ببزة زرقاء داكنة وقبعة سعاة البريد المميزة يطل الحاج رضا القباني على نافذة الماضي، حين كان يجوب شوارع بغداد بدراجته الهوائية بحثاً عن عناوين حرص على إيصال الرسائل والطرود البريدية إليها.
ويعد قباني أقدم ساعي بريد في العراق وآخرهم، فقد تقاعد عن عمله مؤخراً بعد خدمة قاربت 57 عاماً قضاها في هذه المهنة التي انقرضت. فقد قضى على تلك المهنة التطور الحاصل في وسائل الاتصال الحديثة كالإنترنت والهاتف الذكي اللذين اختصرا على البشرية أشهراً كان الناس يقضونها بانتظار رسالهم المكتوبة.
أما قباني اليوم فهو بيّن الصور والذكريات والمرض الذي ألم به فأقعده في المنزل، ودراجته المركونة جانباً أكلها الصدأ، لكنه لايزال يحلم يوما بأن تدور عجلتها مجددا كحمام زاجل ينتقل بين أحياء بغداد القديمة وأزقتها. وقد أصبحت جعبة قباني التي رافقته لأكثر من خمسة عقود من الزمن، حملت بين طياتها كنوزاً لا تقدر بثمن، خاوية تماماً.إلا أن الحاج رضا والجعبة التي كان يحملها علقا في ذاكرة البغداديين برغم تطور الزمن الذي وضع وظيفة ساعي البريد في خانة النسيان.