النتائج 1 إلى 3 من 3
الموضوع:

تاريخ وبطولات العرب قديما وحديثا ( الزير سالم وافترائات المسلسل )

الزوار من محركات البحث: 140 المشاهدات : 692 الردود: 2
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #1
    أبو بنين الگرعاوي
    مشاكس و افتخر
    تاريخ التسجيل: May-2014
    الدولة: ارض الحضارة البابلية
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 22,390 المواضيع: 3,149
    صوتيات: 15 سوالف عراقية: 3
    التقييم: 11419
    مزاجي: بكيفي
    المهنة: رائد في الشرطة الاتحادية
    أكلتي المفضلة: الدولمة البابلية
    آخر نشاط: منذ 3 أسابيع
    الاتصال: إرسال رسالة عبر Yahoo إلى ¥محبوب$القلوب¥
    مقالات المدونة: 16

    Rose تاريخ وبطولات العرب قديما وحديثا ( الزير سالم وافترائات المسلسل ) إضغط على مفتاح Ctrl+S لحفظ الصفحة على حاسوبك أو شاهد هذا الموضوع


    القصة الحقيقية للمهلهل ( الزير سالم )
    هو المهلهل بن ربيعة بن الحارث بن زهير بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب .
    واسمه أيضا أمرؤ القيس

    قال في أحد أشعاره يتكلم عن نفسه :
    يا امرأ القيس حان وقت الفراق

    وهناك خلاف بين المؤرخين حول تسميته : عدي

    أولاد ربيعة بن الحارث خمسة هم : كليب وعدي وامرؤالقيس وسلمة وعبدالله .

    وقد كان المهلهل من أصبح الناس وجها وأفصحهم لسانا وأشدهم بأسا وأشجعهم قلبا وأبرعهم فروسية رافق أخاه كليبا في معاركه وحروبه وتميز بالشجاعة والإقدام .



    سيادة ربيعة بن الحارث على قبائل ربيعة بن نزار :




    كانت قبائل ربيعة وقبائل مضر إبني نزار متفرقة في أنحاء الجزيرة العربية وكانت تنشب الحروب بينها بين الفينة والأخرى .. وكان التبع اليماني ملك اليمن يسيطر فعليا على شبه الجزيرة العربية فيجبون منهم الإتاوة ويبسطون عليهم نفوذهم .

    ولم تجتمع هذه القبائل على رجل قبل كليب إلا على رجلين هما :عامر العدواني و ربيعة بن الحارث أبو كليب .


    • عيَّن أبرهةُ الأميرَ زهير بن جناب عاملا له في نجد على قبيلتي تغلب بن وائل وبكر بن وائل .. فلما أجدبت على القبائل في إحدى السنوات ولم يتمكنوا من دفع الأتاوة عاقبهم زهير بن جناب ومنعهم النجعة فكادت مواشيهم أن تهلك فدخل عليه ابن زيابة وكان فاتكا على زهير وهو نائم فوضع السيف في بطنه حتى أخرجه من ظهره غير أنه لم يصب أعفاج بطنه فسلم زهير ولم يمت .. أعلن ابن زيابة أنه قتل زهيرا ففرحت القبائل بينما حمل بعض أتباع زهير جثة وهمية ليدفنوها وفي الحقيقة خرج زهير وأتباعه إلى أسياده في اليمن ..

    فجمع من قبائل كلب ومن انضم له من شذاذ الآفاق ومن أهل اليمن ثم غزا قبائل تغلب وبكر في معركة ( الحبي ) فانتصر عليهم وقتل الكثير وسبى النساء واستاق الأموال وأسر كليبا ومهلهلا ابنا ربيعة ..

    وفي ذلك قال زهير مفتخرا :

    تبا لتغلب أن تساق نساؤهم سوق الإماء إلى المواسم عطلا

    لحقت أوائل خيلنا سرعانهم حتى أسرن على الحبي مهلهلا

    إنا مهلهلَ لا تطيش رماحنا أيام تنقف في يديك الحنظلا

    ولتْ حماتك هاربين من الوغى وبقيت في حلق الحديد مكبلا

    فلئن قهرت فقد أسرتك عنوة ولئن قتلت لقد تكون مُرمَّلا


    وقال أيضا يعير بني تغلب :

    أين أين الفرار من حذر الموت إذ تتقون بالأسلاب

    إذ أسرنا مهلهلا وأخاه وابن عمرو في القيد وابن شهاب

    وسبينا من تغلب كل بيضاء رقود الضحى برود الرضاب

    يوم يدعو مهلهل يال بكر ها أهاذي حفيظة الأحساب

    واستدارت رحى المنايا عليهم بليوث من عامر وجناب

    طحنتهم أرحاؤها بطحون ذات ظفر حديدة الأنياب

    فهم بين هارب ليس يألو وقتيلٍ معفر في التراب


    ثم إن قبائل ربيعة أجمعت أمرها وأحكمت شأنها بقيادة ربيعة بن الحارث أبي كليب ، فهاجم زهير بن جناب وقبائل كلب ومذحج في موقعة ( السلان ) فهزموهم ومزقت القبائل اليمنية فاستقلت بعد ذلك معد زمنا تحت سيادة ربيعة بن الحارث والد كليب والمهلهل إلى أواخر القرن الخامس الميلاد .

    وفي وقعة السلان يقول كليب :

    أجبنا داعي مضر وسرنا إلى الأملاك بالقب العتاق

    عليها كل أبيض من نزار يساقي الموت كرها من يساقي

    أمامهم عقاب الموت تهوي هويّ الدار أسلمها العَراقي

    فأردينا الملوك بكلب عضب وطار هزيمهم حذر اللحاق

    كأنهم النعام غداة خافوا بذي السلان قارعة التلاقي

    فكم ملك أذقناه المنايا وآخر قد جلبناه في الوثاق


    إلا أنه في أواخر عهد ربيعة اشتدت شوكة زهير واسترد ما كان له من نفوذ على معد ، فضرب عليهم الجزية وأهانهم وأغلظ عليهم فسار إليه كليب في عهد أبيه على رأس جيش فهزمه بـ ( خزاز ) وفرق جمعه وكان زهير يومها قد أسن .

    بعدها اختلفت قبائل معد على الملك فكل منهم أراد أن يكون الملك من قبيلته فلما أختلفوا اتفقوا على أن يملكوا عليهم ملك كندة الحارث بن عمرو آكل المرار ، جد الشاعر المعروف أمرؤالقيس .
    فأجابهم إلى طلبهم وصار ملكا عليهم ثم وزع أبناءه الخمسة ملوكا عليهم :

    فكان حجر ملكا على أسد وغطفان وكنانة .
    وكان شرحبيل ملكا على بكر وحنظلة .
    وكان معديكرب المعروف بغلفاء على تغلب والنمر وسعد بن زيد مناة بن تميم .
    وكان سلمة ملكا على نصف قبائل قيس . وعبدالله ملكا على النصف الآخر .
    وكان ابن عنق الحية عامل الخراج على تهامة ، ولبيد بن عنبسة الغساني عامل خراج على ربيعة ومضر في نجد .




    مغالطات :


    1- يتضح من ذلك أن تغلب منفصلة عن بكر فلكل منهم ملكا مستقلا ذلك يعني أنهم ليسوا أقارب من الدرجات القريبة بل هم بنو عمومة من بعيد جدا وليس كما ظهر في المسلسل التلفزيوني على أنهم بنو عمومة من درجة قريبة لدرجة أنهم ينزلون في نفس المنطقة . بل الصحيح أنهم ككل قبائل ربيعة في الدرجة من القربى ولم يكونوا في نفس المنطقة بل كانوا جميعا ينزلون نجدا لكن ليس في نفس المنطقة ... بل لعل منازلهك كانت متجاورة أو متقاربة لكنها ليست نفس المنطقة والله أعلم ..

    2- أن كليبا لم يصنع المجد كما ظهر في المسلسل بل إنه كان ورث المجد من والده البطل الشجاع ربيعة بن الحارث وتسيّد قبائل ربيعة بن نزار .

    3- يتضح من القصة الحقيقية أن المهلهل تعرض للهزيمة والأسر في عهد أبيه وهذا ما لم يتعرض له المسلسل . كما لم يتعرض للهزيمة القاسية على يد زهير وأنه أسر نساء تغلب .

    4- على المشهور والأرجح عند المؤرخين أن أبناء ربيعة كانوا خمسة وليس عشرة كما ظهر في المسلسل التلفزيوني فكاتب المسلسل كثر عددهم ليتيح لنفسه التوسع في الكتابة خاصة أنه أظهر أن البعض منهم كان يتاجر ويذهب إلى بلاد الهند والصين وهذا ما يخالف الحقيقة والمنطق فأقصى ما كان يعرفه العرب آنذاك هو الروم والفرس .. لكن مخيلة الكاتب جعلته يتوسع بما أساء للقصة الحقيقية وللقيم العربية الموجودة أنذاك ...


    زواج لبيد بالزهراء



    تزوج لبيد بن عنبسة عامل ملوك كندة الزهراء أخت كليب ، فطغى على ربيعة وثقلت وطأته عليهم فأنكرت زوجته الزهراء عليه صنعه في قبيلتها ربيعة ، فقال لها : ما بال اخيك كليب ينتصر لمضر ويتهدد الملوك كأنه يعز بغيرهم ؟ فقالت : ما أعرف أعز من كليب؟ وهو كفؤ لها ! فغضب لبيد ولطمها لطمة أعشت ( آلمت ) عينها ، فخرجت باكية إلى كليب وهي تقول :


    ما كنت أحسب والحوادث جمة أنّ عبيدُ الحي من قحطان

    حتى أتتني من لبيد لطمة فعشت لها من وقعها العينان

    إن ترض أسرة تغلب إبنة وائل تلك الدنية أو بنو شيبان

    لا يبرحوا الدهر الطويل أذلةً هُدْلَ الأعنة عند كل رهان




    فلما سمع كليب قولها ورأى ما بها من أثر اللطمة ثارت به حميته فهجم على قوم لبيد وقتل لبيدا ثم قال :


    إن يكن قتلنا الملوك خَطَاءً أو صوابا فقد قتلنا لبيدا

    وجعلنا مع الملوك ملوكا بجيادٍ جُرْدٍ تَفُلُّ الحديدا

    إن تلمني عجائز من نزارٍ فأُراني فيما فعلتُ مُجيدا



    فخرج أخو لبيد يخبر ابن عنق الحية بقتل أخيه فأبلغ ذلك إلى سلمة بن الحارث ملك قيس فبلغه إلى ملوك كندة وحِمْير باليمن فجهزوا جيشا كبيرا وسيروه إلى ديار ربيعة .

