كان تصريح الناطق الاعلامي لوزارة التربية قد نص على الغاء المدارس النموذجية والمتميزة وسوغ هذا القرار بـ ( التقليل من الفوارق الطبقية) وكان وقع هذا التصريح على العائلة العراقية اشبه بالصاعقة، ولم يكن التسويغ للقرار مقنعا او مقبولا ، في اليوم التالي خرج وزير التربية بتصريح مفاده انه (لم يتم الغاء المدارس النموذجية والمتميزة وانما جعلها مفتوحة للجميع) وفي القراءة الواقعية للنصين، نخرج بنتيجة واحدة هي اصرار وزارة التربية على الغاء هذه التجربة التربوية المتميزة والتي تسهم اسهاما مباشرا في تقدم المجتمع ونهوضه.
و هنا مفردة تقدم المجتمع من نص الدستور، اذ لابد للمؤسسة التربوية ان تسهم في تقدم البناء الاجتماعي السليم المتطور وتدرك حاجة الدولة من الاختصاصات العلمية وتسعى الى تطوير قدرات وملكات الطلبة الابداعية ورعايتها واحتضانها وتطويرها بمايخدم السياسة العامة للدولة وتصب في مصب الاهداف والخطط التنموية التي تتبناها الدولة للنهوض بالبلاد لاسيما وان هذا البلد يريد ان ينهض من ركام تجربة اوقفت عجلة البناء والتقدم في البلاد وزجته في اتون حروب احرقت الاخضر واليابس، وتحولت قدراته الى رماد.
الطبقية والانفتاح
لقد كان تسويغ الناطق الاعلامي في اتخاذ مثل هكذا قرار بتقليل الفوراق الطبقية يفتقر الى الرؤية السياسية الواضحة لطبيعة المجتمع العراقي، وكذلك للطبيعة الاجتماعية لتلك المدارس، فقد ادرج النموذج والتميز بفئة (طبقية ) على حد توصيفه وليس بفئة اجتماعية، وكذلك سلب هذا الحق من الفئات الاخرى في المجتمع، ولذلك ارادت هذه الوزارة ان تلعب دور المصلح الاجتماعي في ازالة هذه الفوارق (الطبقية) فاتخذت قرار الالغاء، فيما كان الوزير دبلوماسيا في تسويغ قرار الالغاء، الذي نفاه بصيغة مباشرة واكده بالصيغة الضمنية، حين اكد على انفتاح هذه المدارس على جميع الطلبة من دون تمييز.واذا كان الوزير في هذا التصريح لايعرف او لم يسمع بالشروط التي يجب ان تتوفر لدى الطالب حتى يتمكن من الدخول لهكذا مدارس، فتلك مصيبة، وان كان قد عرف بالشروط وتكلم بهذا المنطق الذي ظهر عليه التصريح فتلك مصيبة اعظم ،اذ ان فتح ابواب هذه المدارس لجميع الطلبة بغض النظر عن شرط المعدل والدخول في امتحان الكفاءة التنافسي يلغي عن هذه المدارس صفة التميز ويلقيها في سلة المدارس الاعتيادية.
وبهذا القرار تخسر الدولة انتاج كفاءات علمية متقدمة ومتطورة وتضيع على البلد فرص كثيرة في التقدم العلمي والاجتماعي، اذ عرفنا ان مدرسة واحدة من هذه المدارس ترفد كليات الطب باكثر من مائة طالب سنويا من مجموع مائة وثلاثين طالبا ويذهب معظم المتبقي الى كليات الصيدلة والهندسة فيما لايمكن لالف مدرسة اعتيادية ان تحقق ذلك العدد.

ما بعد القرار
ان اتخاذ هكذا قرار يمس او يؤثر على شريحة معينة من الطلبة الموهوبين والمتميزين لايمكن لوزارة التربية ان تتخذه بشكل فردي وانما لابد من دراسته على مستوى المؤسسة التشريعية والتنفيذية ومن ثم يصار الى عرضه على الرأي العام بغية مناقشة القرار من جوانب عدة ودراسة الاثار الايجابية والسلبية للقرار حتى يتمكن اصحاب القرار من تشريعه، كما يتم الاعداد له قبل سنوات قبل ان يدخل حيز التنفيذ حتى لايؤثر ذلك القرار على مستويات الطلبة الذين هم في منتصف الشوط الدراسي واذ عرضنا للتسويغين المعلنيين في التصريحين السابقين، فان هناك تسويغا آخر لبعض القيادات الادارية في مؤسسات وزارة التربية، وهو تسويغ هامس وغير معلن، ملخصه ان هذه المدارس تضم نخبة متميزة من المدرسين والمدرسات، وان تكدس هذه النخبة في مكان واحد يحرم المدارس الاخرى من الاستفادة من تلك الخبرات .وهذا ايضا مردود على تلك القيادات الادارية، التي لايمكن لها ان تضبط تلك الادارات المدرسية لتكون مخلصة وحريصة في اداء الساعات الدراسية او الحصص الدراسية وتقديم اقصى مالديها لخدمة الطالب، لكن تلك الادارات تستجيب للمستويات المتدنية للطلبة ولاتسعى للنهوض بها مثلما هو الطالب ايضا غير الحريص على وقته ومستقبله، وهذه ليست مسؤولية ادارات المدارس المتميزة والنموذجية التي تحقق نسب نجاح 100بالمئة وبمستويات عالية لاتقل عن معدل90بالمئة والاخرى التي تحقق 50بالمئة وبمعدلات متدنية او اقل من هذه النسبة في احيان اخرى، وانما هي مسؤولية وزارة التربية في متابعة الاخفاقات الكبيرة في المسيرة التربوية في الاعوام العشرة الماضية وايجاد الحلول البديلة في معالجة هذا النكوص بشكل عام والذي ادى الى ازدياد الامية في بعض الاحصائيات المذكورة ثمانية مليون امي اي بما يشكل 25بالمئة من عدد سكان العراق.
هذا القرار ليس هو العلاج، وانما هو بمثابة طلقة الرحمة التي تطلق على العملية التربوية في العراق ، فهذا القرار لن يبقي لهذه المسيرة معلما مميزا يمكن ان يكون انموذجا او قدوة يقتدى به للنهوض بالعملية التربوية والمساهمة في التقدم الاجتماعي وانما هو بحق تخريب للعملية التربوية وتأخير تقدم المجتمع العراقي.

المصدر