أن قضية استشهاد الأمام الحسين( عليه السلام ) ليست فقط واقعة تحمل من الجانب المأساوي والكارثي الشيء الكثير الذي قد لا تستوعبها عقول العامة من الناس و إنما هي مظهر من مظاهر الفداء النادر الوجود فهي تمثل حدث وواقعة أليمة في ذات الوقت الأمام الحسين( عليه السلام ) كان يدرك انه صاحب رسالة ثورية فهو بالتاكيد مظهر الإنسان الكامل على الأرض عليه فقد كان تكليفه تكليف يختلف عن تكليف باقي أئمة الهدى ( عليهم السلام ) مما استدعى إزالته لستار التقية والنهوض ثائراً.

لذا فمن أهم العوامل التي طرحت لتحديد أسباب نهضة الأمام الحسين(عليه السلام ) هي

الفرع الأول: رفض مبايعة يزيد

لعل من أهم الأسباب التي دعت الأمام إلى الثورة رفضه لمبايعة يزيد بن معاوية بخلافة المسلمين لان الأمام كان يدرك أن مثل هذه البيعة إنما تعني اضفاء الشرعية على ولاية العهد وتوارث الخلافة الذي كان يعد مخططاً قديماً اعد له الأمويون منذ عهد عثمان فهذا ابو سفيان يقول كلمته الشهيرة "تلقفوها تلقف الكرة، ولتصيرن إلى أولادكم وراثة . ." (5). فضلاً عن هذا فان مثل هذا المبايعة تعني المصادقة على سب أمير المؤمنين( عليه السلام ) وهو ما جعله معاوية سنه جارية و وقتذاك ومن هنا انطلاقاً من روح أبى الشهداء التي تأبى الركون إلى الظلم والاستبداد فقد أبت روحه الشريفه التسليم بأمرة المسلمين لشاب مثل يزيد الذي كان مستهتراً ممعناً في الفحشاء والمنكرات الى حد الغلو في الإمعان فقد قال فيه الأمام الحسين( عليه السلام ) حينما طلب منه والي المدينة المبايعة " انا اهل بيت النبوة ومعدن الرسالة بنا فتح الله وبنا ختم ويزيد بن معاوية، رجل فاسق، شارب الخمر، قاتل النفس المحترمة، معلن بالفسق والفجور، ومثلي لا يبايع مثل"(6).

وهذا ما ظهر واضحا لعبد الله غسيل الملائكة وعدد من اهل المدينة حينما توجهوا إلى الشام تراه يقول " والله ما خرجنا من عند يزيد، حتى خفنا أن نرمى بالحجارة من السماء، أن رجلاً ينكح الامهات، والبنات، والأخوات، ويشرب الخمر، ويدع الصلاة، والله لو لم يكن معي أحد من الناس لا بليت والله فيه بلاء حسناً" . أذن أن المبايعة التي يريدها معاوية لابنه كانت تعني اختفاء الشرعية على حكم يزيد الذي كان يساوي المصادقة على القضاء على الإسلام برمته "وعلى الإسلام السلام أذ قد بليت الأمه براع مثل يزيد "(7).الأمام الحسين( عليهم السلام ) كان مستعداً لان يضحي بنفسه و أهل بيته ولا يقبل بمثل هذه البيعة.

الفرع الثاني :الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

لا ريب أن الخطر الذي كان يهدد الإسلام لا بل النظام الإسلامي ككل وفلسفة الحكم الإسلامي هو الذي دعى بالإمام إلى الثورة وبالتأكيد فان هذا ليس بمسألة جزئية أو فرعية تتحمل التقية. فضلاً عن كل هذا فقد كانت أمور المسلمين يومئذ قد وصلت إلى أسؤ حالاتها من كل الأصعدة.

الأمر الذي كان يهدد الشريعة المحمدية فكان من اللازم وعملاً بقاعدة الآمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يثور الأمام ضد مثل هذه الأوضاع الفاسدة مضحياً بنفسه في سبيل إعلاء كلمة الحق والإبقاء على شريعة جده ولعل هذا واضح في زيادة الأمام الحسين( عليه السلام ) ". . اشهد انك قد أقمت الصلاة وأتيت الزكاة وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر"(8). كما نلمس ذلك في زيارة النصف من شعبان" . . اشهد انك قد أمرت بالقسط والعدل ودعوت أليها . . ."(9). ولعل الخطب البليغة التي افحم بها الأمام( عليه السلام ) القوم لتؤكد على الهدف الأسمى لثورته الخالدة حيث قال " أني لم اخرج اشمرا ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالما و إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي محمد أريد أن أمر بالمعروف و أنهى عن المنكر و أسير بسيرة جدي وسيرة أبي علي بن ابي طالب . " وله أيضا " أما بعد فاني أدعوكم إلى أحياء معالم الحق واماتة البدع فان تجيبوا تهتدوا سبل الرشاد "(10) وقوله( عليه السلام ) "وأنا أدعوكم الى كتاب الله وسنة نبيه فان سمعتم قولي واتبعتم أمري أهديكم إلى سبيل الرشاد"(11).