    ووصل الخبر إلى كليب فحث قومه فأجابته القبائل من ربيعة ومضر وإياد وطيئ وقضاعة فعقد الألوية وتقدمهم كليب وكانت قبائل اليمن نزلت خزاز وعليهم عشرة من أقيال حِمْير فلما علم كليب ذلك حض قومه على الثبات ثم جعل على كل قبيلة قائدا فقدم الأحوص بن جعفر على مضر ومرة بن ذهل أبا جساس على ذهل وشيبان ، وذهل بن حارثة على ربيعة ، وطرفة بن العبد على قيس وجعل على مقدمته السفاح التغلبي وأمره أن يعلو خزازي فيوقد النار ليهتدي بها الجيش وقال له إن غشيك العدو فأوقد نارين .

    وصلت طلائع اليمن إلى ماء الذنائب فسار إليهم كليب بجموعه فقتلهم عن آخرهم ثم اتجه نحو خزاز فأوقد لهم السفاح النار فهجمت عليه قبائل مذحج فرفع السفاح نارا أخرى فأقبل كليب في جموع ربيعة إليهم فصبحهم فانتصر كليب بنزار على جموع اليمن نصرا مؤزرا ، فقال كليب :


    لقد عرفت قحطان صبري ونجدتي غداة خزازي والحقوق دوان

    غداة شفيت النفس من ذل حمير وأورثتها ذلا بصدق طعاني

    ووائل قد جذت مقاديم يعرب فصدقها في صحوها الثقلان


    ولما انتصر كليب على اليمن في هذه الوقعة اجتمعت عليه معد كلها وجعلوا له قسم الملك وتاجه وتحيته وطاعته .. ثم بعد زمن طغى على قومه حتى بلغ من بغيه أنه كان يحمي مواقع السحاب فلا يرعى حماه وكان له جرو كلب فإذا نزل بمكان فيه كلأ قذف بذلك الجرو فيه فلا يرعى أحد ذلك امتداد عوائه وكان يجير على الدهر ولا توقد نار مع ناره حتى قالت العرب : أعز من كليب وائل .

    وكان قد حمى مكانا لا يطأه إنسان ولا بهيمة فدخل فيه يوما فطارت قنبرة بين يديه عن بيضها فقال لها :

    يا لك من قنبرة بمعمري لا ترهبي خوفا ولا تستنكري

    قد ذهب الصياد عنك فابشري ورفع الفخ فماذا تحذري

    خلا لك الجو فبيضي واصفري ونقري ما شئت أن تنقري

    فأنت جاري من صروف الحذر إلى بلوغ يومك المقدر


    وكان كليب قد تزوج جليلة بنت مرة وكان لها عشرة إخوة أكبرهم همام وأصغرهم جساس .

    وكان بنو جشم وبنو شيبان قد نزلوا في منزل واحد بتهامة .

    فجاءت خالة لجساس تسمى البسوس بنت منقذ التميمية حتى نزلت في جوار جساس وكانت لها ناقة يقال لها سراب وقيل إن الناقة لم تكن كانت لرجل من جرم كان جارا للبسوس .

    وكان كليب يتفقد إبله يوما وواجه في المرعى جساسا فتحدثا معا ثم إن كليبا رأى الناقة سراب فأنكرها فقال له جساس هذه ناقة جارنا الجرمي .

    فقال كليب : لا تعد هذه الناقة إلى هذا الحمى ! لئن عادت لأضعن سهمي في ضرعها .

    فقال جساس : لئن فعلت ذلك لأضعن سنان رمحي في صلبك ! ثم افترقا ..




    • مغالطات:


    1
    - في المسلسل التلفزيوني أظهروا الأبطال كليبا والمهلهل وجساسا بصورة تسيئ لهم ولنا نحن العرب ، فكيف يكون فرسان العرب خصيا ومهرجا ومجنونا ، وهل يقبل العقل أن فرسان العرب الشجعان يكونون بهذه الصورة ..
    2- لم تكن المعركة بسبب الجليلة كما ذكر المسلسل حيث أراد خطبتها التبع اليمني رغما عن أهلها بل كانت المعركة بسبب قتل كليب للبيد لكن مؤلف المسلسل اخترع قصتين بدلا من قصة واحدة حقيقية ، لكن المؤلف استعار قصة كسرى مع هند بنت النعمان حينما طلبها بالقوة كزوجة رغما عن أهلها فأبى العرب ذلك وحدثت معركة ذي قار الشهيرة والتي شارك بها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم صغيرا ..
    3- يتضح من توزيع كليب للقيادات على كتائب الجيش أن كليبا كان قائدا عاما من قبل أن يعين ملكا كما يتضح البعد النسبي بين ربيعة وبكر فنرى أن كليبا يعين مرة بن ذهل قائدا لبكر بينما ذهل بن حارثة على ربيعة وليس كما صور المسلسل أن عائلة كليب وعائلة مرة قريبين نسبا جدا لدرجة أنه يسميه: عم .
    4- لم يثبت في القصة الحقيقية أن كليبا دخل قصر التبع اليماني ولا قتله بل المعركة تمت عند خزازي والذنائب والذين قتلوا هم قادة الجيش اليمني وليس الملك اليمني .
    5- لا يقبل العرب ولا نقبل نحن أيضا أن يجعل المؤلف العرب وعلى رأسهم أبي الجليلة مرة بن ذهل بتسليم سليلة الكرامة كسبية إلى ملك اليمن ولنا سابقة أخرى مع كسرى ومعركة ذي قار فنحن العرب لا نقبل مذلة تمس كرامة نسائنا أبدا فكيف تلاعب هذا المؤلف بكرامتنا ونحن نشاهد ..
    نعم زور المؤلف القصة وكذب بها ولن يجد مرجعا واحدا موثوقا به يؤكد ما كتبه كذبا وتلفيقا
    6- جساس كان أصغر أبناء مرة ولم يكن الإبن الثاني بعد همام كما ظهر في المسلسل .
    7- يوجد خلاف تاريخي حول الناقة سراب وهل هي للبسوس أم لجارها الجرمي بينما جزم في المسلسل أنها للبسوس مع أن المرجح أنها للجرمي .
    8- ظهر في المسلسل أن ثمة علاقة غرامية كانت بين الزير سالم والجليلة وأن هذا الحب استمر حتى بعد زواجها من كليب أخيه وإن لم يكن ظاهرا بل أبدى المؤلف أن كليبا كان يعلم بذلك وغضب منه ، بل وصرح بمعرفة إخوانها همام وجساس بذلك ! ... وهذا ليس صحيحا ولا يوافق ذلك الحقيقة التاريخية ولا منطق الأشياء .. فلا يعقل أن العرب الذين يحرصون على الأعراض والكرامة خاصة مثل أسرة مرة بن ذهل فهل يعقل أن إبنته تعشق على العيان رجلا وتتزوج بأخيه وتستمر على عشقها للأول ، وهل يقبل همام وجساس بذلك ولا يحركون ساكنا !!



    مقتل كليب

    خرج كليب يوما إلى الحمى فرأى بيض القنبرة قد وطئته سراب فكسرته فغضب وجعل يقول :
    يا طيرة بين نبات أخضر جاءت عليها ناقة بمنكر

    إنك في حمى كليب الأزهر حميته من مذحج وحِمْيَر

    فكيف لا أمنعه من معشري


    وأمر غلامه فرمى ضرعها بسهم فخرقه وعقر فصيلها ثم طرد إبل جساس عن مياه شُبَيْث و الأحص حتى أخذ منها العطش .
    وقال كليب :


    سيعلم آل مرة حيث كانوا بأن حماي ليس بمستباح

    وأنّ لقوح جارهم ستغدو على الأبيات غدوة لا بَراح

    وظنوا أني بالحنث أولى وأني كنت أولى بالنجاح

    إذا عطفت سراب بفرسنيها تبينتِ المراضُ من الصحاح

    بني ذهل بن شيبان خذوها فما في ضربتيها من جناح


    ونفرت سراب من وقع السهم ولها عجيج حتى بركت بفناء دار البسوس وضرعها يشخب دما ولبنا فلما رأى الجرمي ما حل بناقته صرخ واذلاه !!

    فخرجت البسوس إليه فلما رأت ما بناقته نزعت خمارها وصكت وجهها ووضعت يدها على رأسها

    وصرخت : واذلاه ! وا ذلّ جاراه ! والجرمي يدعو بالويل .

    فقال لها جساس : أسكتي فلك بناقتك ناقة أعظم منها ! فأبت .. فزادها عشرا .

    فلما كان الليل رفعت صوتها لتسمع جساسا وهي تخاطب جارها سعدا الجرمي صاحب الناقة

    تقول :

    أيا سعدُ لا تغرر بنفسك وارتحل فإنك في قوم عن الجار أموات

    ودونك أذوادي إليك فإنني محاذرة أن يغدروا ببنياتي

    لعمري لو أصبحت في دار منقذٍ لما ضيم سعدُ وهو جار لأبياتي

    ولكنني أصبحت في دار غربة متى يعدُ فيها الذئب يعدُ على شاتي


    فلما سمع جساس صوتها سكّنها وقال لها :

    اسكتي ولا تراعي

    وسكّن الجرمي وقال لهما والله لأعقرن جملا عظيما غدا هو أعظم عقرا من ناقتك .

    فبلغ كليبا قوله وظن أنه يريد عقر ( عليار ) وهو فحل كريم ليس مثله في زمنه ..

    فقال كليب : هيهات دون عقره خرط القتاد في الليلة الطخياء .. وإنما أراد جساس بمقالته كليبا .

    وكان المهلهل بعد أن شهد مع أخيه كليب حروبه وبرزت شجاعته وفروسيته ، ثم ركن إلى عيشة الترف والاستهتار ومعاقرة الخمر مع صديقه همام بن مرة وكان يعبث مع النساء ويغازلهن ..

    فلما أحس المهلهل بعمق الخلاف بين كليب وجساس أراد أن يلطف من حدة كليب لكن كليبا غضب منه وقال له : إنما أنت زير نساء .. والله لئن قُتِلتُ ما أخذت َ بدمي الا اللبن ؟


    الزير : هو من يجالس النساء ويحادثهن كثيرا وليس المقصود به من يكثر المعاشرة للنساء كما هو متبادر للذهن .
    يجدر بالذكر أن سالما ليس اسما للمهلهل ولم أجد له ذكرا في أمهات الكتب أو الشعر المتداول لكن لعله صفة أطلقت عليه لأنه سلم اكثر من مرة من موت محقق .. والله أعلم .


