في كربلاء.. أقدم كنيسة عراقية سبقت الإسلام بأكثر من 120 عاما
كربلاء لا تضم العتبات الشيعية المقدسة فقط.. ولكنها تحتضن اقدم كنسية في العراق إذ تشير المعلومات إلى أنها أُسست قبل 120 عاما من ظهور الإسلام، وهي تقع في وسط موقع يطلق عليه (الاقيصر) على مسافة 70 كم جنوب غربي كربلاء، وعلى مبعدة 5 كم من قصر (الأخيضر) التاريخي المعروف.
وكان هذا الموقع مدينة متكاملة تزخر بالحياة منذ قرون بعيدة، ويحكي ما بقي من آثارها انها كانت مدينة عامرة قبل الإسلام. وتضم كنيسة الاقيصر التي تقع وسط الصحراء رسومات متعددة عبارة عن صلبان معقوفة دلالة الديانة المسيحية.
ويقول ماجد جياد الخزاعي مدير هيئة السياحة في كربلاء هذا المكان الذي يطل على حقبة تاريخية مهمة يعطي دلالة على عمقتاريخ المدينة التي يتصور البعض ان تاريخها محصور بما عرف عنها كونها مدينة اسست بعد استشهاد الامام الحسين بن علي (ع) في واقعة الطف.. فهذه الكنيسة ووجودها في كربلاء وقدمها وتاريخها البعيد يعطي دلالة على ذلك.
ويضيف الخزاعي.. توجد على جدران الكنيسة كتابات آرامية تعود إلى القرن الخامس الميلادي حسب ما ذكرته الدراسات التي قام بها عدد من الباحثين والآثاريين.. وفيها كذلك مجموعة من القبور قسم منها يعود إلى رهبان الكنيسة ورجال دينها الذي كانوا يقدمون تعاليمهم وخدماتهم وهي ملاصقة للكنيسة.
وتابع والقسم الآخر لعامة الناس من المسيحيين الذي يدفنون هنا وهو يبعد عن الكنيسة بمسافة تزيد عن 20 مترا.
وأوضح أن الكنيسة يحيطها سور بني من الطين فيه أربعة أبراج ويوجد في السور خمسة عشر بابا للدخول وهي مقوسة من الأعلى.. فيما يبلغ طول بناء الكنيسة ستة عشر مترا و
عرضها أربعة أمتار.
واشار الى ان الكنيسة بنيت من الطابوق المفخور أو الفرشي.. وهذه القيمة البنائية تثبت إنها اقدم كنيسة شرقية في التاريخ لأنها وحسب الدراسات بنيت في منتصف ستينات القرن الخامس الميلادي.. وهذا يعني إن هذه الكنيسة الموجودة في كربلاء قد بنيت قبل الإسلام بأكثر من 120 عاما حسب ما ذكره الدارسون والكتب.
وبين الخزاعي أن التنقيبات التي أجريت عام 1976 وعام 1977 هي التي اكتشفت هذا الموقع والكنيسة عندما قاد السيد مظفر الشيخ قادر البعثة العراقية في هذه المنطقة.
وقال إن موقع الكنيسة كان مثبتا لدى الاخوة المسيحيين من الكلدان الذي كانوا يأتون إلى الكنيسة لزيارتها كل عام لاحياء قداسهم واقامة الصلاة في مذبح الكنيسة، مضيفا أن هذا المكان لا بد أن يكون مكانا سياحيا ودينيا للاخوة المسيحيين لأنهم يعتبرون هذه الكنيسة هي اقدم كنيسة في الشرق الأوسط بل في الشرق عموما.
وأعرب الخزاعي عن إعتقاده بان إعادة اعمار الكنيسة لابد أن يجلب المنفعة للجميع.. المسيحيين للصلاة وغيرهم كسياحة أثرية لان هذه الأرض هي منجم للسياحة ونحن بعيدون كل البعد عن استغلال ما لدينا من آثار من اجل السياحة في حين إن العالم لا يملك مثلما نملكه والسياحة لديه عامل من عوامل الاستقرار الاقتصادي.
وإستطرد الخزاعي ان آثار النبش والحفر في الكنيسة وقبورها بقصد السرقة واضحة لأن ما جرى بعد سقوط النظام من عمليات نهب وسرقة لم يترك حتى هذه الأماكن البعيدة، موضحا أن الكنيسة فيها قبور تاريخية وأن السراق والنهاب تصوروا أن في هذه القبورذهبا وحليا وأحجارا كريمة وغنائم أخرى.
واوضح انه تم نبش اكثر من 25 قبرا بحثا عن الغنائم.. وترى أيضا آثار التخريب من قبل عسكر النظام البائد الذي اتخذ من موقع الكنيسة مكانا للتدريب والتصويب.. وترى بقايا القذائف المنفلقة وغير المنفلقة ما زالت موجودة.
وكشف مدير سياحة كربلاء أن الدراسات والتنقيبات اثبتت أن هذه القبور حفرت بحيث يحتوي كل منها على بناءحجري يضم الرفاة فيما يغطى اللحد بحجر كبير.. أما جدرانه فهي مكسوة بالجص وبعدها يهال على القبر التراب ليطلى بطبقة من الجص لتكون هي الظاهرة من الخارج.
وتابع أن إتجاه القبور يكون دائما باتجاه بيت المقدس ويبلغ عمق كل قبر اكثر من متر و25 سنتميترا وطوله مترا و20 سنتميترا فيما يبلغ عرضه 60 سنتميترا.
وبين مدير السياحة أن العوامل البيئية عرضت الكنيسة إلى الكثير من التخريب من خلال ما تعرضت له من كوارث.. ونرى ذلك واضحا من خلال أبواب الكنيسة التي أغلقت من الخارج
بالحجر والجص.
وأشار إلى إن الكنيسة إذا ما بقيت مهملة فان عوامل الزمن قد تعرضها إلى الكثير من المشاكل لان الترميم الصحيح هو السبيل الوحيد لكي تبقى الكنيسة صامدة على أن تعاد قبة المذبح التي سقطت ويعاد ترميم الغرف المهدمة المحيطة بالكنيسة المخصصة للكهنة.
وطالب الخزاعي بحملة لتشجير المكان وجعله اكثر جمالا مثلما نريد تعبيد الشارع الموصل إلى الموقع من الشارع الذي يربط كربلاءبعين التمر.
وحذر من أنه إذا لم يتم ذلك فإن ما تبقى من الكنيسة والموقع سيندثر حتما وسنخسر واحدة من المعالم الأثرية المهمة في العراقمثلما نخسر موقعا سياحيا رائعا سيأتي إليه آلاف السياح من المسيحيين وغيرهم من كل أرجاء العالم.