الفرع الثالث : دعوة الكوفيين

لما عرف الناس في مختلف الأمصار امتناع الحسين( عليه السلام ) عن إرسال البيعة ليزيد بن معاوية اتجهت أليه الأنظار وبخاصة الكوفة و أهلها فقد كانوا اشد الناس عداوة لبني أمية لذا فقد اجتمعوا في دار سليمان بن صرد الخزاعي.

وهكذا اجتمعت كلمتهم على مراسلة الأمام الحسين( عليه السلام ) ودعوته إلى العراق حتى قيل أن كتبهم وصلت الى ثمانية عشرة ألف كتاب تذكر الروايات أنه ( عليه السلام ) تلقى رسائل بهذا الشكل من البصرة والمدائن واليمن وسائر المناطق الإسلامية تعرض عليه ولاءها وبيعتها ومن الجدير بالذكر أن التاريخ يذكر وبكل دقة أن هذه الدعوة ما كانت لتتم لولا وصول خبر امتناع الأمام عن إعطاء البيعة مع التأكيد على مسألة وهي أن الأمام كان ليعلن الثورة سواء أكانت هذه المكاتبات قد وصلت من أهل الكوفة أم لا لان وجود الأمام كان في خطر مما استدعى خروجه وإحلاله من إحرامه يوم التروية ومسيرته و أهله إلى العراق(12).

ومن خلال إبراز هذه العوامل التي بلا شك تتباين قوة وضعفاً نجد أن لعامل الامتناع عن إعطاء البيعة وعامل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الاثر الكبير في دفع الأمام الى الثورة وهذا حفيده الأمام الغائب(عج) سيعلن ثورته أن شاء الله عندما تحين الساعة المناسبة وذلك بعد امتلاء الارض جوراً وظلماً حتى لا يبقى من الاسلام الا اسمه ومن القران الا رسمه وإضاعة معالمه وذلك بابتعاد الناس عن الشريعة المحمدية وسلوك البعض للطرق الفرعية التي تؤدي الى تحقيق مصالح خاصة مشوهين بذلك الشريعة الخالدة.

المطلب الثالث: دور المظلومية في تحقيق الأهداف المقدسة

قال عز من قائل في محكم كتاب المجيد " أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير"(13). يجد كل فرد ذي بصيرة نيرة عند مراجعة القران وأحاديث أئمة الهدى ( عليهم السلام ) أن طرح قضية المظلومية كان ولا يزال من الخطوط الرئيسية التي استخدمها القران والرسالات الإلهية قبله كخط يؤدي الى تحقيق الأهداف السامية لهذا فان طرح قضية المظلومية لا يعني طرح مسألة اثارة العواطف والبكاء و إنما لا بد من تحديد الهدف الرئيسي الباعث على استخدام المظلومية كسلاح لاخذ العبر والدروس "فكل ارض كر بلاء وكل يوم عاشوراء" من هذا ننطلق للقول أن قضية الأمام الحسين( عليه السلام ) إنما كان لها هذا الوقع في تاريخ المسلمين قاطبة لا في تاريخ اهل البيت ولعل العلة في ذلك أن مظلومية الأمام الحسين( عليه السلام ) كحالة ظاهرية واضحة لا يكاد يعتريها شك أو تحوم حولها شبهه من نوع. ما بل هي أوضح من كل قضايا المظلوميات الأخرى التي تعرض لها أئمة الهدى ( عليهم السلام ) الذين كانت مظلومياتهم واضحة أيضا ألا أن وضوح الظلم في قضية الأمام الحسين( عليه السلام ) اكثر من الموارد الاخرى لان الأمام الحسين( عليه السلام ) كان يمثل الحق كله وجادة يزيد وأعوانه كانت تمثل الباطل والشرك كله لذلك يمكن القول أن معركة الطف كانت تمثل معركة الحق معركة الحفاظ على الإسلام الذي جاء به محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) معركة الحفاظ على المقدسات من الانتهاك لهذا نجده( عليه السلام ) مضى و أصحابه في الطريق الذي يفرضه عليه الواجب وهو يقول "لا أرى الموت ألا سعادة والحياة مع الظالمين ألا برما . ."(14). هذا ولم يحدث التاريخ أن معركة كان لها من الأثار الطيبة الخيرة لمصلحة الفئة المهزومة كما كان لمعركة الأمام الحسين( عليه السلام ) مع الأمويين. ولم تقم ثورة في العالم بعده ألا واستمدت من مبادئه وعزيمته ونضاله ,لهذا وإبرازا وتأكيداً لجانب المظلومية في قضية الأمام الحسين( عليه السلام ) نجد أن الشيعة يحتفلون بذكراه في كل عام لا بل ويحرصون على أن تبقى تلك الجذوة المشتعلة متقدة لا تخمد لتستمد منها الاجيال نهضتها وقوتها في وجه الطغيان في كل عصر كما أن أئمة الهدى(عليهم السلام ) حرصوا على إبقاء هذه الذكرى حية خالدة فأمروا بأحيائها ونشرها لأنها لا تنفصل عن أهداف الإسلام العليا ومقاصده السامية فهذا الأمام الصادق( عليه السلام ) يذكر لجماعه من أصحابه في يوم العاشر من محرم" أتذكرون ما صنع بجدي الحسين( عليه السلام ) لقد ذبح والله كما يذبح الكبش وقتل معه سبعة عشر شاباً من بنيه واهل بيته وإخوانه ما على وجه الأرض من قتيل " لعل هدف الأمام من ذلك ليس استدراج الدموع للخروج و إنما غرس عظمة الحق الذي قتل من اجله الحسين( عليه السلام ) و أهل بيته والاستهانة في سبيل ذلك بكل شيء ينقل عن الأمام الرضا( عليه السلام ) وهو يحدث جماعة من أصحابه عما جرى على الحسين( عليه السلام ) و أهل بيته ويعيد على أذهانهم واقعة كر بلاء "قولوا متى ما ذكرتموهم يا ليتنا كنا معكم فنفوز فوزاً عظيماً " الأمام يريد من أصحابه وشيعته ومن كافة المسلمين أن يكونوا مع الحسين( عليه السلام ) بأرواحهم وعزيمتهم مع العاملين بمبادئ القران وسنن الأنبياء والصالحين العاملين لخير الإنسان في كل زمان ومكان لان الحسين(عليه السلام ) بثورته على الظلم كان يجسد هذه النواحي من الإسلام الأمام الرضا( عليه السلام ) يريد أن يقول لا صحابه وشيعته" في كل زمان ظالم كيزيد وجبابرة كبني أميه فكونوا في كل زمان على الظالمين والجبابرة والطغاة كما كان الحسين( عليه السلام ) في زمانه على يزيد وأعوانه إلى كثير من أمثال هذه المواقف التي تؤكد على ضرورة عدم الاستهانة بالمقدسات والحق والحرية (15).

