صباح اللامي
أي نقاش بشأن ما جَرى في العراق، وما ينتظر شعبه من احتمالات شتى لنحو عقد أو عقدين مقبلين، غالبا ما ينتهي تراجيدياً إلى القول "إلى أين نحن ماضون"، و"ليس في الأفق بارقة أمل"، و"أنّ الذين حكموا العراق خلال العقد الأخير، ضيعوا البلد والمجتمع، وكتبوا على العراقيين، من عاش منهم في الداخل، أو في الخارج، الذلّ والمسكنة والهوان. أما الشعارات التي يتغنى بها بعض "الأغبياء" فما هي إلا كلام عابر لا قيمة له غير أن يُرمى إلى سلة المهملات!
دعونا نطرح حزمة تساؤلات، علها تفتح أمامنا باباً لفهم بعض أبجدية "خطط الانتقام" التي يتعرض لها الشعب العراقي، منذ ثلاث عشرة سنة وحتى الآن: إن كانت هناك فعلا محاولات إقليمية ودولية للانتقام من العراقيين، ألا تكفي كل البشاعات التي ما فتئت تشرب من دم العراقيين، وتأكل من لحمهم؟!
هل كانت المشكلة في نظام "صدام"؟.. هل كانت في "حزبه"؟.. لقد انتهى كل شيء. وثمة مئات الأحزاب، والجمعيات، والجماعات، والفرق العلنية والسرية التي تحكم البلد، لكنْ من دون أن يكون لأصحاب السلطة الجديدة القدرة على تسيير شؤون الناس، فضلاً عن عمليات السطو الخرافية على ثروات العراقيين. فما الحل؟.. لقد سقطت الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وفي غضون عشر سنين، نشأت على أنقاضها دولة تركيا الحديثة. واستسلمت اليابان، واجتيحت ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، لكنهما سُرعان ما نهضتا كطير الفينيق من رماد حربهما الخاسرة، فتحولتا إلى أعظم دولتين في التقدم والإنتاج والاقتصاد الغني، وبنيتا حياة الرفاهية لمجتمعيهما!
إلى الآن.. وأصحاب السلطة العراقية، باختلاف مشاربهم لا يتقنون غير "الوغول" في الفساد المالي، وتعليق الأزمات على شماعات صدئة، فشيعة السلطة –كما يسمّيهم أستاذنا السيّد حسن العلوي، أخطر المفكرين العراقيين- يتهمون البعثيين، و"داعش"، والسعودية، والوهابية، ودول الخليج، وتركيا، وبعضهم يتهم أمريكا. والسُنّة يتهمون إيران، وحزب الله، والميليشيات، وسوريا، أما الأكراد فهم مشغولون بترتيب "أحوالهم" مع دول المنطقة والعالم، ولا سيما الولايات المتحدة، وكانوا من قبل قد قالوا "عفا الله عمّا سلف" وانتهى الأمر إلى تسالم حفظ لهم الكثير جداً من مرتكزات حياتهم.
فلنشطب على كل هذه الأعوام العجاف التي مرّت، ونسأل فقط: إذا تحرّر العراق من إرهاب "داعش"، هل سيستطيع رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، حرسه الله من عيون حاسديه، أنْ يُشرع ببناء العراق، أم أنّ سنة الانتخابات الآتية، لها استحقاقات أخرى. وبالتالي فلا العبادي ولا أعضاء "فريقه"، يمكن أنْ يكونوا مقبولين في مرحلة "أصعب انتخابات" سيمر بها العراق، منذ أنْ شرّع لنا الأمريكان منهج "برلمان الهرج"، و"حكومة العجز". هذا يعني أنّ الأحزاب السياسية –بكل مشاربها الخابطة- ستستقتل في عملية الصراع على بسط الهيمنة، حتى لو سالت الدماء، أو حُزّت الرقاب، أو جرت سلسلة "سرية" من الانتقامات الدموية، التي يعرف العراقيون طعمها المرّ، ورائحتها النتنة!
كان الناس البسطاء، الفقراء، المحرومون، يحلمون –وبعضهم إلى الآن له أمل بشيء قد يحدث- أنْ يحكم البلد، نزيهون، مخلصون، ذوو أياد بيض، لكنّ ما رآه العراقيون، ويرونه حتى الآن، وسيرونه في السنين الآتية، ليس إلا "كابوساً" من الكوابيس، لا "حلماً" من الأحلام!