    فلما قال كليب للمهلهل : إنك زير نساء ..
    أجابه المهلهل شعرا :

    أخٌ وحريمٌ سيئٌ إنْ قطعته وسنة عزم هدمها لك هادمُ

    وقفتُ على ثنتين إحداهما دمٌ وأخرى بها منا تُحَزُّ منها الغلاصمُ

    فما أنت إلا بين هاتين غائص وكلتاهما بحرٌ وذو الغي نادمُ

    فمنقصةٌ في هذه ومذلةٌ وشرٌ شِمِرٌّ بينكم متفاقمُ

    وكل حميم أو أخٍ ذي قرابة لك اليوم حتى آخر الدهر لائم

    فأخِّرْ فإن الشر يحسنُ آخرا وقَدِّمْ فإن الحُرّ للغيظ كاظمُ


    طرد كليب إبل آل مرة من كل غدران المياه ( شبيث والأحص والذنائب )

    كان كليب لوحده يسير قرب الذنائب فمر به جساس ومعه صاحبه وابن عمه عمرو بن الحارث بن ذهل بن شيبان برمحه فدخلا على كليب الحِمى وهو لوحده منفردا ...

    فقال له جساس : أَطردتَ أهلنا عن المياه حتى كدت تقتلهم عطشا؟!

    فقال كليب : ما منعناهم من ماء إلا ونحن له شاغلون ..

    فضربه جساس بالرمح فأرداه وبه رمق فقال له :

    أغثني يا جساس منك بشربة تَعَوّدها فضلا علي وأنعما


    فرفض جساس أن يسقيه وقال له تجاوزت الأحص وشبيثا يعني موارد المياه .

    ثم نزل له عمرو بن الحارث فظنه كليب أنه يريد أن يسقيه ، فلما علم أنه يريد أن يجهز عليه ..

    قال كليب :

    المستجير بعمرو عند كربته كالمستجير من الرمضاء بالنار

    فطعنه فقصم صلبه ثم أجهزا عليه ..

    وهذا ما عناه المهلهل :

    قتيلٌ ما قتيلُ المرء عمروٍ وجساس بن مرة ذا ضرير

    هرب جساس إلى أبيه مرة وهو يركض فلما رآه أبوه بهذه الحالة قال :والله لقد جر جساس جريرة عظيمة .

    فقال جساس : قد قتلت كليبا !

    فقال مرة : إذن أسلمك بجريرتك ونريق دمك في صلاح العشيرة فلا أنا منك ولا أنت مني فوالله لبئس ما فعلت لوددت أنك وإخوانك متم قبل هذا !!

    فقال جساس :


    تأهب مثل أهبة ذي كفاح فإن الأمر جل عن التلاحي

    تعدت تغلب ظلما علينا بلا جرم يعد ولا جناح

    سوى كلب عوى في بطن قاعٍ ليمنع حمية القاع المباح

    صرفت إليه نحسا يوم سوء له كأس من الموت المتاح

    ذريني فقد طربت وحان مني طراد الخيل عارضة الرماح


    فاعترض قومه على مرة وخذلوه عما يريد فعله وغمس يده مع ابنه في عهد الحرب وأخذ يستعد لها قائلا :


    لئن تك قد جنيت علي حربا تغص الشيخَ بالماء القراح

    جمعت بها يديك على كليب فلا وان ولا رث السلاح

    ولكني على العلات أجري إلى الموت المذيق مع الصباح

    سألبس ثوبها وأذب عنها بأطراف العوالي والصفاح

    لعمري فما أبالي حين جُرَّتْ عليّ الحرب بالقدر المتاح

    فإني قد طربت وهاج شوقي طراد الخيل عارضة الرماح

    وأجمل من حياة الذل موت وبعض العار لا يمحوه ماح


    ثم ابتعد بنو بكر عن منازلهم عند ماء يقال له ( النهي ) وصاروا يتجهزون للحرب .. وهرب جساس على وجهه .

    وكان همام بن مرة قد آخى مهلهلا وصادقه وعاهده أن لا يكتم عنه شيئا .

    فبينما هما يتنادمان على شراب جاءت أمة فأسرّت إلى همام الخبر .

    فقال له مهلهل : ما قالت لك ؟

    فرفض همام أن يخبره .

    فذكره المهلهل العهد الذي بينهما ..

    فقال همام : تقول : إن أخي قتل أخاك !

    فقال المهلهل : باع أخيك أقصر من ذلك !

    فسكت ..

    وأقبلا على شرابهما .. وجعل مهلهل يشرب شرب الآمن وهمام يشرب شرب الخائف ..

    أكب المهلهل على الشرب وهو يقول :

    دعيني فما في اليوم مصحى لشاربٍ ولا في غدٍ ما أقرب اليوم من غد

    دعيني فإني في سمادير سكرةٍ بها جل همي واستبان تجلدي

    فإن يطلع الصبح المنير فإني سأغدو الهوينا غير وانٍ مُفرّد

    وأُصبِح بكرا غارة صيْلَميّةً ينال لظاها كل شيخ وأمرد


    فلما سكر المهلهل تسلل همام هاربا ولحق بقومه .

    وكان مقتل كليب في أواخر القرن الخامس للميلاد .


    عاد المهلهل إلى الحي في حالة سكر فراعه أن رأى قومه قد تملكهم الجزع فأخذوا يعقرون خيولهم ويكسرون سيوفهم ويقصفون رماحهم فوقف فيهم قائلا : ويحكم ما الذي دهاكم ؟!

    فأخبروه بما كان من قتل كليب .

    فقال : لقد ذهبتم شر مذهب !

    أتعقرون خيولكم حين احتجتم إليها؟ وتكسرون سلاحكم حين افتقرتم إليها ؟ فانتهوا عن ذلك !!

    ثم نهى النساء عن البكاء ..

    وقال : استبقين للبكاء عيونا تبكي إلى آخر الأبد !

    فظن قومه أن ذلك بدافع السكر .

    فقال منشدا وكان هذا أول شعر يقوله في هذه الحادثة :


    كنا نغار على العواتق أن ترى بالأمس خارجةً عن الأوطانِ

    فخرجن حين ثوى كليب حُسّرا مُسْتنقعاتٌ بعدهُ بهوانِ

    فترى الكواعب كالظباء عواطلا إذ حان مصرعه من الأكفانِ

    يخمشْن منْ أدم الوجوه حواسراً منْ بعده ويَعِدْنَ بالأزمانِ

    متسلياتٍ نكدهن وقد ورى أجوافهن بحرقةٍ ورواني

    ويقلنَ من للمستضيق إذا دعا أم من لخضب عوالي المرانِ

    كان الذخيرة للزمان فقد أتى فقدانه وأخلّ ركنَ مكاني

    يا لهف نفسي من زمان فاجعٍ ألقى علي بكلكلٍ وجِرانِ

    بمصيبةٍ لا تستقالُ جليلةٍ غلبت عزاء القوم والنسوانِ

    فابكين سيد قومه واندبنه شُدّت عليه قباطي الأكفانِ

    وابكين للأيتام لما أقحطوا وابكين عند تخاذل الجيرانِ

    وابكين مصرع جيدِهِ متزملا بدمائه فلذاك ما أبكاني

    فلا تركنّ به قبائل وائلٍ قتلى بكل قرارة ومكان ِ


    فأحضروا جثة كليب ودفنوها بالذنائب .

    الذنائب على يسار ولجة للمصعد إلى مكة ..

    وفي غداة دفن كليب وقف المهلهل على قبره يرثيه :

    أهاج غذاء عيني الإذكارُ هُدُوا فالدموع لها انجرارُ

    وصار الليل مشتملا علينا كأن الليل ليس له نهارُ

    وبتّ أراقب الجوزاء حتى تقارب من أوائلها انحدار

    أُصرفُ مقلتي في إثر قومٍ تباينت البلاد بهم فأغاروا

    وأبكي والنجوم مطلعاتٍ كأنْ لم يحوها عني البخارُ

    على من لو نعيتُ وكان حيا لقاد الخيل يحجبها الغبار

    دعوتك يا كليب فلم تجبني وكيف يجيبني البلد القفارُ

    أجبني يا كليب خلاك ذمٌ لقد فجعتْ بفارسها نزارُ

    سقاك الغيث إنك كنت غيثا ويسرا حينما يلتمس اليسار

    أبتْ عيناي بعدك أن تكفا كأن غضى القتاد لها شفار

    وإنك كنت تحلم عن رجال وتعفو عنهم ولك اقتدار

    كأني إذ نعى الناعي كليبا تطاير بين جنبي الشرارُ

    فدُرْتُ وقد عشى بصري عليه كما دارت بشاربها العقار

    سألت الحي أين دفنتموه فقالوا لي بسفح الحي دار

    فسرت إليه من بلدي حثيثا وطار النوم وامتنع القرار

    وحادتْ ناقتي عن ظل قبر ثوى فيه المكارم والفخار

    أتغدو يا كليب معي إذا ما جبان القوم أنجاه الفرار

    أتغدو يا كليب معي إذا ما حلوق القوم يشحذها الشفار

    أقول لتغلب والعز فيها أثيروها لذلكم انتصار

    خذ العهد الأكيد على عمري بتركي كل ما حوت الديار

    وهجري الغانيات وشرب كأسٍ ولبسي جبة لا تستعار

    ولست بخالعٍ درعي وسيفي إلى أن يخلع الليل النهارُ

    وإلا أن تبيد سراة بكرٍ فلا يبقى لها أبدا آثارُ


    وخرج إلى قبره أبكار الحي وذوات الخدور والعواتق من النساء فشقوا الجيوب وخمشوا الوجوه .

    وخرجت جليلة إلى بيت أبيها في حالة ولهٍ فشيعتها أخت كليب بقولها :

    رحلة المعتدي .. وفراق الشامت .. ويل غدا لآل مرة .. من الكرة بعد الكرة ..

    فقالت جليلة : وكيف تشمت الحرة بهتك سترها .. وترقب وترها !

    أسعد الله جد أختي ألا قلت : نفرة الحياء وخوف الإعتداء .

