زواج النبي إبراهيم عليه السلام
لقد كافح وجاهد النبي إبراهيم عليه السلام في سبيل ربه لهداية قومه الذين كانوا يعبدون الأصنام وذلك في « بابل » في أرض العراق ، حتى آل الأمر أنه دمر أصنامهم بالطريقة المشهورة التي ذكرها القرآن الكريم(1) وكان « نمرود بن كنعان » قد بسط سلطانه عليهم فإنه قد طغى وتجبر حتى ادعى الربوبية . فلما جاء حدث تدمير الأصنام عزم قومه أن يحرقوا إبراهيم عليه السلام بالنار انتقاما لما فعله بآلهتهم ، فحبسوه في بيت كما قال تعالى : ( قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم) ( الصافات : 97 ) ثم جمعوا له من أصلب الحطب وأصناف الخشب حتى إنه كانت المرأة إذا مرضت تقول : لئن شفيت لأجمعن حطباً لإبراهيم . وكانت تنذر لما تحب أن تدركه لئن أصابته لتحتطبن حطبا وتجعله في النار التي يحرق بها إبراهيم احتساباً في دينها . فكانوا يجمعون الحطب شهرا حتى إذا كثر وجمعوا منه ما أرادوا أشعلوا النار فتوهجت إلى درجة أنها إذا مر الطير بها يحترق من شدة وهجها . ثم عمدوا إلى إبراهيم عليه السلام فرفعوه على رأس البنيان وقيدوه ، ثم اتخذوا منجنيقا ووضعوه فيه ورموا به إلى النار في موضع شاسع ، فاستقبله جبريل عليه السلام فقال : يا إبراهيم الك حاجة ؟ قال : أما اليك فلا . قال جبريل : فاسأل ربك . فقال إبراهيم عليه السلام : « حسبي من سؤالي علمه بحالي ، حسبي الله ونعم الوكيل » أجل : إن الله سبحانه وتعالى قد نصره لأنه قد نصر دينه ، فقال تعالى : (يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم) ( الأنبياء : 69 ) فانقلبت النار إلى روضة خضراء وإبراهيم جالس فيها (فاعتبروا يا أولى الألباب) ثم خرج بعد ذلك من بلده فارا بدينه إلى ربه ، وسكن ( حرّان ) حوالي الشام ، فمكث بها ما شاء الله أن يمكث ، ثم خرج منها مهاجرا حتى قدم إلى مصر وبها فرعون من الفراعنة الأولى ، وكانت زوجته « سارة » من أحسن النساء وأجملهن ، وكانت تقية مطيعة لزوجها ولا تعصيه في شيء ، وقد ذكر أن إبراهيم عليه السلام قد أودع زوجته « سارة » في صندوق حين سفره ، وذلك غيرة عليها من إشراف أنظار الناس عليها ، فلما وصل إلى مصر أجبره فرعون أن يفتح الصندوق . فلما رأى زوجته بذلك الجمال الرائع أهوى إليها ليتناولها بيده ، فيبست يده إلى صدره . فلما رأى فرعون الجبار ذلك أعظم أمرها وقال : سلي ربك أن يطلق يدي ، فوالله لا آذينك . فقالت « سارة » : « اللهم إن كان صادقا فأطلق له يده » . فأطلق الله يده . وقد فعل ذلك ثلاث مرات قصد أن يتناولها فيبست يده . روى أن إبراهيم عليه السلام قال له : « إن الله غيور يحب الغيور » .
فكن أيها الزوج غيورا على زوجتك ، ولا أقول لك أودعها في صندوق خشبي أو حديدي ، بل أودعها في صندوق العفة والحشمة لتكسب محبة الله وتأييده ونصره . ثم وهب فرعون مصر جارية اسمها « هاجر » إلى « سارة » إجلالا لما رآه من مكانتها السامية عند الله تعالى ، وبعد ذلك وهبت ( سارة ) جاريتها « هاجر » إلى زوجها إبراهيم عليه السلام » ، فقالت له : « إني أراها امرأه وضيئة فخذها لعل الله تعالى يرزقك منها ولدا » . وكانت سارة قد مُنعت الولد حتى أسنت(1) ، فتزوج إبراهيم عليه السلام بهاجر فولدت له « إسماعيل » عليه السلام . وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : (إذا افتتحتم مصر فاستوصوا بأهلها خيرا ، فإن لهم ذمة ورحما) .
ــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع سورة الأنبياء ( 57 . . . 67 ) الآيات .
(1) اقتضت حكمة الله تعالى أن تلد « سارة » بعد ذلك « إسحاق » وكان عمرها تسعين سنة ، فسبحان الله لهذا الحدث الخطير الكبير ، جل جلاله وعظمت