الآداب الظاهريـّة لتلاوة القرآن
أهداف الدرس
1- أن يتعرّف الطالب إلى أجر القارئ للقرآن الكريم.
2- أن يعدّد الآداب الظاهريّة لتلاوة القرآن.تمهيد
61
قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ﴾1.
لا غنى للمسلم عن مصاحبة القرآن وتلاوته، حيث يعيش الإنسان فيه مع الله تعالى ويقتبس من نوره. والتلاوة عبادة يُثاب عليها المؤمن ويؤجر على كلّ حرف يقرأه. ولكن كيف نقرأ القرآن، وكيف نستفيد من آياته؟ هل نقرؤه لمجرّد التلاوة؟ أم نقرأه لنجعله نوراً لنا في ظلمات الجهل والدنيا يسدّد وجهتنا ويحسّن مسلكنا؟ ألم يقرع أسماعنا قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "كم من تالٍ للقرآن والقرآن يلعنه لأنّه أقام حروفه وضيّع حدوده؟"2.
والأجر يتفاوت على قدر ما في التلاوة من تدبّر، وعلى قدر ما يؤدّي التدبّر إلى الغاية المطلوبة والهدف المراد الّذي يشير إليه تعالى في قوله:﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء﴾3.فالمطلوب أن تتحوّل تلاوة القرآن والاستماع لآياته إلى تأثّر وخشوع وخضوع لحضرة الباري سبحانه وتعالى يتجلّى في مقام العمل هدياً وسلوكاً والتزاماً بأوامر الله عزَّ وجلَّ ونواهيه.
63
وقد تعرّفنا في الدرس السابق إلى فضل القرآن وفضل تلاوته، فيا ترى كيف تكون هذه التلاوة؟ وما هي شروطها؟ وكيف نحصّل الغاية القصوى من منافعها؟
القرآن نور
ورد في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "نوّروا بيوتكم بتلاوة القرآن"4.
وفي المواظبة على التلاوة ورد عن الإمام الباقر عليه السلام، قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من قرأ عشر آيات في ليلة لم يُكتب من الغافلين، ومن قرأ خمسين آية كُتب من الذاكرين، ومن قرأ مائة أية كُتب من القانتين، ومن قرأ مائتي آية كُتب من الخاشعين، ومن قرأ ثلاثمائة آية كُتب من الفائزين، ومن قرأ خمسمائة آية كُتب من المجتهدين، ومن قرأ ألف آية كُتب له قنطار من تبر..."5.
ولا شكّ أنّ هذا الأجر المذكور ليس لمن يقرأ القرآن ويمرّ عليه مروراً دون أن يتأثّر به قلباً وقالباً، فإذا عرض عليه عارض من الدنيا نسي القرآن وصاحب القرآن، نعوذ بالله من ذلك، بل الأجر لمن قرأ وتدبّر بتأدّب وتأمّل وعلم أنّ الّذي يخاطبه هو الله سبحانه الّذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. من هنا كان حقيقاً علينا أن نلتفت ونهتمّ ببعض الآداب الّتي ينبغي أن تقترن بتلاوتنا للقرآن، ونرجو من خلالها أن يكون تعبّدنا هذا موضعاً للقبول من حضرة الباري سبحانه وتعالى. وقد ذُكرت آداب متعدّدة لتلاوة القرآن بعضها يُعدّ ظاهريّاً وبعضها باطنيّاً، وفي هذا الدرس ستتعرّف للآداب الظاهريّة، وهي كثيرة، على رأسها:1- الطهارة:
64
والمقصود بالطهارة الخلوّ من الحدث الأكبر والأصغر بالوضوء أو الغسل أو التيمّم بدلاً عنهما. وقد جعل المولى ثواب قراءة القرآن ثواباً مضاعفاً، ففي الحديث: "من استمع القرآن كتب له بكلّ حرف حسنة ومن قرأ على وضوء كان له بكلّ حرف خمس وعشرون حسنة"6.
وقد صرّح الفقهاء بكراهة قراءة ما زاد على سبع آيات للجنب، مضافاً إلى حرمة قراءته آيات السجدة من سور العزائم الأربع: "العلق" و"النجم" و"فصّلت" و"السجدة".
2- تنظيف الفم:
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "إنّي لأحبّ للرجل إذا قام بالليل أن يستاك وأن يشمّ الطيب فإنّ الملك يأتي الرجل إذا قام بالليل حتّى يضع فاه على فيه، فما خرج من القرآن من شيء دخل جوف ذلك الملك"7.
فالفم هو طريق القرآن، ولا يليق بطريق القرآن إلّا أن يكون طيّباً نظيفاً؛ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "نظّفوا طريق القرآن" قيل: يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما طريق القرآن؟ قال: "أفواهكم" قيل: بماذا؟ قال: "بالسواك"8.