    ثم قالت :

    يا ابنة الأقوام إن لمتِ فلا تعجلي باللوم حتى تسألي

    فإذا أنتِ تبيّنتِ الذي يوجب اللوم فلومي واعذلي

    إن تكن أخت امرئ لِيمَتْ على جزع منها عليه فافعلي

    جلَّ عندي فعل جساس فيا حسرتي عما انجلى أو ينجلي

    فعل جساس على وجدي به قاصمٌ ظهري ومُدْنٍ أجَلي

    لو بعينٍ فقئَتْ عيني سوى أختها فانفقأتْ لم أحفِلِ

    تحمل العينُ أذى العينِ كما تحملُ الأمُّ أذى ما تفتلي

    يا قتيلا قوّض الدهر به سقف بيْتَيَّ جميعا من علِ

    هدم البيتَ الذي استحدثته وانثنى في هدْمِ بيتي الأول

    ورماني قتله من كثبٍ رمية المصمى به المستأصلِ

    يا نسائي دونكن اليوم قد خصني الدهر برُزْءٍ مُعْضلِ

    مسَّني قتلُ كليبٍ بلظى مِنْ ورائي ولظى مستقبلِ

    ليس مَنْ يبكي ليومين كمن إنما يبكي ليومٍ ينجلي

    يشتفي المُدركُ بالثَّأر وفي دركي ثأري ثكل المشكلِ

    ليته كان دما فاحتلبوا دِرَرا منه دمي مِنْ أكحلي

    إنّني قاتلةٌ مقتولةٌ ولَعَّل الله أن يرتاح لي

    عكف المهلهل حزينا باكيا على أخيه حينا من الدهر وقد أنشد في هذه الفترة الكثير من الشعر سأذكر بعضا منه :

    إن في الصدر من كليبٍ شجونا هاجساتٍ نكأْن منه الجراحا

    أنكرتني حليلتي إذ رأتني كاسف البال لا أطيق المزاحا

    بئس من عاش في الحياة شقيا كاسف اللون هائما ملتاحا

    يا خليلي ناديا لي كليبا واعلما أنه ملاقٍ كفاحا

    يا خليلي ناديا لي كليبا ثم قولا له نعمت صباحا

    يا خليلي نادبا لي كليبا قبل أن تبصر العيون الصباحا

    لم ير الناس مثلنا يوم سرنا نسلب المُلكَ غدوة ورواحا

    ويح أمي وويحها لقتيلٍ من بني تغلب وويحا وواحا

    يا قتيلا نماه فرعٌ كريم ٌ فَقْده قد أشاب مني المساحا

    كيف أسلو عن البكاء وقومي قد تفانوا فكيف أرجو الفلاحا

    وقال أيضا :


    مَنْ مُبلغ بكرا وآلَ أبيهم عني مغلغلة الروي الأقعسِ

    وقصيدة شعواء باقٍ نارها تبلى الجبال وإثرها لم يطمسِ

    أكليبُ إن النار بعدك أخمدتْ ونسيتُ بعدك طيبات المجلسِ

    أكليب من يحمي العشيرة كلها أو من يكر على الخميس الأشوس


    من للأرامل واليتامى والحمى والسيف والرمح الدقيق الأملسِ

    إن القبائل أضرمت على جمعنا يوم الذنائب حرّ موتٍ أحمسِ

    فالإنس قد ذلّت لنا وتقاصرتْ والجن من وقع الحديد الملبسِ


    وقال أيضا :

    نُبئتُ أن النار بعدك أرقدتْ واستب بعدك يا كليب المجلسُ

    وتكلموا في أمر كل عظيمة لو كنت شاهد أمرهم لم ينبسوا

    وإذا تشاء رأيت وجها واضحا وذراع باكية عليها برنسُ

    تبكي عليك ولست لائم حرةٍ تأسى عليك بعبرة وتنفسُ

    أَبني ربيعة من يقوم مقامه أم من يرد على الضريك ويحبسُ


    وقال في رائعة من روائع مرثياته :

    جارت بنو بكر ولم يعدلوا والمرء قد يعرف قصدَ الطريقْ

    حلّت ركاب البغي من وائلٍ في رهط جساس ثقال الوسوقْ

    يا أيها الجاني على قومه ما لم يكن كان له بالخليقْ

    جنايةً لم يدر ما كنهها جان ولم يضح لها بالمطيقْ

    إن ركوب البحر ما لم يكن ذا مصدر من تهلكات الغريق

    كمن تعدى بغيه قومه طار إلى رب اللواء الخفوقْ

    إلى رئيس الناس والمرتجى لعقدة الشد ورتق الفتوقْ

    من عرفتْ يوم خزازى له عليا معد عند جبذ الوثوقْ

    إذ أقبلت حمْيَر في جمعها ومذحج كالعارض المستحيقْ

    وجمه همدان لهم لجبة وراية تهوي هوي النوقْ

    فقلد الأمر بنو هاجر منهم رئيسا كالحسام العتيقْ

    فانفرجت عن وجهه مسفرا منبلجا مثل انبلاج الشروقْ

    قل لبني ذهل يردونه أو يصبروا للصيلم الخنفقيقْ

    أبلغ بني شيبان عنا فقد أضرمتم نيران حرب عقوق ْ

    أي امرئ ضرجتموا ثوبه بعانك من دمه كالخلوق

    سيد سادات إذا ضمهم معظم أمر يوم أزل وضيقْ

    لم يك كالسيد في قومه بل ملكٌ دينَ له بالحقوقْ

    تنفرج الظلماء عن وجهه كالليل ولى عن صديع أنيقْ

    إن نحن لم نثأر به فاشحذوا شفاركم منا لحز الحلوق

    ذبحا كذبح الشاة لا تتقي ذابحها إلا بشخب العروقْ

    سعاليا يحملن من تغلب فتيان صدقٍ كليوث الطريقْ

    ليس أخوكم تاركا وتره دون تقضي وتره بالمفيق


    ومما قاله باكيا راثيا :

    كل قتيل في كليب حُلامْ حتى ينال القتل آل همامْ


    وقال في مرثية أخرى :

    وقد قلت ولم أعدل كلاما غير ذي هزلِ

    ألا أبلغ بني بكرٍ رجالا من بني ذهلِ

    وأبلغ سالغا حلوى إلى قارعة النخل

    بدأتم قومكم بالغدر والعدوان والقتل

    قتلتم سيد الناس ومن ليس بذي مِثْلِ

    وقلتم كفؤه رِجْلَ وليس الرأس كالرِّجْلِ

    وليس الرجل الماجد مثل الرجل النذلِ

    فتى كان كألفٍ منْ ذوي الانعام والفضلِ

    لقد جئتم بها دهَماء كالحية في الجذل

    وقد جئتم بها شعواء شابت مفرق الطفلِ

    وقد كنتُ أخا لهوٍ فأصبحتُ أخا شُغْلٍ

    ألا يا عاذلي أقْصرْ لحاك الله من عذلِ

    فإنا تغلبَ الغلباءُ نعلو كل ذي فضلِ

    بما قدّم جساس لهم من سيئ الفِعلِ

    سأجزي رَهْطَ جساس كحذو النعل بالنعل


    ومن أروع ما قال راثيا بعد أن أعطى قراره النهائي بعدم الصلح :

    إنّ تحت الأحجار حزما وعزما وقتيلا من الأراقم كهلا

    قَتَلتْهُ ذهل فلستُ براضٍ أو تبيد الحيَّيْن قيسا وذهلا

    ويطير الحريق منا شرارا فينال الشرار بكرا وعجلا

    قد قتلنا به ولا ثأر فيه أو تعم السيوف شيبان قتلا

    ذهب الصلح أو تردوا كليبا أو تحلوا على الحكومة حلا

    ذهب الصلح أو تردوا كليبا أو أذيق الغداة شيبان ثكلا

    ذهب الصلح أو تردوا كليبا أو تنال الغداة هونا وذلا

    ذهب الصلح أو تردوا كليبا أو تذوقوا الوبال عَلاًّ ونهلاً

    ذهب الصلح أو تردوا كليبا أو تميلوا عن الحلائل عُزْلا

    أو أرى القتل قد تغاضى رجالا لم يميلوا عن السفاهة جهلا

    إنّ تحت الأحجار والترب منه لدفينا علا علاءً وجلاّ

    عزَّ والله يا كليبُ علينا أنْ ترى هامتي دِهانا وكحلا


    وقال أيضا راثيا كليبا بعد أن رفض وساطة من وجوه العرب سعت للصلح بين تغلب وبكر قبل نشوب

    الحرب بينهما وقد صاح بهم قائلا أنه لا صلح بتاتا :


    كليبُ لا خير في الدنيا ومن فيها إذ كنتَ خليتها فيمن يخليها

    كليبُ أي فتى عز ومكرمةٍ تحت السقائف إذ يعلوك سافيها

    نعى النعاة كليبا لي فقلت لهم مادت بنا الأرض أم زالت رواسيها

    ليت السماء على من تحتها وقعت وانشقت الأرض فانجابت بما فيها

    أضحت منازل بالسلان قد درست تبكي كليبا ولم تفزع أقاصيها

    الحزم والعزم كانا من طبائعه ما كل آلائه أحصيها

    القائد الخيل تردي في أسنتها إلا وقد خضبتها من أعاديها

    نرمي الرماح بأيدينا فنوردها بيضا ونصدرها حمرا أعاليها

    ياربّ يومٍ يكون الناس في رهجٍ به تراني على نفسي مكاويها

    مستقدما غصصا للحرب مقتحما نارا أهيجها حينا وأطفيها

    لا أصلح الله منا من يصالحكم حتى يصالح ذئب المعز راعيها




    مغالطات :


    1- اتضح مما ذكرناه سابقا بأن الناقة سرابا كانت للجرمي وليست للبسوس .

    2- وأن البسوس أشعلت نار الفتنة ..

    3- لست أدري من أين جاء المؤلف بأن زوجة همام هي أخت كليب والمهلهل ..؟! ولست أدري من أين جاء بشيبان وشيبون واخوانهم !

    4- سبب خروج المهلهل غضبا وليس طردا من كليب كان بسبب محاولته تلطيف الأجواء بين كليب وجساس وليس كما ظهر في المسلسل أنه كان بسبب عشق المهلهل لزوجة أخيه الجليلة الذي علم به كليب فيما بعد .

    5- جاء المؤلف بفكرة مجنونة وهي جلب حليب السباع للجليلة لتحمل بصبي وهذه ليس لها سند من الصحة بتاتا وإنما اخترعها لغرض الاثارة والاطالة الدرامية .

    6- يذكر أن جساسا رمى كليبا بالرمح لكن ابن عم جساس عمرا هو من أجهز عليه حينما طلب كليب منه ماء .. ولست أدري من أين جاء المؤلف بأن كليبا سار والرمح في ظهره حتى وصل جبلا كتب عليه أبيات شعر يحث المهلهل بها على الثأر له ..!

    7- هناك شخصية ديناميكية في المسلسل تلاعبت بالأحداث رغم أن لا وجود لها في الحقيقة هي شخصية جحدر الذي صنعه المؤلف ! و يجدر بالذكر أن هناك شخصية حقيقية في الأحداث الحقيقية اسمه جحدر بن ضبيعة لكنه لم يكن بالصورة التي خرجت بالمسلسل ولا تمت له بصلة فلم يكن أحمقا منبوذا بل كان فارسا شهما فهو قاتل الفارسين الكبيرين عمرو وعامر التغلبيين !!!

    8- في المسلسل عزا المؤلف أن اسم كليب هو وائل وأنه سمى نفسه كليبا بعد أن اتخذ جروا يحد بعوائه الحمي وذلك غير صحيح فقد وجدنا في الأشعار السابقة لملكه من يسميه كليبا وهي أشعار له وللمهلهل ولبعض بني تغلب .