وهكذا مولانا بقية الله الأعظم الامتداد الروحي والجسدي لذلك التأثر الذي سطر بدمه الخالد أروع معاني التضحية والفداء يؤكد في لقائه مع السيد إسماعيل الشرفي أنه مظلوم "أنا اول مظلوم في العالم"(16). الأمام المنتظر(عج) مظلوم ولعلنا بذنوبنا نزيد من ظلامته ونطيل فترة الغيبة الامام غاب وابعد عن أهله وذويه الذين ما لبثت السلطات القابضة على الحكم تعمل جاهدة على تصفيتهم جسدياً وملاحقة اتباعهم وما يزال الأمام غائب ينتظر الامرالإلهي بالخروج لهذا يقع علينا واجب نشر القضية المهدوية وتوعية العوام بما يحوك حولهم من شبهات ودسائس تحاول النيل من العقيدة المهدوية وجرهم الى هاوية الضلال والانحراف.


الهوامش:


--------------------------------------------------------------------------------

(1) ـ بحر العلوم: حسين/ الثورة الحسينية بجذورها ومعطيتها، ج2،ط1،( دار الزهراء ، بيروت) ص11 , الطبري , محمد جرير : تاريخ الامم والملوك ,ج2, (بريل |لندن : 1879م) ص13

(2) ـالمصدر السابق،ص13

(3) ـ الراوندي قطب الدين : قصص الأنبياء ، ص222 رقم 291. نفس المعنى انظر

الجزائري، نعمة الله: قصص الأنبياء والمرسلين ط1( بهمن،2005) ص370.

(4) ـ الثورة الحسينية لبحر العلوم، مصدر سابق،ص15 وما بعدها

(5) ـ المطهري مرتضى: الملحمة الحسينية، ط1،ج2،( فيضيه:1425)،ص95 وما بعدها

(6) ـ الحسني ، هاشم معروف: سيرة الأئمة الاثني عشر،ط1،( شريعت :ه.ق) , ص53

(7) ـابن طاووس، علي بن موسى: اللهوف في قتلى الطفوف،ص18

(8) ـ القمي، عباس: مفاتيح الجنان،ط1،( دار البلاغة :2003م)ص459

(9) ـ المصدر السابق ، ص483

(10) ـ الشريفي,محمود: موسوعة كلمات الأمام الحسين ( عليه السلام ) (دانش/قم)ص64

(11) ـ المصدر السابق، ص64

(12) ـ سيرة الأئمة للحسني،مصدر سابق، ص57 ومبعدها.

(13) ـ سورة الحج، آية(39) فسرت هذه الآية بالإمام علي (ع) والحسن والحسين (ع) بنصرهم بالقائم(عج) لمزيد راجع:

القمي: جعفر بن محمد بن قولويه: كامل الزيارات،ط1, ( مؤسسة الثورة النشر الإسلامية) باب18 ، ح156،ص135

(14) ـ البحراني، عبد الله نور: عوالم العوالم ، الامام الحسين (ع) ص67

(15) ـ سيرة الائمة للحسني: مصدر سابق ص102

(16) ـ السيستاني، مرتضى المجتهدي : الصحيفة المهدية،ط2 ( سبهر نوين :1427 ه.ق ) ص44


منقول