص طاقة الشعور بالحزن ووضعها في شيء جديد؛ بعبارةٍ أخرى، تخطِّي التجربة.

من المُرجَّح أن يمُرَّ الشخصُ بكلِّ هذه المراحل، ولكن ليس بالضرورة أن يستطيعَ الانتقالَ بسهولة من مرحلةٍ إلى أخرى. وقد يشعُر بفقدان السيطرة على مشاعر حزنه, ولكن تقلّ قوّةُ هذه المشاعر بمرور الوقت. يجب أن يُعطي الشخصُ نفسَه وقتاً كافياً، لأنَّ هذه المشاعرَ ستَخفّ. وقد يشعُر الشخص بما يلي:
  • الصَّدمة ونقص الحس أو التَّنميل numbness (هذه عادة أول ردَّة فعل تحدُث بعد موت أحد الأشخاص، وكثيراً ما يقول الناس بأنهم في حالة ذهول).
  • حزنٌ كبير يصاحبُه بكاءٌ كثير.
  • التعب أو الإنهاك.
  • الغضب، على سبيل المثال تجاه الشخص المُتوفَّى أو تجاه مرضه.
  • الشعور بالذنب، على سبيل المثال الشعور بالذنب حولَ الشعور بالغضب، عن شيء قاله الشخص أو لم يقله.

وكلُّ هذه المشاعر طبيعية تماماً؛ والمشاعرُ السلبيَّة لا تعني أنَّ الشخصَ سيِّئ, فالكثيرُ من الناس يشعرون بالذنب تجاه غضبهم، ولكن لا بأس أن يغضبَ الشخصُ أو يسأل لماذا.
يُصبح بعضُ الأشخاص كثيري النسيان، وتقلّ قدرتهم على التَّركيز. وقد يفقدون أغراضَهم الخاصَّة مثل المفاتيح, وهذا بسبب أنَّ العقلَ منشغل بالفجيعة والحزن، فالشخصُ يفقُد صحَّته العقليَّة في هذه التجربة.




التَّعامل مع مشاعر الحزن
يجب على من يمرُّ بهذه التجربة الحديثُ وتبادل المشاعر مع شخصٍ آخر يُمكنه المساعدة؛ حيث يجب ألاَّ يمرَّ الشخص بهذه التجربة وحدَه. بالنِّسبة لبعض الأشخاص, يعدُّ الاعتمادُ على الأسرة والأصدقاء أفضلَ وسيلة لمواجهة الموقف. ولكن قد يعجز الشخصُ عن التحدُّث معهم كثيراً، ربَّما لأنَّ علاقتَه بهم ليست قويةً، أو لأنَّهم حزينون أيضاً، ويمكن التواصل مع جهاتٍ داعمة أو أصدقاء مقرَّبين للتغلُّب على مشاعر الفقد.
يُمكن الاستفادةُ من اختصاصيّ نفسي أو مُستنصَح bereavement counsellor يُعطي الشخصَ الوقتَ والحرِّية ليتحدَّثَ عن مشاعره، بما في ذلك الحديثُ عن الشخص المُتوفَّى، وعلاقةُ الشخص به والأسرة والعمل والمخاوف والمستقبل. ويُمكن التواصلُ مع الاختصاصيّ النفسي في أي وقت، حتى لو كان الشخصُ المفقود قد تُوفِّي منذ فترة.
يجب ألاَّ يخافَ الشخصُ من الحديث عن الشخص المُتوفى؛ فقد لا يذكُر الأشخاص في حياة شخص ما أسماءَهم لأنَّهم لا يريدون مُضايقةَ ذلك الشخص؛ ولكن، إذا شعر الشخص أنَّه لا يستطيع التحدُّثَ معهم، فقد يُسبِّب له ذلك الشعورَ بالعُزلة.
قد تكون المُناسباتُ الخاصَّة والذكريات السنوية صعبةً على من فقد أحد الأشخاص. ولذلك، يُفضَّل القيامُ بكل ما يحتاج إليه الشخصُ الحزين ليتغلَّب على ذكرى ذلك اليوم؛ وقد يكون ذلك من خلال أخذ يوم عطلة من العمل، أو فعل شيء يُذكِّر الشخص بالمُتوفَّى كالتنزُّه على القدمين.




المساعدةُ على التكيُّف
تُعدُّ كلُّ تجربةِ فقد فريدةً من نوعها، لذا لا يستطيع الشخصُ أن يعرف كم ستستمِّر. وبصفةٍ عامة، قد لا تشغل تجربةُ وفاةِ شخص ما عقلَ الشخص بشكلٍ دائم بعدَ مضي حوالي 18 شهرا، وقد تكون هذه الفترةُ أقصرَ أو أطول بالنِّسبة لبعض الأشخاص، وهذا أمرٌ طبيعي.
يُمكن للطبيب أو المستنصَح مُساعدة الشخص إذا شعر أنَّه لا يستطيع مواجهةَ الموقف وحده. كما يحصل بعضُ الناس أيضاً على دعم من أحد علماء الدين. ولكن، قد يحتاج الشخصُ إلى المُساعدة في الحالات التالية:
  • لا يُمكنه النهوض من السرير.
  • عندما يُهمل الشخص نفسه أو عائلته؛ على سبيل المثال لا يأكل بشكلٍ صحيح.
  • إذا شعر الشخصُ أنّه لا يستطيع المُضي في حياته من دون الشخص المُتوفَّى.
  • تكون مشاعرُ الشخص قويَّة جداً لدرجة أنَّها تؤثِّر في بقيّة حياته، على سبيل المثال لا يمكنه الذهاب الى العمل، أو هو يصبُّ جامَ غضبه على شخصٍ آخر.