    حرب البسوس

    ثم أخذ الحزن من المهلهل على أخيه شر مأخذ فجعل يبكي عليه ويندبه بالأشعار ويتوعد بني مرة ويتهددهم وظل على ذلك زمنا حتى داخل قومه اليأس منه.

    وقالوا لقد صدق كليب ما هو إلا زير نساء.

    وسخرت منه بكر وهمَّ بنو مرة بالعود إلى ديارهم فلما بلغ المهلهل ذلك ثارت حميته فشمر للحرب وجمع أطرافه ونادى بقومه للإستعداد لأخذ الثأر ثم جز شعره وقصر ثيابه وهجر لهوه وخمره وقمره .

    فاجتمع إليه وجوه العرب وأشرافهم فبعثهم إلى مرة بن ذهل فقالوا له :

    يا مرة لقد أتيتم أمرا عظيما بقتلكم كليبا بنابٍ من الإبل فقطعتم الرحم وانتهكتم الحرم بيننا وبينكم وقد كرهنا العجلة دون الإعذار إليكم ونحن نعرض عليكم إحدى خلال أربع لكم فيها مخرج ولنا فيها مقنع .

    ( يجدر بالذكر أن المهلهل وافق على ذلك تحت ضغط وجوه العرب وقد أضمر في نفسه شيئا )

    فقال مرة : ما هي ؟

    قالوا : إما أن تحيي لنا كليبا أو تدفع إلينا جساسانقتله به أو هماما فإنه كفء له أو تمكننا من نفسك فإن فيك وفاء من دمه .


    فقال مرة : أما إحيائي كليبا فهذا ما لا يكون وأما جساس فإنه غلام طعن طعنة على عجل ثم ركب رأسه فلا أدري أي البلاد قصد وأما همام فإنه أبو عشرة وأخو عشرة وعم عشرة كلهم فرسان قومه فلن ه إليّ فأدفعه إليكم ليقتل بجريرة غيره وأما أنا فهل هو إلا أن تجول الخيل جولة فأكون أول قتيل فيها ! فما أتعجل من الموت !! ولكن لكم عندي إحدى خصلتين : أما أحدهما فهؤلاء بني الباقين فعلقوا في عنق من شئتم نسعه وانطلقوا به إلى رحالكم فاذبحوه بصاحبكم ، وإلا فإني أدفع إليكم ألف ناقة سود الحدق حمر الوبر أقيم لكم بها كفيلا من بكر بن وائل .


    فغضب القوم وقالوا: لقد أسأت في الجواب ، أتسومنا اللبن من دم كليب ؟!!


    فلما بلغ المهلهل ما قاله مرة استعد للحرب وشمر عن ساعده فانضمت له قبائل النمر بن قاسط وغفيلة بن قاسط فكانوا يدا واحدة على بني شيبان ومن معهم .

    واعتزلت قبائل من بكر بن وائل وكرهوا مساعدة بني شيبان على قتال تغلب ، وأعظموا قتل جساس كليبا بناب من الإبل ، فظعنت لجيم عنهم وكفت يشكر عن نصرتهم وانقبض الحارث بن عباد في أهل بيته .


    ثم زحفت تغلب ومن معها بقيادة المهلهل على بني شيبان ومن معهم بقيادة الحارث بن مرة فكانت بينهم معارك في أيام معروفة بأسمائها فمنها :

    1- معركة يوم النهي عند ماء يقال له النهي كانت بنو شيبان نازلة عليه فانتصر المهلهل وأكثر القتل في شيبان غير أنه لم يصب من بني مرة أحد في ذلك اليوم .

    2- معركة الذنائب وهي أعظم معركة بينهم انتصرت بها تغلب وقتلت من بني بكر مقتلة عظيمة فقد قتل فيها شراحيل بن مرة والحارث بن مرة وعمرو بن مندوس بن شيبان وجميل بن مالك وعبدالله بن مالك وسعد بن ضبيعة وتميم بن قيس فهؤلاء رؤساء بكر المقتولين غير بقية القتلى من أشياعهم .

    3- معركة الواردات وانتصرت أيضا تغلب فيها واستحر القتل في بني بكر ، وكان من المقتولين فيها شعثم وعبدشمس ابنا معاوية بن عامر وسيار بن الحارث وفيه قتل همام بن مرة صديق المهلهل فمر به المهلهل مقتولا فقال له : والله ما قتل بعد كليب قتيل أعز علي فقدا منك ! وتالله لا تجتمع بكر بعدكما على خير أبدا !


    قاتل همام هو ناشرة وكان همام رباه وكفله – ولم يكن المهلهل قاتله كما ظهر في المسلسل – وكاد جساس أن يقتل في هذا اليوم لكنه سلم وفر هاربا إلى الشام .


    ومما قال المهلهل شعرا يُعيّر جساسا لهروبه :



    لو أن خيلي أدركتك وجدتهم مثل الليوث بستر غب عرين

    فلأوردن الخيل بطن أراكةٍ ولأقضين بفعل ذاك ديوني

    ولأقتلن جحاجحا من بكركم ولأبكين بها جفون عيونِ

    حتى تظل الحاملات مخافة من وقعنا يقذفن كل جنين




    4- معركة عنيزة : عند فلجة وانتصرت أيضا بها تغلب وقتل مقتلة كبيرة في بني بكر ...

    ثم جرت بعدها معارك كثيرة كلها فيما يرجح كان الانتصار فيها لتغلب بقيادة المهلهل .

    فلما أسرف المهلهل في القتل ولم يبال بأي قبيلة من قبائل بكر أوقع وكانت أكثر بكر لم تساعد بني شيبان لقتلهم كليبا وفي هذه الأثناء قتل جساس هاربا بالشام ، قتله أحد بني تغلب .

    فأرسل أبوه مرة إلى المهلهل يقول : إنك قد أدركت ثأرك بقتل جساس فاكفف عن الحرب ودع اللجاج والاسراف وأصلح ذات البين فهو أبقى للحيين وأنكى لعدوهم !

    فرفض المهلهل ..



    ومن أشعار المهلهل بعد انتصاراته على بكر وإسرافه بالقتل :



    أكثرتُ قتل بني بكرٍ بربهم حتى بكيتُ وما يبكي لهم أحدُ

    آليت بالله لا أرضى بقتلهم حتى أبهرج بكرا أينما وجدوا


    وقال :

    لو كنتُ قتّلتُ جنّ الخابلين كما قتّلتُ بكرا لأضحى الجنّ قد نفدا



    وقال في رائعة من روائعه :


    أليلتنا بذي حُسُمٍ أنيري إذا أنتِ انقضيت فلا تحوري

    فإن يكن بالذنائب طال ليلي فقد أبكي من الليل القصيرِ

    وأنقذني بياض الصبح منها لقد أُنْقذتُ من شر كبيرِ

    كواكب ليلة طالت وغمت فهذا الصبح راغمةً فغوري

    وتسألني بُدَيْلة عن أبيها ولم تعلم بُدَيْلة ما ضميري

    فلو نُبِشَ المقابر عن كليبٍ فيُخْبَرُ بالذنائب أيُّ زيرِ

    بيوم الشعثمين لقَرَّ عينا وكيف إياب من تحت القبورِ

    وإني قد تركت بواردات بجيرا بدمٍ مثل العبيرِ

    ينوء بصدره والرمح فيه ويخلجه خدبٌّ كالبعيرِ

    هتكت به بيوت بني عبادٍ وبعض القتل أشفى للصدورِ

    وهمام بن مرة قد تركنا عليه القشعمان من النسورِ

    على أنْ ليس عدلا من كليبٍ إذا طرد اليتيم عن الجزورِ

    على أنْ ليس عدلا من كليبٍ إذا رجف العضاهُ من الدبورِ

    على أنْ ليس عدلا من كليبٍ إذا ما ضيم جيران المجيرِ

    على أنْ ليس عدلا من كليبٍ إذا خيف المخوف من الثغورِ

    على أنْ ليس عدلا من كليبٍ غداة بلابل الأمر الكبيرِ

    على أنْ ليس عدلا من كليبٍ إذا برزت مخبأة الخدورِ

    على أنْ ليس عدلا من كليبٍ إذا علنت نجيات الأمورِ

    فداً لبني الشقيقة يوم جاءوا كأَسْدِ الغابِ لجّتْ في زئيرِ

    فلا وأبي جليلة ما أفأْنا من النعم المؤبل من بعير

    ولكنا نَهِكْنا القوم ضربا على الأثباج منهم والنحورِ

    قتيلٌ ما قتيلُ المرء عمرٍو وجساس بن مرة ذو ضريرِ

    تركنا الخيل عاكفة عليهم كأن الخيل تدحض في غديرِ

    كأنا غدّةً وبني أبينا بجنب عنيزة رحيا مديرِ

    فلولا الريح أسمع أهل حجرٍ صليل البيض تقرع بالذكورِ

    ومن قصيدة له أيضا :



    يا لبكرٍ أنشروا لي كليبا يا لبكرٍ أين أين الفرار

    يالبكرٍ إظعنوا ثم حلوا صرح الشر وباح السّرارُ

    سفِهتْ شيبان لما التقينا إنّ عودَ التغلبي نُضارُ

    وبنو عجلٍ تقول لقيسٍ ولتيمِ الله سيروا فساروا

    يا كليب الخير لستُ براضٍ دون روحٍ تراح منه الديارُ

    أو أغادر قتلى تقرُّ بعيني ويودي ما عنده المستعارُ

    إسألوا جهرة إيادا ولخما والحليفين حين سرنا وساروا

    إذا دلفناهم وبكرا جميعا فأسرنا سراتهم حين ثاروا

    وقتلنا قيس بن عيلان حتى أمعنوا في الفرار حيث الفرارُ




    ومما قاله يبكي كليبا ويذكر شأنه مع بكر :



    بات ليلي بالأنعمين طويلا أرقب النجم ساهرا لن يزولا

    كيف أمدي وما يزال قتيلٌ من بني وائلٍ ينادي قتيلا

    أزجر العين أن تبكي الطلولا إن في الصدر من كليب فليلا

    إن في الصدر حاجة لن تقضى ما دعا في الغصون داعٍ هديلا

    كيف أنساك يا كليب ولما أقض حزنا ينوبني وغليلا

    أيها القلب أنجز اليوم نحبا من بني الحصن إذ غدوا وذخولا

    كيف يبكي الطلول من هو رهن بطعان الأنام جيلا فجيلا

    انتضوا معجس القسي وابرقنا كما توعد الفحول الفحولا

    وصبرنا تحت البوارق حتى دكدكتْ فيهم السيوف طويلا

    لم يطيقوا أن ينزلوا ونزلنا وأخو الحرب من أطاق النزولا



    ومن أجود ما وصف به حروبه مع بكر :



    أثبتُّ مرة والسيوف شواهر وصرفت مقدمها إلى همامِ

    وبني لجيم قد وطئنا وطأة بالخيل خارجة عن الأوهامِ

    ورجعنا نجتني القنا في ضُمّرٍ مثل الذئاب سريعة الإقدامِ

    وسقيتُ تيم اللات كأسا مرة كالنار شب وقودها في ضرامِ

    ولقد قتلت الشعثمين ومالكا وابن المسور وابن ذات دوامِ

    ولقد خبطت بيوت يشكر خبطة أخوالنا وهم بنو الأعمامِ

    قتلوا كليبا ثم قالوا أرتعوا كذبوا ورب الحل والاحرامِ

    حتى تلف كتيبة بكتيبة ويحل أصرام على أصرامِ

    وتجول ربات الخدور حواسرا يمسحن عرض ذوائب الأيتامِ

    حتى نرى غررا تُجرّ وجُمّة وعظام رؤوس هُشّمت بعظامِ

    حتى يعض الشيخ من بعد حمية مما يرى جزعا على الإبهامِ

    ولقد تركنا الخيل في عرصاتها كالطير فوق معالم الأجرامِ

    من خيل تغلب عزة وتكرما مثل الليوث في ساحة الأنامِ

    المغالطات :




    1
    - أن المهلهل لم يقتل صاحبه هماما بل القاتل هو ناشرة ربيب همام .