وفي حديث آخر: "طيّبوا أفواهكم بالسواك فإنّها طرق القرآن".9
3- استقبال القبلة والإقبال التامّ على التلاوة:
ينبغي لقارىء القرآن أن يستقبل القبلة، ويجلس بتأدّب وخشوع، ويقبل على التلاوة متفرّغاً لها، وقد جاء عن الإمام الصادق عليه السلام:"قارىء القرآن يحتاج إلى ثلاثة أشياء: قلب خاشع، وبدن فارغ، وموضع خالٍ. فإذا خشع لله قلبه فرّ منه الشيطان الرجيم"10.
65
4- البدء بالاستعاذة:
قال تعالى:﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾11.
من كمال الأدب أن يشرع القارئ في القراءة بالاستعاذة، ويقصد بها تطهير القلب من تلوّثات الوسوسة الصارفة عن ذكر الله تعالى.
وختم القراءة بقوله: صدق الله العليّ العظيم. ويدعو بالمأثور في بدء التلاوة وبعد الفراغ منها كما كان يفعل الأئمّة عليهم السلام.
5- قراءة القرآن في المصحف:
وفي بعض الروايات ما يفيد أفضليّة قراءة القرآن مطالعة على قراءته حفظاً. وتظهر هذه الأفضليّة في الآثار المترتّبة، وقد ذكرنا في الدرس السابق بعضاً منها ونضيف ما ورد عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: "أفضل عبادة أمّتي تلاوة القرآن نظراً"12.
6- الترتيل بصوت حسن:
قال تعالى: ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا﴾13.
والترتيل هو بيان الحروف وإظهارها وحفظ الوقوف.
والمراد بحفظ الوقوف أن لا يقف القارئ كيفما كان، بل يقف حيث يكون الوقف حسناً. والمراد ببيان الحروف أن يُخرج الحروف كما ينبغي من جهر وهمس وإطباق واستعلاء على ما ذكره علماء التجويد.والترتيل كما في بيان الإمام الصادق عليه السلام هو: "أن تتمكّث فيه وتحسّن به صوتك"14.
66
فتقرأ بإمعان من غير استعجال بحيث لو أراد السامع أن يعدّ الحروف لأوشك أن يعدّها. وتحسّن به الصوت في خشوع وخشية.
وقال عليه السلام أيضاً: "زيّنوا القرآن بأصواتكم"15.
والمقصود من حسن الصوت ما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ من أحسن الناس صوتاً بالقرآن الّذي إذا سمعتموه يقرأ حسبتموه يخشى الله"16.
ويستفاد من الروايات أنّ الصوت الحسن يترك أثراً في قلب القارئ والمستمع على حدّ سواء، الأمر الّذي يساهم في تليين القلوب القاسية، فإنّ كلام الله شفاء من كل مرض قلبيّ.
67
خلاصة الدرس
لا غنى للمسلم عن مصاحبة القرآن وتلاوته، حيث يعيش الإنسان فيه مع الله تعالى ويقتبس من نوره. والتلاوة عبادة يثاب عليها المؤمن ويؤجر على كلّ حرف يقرأه. فللقراءة القرآنيّة آداب لا بدّ أن نلتزم بها حتّى نحصّل أقصى درجات الأجر من الباري سبحانه وتعالى. وقد ذُكرت آداب متعدّدة لتلاوة القرآن بعضها يُعدّ ظاهريّاً وبعضها باطنيّاً.
والآداب الظاهريّة كثيرة، على رأسها:
1- الطهارة.
2- تنظيف الفم.
3- استقبال القبلة والإقبال التام على التلاوة.
4- البدء بالاستعاذة.
5- قراءة القرآن في المصحف.
6- الترتيل بصوت حسن.
للمطالعة
القرآن وأسرار الخليقة
أخبر القرآن الكريم في غير واحدة من آياته عمّا يتعلّق بسنن الكون، ونواميس الطبيعة، والأفلاك، وغيرها ممّا لا سبيل إلى العلم به في بدء الإسلام إلّا من ناحية الوحي الإلهيّ. وبعض هذه القوانين وإن علم بها اليونانيّون في تلك العصور أو غيرهم ممّن لهم سابق معرفة بالعلوم، إلّا أنّ الجزيرة العربيّة كانت بعيدة عن العلم بذلك. وإنّ فريقاً ممّا أخبر به القرآن لم يتّضح إلّا بعد توفّر العلوم، وكثرة الاكتشافات. وهذه الأنباء في القرآن كثيرة.
وقد أخذ القرآن بالحزم في إخباره عن هذه الأمور، فصرّح ببعضها حيث يحسن التصريح، وأشار إلى بعضها حيث تحمد الإشارة، لأنّ بعض هذه الأشياء ممّا يستعصي على عقول أهل ذلك العصر، فكان من الرشد أن يشير إليها إشارة تتّضح لأهل العصور المقبلة حين يتقدّم العلم، وتكثر الاكتشافات.
ومن هذه الأسرار الّتي كشف عنها الوحي السماويّ، وتنبّه إليها المتأخّرون ما في قوله تعالى: ﴿وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ﴾17.
