بالصورالمُبدع العراقي الكبير محمد سعيد الصكّار
“شيخ الخطاطين الذي غادرنا في منفاه الاختياري في باريس عن عمر 80 عاماً..قضاهاً مبدعاً في العديد من المجالات وعلى رأسها الخطّ العربي..
تُوفي، اليوم الإثنين، المُبدع العراقي الكبير محمد سعيد الصكّار، في منفاه الاختياري باريس، عن عمر يناهر 80 عاماً، قضاهاً مبدعاً في العديد من المجالات، وعلى رأسها الخطّ العربي، إذ عرف الصكّار بأنه “شيخ الخطاطين”، منذ وقت طويل، حيث استطاع إضافة خطوط جديدة إلى هذا الفن العريق، في مُنجزات إبداعية عُرفت باسمه.
وكما تنقّل الصكّار بين العديد من المنافي، قبل أن يستقرّ في باريس، حيث وافته المنية، فإنه طرق مجالات إبداعية مختلفة، صحافياً وشاعراً وناقداً في الأدب والفن، وليتوّج في مُقدّمة أصحاب الخطّ الرفيع في العالم.
وكان “معهد العالم العربي في باريس” كرّم الصكّار يوم الأحد الماضي (16 مارس)، وشهد الحفل عرض الفيلم الوثائقي “شاعر القصبة”، الذي حققه المخرج العراقي محمد توفيق، منذ سنوات، ولعله الفيلم الوحيد الذي أُنجز عن هذا المبدع، ويرصد صورته الفنية بشكل متألق.
وفور إذاعة خبر رحيل محمد الصكّار بادر عدد من المثقفين العراقيين إلى نعي كبيرهم، مؤكدين على أن العراق فقد علماً كبيراً، له مكانته البارزة في العالم.
لا استطيع أن اخفي سعادتي برد الاستاذ الكبير محمد سعيد الصكار على ما سطرته من ذاكرة المدينة التي أحبته وما زالت تحتفظ بملامح مبدع الحرف والشعر.. منذ أن غادر مدينتنا محبوها أضحت خرابا ويبابا.. أعرف مدى شوقك وحنينك للبصرة من خلال حنيني لها بعدما ساومني الحاقدون من خفافيش الظلام على الهجرة أو الموت فيها ففضلت أن أعشقها من بعيد!
ما ذكرته عن مقاهي مدينتنا هي بعض ما احتفظت بها ذاكرتي مستعيناً بذاكرة كبار السن الذين يجالسونني مقهى سيد هاني في قلب العشار.. وأعرف أن هناك كثير منها لم أذكره وسعدت اذ حفزتك سيدي على انتشالها من بئر ذاكرتك لتضعها على الورق ليقرأها من لا يعرف وجه البصرة الحقيقي..
بصرتنا العامرة أضحت خرابا.. والطيبون من أهلها توزعوا في المنافي وما بقي منهم هم شواهد الزمن السعيد الذي خبأوه في صدورهم ورؤوسهم الحليقة..
لم تكن المقهى آنذاك مكاناً عابراً يقضي فيه المستطرقون بعض الوقت ليغادرونه دون رجعة.. كانت مجتمعاً بكل ما يحمله المجتمع من عادات وتقاليد وألفة.. يتزاور الرواد فيما بينهم، يسألون عن الغائب، والمريض، ويقضون حاجة المحتاج.. متسامحون دائماً ومتعاونون.. صغيرهم يحترم الكبير، وكبيرهم يعين الصغير لتجاوز أزمته.. فيها من الفضيلة ما يملأ هذا الكون، ومن الحب ما يجعلنا أن نحيا بسلام..
في المقهى كتبت مسرحياتي (كاروك) و(في رأسي بطل) و(قيد دار) وأخريات لا يسعني المجال لذكرها.. ومنها صدر ديواني الأول (لا أحد قبل الأوان) ولحقه (مخابئ).. ومنها أيضاً صدرت روايتي (الطريق الى الملح) عن دار الشؤون الثقافية ببغداد.. هي المقهى التي ارتشفت مع شايها طعم المحبة للناس.. وشعرت بعذابات المدينة..
في ذات المقهى (سيد هاني) التي أجلس فيها وصارت فيما بعد ملتقى أدبي كنا نجتمع بعيداً عن هموم الحياة، كان يزورني محمد خضير (أبو مناف) و محمود عبد الوهاب و محمود الظاهر (ابو مؤيد) و المرحوم كاظم الأحمدي (ابو ضحى) ورياض الأسدي ولؤي حمزة عباس وطالب عبد العزيز والدكتور حميد صابر والدكتور فاخر الياسري والفنان عدنان عبد سلمان والتشكيلي صدام الجميلي والشاعر الشعبي مهدي عبود السوداني وآخرين لم تسعفني الذاكرة بتذكرهم وليعذرني الأحبة.. هذه هي المقهى التي ما زالت تتخذ مكانها في لب ذاكرتي..
البصرة تنتظرنا جميعا، وتنتظرك ايها المبدع الكبير الصكار، أهلها وشوارعها وأزقتها.. وذاك مكان ساعة سورين ينتظر من يعيد عقارب ساعتها الى ما كانت عليه.. ومقهى التجار يبحث عن (اللنجات) القادمة من الخليج والهند.. ونهر العشار يرسم خطوطاً لعودة (البلم العشار).. وتلك عربات (الربل) تروح وتجيئ محملة بالزائرين والسائحين.. ومقام الأمير ما زال يرفع الدعاء لسماء لم تغلق بابها أبدا.
شكرا للكبير المبدع محمد سعيد الصكار ومحبتي له أينما كان.