    2- أن جساسا قتل في الشام هاربا في أثناء وجود المهلهل شابا ، وليس كما ظهر في المسلسل من أن المهلهل أصابته بكر وأنه لجأ عند احدى القبائل فاقدا الوعي بمساعدة الجليلة وأخته التي لا أساس لها التي سماها المؤلف ضباعا ، وأن جساسا صار ملكا وأذل تغلب ونساء تغلب وحرم عليهم استقبال الضيوف وايقاد النيران والطبخ وطردهم للبراري وسط حراسة مشددة، استذلهم وأهانهم كل ذلك ليس له أساس من الصحة ولا يثبت بدليل صحيح ذي مستند قوي .

    3- ولم تكن هناك بنتا لجساس زوجها للإبن المزعوم لكليب وأن جساسا استمر ملكا حتى أصبح عجوزا .. وأن رجال تغلب بقيادة امرئ القيس بن أبان وافقوا على الذل وقبلوا به .. كل ذلك كذب واستهتار بفروسية وشهامة العرب وغيرتهم ..

    4- استمر المهلهل يقتل البكريين أينما يجدهم دون رحمة أو رادع حتى قتل بجيرا الذي كان قتله سببا في إنكسار التغلبيين كما سيمر في الجزء القادم ..




    في الجزء القادم سنرى مقتل بجير بن عمرو بن عباد ومعركة تحلاق اللمم


    القصة الحقيقية للمهلهل ( الزير سالم )





    هو المهلهل بن ربيعة بن الحارث بن زهير بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب .
    واسمه أيضا أمرؤ القيس

    قال في أحد أشعاره يتكلم عن نفسه :
    يا امرأ القيس حان وقت الفراق

    وهناك خلاف بين المؤرخين حول تسميته : عدي

    أولاد ربيعة بن الحارث خمسة هم : كليب وعدي وامرؤالقيس وسلمة وعبدالله .

    وقد كان المهلهل من أصبح الناس وجها وأفصحهم لسانا وأشدهم بأسا وأشجعهم قلبا وأبرعهم فروسية رافق أخاه كليبا في معاركه وحروبه وتميز بالشجاعة والإقدام .



    سيادة ربيعة بن الحارث على قبائل ربيعة بن نزار :




    كانت قبائل ربيعة وقبائل مضر إبني نزار متفرقة في أنحاء الجزيرة العربية وكانت تنشب الحروب بينها بين الفينة والأخرى .. وكان التبع اليماني ملك اليمن يسيطر فعليا على شبه الجزيرة العربية فيجبون منهم الإتاوة ويبسطون عليهم نفوذهم .

    ولم تجتمع هذه القبائل على رجل قبل كليب إلا على رجلين هما :عامر العدواني و ربيعة بن الحارث أبو كليب .


    • عيَّن أبرهةُ الأميرَ زهير بن جناب عاملا له في نجد على قبيلتي تغلب بن وائل وبكر بن وائل .. فلما أجدبت على القبائل في إحدى السنوات ولم يتمكنوا من دفع الأتاوة عاقبهم زهير بن جناب ومنعهم النجعة فكادت مواشيهم أن تهلك فدخل عليه ابن زيابة وكان فاتكا على زهير وهو نائم فوضع السيف في بطنه حتى أخرجه من ظهره غير أنه لم يصب أعفاج بطنه فسلم زهير ولم يمت .. أعلن ابن زيابة أنه قتل زهيرا ففرحت القبائل بينما حمل بعض أتباع زهير جثة وهمية ليدفنوها وفي الحقيقة خرج زهير وأتباعه إلى أسياده في اليمن ..

    فجمع من قبائل كلب ومن انضم له من شذاذ الآفاق ومن أهل اليمن ثم غزا قبائل تغلب وبكر في معركة ( الحبي ) فانتصر عليهم وقتل الكثير وسبى النساء واستاق الأموال وأسر كليبا ومهلهلا ابنا ربيعة ..

    وفي ذلك قال زهير مفتخرا :

    تبا لتغلب أن تساق نساؤهم سوق الإماء إلى المواسم عطلا

    لحقت أوائل خيلنا سرعانهم حتى أسرن على الحبي مهلهلا

    إنا مهلهلَ لا تطيش رماحنا أيام تنقف في يديك الحنظلا

    ولتْ حماتك هاربين من الوغى وبقيت في حلق الحديد مكبلا

    فلئن قهرت فقد أسرتك عنوة ولئن قتلت لقد تكون مُرمَّلا


    وقال أيضا يعير بني تغلب :

    أين أين الفرار من حذر الموت إذ تتقون بالأسلاب

    إذ أسرنا مهلهلا وأخاه وابن عمرو في القيد وابن شهاب

    وسبينا من تغلب كل بيضاء رقود الضحى برود الرضاب

    يوم يدعو مهلهل يال بكر ها أهاذي حفيظة الأحساب

    واستدارت رحى المنايا عليهم بليوث من عامر وجناب

    طحنتهم أرحاؤها بطحون ذات ظفر حديدة الأنياب

    فهم بين هارب ليس يألو وقتيلٍ معفر في التراب


    ثم إن قبائل ربيعة أجمعت أمرها وأحكمت شأنها بقيادة ربيعة بن الحارث أبي كليب ، فهاجم زهير بن جناب وقبائل كلب ومذحج في موقعة ( السلان ) فهزموهم ومزقت القبائل اليمنية فاستقلت بعد ذلك معد زمنا تحت سيادة ربيعة بن الحارث والد كليب والمهلهل إلى أواخر القرن الخامس الميلاد .

    وفي وقعة السلان يقول كليب :

    أجبنا داعي مضر وسرنا إلى الأملاك بالقب العتاق

    عليها كل أبيض من نزار يساقي الموت كرها من يساقي

    أمامهم عقاب الموت تهوي هويّ الدار أسلمها العَراقي

    فأردينا الملوك بكلب عضب وطار هزيمهم حذر اللحاق

    كأنهم النعام غداة خافوا بذي السلان قارعة التلاقي

    فكم ملك أذقناه المنايا وآخر قد جلبناه في الوثاق


    إلا أنه في أواخر عهد ربيعة اشتدت شوكة زهير واسترد ما كان له من نفوذ على معد ، فضرب عليهم الجزية وأهانهم وأغلظ عليهم فسار إليه كليب في عهد أبيه على رأس جيش فهزمه بـ ( خزاز ) وفرق جمعه وكان زهير يومها قد أسن .

    بعدها اختلفت قبائل معد على الملك فكل منهم أراد أن يكون الملك من قبيلته فلما أختلفوا اتفقوا على أن يملكوا عليهم ملك كندة الحارث بن عمرو آكل المرار ، جد الشاعر المعروف أمرؤالقيس .
    فأجابهم إلى طلبهم وصار ملكا عليهم ثم وزع أبناءه الخمسة ملوكا عليهم :

    فكان حجر ملكا على أسد وغطفان وكنانة .
    وكان شرحبيل ملكا على بكر وحنظلة .
    وكان معديكرب المعروف بغلفاء على تغلب والنمر وسعد بن زيد مناة بن تميم .
    وكان سلمة ملكا على نصف قبائل قيس . وعبدالله ملكا على النصف الآخر .
    وكان ابن عنق الحية عامل الخراج على تهامة ، ولبيد بن عنبسة الغساني عامل خراج على ربيعة ومضر في نجد .




    مغالطات :


    1- يتضح من ذلك أن تغلب منفصلة عن بكر فلكل منهم ملكا مستقلا ذلك يعني أنهم ليسوا أقارب من الدرجات القريبة بل هم بنو عمومة من بعيد جدا وليس كما ظهر في المسلسل التلفزيوني على أنهم بنو عمومة من درجة قريبة لدرجة أنهم ينزلون في نفس المنطقة . بل الصحيح أنهم ككل قبائل ربيعة في الدرجة من القربى ولم يكونوا في نفس المنطقة بل كانوا جميعا ينزلون نجدا لكن ليس في نفس المنطقة ... بل لعل منازلهك كانت متجاورة أو متقاربة لكنها ليست نفس المنطقة والله أعلم ..

    2- أن كليبا لم يصنع المجد كما ظهر في المسلسل بل إنه كان ورث المجد من والده البطل الشجاع ربيعة بن الحارث وتسيّد قبائل ربيعة بن نزار .

    3- يتضح من القصة الحقيقية أن المهلهل تعرض للهزيمة والأسر في عهد أبيه وهذا ما لم يتعرض له المسلسل . كما لم يتعرض للهزيمة القاسية على يد زهير وأنه أسر نساء تغلب .

    4- على المشهور والأرجح عند المؤرخين أن أبناء ربيعة كانوا خمسة وليس عشرة كما ظهر في المسلسل التلفزيوني فكاتب المسلسل كثر عددهم ليتيح لنفسه التوسع في الكتابة خاصة أنه أظهر أن البعض منهم كان يتاجر ويذهب إلى بلاد الهند والصين وهذا ما يخالف الحقيقة والمنطق فأقصى ما كان يعرفه العرب آنذاك هو الروم والفرس .. لكن مخيلة الكاتب جعلته يتوسع بما أساء للقصة الحقيقية وللقيم العربية الموجودة أنذاك ...