تُعدُّ هذه المشاعرُ طبيعيةً ما دام أنَّها لا تدوم فترةً طويلة. ويعتمد وقتُ الحصول على المساعدة على الشخص؛ ولكن، يحين وقت طلب المساعدة إذا استمرَّت هذه المشاعرُ فترةً يشعُر الشخص أنَّها طويلة جداً، أو عندما تقلق عائلةُ الشخص بسبب طول المدة. ويُمكن تحويلُ الشخص إلى اختصاصيّ مناسب يستطيع الإشرافَ على صحَّته العامة.




الرعاية ما قبل وفاة أحد الأشخاص
إذا كان شخصٌ ما يعاني من مرضٍ غير قابل للشفاء، فإنَّه وأحبابه يستطيعون الاستعدادَ لخبر الوفاة. وقد تُفيد بعضُ الأشياء العمليَّة الأشخاصَ الذين يخوضون هذه التجربة ، مثل مُناقشة ترتيبات الجنازة معاً وكتابة الوصيَّة.
كما يُقدم مُستشارو الصحَّة النفسيَّة رعايةً ما قبل فقد الأشخاص، ويساعدون المرضى وأسرهم على التحكُّم في مشاعرهم. ومن المُهمِّ تقديم هذه الرعاية خصوصاً للأطفال؛ حيث يزداد مستوى الشدَّة النفسية لدى الأطفال لأعلى مستوى قبلَ وفاة أحد أعضاء الأسرة, لذا من المُهم تقديمُ الدَّعم في هذا الوقت.



الألم والمشاعر المرافقة


إذا كان لدى الشَّخص ألم مزمن، فقد يكون متخوِّفاً ممَّا سيأتي به هذا الألم في قادم الأيام، ومن الوقت الذي سيستغرقه، ومدى تعارضه مع أمور الحياة اليومية.
وقد يعني هذا أنَّ الشَّخصَ سيعاني من وسواس الألم، الأمر الذي قد يبدأَ في التحكُّم بمجريات حياة الشَّخص.



الخوف والتجنُّب
إنَّ الكثيرَ من القلق حولَ بالألم يتَّجه في غير وجهته الصحيحة؛ فعلى سبيل المثال، كثيرٌ من الناس، الذين يصابون بألم الذبحة الصدرية، يعتقدون أنَّها نوبة قلبية مُصَغَّرة؛ وبعدَ ذلك يحاولون تجنُّبَ أيِّ موقف يعتقدون أنَّه يسبِّب هذا الألم.
والخوفُ من الألم يعني أنَّ الشَّخصَ سيُقلِّل من عمله، وقلَّة النشاط هذه تعني أنَّ الشَّخصَ يصبح عاجزاً أكثر فأكثر.
وليس الألمُ هو الذي يسيطر على حياة بعض الناس، ولكن ما يعنيه هذا الألم حسب اعتقادهم. إنَّ الخوفَ والتجنُّب هما من أكبر المشاكل المرتبطة الألم، وهذا الأمر يمكنه أن يكونَ محبطاً كالألم نفسه.
من المهم التحدُّث إلى الطبيب بدلاً من تناول مسكِّنات الألم أكثر وأكثر. يجب أن يسألَ الشَّخصُ نفسه عن مقدار القلق الذي يسبِّبه هذا الألم، ومدى الإحساس به.



المشورة
إنَّ مواصلةَ الأنشطة الطبيعية قدرَ المستطاع تعدُّ من أفضل الطرق لعلاج الألم. وقد يحتاج الشَّخصُ إلى معالج نفسي للقيام بالدعم المطلوب.
إنَّ الكربَ العاطفي والألم المزمن غالباً ما يترافقان مع بعضهما بعضاً.
عندما يوجد ألم مزمن، يكون هناك اضطراب عاطفي كبير، والعلاجُ لا يتعامل دائماً مع الألم نفسه في البداية. ويقوم أفضل مسارٍ للعمل - في كثيرٍ من الأحيان - على تحسين الطريقة التي يتصرَّف بها الشَّخصُ الذي يعاني من الألم. وهذا يمكن أن يكونَ من خلال تشجيعه على الانخراط في أنشطة هادفة، على سبيل المثال.
الشعورُ بالاضطراب العاطفي هو أمرٌ طبيعي، وسوف يستمرُّ هذا الاضطراب؛ ولكن، يمكن للطبيب أن يساعدَ الشَّخص على التأكُّد من أنَّ هذا الاضطرابَ لا يؤثِّر في أمور الحياة اليوميَّة.
فإذا لم ينجح هذا الأسلوب، قد يجري تحويلُ الشَّخص إلى متخصِّص في الألم المزمن، مع أنَّ معظمَ الناس لا يحتاجون إلى عناية متخصِّصة.








المصدر / كتاب صحتك الجسدية والنفسية / الشيخ عباس محمد