ينبع نهر الكرخة من جبال زاغروس الإيرانية ويمر بالسوس والحميدية والخفاجية والحويزة وكلها مدن أهوازية، ويصب في الهور العظيم، ثم يدخل العراق ليلتحق بشط العرب.
قبل عقد من الزمن، وجدت الحكومة في الهور العظيم النفط، فجففت الهور وأحرقت أشجاره وهجّرت طيوره، وأنشأت شركاتها وأحاطتها بسواتر محكمة لا يقل ارتفاعها عن ثلاثة أمتار، وتسير عليها سيارات!
وبهذا فقد قطعوا مسير النهر ومنعوا المياه من الجريان في مسيرها الطبيعي.
وعندما فتحوا سد الكرخة الذي أقاموه بالقرب من الصالحية بالتراب، وجاء الماء مرتفعا، ارتطدم بسواتر شركة النفط ورجع على القرى فأغرق مزارعها وبيوتها.
الحجم الذي يستوعبه سد الكرخة ستة مليارات متر مكعب، وكانوا قد خزنوا فيه بما يكفي بعد أن منعوا المياه من المزارعين في السنين الماضية، ولو أنهم لم يمنعوها لما حصلت هذه الكارثة.
في هذا العام كثرت الأمطار إثر تلقيح السحب والذي تم على يد الحرس الثوري؛ وهطلت الثلوج على جبال زاغروس، فسالت السيول وامتلأت السدود، وبدأت تفيض.
يقال إن السيول تضيف إلى مياه سد الكرخة 2000 مترا مكعبا في الثانية، ومثل هذا الحجم إلى مياه سد الدز، وعليهم أن يخرجوا هذا المقدار من السدين، ولهذا علت المياه حتى كادت تغطي شبابيك بيوت القري التي تقع بالقرب من الكرخة وكارون.
الكل يعلم أن حل الأزمة التي مضى على افتعالها عشرون يوما يكمن في إزاحة سواتر الهور العظيم لتأخذ المياه مجراها الطبيعي.
تبلغ مساحة الهور العظيم مئة وعشرين ألف هكتار والتي تستطيع احتواء معظم المياه التي أمست تغرق القرى وباتت تهدد المدن الأهوازية أيضا.
لكن الحكومة تفضل أن لا تخسر آبار النفط في الهور حتى لو كان على حساب تدمير مزارع وبيوت العرب؛ ولهذا لا تزيل السواتر!
جاء قبل أن يفتحوا المياه صوب القرى الرئيس الإيراني حسن روحاني، وأنذر الناس بأن المياه سوف تغرق مزارعهم، وأن الدولة ستعوضهم، لكن الناس يعلمون أن الرجل ينطق عن الهوى، وأن خسائر السيول الطفيفة التي جرت قبل ثلاثة أعوام فأغرقت بعض المزارع لم تدفع لحد الآن!
وقد علت أصوات الاحتجاج ضد سواتر الهور بعد أن طغى الماء فأغرق ودمر وهجّر؛ فجاء وزير النفط وظهر على التلفزة وأمر أن تفتح السواتر، لكن المياه لم تنزل شبرا!
انتشرت صور وأفلام بعد يومين تبين أن الهور لم تدخله قطرة ماء، وأن شركات النفط تعمل والآبار تتدفق بالنفط! وأن الرجل لم يكن صادقا!
والماء يعلو يوما بعد يوم وقد ارتفعت درجة الحرارة وبدأت الثلوج بالذوبان.
اليوم وصلني مقطع فلم تظهر فيه امرأة ترجع مع أبنائها إلى بيتها بعد ثلاثة أسابيع من السيول، فتجد المياه لا تزال متربعة في حُجَر بيتها، فتجهش بالبكاء والعويل!
كان صوت نوحها يبكي الحجر ...
سعيد مقدم أبو شروق - الأهواز