    زواج لبيد بالزهراء



    تزوج لبيد بن عنبسة عامل ملوك كندة الزهراء أخت كليب ، فطغى على ربيعة وثقلت وطأته عليهم فأنكرت زوجته الزهراء عليه صنعه في قبيلتها ربيعة ، فقال لها : ما بال اخيك كليب ينتصر لمضر ويتهدد الملوك كأنه يعز بغيرهم ؟ فقالت : ما أعرف أعز من كليب؟ وهو كفؤ لها ! فغضب لبيد ولطمها لطمة أعشت ( آلمت ) عينها ، فخرجت باكية إلى كليب وهي تقول :


    ما كنت أحسب والحوادث جمة أنّ عبيدُ الحي من قحطان

    حتى أتتني من لبيد لطمة فعشت لها من وقعها العينان

    إن ترض أسرة تغلب إبنة وائل تلك الدنية أو بنو شيبان

    لا يبرحوا الدهر الطويل أذلةً هُدْلَ الأعنة عند كل رهان




    فلما سمع كليب قولها ورأى ما بها من أثر اللطمة ثارت به حميته فهجم على قوم لبيد وقتل لبيدا ثم قال :


    إن يكن قتلنا الملوك خَطَاءً أو صوابا فقد قتلنا لبيدا

    وجعلنا مع الملوك ملوكا بجيادٍ جُرْدٍ تَفُلُّ الحديدا

    إن تلمني عجائز من نزارٍ فأُراني فيما فعلتُ مُجيدا



    فخرج أخو لبيد يخبر ابن عنق الحية بقتل أخيه فأبلغ ذلك إلى سلمة بن الحارث ملك قيس فبلغه إلى ملوك كندة وحِمْير باليمن فجهزوا جيشا كبيرا وسيروه إلى ديار ربيعة .

    ووصل الخبر إلى كليب فحث قومه فأجابته القبائل من ربيعة ومضر وإياد وطيئ وقضاعة فعقد الألوية وتقدمهم كليب وكانت قبائل اليمن نزلت خزاز وعليهم عشرة من أقيال حِمْير فلما علم كليب ذلك حض قومه على الثبات ثم جعل على كل قبيلة قائدا فقدم الأحوص بن جعفر على مضر ومرة بن ذهل أبا جساس على ذهل وشيبان ، وذهل بن حارثة على ربيعة ، وطرفة بن العبد على قيس وجعل على مقدمته السفاح التغلبي وأمره أن يعلو خزازي فيوقد النار ليهتدي بها الجيش وقال له إن غشيك العدو فأوقد نارين .

    وصلت طلائع اليمن إلى ماء الذنائب فسار إليهم كليب بجموعه فقتلهم عن آخرهم ثم اتجه نحو خزاز فأوقد لهم السفاح النار فهجمت عليه قبائل مذحج فرفع السفاح نارا أخرى فأقبل كليب في جموع ربيعة إليهم فصبحهم فانتصر كليب بنزار على جموع اليمن نصرا مؤزرا ، فقال كليب :


    لقد عرفت قحطان صبري ونجدتي غداة خزازي والحقوق دوان

    غداة شفيت النفس من ذل حمير وأورثتها ذلا بصدق طعاني

    ووائل قد جذت مقاديم يعرب فصدقها في صحوها الثقلان


    ولما انتصر كليب على اليمن في هذه الوقعة اجتمعت عليه معد كلها وجعلوا له قسم الملك وتاجه وتحيته وطاعته .. ثم بعد زمن طغى على قومه حتى بلغ من بغيه أنه كان يحمي مواقع السحاب فلا يرعى حماه وكان له جرو كلب فإذا نزل بمكان فيه كلأ قذف بذلك الجرو فيه فلا يرعى أحد ذلك امتداد عوائه وكان يجير على الدهر ولا توقد نار مع ناره حتى قالت العرب : أعز من كليب وائل .

    وكان قد حمى مكانا لا يطأه إنسان ولا بهيمة فدخل فيه يوما فطارت قنبرة بين يديه عن بيضها فقال لها :

    يا لك من قنبرة بمعمري لا ترهبي خوفا ولا تستنكري

    قد ذهب الصياد عنك فابشري ورفع الفخ فماذا تحذري

    خلا لك الجو فبيضي واصفري ونقري ما شئت أن تنقري

    فأنت جاري من صروف الحذر إلى بلوغ يومك المقدر


    وكان كليب قد تزوج جليلة بنت مرة وكان لها عشرة إخوة أكبرهم همام وأصغرهم جساس .

    وكان بنو جشم وبنو شيبان قد نزلوا في منزل واحد بتهامة .

    فجاءت خالة لجساس تسمى البسوس بنت منقذ التميمية حتى نزلت في جوار جساس وكانت لها ناقة يقال لها سراب وقيل إن الناقة لم تكن كانت لرجل من جرم كان جارا للبسوس .

    وكان كليب يتفقد إبله يوما وواجه في المرعى جساسا فتحدثا معا ثم إن كليبا رأى الناقة سراب فأنكرها فقال له جساس هذه ناقة جارنا الجرمي .

    فقال كليب : لا تعد هذه الناقة إلى هذا الحمى ! لئن عادت لأضعن سهمي في ضرعها .

    فقال جساس : لئن فعلت ذلك لأضعن سنان رمحي في صلبك ! ثم افترقا ..




    • مغالطات:


    1
    - في المسلسل التلفزيوني أظهروا الأبطال كليبا والمهلهل وجساسا بصورة تسيئ لهم ولنا نحن العرب ، فكيف يكون فرسان العرب خصيا ومهرجا ومجنونا ، وهل يقبل العقل أن فرسان العرب الشجعان يكونون بهذه الصورة ..
    2- لم تكن المعركة بسبب الجليلة كما ذكر المسلسل حيث أراد خطبتها التبع اليمني رغما عن أهلها بل كانت المعركة بسبب قتل كليب للبيد لكن مؤلف المسلسل اخترع قصتين بدلا من قصة واحدة حقيقية ، لكن المؤلف استعار قصة كسرى مع هند بنت النعمان حينما طلبها بالقوة كزوجة رغما عن أهلها فأبى العرب ذلك وحدثت معركة ذي قار الشهيرة والتي شارك بها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم صغيرا ..
    3- يتضح من توزيع كليب للقيادات على كتائب الجيش أن كليبا كان قائدا عاما من قبل أن يعين ملكا كما يتضح البعد النسبي بين ربيعة وبكر فنرى أن كليبا يعين مرة بن ذهل قائدا لبكر بينما ذهل بن حارثة على ربيعة وليس كما صور المسلسل أن عائلة كليب وعائلة مرة قريبين نسبا جدا لدرجة أنه يسميه: عم .
    4- لم يثبت في القصة الحقيقية أن كليبا دخل قصر التبع اليماني ولا قتله بل المعركة تمت عند خزازي والذنائب والذين قتلوا هم قادة الجيش اليمني وليس الملك اليمني .
    5- لا يقبل العرب ولا نقبل نحن أيضا أن يجعل المؤلف العرب وعلى رأسهم أبي الجليلة مرة بن ذهل بتسليم سليلة الكرامة كسبية إلى ملك اليمن ولنا سابقة أخرى مع كسرى ومعركة ذي قار فنحن العرب لا نقبل مذلة تمس كرامة نسائنا أبدا فكيف تلاعب هذا المؤلف بكرامتنا ونحن نشاهد ..
    نعم زور المؤلف القصة وكذب بها ولن يجد مرجعا واحدا موثوقا به يؤكد ما كتبه كذبا وتلفيقا !
    6- جساس كان أصغر أبناء مرة ولم يكن الإبن الثاني بعد همام كما ظهر في المسلسل .
    7- يوجد خلاف تاريخي حول الناقة سراب وهل هي للبسوس أم لجارها الجرمي بينما جزم في المسلسل أنها للبسوس مع أن المرجح أنها للجرمي .
    8- ظهر في المسلسل أن ثمة علاقة غرامية كانت بين الزير سالم والجليلة وأن هذا الحب استمر حتى بعد زواجها من كليب أخيه وإن لم يكن ظاهرا بل أبدى المؤلف أن كليبا كان يعلم بذلك وغضب منه ، بل وصرح بمعرفة إخوانها همام وجساس بذلك ! ... وهذا ليس صحيحا ولا يوافق ذلك الحقيقة التاريخية ولا منطق الأشياء .. فلا يعقل أن العرب الذين يحرصون على الأعراض والكرامة خاصة مثل أسرة مرة بن ذهل فهل يعقل أن إبنته تعشق على العيان رجلا وتتزوج بأخيه وتستمر على عشقها للأول ، وهل يقبل همام وجساس بذلك ولا يحركون ساكنا !!
    مقتل جبير ووقعة قِضّة :
    دخول الحارث بن عباد الحرب :
    بعد مقتل جساس وإسراف المهلهل بالقتل ذهب رؤساء بكر إلى الحارث بن عباد وكان معتزلا تلك الحروب قائلا : لا ناقة لي فيها ولا جمل

    فقالوا له : أدرك قومك فقد تفانوا !

    فأرسل بجيرا ابن أخيه عمرو بن عباد إلى المهلهل وقال للرسول معه قل للمهلهل :

    إن الحارث يقول لك : إنك قد أسرفت في القتل وأدركت ثأرك سوى ما قتلت من بكر وقد أرسلت إليك ابن أخي فإما قتلته بأخيك وأصلحت بين الحيين وإما أطلقته وأصلحت ذات البين ، فقد مضى من الحيين في هذه الحروب من كان بقاؤه خيرا لنا ولكم .

    فلما حضر الغلام بجير إلى المهلهل وأبلغه الرسالة نظر إليه المهلهل وشرع فيه الرمح فنهاه أمرؤالقيس بن أبان التغلبي فلم ينته وطعنه بالرمح وقال : بؤ بشسع نعل كليب !

    فقال الغلام :إن رضيت بنو بكر رضيت !

    وفي هذه الرواية يمتدح المؤرخون والنقاد عقل وحكمة وفطنة امرئ القيس بن أبان .. حيث نهى
    المهلهل عن قتله وقال له : لا تفعل فوالله لئن قتلته ليقتلن به منكم كبش لا يسأل عن خاله من هو وإياك أن تحقر البغي والظلم فإن عاقبتهما وبئة ... وقد اعتزلنا عمه وأبوه وأهل بيته واعتزلوا قومهم وتركوا القتال مع بكر بن وائل .. فخل عنه وأطعني .. لكن المهلهل لم يطعه وقتله حسب هذه الرواية !

    وهذه إحدى روايتين عن قتل بجير ..

    أما الرواية الثانية وربما هي الأصح :

    أن قاتل بجير ليس المهلهل وإنما هو أمرؤالقيس بن أبان صاحب المهلهل لكن الأمر اختلط على الرواة لأن المهلهل اسمه الحقيقي أمرؤالقيس ..