فقد دلّت هذه الآية الكريمة على أن كلّ ما ينبت في الأرض له وزن خاصّ، وقد ثبت أخيراً أنّ كل نوع من أنواع النبات مركّب من أجزاء خاصّة على وزن مخصوص، بحيث لو زيد في بعض أجزائه أو نقص لكان ذلك مركّباً آخر. وإن نسبة بعض الأجزاء إلى بعض من الدقّة بحيث لا يمكن ضبطها تحقيقاً بأدقّ الموازين المعروفة للبشر.
ومن الأسرار الغريبة الّتي أشار إليها الوحي الإلهيّ حاجة إنتاج قسم من الأشجار والنبات إلى لقاح الرياح. فقال سبحانه: ﴿وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ﴾18.
فإنّ المفسّرين الأقدمين وإن حملوا اللّقاح في الآية الكريمة على معنى الحمل، باعتبار أنّه أحد معانيه، وفسّروا الآية المباركة بحمل الرياح للسحاب، أو المطر الّذي يحمله السحاب، ولكنّ التنبيه على هذا المعنى ليس فيه كبير اهتمام، ولا سيّما بعد ملاحظة أنّ الرياح لا تحمل السحاب، وإنّما تدفعه من مكان إلى مكان آخر.
والنظرة الصحيحة في معنى الآية بعد ملاحظة ما اكتشفه علماء النبات تفيدنا سرّاً دقيقاً لم تدركه أفكار السابقين، وهو الإشارة إلى حاجة إنتاج الشجر والنبات إلى اللّقاح، وأنّ اللّقاح قد يكون سببه الرياح، وهذا كما في المشمش والصنوبر والرمّان والبرتقال والقطن، ونباتات الحبوب وغيرها، فإذا نضجت حبوب الطلع انفتحت الأكياس، وانتثرت خارجها محمولة على أجنحة الرياح فتسقط على مياسم الأزهار الأخرى عفواً.
وقد أشار سبحانه وتعالى إلى أنّ سنّة الزواج لا تختصّ بالحيوان، بل تعمّ النبات بجميع أقسامه بقوله: ﴿وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ﴾19.
﴿سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ﴾20.
ومن الأسرار الّتي كشف عنها القرآن هي حركة الأرض، فقد قال عزَّ من قائل: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا﴾21.
تأمّل كيف تشير الآية إلى حركة الأرض إشارة جميلة لم تتّضح إلّا بعد قرون، وكيف تستعير للأرض لفظ المهد الّذي يُعمل للرضيع، يهتزّ بنعومة لينام فيه مستريحاً هادئاً, وكذلك الأرض مهد للبشر وملائمة لهم من جهة حركتها الوضعيّة والانتقاليّة. وكما أنّ تحرّك المهد لغاية تربية الطفل واستراحته، فكذلك الأرض، فإنّ حركتها اليوميّة والسنويّة لغاية تربية الإنسان بل وجميع ما عليها من الحيوان والجماد والنبات. تشير الآية المباركة إلى حركة الأرض إشارة جميلة، ولم تصرّح بها لأنّها نزلت في زمان أجمعت عقول البشر فيه على سكونها، حتّى أنّه كان يعدّ من الضروريّات الّتي لا تقبل التشكيك.
ومن الأسرار الّتي كشف عنها القرآن قبل أربعة عشر قرناً: وجود قارّة أخرى. فقد قال سبحانه وتعالى: ﴿رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ﴾22.
وهذه الآية الكريمة قد شغلت أذهان المفسّرين قروناً عديدة، وذهبوا في تفسيرها مذاهب شتّى. فقال بعضهم: المراد مشرق الشمس ومشرق القمر ومغرباهما، وحمله بعضهم على مشرقَيّ الصيف والشتاء ومغربيّهما. ولكنّ الظاهر أنّ المراد بها الإشارة إلى وجود قارّة أخرى تكون على السطح الآخر للأرض يلازم شروق الشمس عليها غروبها عنّا، وذلك بدليل قوله تعالى: ﴿يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ﴾23.
فإنّ الظاهر من هذه الآية أنّ البعد بين المشرقين هو أطول مسافة محسوسة فلا يمكن حملها على مشرقَي الشمس والقمر ولا على مشرقي الصيف والشتاء، لأنّ المسافة بين ذلك ليست أطول مسافة محسوسة، فلا بدّ من أن يراد بها المسافة الّتي ما بين المشرق والمغرب. ومعنى ذلك أن يكون المغرب مشرقاً لجزء آخر من الكرة الأرضيّة ليصحّ هذا التعبير، فالآية تدلّ على وجود هذا الجزء الّذي لم يُكتشف إلّا بعد مئات من السنين من نزول القرآن.
فالآيات الّتي ذكرت المشرق والمغرب بلفظ المفرد يراد منها النوع كقوله تعالى: ﴿وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ﴾24.
والآيات الّتي ذكرت ذلك بلفظ التثنية يراد منها الإشارة إلى القارّة الموجودة على السطح الآخر من الأرض.
والآيات الّتي ذكرت ذلك بلفظ الجمع يراد منها المشارق والمغارب باعتبار أجزاء الكرة الأرضيّة كما نشير إليه25.