العهد نيوز- بغداد- خاص
محمود المفرجي الحسيني
لا يختلف اثنان على ان العراق تأثر بشكل او باخر بالتصعيد الامريكي ضد ايران، بعكس باقي دول المنطقة، ولسبب بديهي، ان كل دول المنطقة تعمل في مدار فضاءات المحاور، فيما يحاول العراق ان يقف موقف الحياد في هذه الازمة، لاعتبارات كثيرة، منها وضعه العام الذي لا يسمح بان يدخل في دوامة اخرى مثل دوامة داعش.
الا ان العراق يملك حساسية كبيرة بالتعامل مع هذه الازمة، تختلف ايضا عن كل دول المنطقة، متمثلة بالارتباطات الثقافية والدينية التي تجمع الشعبين العراقي والايراني، فضلا عن اشتراكهما في العديد من القضايا التي تخص المنطقة أخرها وقوفهما في صف واحد لمقاتلة عصابات داعش الإرهابية وطردها من العراق وسوريا.
ومن هنا فان من الأكيد، انه اذا كانت الحكومة العراقية قد وقفت موقف الحياد من هذه الازمة، فان اغلب الشعب العراقي سينحاز الى ايران، لاعتبارات دينية، ثقافية واجتماعية.
بالنتيجة .. هذا الامر يولد رأيان في العراق، هما، الرأي الحكومي المحايد، والرأي الشعبي المنحاز لايران، وهذا الامر يفقد الحكومة العراقية قدرتها على امتلاك الرأي الشعبي، الذي لا يملكه الا الشعب العراقي نفسه.
بل ان الامر تعدى الى ابعد من هذا، اذ ان انحياز الشعب العراقي لايران، لم ينطلق من العاطفة فحسب، انما عبرت عنه الكثير من التصريحات لقادة كبار في المجتمع العراقي ومرجعيات دينية وجهت الشعب العراقي بالوقوف مع ايران فعليا في هذه الازمة، وفي اي حرب يحتمل ان تقع لا سامح الله.
هذا المشهد لا يجب على الحكومة العراقية ان تحذر منه، لان ارادة الشعوب لا تملكها الحكومات، لكن يجب على امريكا ان تحذر منه من اي وقت مضى، اذ انها تعي جيدا بان هناك من الشعب العراقي من يمكن له ان يقف متفرجا لو اندلعت الحرب لا سامح الله، وتعلم جيدا بان وجودها في العراق غير مرغوب فيه، وتعلم ان سكوت قوى المقاومة العراقية عن تواجدها في العراق بهذه الفترة، هو نزولا لموقف حكومته، لكن لو أصاب اي اذى لإيران فان الأمور بالتأكيد ستتغير.
هذا الامر يجعل امريكا ليست امام جبهة واحدة انما عدة جبهات، فضلا عن مصالحها المنتشرة في منطقة الشرق الاوسط، التي ستكون عرضة للضرر من ايران التي تعد قوة قادرة على ان تطال المصالح الامريكية في اي مكان وزمان.
كما انه سيكون الكيان الصهيوني اكبر هدف "امريكي" بالنسبة لايران، وهذا بحد ذاته يدفع الولايات المتدة الى التفكير مليا قبل التفكير بالدخول بحرب مع إيران، اذ ان هذه الحرب لو قامت فانها لن تكون حرب بين دولتين، انما ستكون حرب عالمية "ثالثة" بدون ادنى شك.
- التحشيد العسكري الامريكي
ربما ان المتتبع للتحركات الامريكية ومستوى التحشيد العسكري الكبير الذي تنقله في المنطقة والاموال الطائلة التي تصرفها على هذا التحشيد، يقدح في ذهنه القطع باندلاع هذه الحرب، لا سيما وان اخر الانباء اشارت الى ان البنتاغون بصدد ارسال 120 الف جندي امريكي .
ذكرت صحيفة نيويورك تايمز، أن ستة من مسؤولي الأمن القومي الأمريكي صدموا بعد اطلاعهم على حجم القوة التي يخطط البنتاغون لإرسالها إلى الخليج، لأنه يوازي حجم القوات التي غزت العراق.
وقالت الصحيفة إن "نشر مثل هذه القوات الجوية والبرية والبحرية القوية من شأنه أن يعطي طهران المزيد من الأهداف للضرب، وربما أكثر من سبب للقيام بذلك، ما يهدد بتورط الولايات المتحدة في صراع طويل، كما أنه سيعكس سنوات من تقليص الجيش الأمريكي في الشرق الأوسط الذي بدأ بسحب الرئيس باراك أوباما للقوات من العراق في عام 2011".
لكن نيويورك تايمز نقلت عن اثنين من مسؤولي الأمن القومي الأمريكي قولهما إن "إعلان ترامب في كانون الاول الماضي عن سحب القوات الأمريكية من سوريا، والوجود البحري المتناقص في المنطقة، ربما يكون قد شجع بعض القادة في طهران وأقنع فيلق الحرس الثوري بأنه ليس لدى الولايات المتحدة الشهية الكافية لمحاربة إيران".
وفي اجتماع لكبار مساعدي الرئيس ترامب لشؤون الأمن القومي يوم الخميس الماضي، قدم وزير الدفاع بالوكالة باتريك شاناهان خطة عسكرية محدثة تنص على إرسال ما يصل إلى 120 ألف جندي إلى الشرق الأوسط في حال قيام إيران بمهاجمة القوات الأمريكية أوتسريع العمل في مجال الأسلحة النووية.
وقالت نيويورك تايمز إن "هذه الخطط وضعت بناء على أوامر من المتشددين بقيادة جون بولتون، مستشار الأمن القومي للسيد ترامب"، مبينا إن "هذا التطور يعكس تأثير بولتون، أحد أكثر صقور الإدارة قسوة تجاه طهران، والذي تجاهل الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش جهوده الحثيثة لدفعه إلى المواجهة مع إيران قبل أكثر من عقد".
وأكدت الصحيفة أن هناك انقسامات حادة في الإدارة الأمريكية حول كيفية الرد على إيران في وقت تتصاعد فيه التوترات بشأن سياسة إيران النووية ونواياها في الشرق الأوسط.
وقال بعض المسؤولين الأمريكيين البارزين إن الخطط، حتى وهي في مرحلة أولية للغاية، تُظهر مدى خطورة التهديد الإيراني.
وقال آخرون، ممن يحثون على حل دبلوماسي للتوترات الحالية، إن الأمر بمثابة تكتيك يهدف لإثارة مخاوف إيران وتحذيرها من اعتداءات جديدة.
واكد الحلفاء الأوروبيون الذين التقوا بوزير الخارجية مايك بومبيو يوم الاثنين إنهم قلقون من أن التوترات بين واشنطن وطهران قد تتفاقم، وربما عن غير قصد.
- الموقف العام للازمة
ولو تركنا التهديد والتلويحات بقيام هذه الحرب، ودققنا النظر بالوضع الواقعي العام، فسنتوصل الى نتيجة بان نستبعد قيام هذه الحرب، ولعدة اسباب:
1- سبب اقتصادي، لان الحرب مع ايران سيؤدي الى وقف الصادرات النفطية في جميع دول العالم تماما، وستكون امريكا والكيان الصهيوني اكثر المتضررين من هذا الامر.
2- سبب سياسي، متمثل بمواقف بعض الدول الكبرى التي لا تروق لها سياسات واشنطن من قضايا المنطقة والعالم، مثل روسيا والصين وحلفائهما.
فان كانت هاتين الدولتين الكبيرتين تترقب بحذر عن الموقف العام للازمة والتحركات العسكرية، فانهما لن يسكتل في حال تعرضت ايران لاي ضربة امريكية، لاسيما وان ايران تعتبر من اكبر واهم الحلفاء لهاتين الدولتين.
3- سبب متعلق بخارطة التحالفات وفرض القوة بالمنطقة .. وهذا الامر مرتبط ارتباطا كبيرا بموازين القوى في العالم، اذ ان التوجه العام هو ضرورة صنع قوة عظمى اخرى غير القوة الامريكية التي وصلت الى مستوى ان تبتز العالم، ولا يمكن ان تكون اي دولة بالعالم مؤهلة للعب هذا الدور، اكثر من دولتين كبيرتين، هما روسيا (القوة العسكرية العظمى)، والصين (القوة الاقتصادية العظمى).
ورغم ان التوجه الروسي – الصيني العام ، مخالف للتوجه الاوربي المرتبط بحلف مع امريكا، الا انه يتوافق في هذه النقطة، لان اوربا هي ايضا ذاقت ذرعا من سياسات امريكا بالتعامل مع الكثير من الملفات، ومنها الملف النووي الايراني، وليس من مصلحتها ان تبقى تابعة لامريكا.
- الخلاصـــــــــــــــــــ ـة
ان دخول أمريكا في هذه الحرب (التي نستبعد وقوعها)، يعني انها ادخلت نفسها في محرقة متعددة الاتجاهات، وهذا ما يدركه اغلب القادة الامريكان، الذين يدركون بان إيران تختلف عن العراق في عهد صدام، وتختلف عن ليبيا وعن فنزويلا ، وغيرها من الدول التي لا تملك امكانيات ايران.