    وقصة قتله أيضا فيها روايتان فإحداهما تقول أن المهلهل وامرأ القيس بن أبان صادفا بجيرا في الطريق فقتله أمرؤالقيس ..


    والقصة الثانية هي كما رويناها أعلى لكن ما حدث كالتالي :

    أن بعد أن عرض بجير طلب عمه الحارث بن عباد بحضرة رؤساء تغلب يتقدمهم المهلهل وابن أبان غضبت تغلب كلها فرد عليه المهلهل : بل بشسع نعل كليب !

    وثار عليه امرؤالقيس بن أبان فعاجله بطعنة قاتلة ..
    فإذاً القاتل هو أمرؤالقيس بن ابان وليس المهلهل ..ويسند هذا الرأي قول الحارث بن عباد نفسه في قصيدته المشهورة
    طلّ من طل في الحروب ولم يطلل بجيرٌ أبانه ابن أبانِ


    فهذا تصريح واضح من ابن عباد أن قاتل بجير هو ابن أبان وليس المهلهل ويسند ذلك أيضا ما سيأتي لاحقا أن ابن عباد كان يبحث في المعركة عن ابن أبان وليس المهلهل وبالفعل قتل الحارث بن عباد امرأ القيس بن أبان ولم يقتل المهلهل أو أحد إخوة المهلهل !!



    فلما بلغ خبر مقتل بجير إلى عمه الحارث بن عباد .. قال الحارث : نعم الغلام قتيل أصلح بين ابني وائل وباء بكليب ..

    فقيل له : إن مهلهلا قال له : بؤ بشسع نعل كليب ؟!

    فغضب الحارث عند ذلك .. ولم يقبل به !

    وكان الحارث بن عباد من فرسان بني وائل المعدودين وكان من أحلم أهل زمانه وأشدهم بأسا وأقواهم بدنا ..

    لم يعجل الحارث بالحرب وأرسل إلى المهلهل : إن كنتم إنما قتلتم بجيرا بكليب وانقطعت الحرب بينكم وبين إخوانكم فإني راضٍ بذلك وطيبة به نفسي ليهدأ هذا الأمر !

    فأرسل إليه المهلهل : إنما قتلناه بشسع نعل كليب !

    فغضب الحارث بن عباد وقال لِأَمَةٍ له جديدة : ردي جمالك ! ألحقك الشر بأهلك ..فمن أناس ما أنت ( وذهبت مثلا عند العرب ) .

    ثم دعا بفرسه النعامة فجز ناصيتها وهلب ذنبها وكان هو أول من فعل ذلك بالخيل ..

    ثم قال قصيدته الرائعة : ( يجدر بالذكر أن بعض المحققين شكك بهذه القصيدة لما فيها من توليد لم يكن في العصر الجاهلي وربما يكون بعض الأبيات حقيقيا لكن أضيف لها فيما بعد أبيات أخر )

    قال :

    كل شيئ مصيره للزوالِ غير ربي وصالح الأعمالِ

    وترى الناس ينظرون جميعا ليس فيهم لذاك بعض احتيالِ

    قل لأم الأغر تبكي بجيرا حِيل بين الرجال والأموالِ

    ولعمري لأبكين بجيرا ما أتى الماء من رؤوس الجبالِ

    لهف نفسي على بجيرٍ إذا ما جالت الخيل يوم حرب عضالِ

    وسعت كل حرة الوجه تدعو يا لبكرٍ غراء كالتمثالِ

    يا بجير الخيرات لا صلح حتى نملأ البيد من رؤوس الرجالِ

    وتقر العيون بعد بكاها حين تسقي الدما رؤوس العوالي

    أصبحت وائل تعج من الحرب عجيج الجمال بالأثقالِ

    لم أكن من جناتها علم الله وإني بِحَرِّها اليوم صالي

    قد تجنبت وائلا كي يفيقوا فأبت تغلب عليّ اعتزالي

    وأشابوا ذؤابتي ببجيرٍ قتلوه ظلما بغير قتالِ

    قتلوه بشسع نعل كليبٍ إن قتل الكريم بالشسع غالِ

    يا بني تغلب خذوا الحذر إنا قد شربنا بكأس موتٍ زلالِ

    يا بني تغلب قتلتم قتيلا ما سمعنا بمثله في الخوالي

    قربا مربط النعامة مني لقحت حرب وائل عن حيالِ

    قربا مربط النعامة مني ليس قولي يراد لكن فعالي

    قربا مربط النعامة مني جدّ نوْح النساء بالإعوالِ

    قربا مربط النعامة مني شاب رأسي وأنكرتني الفوالي

    قربا مربط النعامة مني للسّرى والغدوّ والآصالِ

    قربا مربط النعامة مني طال ليلي على الليال الطوالِ

    قربا مربط النعامة مني لإعتناق الأبطال بالأبطالِ

    قربا مربط النعامة مني واعدلا عن مقالة الجهالِ

    قربا مربط النعامة مني ليس قلبي عن القتالِ بسالِ

    قربا مربط النعامة مني كلما هب ريح ذيل الشمالِ

    قربا مربط النعامة مني لبجيرٍ مفكك الأغلالِ

    قربا مربط النعامة مني لكريمٍ متوجٍ بالجمالِ

    قربا مربط النعامة مني لا نبيع الرجال بيع النعالِ

    قربا مربط النعامة مني لبجير فداه عمي وخالي

    قرباها لحي تغلب شوسا لإعتناق الكماةِ يوم القتالِ

    قرباها وقربا لأْمَتي درعا دلاصا ترد حد النبال

    قرباها بمرهفات حدادٍ لقراع الأبطال يوم النزالِ

    رب جيشٍ لقيته يمطر الموت على هيكل هفيف الجلالِ

    سائلوا كندة الكرام وبكرا واسألوا مذحجا وحي هلالِ

    إذْ أتونا بعسكرٍ ذي زهاءٍ مكفهر الأذى شديد المصالِ

    فقريناه حين رام قِرانا كل ماضي الذّبابِ عضْبِ الصِّفالِSIZE]size]

    فلما بلغ المهلهل ما قاله الحارث بن عباد لفرسه النعامة دعا بفرسه المشهّر وأنشأ يعارضه ويقول :

    هل عرفت الغداة من أطلالٍ رهن ريحٍ وديمةٍ مهطالِ

    يستبين الحليم فيها رسوما دارساتٍ كصنعة العمالِ

    قد رآها وأهلها أهل صدقٍ لا يريدون نية الارتحالِ

    يا لَقومي للوعة البلبال ولقتل الكماة والأبطالِ

    ولعينٍ تبادر الدمع منها لكليبٍ إذ فاقها بانهمالِ

    لكليبٍ إذ الرياح عليه ناسفات التراب بالأذيالِ

    إنني زائرٌ جموعا لبكرٍ بينهم حارثٌ يريد نضالي

    قد شفيت الغليل من آل بكرٍ آل شيبان بين عمٍ وخالِ

    كيف صبري وقد قتلتم كليبا وشقيتم بقتله في الخوالي

    فلعمري لأقتلن بكليبٍ كل قَيْلٍ يسمى من الأقيالِ

    ولعمري لقد وطأت بني بكرٍ بما قد جنوه وطأ النعالِ

    لم أدع غير أكلبٍ ونساءٍ وإماءٍ حواطب وعيالِ

    فاشربوا ما وردتم الآن منا واصدروا خاسرين عن شر حالِ

    زعم القوم أننا جار سوء كذب القوم عندنا في المقالِ

    لم ير الناس مثلنا يوم سرنا نسلب المُلك بالرماح الطوالِ

    يوم سرنا إلى قبائل عوفٍ بجموعٍ زهاؤها كالجبالِ

    لم يقم سيف حارثٍ بقتالٍ أسلم الوالداتِ في الأثقالِ

    صدق الجار إننا قد قتلنا بقبال النعال رهط الرجالِ

    لا تمل القتال يا ابن عبادٍ صبِّر النفس إنني غيرُ سالِ

    يا خليليّ قربا اليوم مني كلّ وَردٍ وأدهمٍ صهالِ

    قربا مربط المشهر مني لكليب الذي أشاب قذالي

    قربا مربط المشهر مني واسألاني ولا تطيلا سؤالي

    قربا مربط المشهر مني سوف تبدو لنا ذوات الحجالِ

    قربا مربط المشهر مني إنّ قولي مطابقٌ لفعالي

    قربا مربط المشهر مني لكليبٍ فداه عمي وخالي

    قربا مربط المشهر مني لإعتناق الكماة والأبطالِ

    قربا مربط المشهر مني سوف أُصْلي نيران آل بلالِ

    قربا مربط المشهر مني إن تلاقت رجالهم برجالي

    قربا مربط المشهر مني طال ليلي وأقصرتُ عذالي

    قربا مربط المشهر مني يا لَبكرٍ وأين منكم وصالي

    قربا مربط المشهر مني لنضالٍ إذا رأوا نضالي

    قربا مربط المشهر مني لقتيلٍ سفتْهُ ريح الشمالِ

    قربا مربط المشهر مني قرباه وقربا سربالي

    ثم قولا لكل كهل وناشٍ من بني بكرٍ جردوا للقتالِ

    قد ملكناكم فكونوا عبيدا مالكم عن مِلاكنا من مجالِ

    وخذوا حذركم وشدّوا وجدّوا واصبروا للنزال بعد النزالِ

    فلقد أصبحت جمائع بكرٍ مثل عادٍ إذ مُزِّقت في الرمالِ

    يا كليبا أجبْ لدعوة داعٍ موجع القلب دايم البلبالِ

    قد ذبحنا الأطفال من آل بكرٍ وقهرنا كماتهم بالنضالِ

    وكررنا عليهم وانثنينا بسيوف تقد في الأوصالِ

    أسلموا كل ذات بعلٍ وأخرى ذات خدرٍ غراء مثل الهلالِ

    يا لَبكرٍ فأوعدوا ما أردتم واستطعتم فما لذا من زوالِ

    ثم نهض الحارث وشمر وقاد بكرا في حربها مع تغلب وعليها المهلهل وجرت وقائع بين الحيين في عدة معارك كان أهمها يوم قِضَّة .

    رحم الله صاحب معرف امرؤ القيس الذي اعد هذا البحث واسكنه فسيح جناته

  2. #2
    صديق فعال
    تاريخ التسجيل: May-2019
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 721 المواضيع: 36
    التقييم: 334
    شكراً جزيلاً

  3. #3
    أبو بنين الگرعاوي
    مشاكس و افتخر
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نالين مشاهدة المشاركة
    شكراً جزيلاً
    عفواً نورتِ

تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال