الرسم القرآني
أهداف الدرس
1- أن يتعرّف الطالب إلى أقسام الرسم القرآنيّ.
2- أن يميّز بين بعض كلمات الرسم العثمانيّ والرسم القياسيّ.قال الله تبارك وتعالى: ﴿حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾1.
93
أنزل الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم بلسان العرب, وذلك لأنّ كلّ نبيّ أُنزل كتابه بلسان قومه، والقرآن الكريم ليس أمراً ونهياً وكلمات ومعاني فقط، بل هو رسم أيضاً.
ومن المعلوم أنّ للقرآن الكريم منهجاً خاصّاً في الكتابة، يختلف نوعاً ما عن الكتابة الّتي أَلِفَها الناس.
أقسام الرسم القرآنيّ
قسّم العلماء الرسم الكتابيّ ـ الخطّ الإملائيّ ـ إلى قسمين رئيسين.
الأوّل: أطلقوا عليه اسم الرسم القياسيّ، ويقصدون به كتابة الكلمة كما تُلفظ، مع الأخذ بعين الاعتبار حالتي الابتداء بها والوقف عليها.
الثاني: أطلقوا عليه اسم الرسم التوقيفيّ، ويقصدون به الرسم العثمانيّ، إذ هو الرسم الّذي كُتبت به المصاحف.
وقد صنّف العلماء في هذا المجال ما عُرف بـ "علم الرسم القرآنيّ" ووضعواكتباً خاصّة في هذا الموضوع، منها، على سبيل المثال لا الحصر، كتاب "المقنع في معرفة رسم مصاحف الأمصار" لأبي عمرو الداني، وكتاب التنزيل لأبي داود سليمان نجاح.
95
متباينات الرسم العثمانيّ والرسم القياسيّ
إنّ الرسم العثمانيّ يخالف الرسم القياسيّ من بعض الوجوه، أهمّها خمسة وجوه، نذكرها فيما يأتي مع التمثيل لها:
الوجه الأول، الحذف:
وهو كثير، ويقع في حذف الألف، والواو، والياء.
فمن أمثلة حذف الألف، قوله تعالى ﴿الْعَالَمِينَ﴾2: حيث حُذفت الألف بعد العين، وقد كُتبت كذلك في جميع مواضعها في القرآن، والأصل في كتابتها حسب الرسم الإملائيّ (العالمين).
ومن أمثلة حذف الواو، قوله تعالى: ﴿وَالْغَاوُونَ﴾3، وقد وردت في موضعين من القرآن، والأصل فيها (الغاوون).
ومن أمثلة حذف الياء، قوله تعالى: ﴿النَّبِيِّينَ﴾4، وقد وردت كذلك في جميع مواضعها في القرآن، وعدد مواضعها ثلاثة عشر موضعاً، والأصل في كتابتها (النبيّين).
ومن وجوه حذف الأحرف أيضاً، حذف اللام والميم.
فمثال حذف اللام، قوله تعالى: ﴿اللَّيْلِ﴾5، وقد كتبت كذلك في جميع مواضعها، وعددها ثلاثة وسبعون موضعاً، والأصل فيها (الليل).ومثال حذف النون ﴿نُنجِي﴾6 والأصل فيها (ننجي).
96
1- كلمة "اسم":
قال الله تعالى ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ﴾7، ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾8.
2- كلمة (سموات – سماوات).
وردت كلمة ﴿السَّمَاوَاتِ﴾ بهذا الرسم بدون ألف صريحة 189 مرّة في القرآن الكريم... ووردت مرّة واحدة فقط بألفٍ صريحة بعد حرف (و) بالرسم القرآنيّ ﴿سَمَاوَاتٍ﴾ وذلك في الآية الكريمة رقم 12 من سورة فصّلت ﴿فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾9.
3- كلمة (الميعاد ـ الميعد).
وردت كلمة (الميعاد) وذلك بألف صريحة في وسط الكلمة 4 مرّات في القرآن الكريم... وكلّها تتكلّم عن الميعاد الأخروي الّذي وعده الله سبحانه وتعالى.. لذلك جاء الميعاد واضحاً وصريحاً ولا ريب فيه مثال ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾10، ولمّا تحدّث القرآن عن لقاء المسلمين بالكفّار في المعركة جاءت الكلمة بلا ألف صريحة: ﴿وَلَوْ تَوَاعَدتَّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ﴾11.
4- كلمة (سعوا ـ سعو).
وردت سعوا بشكلها العادي مرّة واحدة: ﴿وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَأَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾12، ووردت (سعو) ﴿وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا﴾13 بشكلها غير العادي بدون ألف في آخرها مرّة واحدة أيضاً في القرآن الكريم.
97
5- كلمة (صحب ـ صاحب).
في الآية 34 من سورة الكهف يقول القرآن الكريم على لسان مالك الجنّتين: ﴿وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا﴾14، بألف متروكة.
غير أنّ الردّ يأتيه من صاحبه المؤمن في الآية 37 من نفس سورة الكهف: ﴿قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا﴾15 باستخدام الألف الصريحة، والمدّ بالألف المتروكة.
6- حذف حرف الواو من بعض الأفعال.
ورد أنّه تمّ كتابة هذه الأفعال الأربعة بحذف الواو وهي:
﴿وَيَدْعُ الإِنسَانُ - وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ - يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ - سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ﴾ ولكن من غير نقط ولا شكل في الجميع.
7- كلمة (وسئل ـ فسئل).
ورد في القرآن الكريم كلّه فعل الأمر من (سأل) ناقصاً حرف(أ) في البداية. ونذكر فيما يلي نماذج من الآيات الكريمة الّتي ورد فيها هذا الفعل:
قال سبحانه وتعالى: ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا﴾16.وقال سبحانه وتعالى: ﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ﴾17.
98
8- كلمة (أيد ـ أييد).
وردت كلمة (أيد) وهي جمع يد مرّتين في القرآن الكريم بهذا الرسم العاديّ، وذلك في الآيتين التاليتين:
قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾18.
غير أنّها وردت مرّة واحدة برسم مختلف يزيد حرف (ي) في منتصفها، وذلك في الآية الكريمة الآتية: ﴿وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾19.
الوجه الثاني: الزيادة
وتكون في الألف، والواو، والياء، فمثال الزيادة في الألف قوله تعالى: (وجِاىء)، والأصل فيها (وجيء).
ومثال الزيادة في الواو قوله تعالى ﴿سَأُرِيكُمْ﴾20، والأصل فيها (سأريكم).
ومثال الزيادة في الياء قوله تعالى ﴿بِأَيْدٍ﴾21، وهو الموضع الوحيد في القرآن، والأصل فيها (بأيدٍ).
الوجه الثالث: الهمز
حيث وردت الهمزة في الرسم العثمانيّ تارةً برسم الألف، وتارة برسم الواو، وتارة برسم الياء.فمن أمثلة ورودها ألفاً، قوله تعالى ﴿لَتَنُوءُ﴾22، وهو الموضع الوحيد، والأصل فيها (لتنوء).
99
ومن أمثلة ورودها واواً قوله تعالى: ﴿يَبْدَأُ﴾23، وهي كذلك في مواضعها الستّة من القرآن، والأصل فيها (يبدأ).
ومن أمثلة مجيئها ياءً، قوله تعالى ﴿وَإِيتَاء﴾24، وهو الموضع الوحيد من ثلاثة مواضع، والأصل فيها (وإيتاء).
الوجه الرابع، البدل:
ويقع برسم الألف واواً أو ياء، فمن مجيئها واواً قوله تعالى: ﴿الصَّلاةَ﴾25، وهي كذلك في جميع مواضعها الأربعة والستّين، والأصل (الصلاة) ومثلها (الزكاة).
ومن صور رسمها ياءً، قوله تعالى: ﴿يَا أَسَفَى﴾26، والأصل فيها (يا أسفا).
ومن ذلك أيضاً، قوله تعالى ﴿وَالضُّحَى﴾27، ولم ترد إلّا في هذا الموضع، والأصل فيها (والضحا).
الوجه الخامس، الفصل والوصل:
فقد رسمت بعض الكلمات في المصحف العثمانيّ متّصلة مع أنّ حقّها الفصل، ورسمت كلمات أخرى منفصلة مع أنّ حقّها الوصل، فمن أمثلة ما اتّصل وحقّه الفصل ما يلي:
- (عن) مع (ما) حيث رسمتا في مواضع من القرآن الكريم متّصلتين، من ذلكقوله تعالى: ﴿عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾28، وقد وردت كذلك في جميع المواضع.
100
- (بئس) مع (ما) رسمتا متّصلتين في مواضع، من ذلك قوله تعالى: ﴿بِئْسَمَا اشْتَرَوْاْ﴾29، وهي كذلك في مواضعها الثلاثة.
- (كي) مع (لا) رسمتا متّصلتين في مواضع، من ذلك قوله تعالى ﴿لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ﴾30، وهي كذلك في مواضعها الأربعة.
ومن أمثلة ما انفصل وحقّه الوصل ما يلي:
- قوله تعالى: ﴿كُلَّ مَا رُدُّوَاْ إِلَى الْفِتْنِةِ أُرْكِسُواْ فِيِهَا﴾31، وقد جاءت كذلك في ثلاثة مواضع، وجاءت متّصلة على الأصل في خمسة عشر موضعاً.
- قوله تعالى: ﴿أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعًا﴾32، وقد جاءت كذلك في ثمانية مواضع، وجاءت متّصلة على الأصل في أربعة مواضع.
هذه الوجوه الخمسة الّتي أتينا على ذكرها، مع شيء من التمثيل لها، هي أهمّ الوجوه الّتي فارق فيها الرسم العثمانيّ الرسم الإملائي.ّ
101
للمطالعة
من اكتشافات القرآن العلميّة
دوران الأرض حول نفسها وحول الشمس
يقول التاريخ إنَّ غاليليو الإيطاليّ كان أوّل من اكتشف دوران الأرض حول نفسها قبل نحو أربعة قرون، بينما كان العلماء قبله يؤمنون بنظرية بطليموس المصريّ القائلة إنّ الأرض هي مركز الكون وإنَّ جميع الأجرام الأخرى تدور حولها.
وكان جزاء غاليليو على اكتشافه العلميّ هذا أنْ حكمت الكنيسة بكفره، ولم ينجُ من الموت إلاّ باظهار الندم على اكتشافه ذاك. غير أنّ علماء آخرين تابعوا نظريته واكّدوها بحيث إنّها أصبحت اليوم من الأُمور الّتي لا يختلف فيها اثنان، بل لقد ثبت بالتجارب الملموسة أنَّ الأرض تدور حول نفسها، وخاصّة بعد التحليقات الفضائية الأخيرة.
وعليه فقد فقدت الأرض مركزيّتها بالنسبة للكون بعد أنْ تبيّن أنَّنا كنّا من قبل ضحيّة خطأ حواسّنا، فكنّا نخلط حركة الأرض بحركة مجموعة الثوابت والسيّارات. إنَّنا نحن الّذين نتحرّك، وكنّا نعتبرها هي الّتي تتحرّك.
على كلّ حال، لقد سيطرت نظريّة بطليموس نحو ألف و خمسمائة سنة على عقول العلماء.
وعند ظهور القرآن لم يكن أحد يجرؤ على القول بخلاف ذلك.
ولكنّنا إذا رجعنا إلى آيات القرآن نجد أنَّه في الآية 88 من سورة "النمل" يتحدّث الله تعالىعن حركة الأرض فيقول عز من قائل: ﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ﴾.
هذه الآية تشير بوضوح إلى حركة الجبال مع أنَّنا نراها ساكنة جامدة. إنَّ تشبيه حركتها بحركة السحاب يفيد السرعة مع الهدوء.
أمّا التعبير عن حركة الأرض بحركة الجبال، فهو لكي يبيّن أهمّيّة الموضوع، إذ لا حركة للجبال بغير حركة الأرض من تحتها، أي إنَّ حركتها هي حركة الأرض نفسها، سواء أكان المقصود دورانها حول نفسها، أم حول الشمس، أم كليهما.
تصوّر الآن عصراً كانت فيه جميع المحافل العلميّة في العالم والإنسان العاديّ، يؤمنون بنظريّة سكون الأرض ودوران الشمس والكواكب الأخرى حولها. ألا يكون الإخبار بحركة الأرض بهذا البيان معجزةً علميّة، خاصّة أنَّ المخبر إنسان أُمّيّ لم يدخل مدرسة، بل إنَّه نشأ في محيط متخلّف لا مدرسة فيه ولا تعليم؟ أفلا يكون هذا دليلاً على كون القرآن كتاباً سماويّاً؟33